- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
انسحاب الولايات المتحدة من سوريا: متابعة ردود الفعل الإسرائيلية والإيرانية في وسائل الإعلام
تمامًا مثلما أشعل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية نقاشًا محتدمًا في وسائل الإعلام الأمريكية، انشغلت وسائل الإعلام التابعة للجهات الفاعلة الإقليمية المشاركة في الحرب السورية بإنتاج مجموعة متنوعة من السيناريوهات للخطوات التالية للبلاد. ومن خلال إجراء مسحٍ لردود وسائل الإعلام في إيران وإسرائيل – وهما البلدان اللذان اشتبكا بشكلٍ غير مباشر داخل سوريا - تعكس التقارير وجهات النظر الرسمية، وفي بعض الحالات الشعبية، حول كيفية صياغة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للسياسة الإقليمية.
وفي الأسابيع التي تلت قرار الرئيس ترامب، أعربت الصحف الإيرانية عن شكوكها في الأمر، مع الالتزام بنقاط الحوار التقليدية. وفي البداية، ركزت وسائل الإعلام على ردود الفعل الأجنبية. وبحسب أحد كبار المسؤولين في دمشق، أشارت قناة "برس تي في" (Press TV)، وهي قناة باللغتين الإنكليزية والفرنسية تتوجّه إلى جمهورٍ دولي، إلى أن الانسحاب الأمريكي يأتي نتيجة "صمود" نظام الأسد، كما أعلنت أنه لن يكون لدى الولايات المتحدة وشركائها "ورقة مساومة" في المحادثات حول مستقبل سوريا.
وأفادت "وكالة تسنيم الدولية للأنباء" (Tasnim News) التابعة لـ"حرس الثورة الإسلامية" إلى أن انسحاب أمريكا يظهر عدم قدرتها على "ممارسة السلطة" في سوريا أو العراق – وهو خطاب استفزازي غالبًا ما يلقيه مسؤولون في "حرس الثورة الإسلامية". علاوةً على ذلك، أشارت عدة وسائل إعلام إلى أن انسحاب واشنطن لن يؤثر على المعادلة في سوريا. ومن بين وسائل الإعلام هذه، نشرت "وكالة أنباء فارس" (Fars News) على موقعها الفارسي مقالًا بقلم محلل الشؤون الدولية يشير فيه إلى أن المسار المستقبلي في سوريا لن يتغير. كما نشرت "وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء" (إرنا)، وهي وكالة الأنباء الرسمية للجمهورية الإسلامية، تصريحات رئيس أركان قوات إيران المسلحة على موقعها باللغة الإنكليزية، وقال فيها إن التغيير في السياسة الأمريكية ليس ملحوظًا بسبب العدد الكبير للقوات الأمريكية المتواجدة في أماكن أخرى في المنطقة. وبشكلٍ عام، لا تزال الشكوك تكتنف إعلان الإدارة الأمريكية، كما يتّضح من مقال افتتاحي نشرته قناة "برس تي في" بعنوان "هل ستنسحب القوات الأمريكية من سوريا؟ هلّلوا".
بيد أن وكالة أنباء "فرارو" (Fararu)، وهي وسيلة إعلامية تابعة لـ"حرس الثورة الإسلامية"، نشرت مقالًا يتتبّع الاعتبارات الأمريكية التي أدت إلى هذا القرار، ما يشير إلى أن التحليل في طهران مستمر. ويؤكد كاتب المقال أن إعلان الرئيس ترامب الانتصار على تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يكن على الأرجح عاملًا أساسيًا في القرار – فلا تزال هذه الجماعة الإرهابية تسيطر على مواقع في شرق الفرات، وبالتالي لم يتم القضاء عليها بالكامل. ولكن بحسب وجهة نظر الكاتب، تريد الإدارة الأمريكية تجنب الوقوع في مشاكل مع تركيا وهي حليفة "حلف الناتو" في سوريا. وفي ما يتعلق بالهدف المعلن للإدارة الذي يقضي بتقليص نفوذ إيران في المنطقة، يخلص المقال إلى أن إدارة ترامب حوّلت تركيزها إلى الضغط على إيران داخليًا أو أنها غير مهتمة بما يكفي بمنع تحصّن إيران في سوريا.
أما في إسرائيل، فكان من المتوقع أنت تكون ردود الفعل سلبية بشكلٍ واضح، فقد ردت وسائل الإعلام في الغالب على الإعلان بتشاؤمٍ ملحوظٍ، وجاءت العناوين على غرار "خبر سيء لإسرائيل: ترامب لبوتين وإيران يقدّم هديةً في سوريا". وقامت المنشورات في جميع الأطياف السياسية والدينية، من صحيفة "هآرتس" (Haaretz) ذات التوجهات اليسارية وصولًا إلى صحيفة "إسرائيل هايوم" (Israel Hayom) التابعة لشيلدون أديلسون، بالتحذير من أن الانسحاب يمكن أن يعرّض مصلحة إسرائيل للخطر، ما يجعل من القرار انتصارًا لإيران. ممتعضًا من التأثير السلبي لقرار ترامب على قدرة "جيش الدفاع الإسرائيلي" على المناورة في سوريا، أعرب موقع "والا" (Walla) الإلكتروني الموالي للحكومة عن قلقه من أن الانسحاب الأمريكي سيسهّل على إيران نقل الأسلحة إلى "حزب الله"، في حين أنه بحسب صحيفة "معاريف" (Maariv) الإلكترونية الوسطية، لم يعد من الممكن اعتبار واشنطن حليفًا موثوقًا.
وفي تغطية هذا الإعلان، ركّزت الكثير من وكالات الأنباء الإسرائيلية أيضًا على تأثير القرار على الأكراد في سوريا. فكتب في صحيفة "إسرائيل هايوم" الدكتور عيران ليرمان، وهو نائب رئيس "معهد القدس للدراسات الاستراتيجية"، أن انسحاب الولايات المتحدة سيؤدي إلى "انهيار" القوات الكردية المحلية. وفي مقالة ليرمان الافتتاحية بعنوان "قد يتضح أن التخلي عن سوريا هو خطأ فادح"، أدان إدانةً قاطعةً استعداد الولايات المتحدة لـ"هجر" حلفائها الأكراد، وقال إن قرار ترامب يطرح "إشكاليةً كبيرةً لأي شخص قد يضطر في المستقبل أن يختار ما إذا كان سيساعد الولايات المتحدة والغرب في مواجهات دامية". وعلى نحوٍ مماثل، كتبت إليزابيث تسركوف مقالًا في صحيفة "هآرتس" بعنوان: “’ الناس خائفون جدًا‘: سيتم ترك الأكراد في شمال سوريا بين نيران الأسد ونيران أردوغان" ناقشت فيه باستفاضة المخاوف التي أثارها إعلان ترامب بين أكراد سوريا. وتعتبر صحيفتا "إسرائيل هايوم" و"هآرتس" الوسيلتين الوحيدتين اللتين نظرتا في معنى إعلان ترامب بالنسبة إلى أكراد سوريا. وفي الواقع، في مقابلةٍ مع "هيئة البث الإسرائيلية العامة"، تناول وزير النقل يسرائيل كاتس مخاوف الأكراد في سوريا، مشيرًا إلى أنه على الرغم من احتمال تعرض الأكراد للأذى بسبب قرار ترامب، "لحسن الحظ أن إسرائيل ليست الأكراد".
ومع ذلك، وفي ظل موجةٍ من التغطية السلبية، أشار البعض في وسائل الإعلام إلى أن تأثير قرار ترامب على إسرائيل سيكون ضئيلًا أو حتى إيجابيًا. وبعد يوم من الإعلان، نشر موقع "ماكو" (Mako) المشهور، الذي تملكه "مجموعة كيشيت الإعلامية" (Keshet Media Group) مقالًا بعنوان: "الولايات المتحدة تغادر سوريا لكنها لا تتخلى عن إسرائيل". وصف كاتب المقال شاي ليفي انتقاد وسائل الإعلام لإعلان ترامب بالمنافق، وأضاف إن قرار الانسحاب من سوريا ينسجم مع مصلحة واشنطن. ووفقًا لليفي، فإن صانعي القرار الأمريكيين والإسرائيليين "يدركون خير الإدراك أن المصالح الإيرانية والروسية لا تتلاقى". كما يزعم ليفي أن موسكو تريد أن تتراجع حدة القتال في سوريا، وبالتالي ستقوم بلا شك بمنع إيران من التصرف بعدوانية تجاه إسرائيل.
علاوةً على ذلك، يشير الباحث المثير للجدل مردخاي كيدار في مقالٍ في مجلة "ميدا" (Mida) الإلكترونية إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا "ليس بمأساةٍ"، ويمكن أن يعود بالفائدة على إسرائيل، مؤكدًا أنه نتيجةً لقرار ترامب ستكون الولايات المتحدة أكثر استعدادًا لبيع الأسلحة لإسرائيل وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول أنشطة إيران في سوريا معها. وعلى نحوٍ مماثل، يعتقد نيتسان فوكس، وهو مدوِّن في صحيفة "ذا ماركر" (The Marker) التابعة لـصحيفة "هآرتس"، أن حالة عدم اليقين التي ستتبع الانسحاب يمكن أن تكون لصالح إسرائيل من خلال دق إسفين بين تركيا وسوريا وإيران.
وربما من غير المفاجئ أن تقوم بعض وسائل الإعلام الدينية، بما في ذلك "عروتس شيفع" (Arutz Sheva) و"كيكار هاشابات" (Kikar HaShabat) بتغطية تغريدة يوم عيد الميلاد المفاجئة للصحافي جايك توركس، وهو يهودي أرثوذكسي يعمل كمراسل في البيت الأبيض لمجلة "آمي" (Ami) اليهودية التي يقع مقرها في الولايات المتحدة. وكتب في تغريدته أن "قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا" جاء [بمعظمه] بطلبٍ من إسرائيل". وفي حين أن إدارة ترامب لم تعلّق على ادّعاء توركس، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأخيرة أن "التزامات واشنطن تجاه إسرائيل لم تتغير"، وهو تصريح نُشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية على نطاقٍ واسع.
ومع عدم وضوح الجدول الزمني للانسحاب الآن ومع زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون إلى المنطقة حاليا، من المرجح أن ترسم هذه الزيارات معالم التحليل المستقبلي لإعلان ترامب الأولي. وفي حين أن ردود أفعال وسائل الإعلام في الدولتين تتوافق نسبيًا مع موقف بلادهما في ما يتعلق بالتدخل الأمريكي في المنطقة، فإن الإجراءات المستقبلية لتلك الدول في ضوء ديناميكية متحركة في سوريا لا تزال أقل وضوحًا.