- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023: تحليل المشهد السياسي في الموصل
. على الرغم من نفوذ الأحزاب الشيعية المتزايد في المنطقة، ستحتاج على غرار الجماعات السياسية الأخرى، إلى تشكيل تحالفات مع الفصائل الأخرى من أجل ممن الواضح أن النتائج السياسية منقسمة على أساس سياسات الهوية، إلا أن الخلافات السياسية داخل الطوائف واضحة أيضًا.
من الواضح أن النتائج السياسية منقسمة على أساس سياسات الهوية، إلا أن الخلافات السياسية داخل الطوائف واضحة أيضًا. وعلى الرغم من نفوذ الأحزاب الشيعية المتزايد في المنطقة، ستحتاج على غرار الجماعات السياسية الأخرى، إلى تشكيل تحالفات مع الفصائل الأخرى من أجل ممارسة نفوذها وإدارة المدينة بشكل فعال.
أخيرًا، نُظمت انتخابات مجالس المحافظات، وهي مسألة مثيرة للجدل ومشكلة مزمنة في السياسة العراقية، في 18 كانون الأول/ديسمبر. بعد مرور عقد من الزمن، تقدم انتخابات المحافظات هذه لمحة عن التغيرات الديموغرافية والسياسية التي تشهدها البلاد على المستوى المحلي. وكمراقب دولي للانتخابات في الموصل في كل من الانتخابات الأخيرة والانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2021، أتاحت على وجه التحديد هذه الزيارات فرصة لتقييم تعافي الموصل بعد معاناتها من الدمار الهائل إثر احتلال تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") لها في عام 2014. وكذلك، قدمت الانتخابات لمحة عن إحدى المحافظات التي يحظى فيها التوازن السياسي في مرحلة ما بعد "داعش" بأهمية محلية ودولية كبيرة.
أُجريت أخيرًا انتخابات مجالس المحافظات، التي نُظمت في الموصل وفي جميع أنحاء العراق، بعد سنوات من التأخير. وبينما كان من المقرر إجراء الانتخابات في عام 2018، حالت سيطرة "داعش" السابقة على جزء كبير من الأراضي في العراق دون إجراء الانتخابات. وعلى الرغم من إعلان هزيمة التنظيم في الأراضي العراقية بحلول عام 2017، تسلّمت الحكومة العراقية في العام التالي زمام بلد منكوب ما زال يلملم جراحه. وفي عام 2019، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق دفعت الحكومة إلى تأجيل الانتخابات أكثر بعد، ودفعت البرلمان لاحقًا إلى اتخاذ قرار بحل مجالس المحافظات. ومع دخول العراق فترة من الاستقرار النسبي، أُجريت الانتخابات البرلمانية في عام 2021 ونُظّمت أخيرًا في الأسبوع الماضي انتخابات مجالس المحافظات التي كانت متعثرة سابقًا.
لمحة عن الموصل بين عامَي 2021 و2023
عندما وصلت إلى الموصل لهذه الانتخابات الأخيرة، تبين أن النشاط التجاري في المدينة شهد بعض التطورات منذ عام 2021. فقد تم افتتاح مؤسسات جديدة في محيط وسط المدينة الذي يمتد على ضفاف نهر دجلة، ما ساهم في تعزيز النشاط التجاري في المدينة والحياة الاجتماعية المحلية.
بدأ الشباب العراقي بزيارة الموصل بانتظام من المحافظات المجاورة، مثل كركوك وأربيل، للمشاركة في هذه الحياة الاجتماعية قيد الازدهار. لكن لا يزال الجانب الغربي من المدينة يرزح تحت وطأة دمار كبير. ومن الواضح أن إعادة تطوير الموصل القديمة ما زالت تتطلب جهود تمويل وإعادة إعمار جدية لا ترغب الحكومة المركزية والمشاركون الدوليون في بذلها حاليًا. ولا يزال هناك الكثير من الحطام والركام، ولم تحدث تغييرات كبيرة لناحية إعادة تطويرها منذ زيارتي في عام 2021.
كثيرًا ما سمعنا أن تركيبة الموصل الديموغرافية تغيرت في فترة ما بعد "داعش"، وتظهر مؤشرات على صحة هذا الادعاء. فقد تزايد عدد السكان العرب الشيعة في الموصل، المعروفة إلى جانب محافظة الأنبار بأنها معقل العرب السنّة في العراق، ليس في سياق قوات الأمن فحسب ولكن كسكان مدنيين أيضًا.
كان من الواضح أيضًا أنه تمت زيادة الإجراءات الأمنية بسبب الانتخابات، حيث برزت قبل الانتخابات مخاوف بشأن مسألتين أمنيتين أساسيتين هما الصراع الذي يزداد احتدامًا بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران في العراق، وتكثيف هجمات "داعش" قبل الانتخابات. وأدت هذه المخاوف إلى تشديد الإجراءات الأمنية مقارنةً بالانتخابات العامة سنة 2021. كانت هناك حشود أكبر بكثير أمام مراكز الاقتراع في وسط الموصل، وضافر بالتالي الجيش والشرطة وأعضاء "الحشد الشعبي" جهودهم أمام مراكز الانتخابات لإحباط التهديد الأمني الذي تشكله هذه الحشود. وكان من الممكن ملاحظة تزايد أعداد عناصر "الحشد الشعبي" على نقاط التفتيش عند مداخل أحياء الموصل ونواحيها ومخارجها.
وفي ظل التهديدات المحتملة، أُجريت عمليات تفتيش جسدية دقيقة عند مداخل مراكز الانتخابات قبل التصويت. بالإضافة إلى ذلك، فُرض طوق أمني يتراوح بين 50 و100 متر حول مركز الانتخابات لمنع تنظيم "داعش" من تنفيذ هجمات تفجيرية محتملة. وشهد يوم الانتخابات هدوءًا أيضًا في ما يتعلق بالصراع بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران، ما يشير إلى أن حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ضمنت استتاب الأمن في يوم الانتخابات . وشكّل الهدوء النسبي الذي ساد يوم الانتخابات مصدر ارتياح كبير للناخبين ومسؤولي الانتخابات على حد سواء.
نتائج الانتخابات
بحسب البيانات الرسمية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، حصلت قائمة "اتحاد أهل نينوى" على أكبر عدد من الأصوات في الموصل، وبلغ 148769 صوتًا. وضمنت هذه المجموعة السياسية، بقيادة محافظ نينوى السابق نجم الجبوري، أن يصبح العرب السنّة الكتلة التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في المحافظة.
أصبح "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بحصوله على 141052 صوتًا، المجموعة السياسية التي جمعت ثاني أكبر عدد من الأصوات في الموصل. وتجدر الإشارة إلى أن حزبًا سياسيًا كرديًا حصل على هذه المرتبة في الموصل، المعروف بأن أغلبية سكانها هم من العرب السنّة.
وحل في المرتبة الثالثة "تحالف العقد الوطني"، الذي شكلته أحزاب عربية شيعية تحت مظلة الائتلاف، ويضم حزب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، بحيث حصل على 87391 صوتًا. وتُظهر هذه النتيجة أنه على الرغم من تزايد نسبة العرب الشيعة في الموصل من إجمالي سكان المدينة، ما زالوا غير قادرين بعد على تحقيق التكافؤ السياسي مع سكان المدينة السنّة.
تفسير النتائج
من الواضح أن النتائج السياسية منقسمة على أساس سياسات الهوية، إلا أن الخلافات السياسية داخل الطوائف واضحة أيضًا. وبناءً على نتائج الانتخابات، يبدو أن وزير الدفاع العراقي ثابت محمد العباسي هو جهة فاعلة صاعدة في الموصل. فقد شغل العباسي، الذي انتخب عضوًا في البرلمان في الانتخابات النيابية عام 2021، منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة التي تشكلت عام 2022 برئاسة السوداني. وفي انتخابات مجالس المحافظات عام 2023، شارك العباسي بقائمته الخاصة التي حصلت على مقعدين. وحصل نجله أيضًا حسان ثابت العباسي على مقعد في المجلس المحلي بعدما رشحه والده من قائمة محافظ نينوى السابق نجم الجبوري. ونتيجة للانتخابات، برز العباسي كمنافس واضح لمحمد الحلبوسي، الذي يُعتبر عمومًا الزعيم السياسي للسكان العرب السنّة في العراق.
ولا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة بشأن التنافس بين الحلبوسي والعباسي في العراق، وهي أن التنافس بين الجهتَين الفاعلتَين هو "تنافس إقليمي" يتركز في الموصل. فالحلبوسي يتمتع بنفوذ كبير في جميع المحافظات التي تضم شريحة كبيرة من السكان العرب السنّة، مثل كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى. وفي المقابل، يقتصر نفوذ العباسي حاليًا على الموصل، ولم يكتسب بعد نفوذًا كافيًا لتحدي الحلبوسي في المحافظات العربية السنّية الأخرى. وفاز الحلبوسي عن طريق حزب "تقدم" بـ19 مقعدًا في مجالس المحافظات في جميع أنحاء البلاد في الانتخابات الأخيرة، بحسب التوقعات الأولية. وحصل حزب "تقدم" أيضًا على معظم الأصوات في محافظة بغداد، قلب السياسة العراقية. وكشف فوز حزب "تقدم" بمقعدين في الموصل مجددًا عن التنافس المتمركز في الموصل مع ثابت محمد العباسي.
وفي ما يتعلق بالسياسة الكردية، يحتفظ "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، ومقره أربيل، بسلطته في الموصل. ففي الانتخابات النيابية لعام 2021، فاز الحزب بأكبر عدد من المقاعد وأوصل عشرة نواب من الموصل إلى البرلمان. وفي هذه الانتخابات، فاز بأربعة مقاعد في مجلس المحافظة. وعلى الرغم من أنه لم يعد الحزب الأكبر، يمكن اعتبار المقاعد الأربعة الحالية نجاحًا كبيرًا له نظرًا لتطبيق نظام انتخابي في العراق يختلف عن نظام عام 2021. فالقواعد الانتخابية الجديدة القائمة على نظام سانت ليغو، تمنح المقاعد بناءً على إجمالي الأصوات التي تحصل عليها قائمة في محافظة معينة، بدلًا من انتخاب المرشحين الفرديين مباشرةً من قبل الناخبين.
وحصل "الاتحاد الوطني الكردستاني" ومقره السليمانية على مقعدين، ما رفع إجمالي الأصوات الكردية في مجلس المحافظة إلى ستة، ولم يتمكن من تحقيق الأغلبية. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تسعى الأحزاب الكردية إلى إقامة تحالفات تتمحور حول أجندات مثل تحديد المحافظ الجديد، الأمر الذي يُعد من صلاحيات مجلس المحافظة. ولكن على الرغم من أنه يتعين عليها السعي إلى تشكيل ائتلاف في مجلس المحافظة في الموصل، تبرز نينوى مع ذلك، إلى جانب أربيل ودهوك والسليمانية وكركوك، كمحافظات تتمتع فيها الجماعات السياسية الكردية بموطئ قدم ثابت في السياسة العراقية ككل.
وعلى الرغم من مشاركة العرب الشيعة في الانتخابات مع مجموعات سياسية مختلفة، كانت القائمة السياسية الأكثر فعالية هي "تحالف العقد الوطني"، المدعومة من قبل رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، والتي حصلت على 87391 صوتًا. وأصبحت المجموعة السياسية "الهوية الوطنية" ثاني أهم مجموعة عربية شيعية بحصولها على 54791 صوتًا. لكن لا ينبغي اعتبار هذه النتائج نجاحًا للكتلة العربية الشيعية، لا سيما وأن الموصل شهدت تغيرًا ديمغرافيًا بعد عام 2017. ومن المرجح أن تكون الأحزاب الشيعية قد توقعت حصولها على المزيد من المقاعد في المحافظة في هذا السياق.
شهدت البيئة الاجتماعية والأمنية في الموصل تغيرًا كبيرًا بعد عام 2017. فمن خلال الاستفادة من الفجوة القائمة في المدينة، اكتسبت الميليشيات المدعومة من إيران تحت مظلة "الحشد الشعبي" حيزًا كبيرًا من الهيمنة في الموصل، لا سيما في نقاط التفتيش الأمنية. كما كان لها تأثير على المؤسسات الأمنية المحلية في المدينة. وأدى تزايد وجود الميليشيات في الموصل إلى تغيير سكاني لصالح العرب الشيعة. فمن عام 2003 إلى عام 2017، كانت المدينة خالية إلى حد كبير من أي رموز شيعية في الشوارع، باستثناء عدد قليل من المناطق المحددة. أما الآن فقد أصبح من المستحيل عدم ملاحظة وجود الجماعات الشيعية في المدينة. وعلى الرغم من نفوذ الأحزاب الشيعية المتزايد في المنطقة، ستحتاج على غرار الجماعات السياسية الأخرى، إلى تشكيل تحالفات مع الفصائل الأخرى من أجل ممارسة نفوذها وإدارة المدينة بشكل فعال.