- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3604
عاصفة سياسية في إسرائيل: هل ينجح بينيت في تصحيح مسار السفينة؟
لا يزال هناك مقعد واحد فقط يفصل ائتلاف بينيت عن التعثر تشريعياً أو حتى الإطاحة الكاملة بحكومته، مما يتركه وحلفاؤه في واشنطن مع القليل من الوقت للسيطرة على الأضرار الأساسية.
ربما كان الأسبوع الأخير الأكثر صعوبة الذي واجهته حكومة نفتالي بينيت منذ توليها السلطة. فمع بداية شهر رمضان، هزت تل أبيب ومناطق أخرى سلسلة من الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة عدد من المدنيين. وردّت القوات الإسرائيلية باقتحام مخيم جنين للاجئين والمناطق المحيطة بحثاً عن المعتدين. وفي غضون ذلك، أعلنت المسؤولة عن فرض الالتزام بخط الإئتلاف الحكومي عيديت سيلمان أن معتقداتها الدينية الراسخة دفعتها إلى التفكير في الاستقالة من حكومة بينيت المتنوعة، والتي يمكن أن تنهار بسبب خطوات فردية مماثلة بسبب تمتع هذه الحكومة بأغلبية ضئيلة للغاية تبلغ 61 مقعداً في الكنيست الذي يضم 120 عضواً. وإذا نفذت تهديدها عند اجتماع الكنيست في مطلع الشهر المقبل، فقد تمهد الطريق، ووفقاً للتكهنات، أمام زعيم "حزب الليكود" المعارض بنيامين نتنياهو لاستعادة منصب رئيس الوزراء الذي شغله لفترة طويلة. ما هي إذاً خيارات بينيت (وواشنطن) لتجنب هذا السيناريو؟
الاحتمالات المحدودة لنتنياهو
أثنى نتنياهو على قرار سيلمان وتوقّع عودته الوشيكة إلى السلطة، مؤكداً أن انسحابها من ائتلاف الحكومة يجعله بحاجة إلى مقعد واحد للتحكم بالأغلبية المؤلفة من 61 مقعداً، وبالتالي الدعوة إلى حجب الثقة عن حكومة بينيت. ولكن في الواقع، لا يملك نتنياهو وحلفاؤه المتشددون إلى حد كبير سوى 52 مقعداً. ويبني حاجته إلى مقعد واحد على فرضية انضمام الأعضاء الستة في "القائمة المشتركة" ذات القيادة العربية إلى ائتلافه النظري، إلى جانب سيلمان وعميحاي شيكلي، وهو عضو آخر ساخط في حزب "يمينا" بزعامة بينيت. ولكن هذا افتراض بعيد المنال بالنظر إلى إيديولوجية "القائمة المشتركة" (حيث هي في أقصى اليسار [في السياسة الإسرائيلية] حتى بالنسبة للتحالف المختلط برئاسة بينيت)، والردود العلنية الصادرة عنها حتى الآن. ففي 9 نيسان/أبريل، صرّح رئيس "القائمة المشتركة" أيمن عودة قائلاً: "إذا كان هناك من يعتقد أننا سنتشارك مع نتنياهو في تصويت بنّاء على حجب الثقة - فهذا مستحيل".
وتكتسي ملاحظات عودة أهمية خاصة بسبب المفهوم القانوني الذي أشار إليه: "تصويت بنّاء على حجب الثقة"، وهو مفهوم اعتمدته الكنيست في عام 2001 لمنع أعضاء الكنيست من محاولة إسقاط الحكومات عبر التصويت على حجب الثقة ما لم يطرحوا حكومة بديلة قادرة على العمل. وعلى وجه التحديد، يلتزم تلقائياً أي حزب يصوّت لإسقاط الحكومة الحالية بالمشاركة في حكومة جديدة يرأسها الحزب الذي يرعى قرار حجب الثقة. وعلى غرار عودة، نفى وزير الدفاع بيني غانتس احتمال انضمام حزبه إلى حكومة برئاسة "حزب الليكود"، لذلك ليس أمام نتنياهو إمكانية التصويت لحجب الثقة. وأفضل أمل له هو جر إسرائيل إلى دورة انتخابية أخرى.
هل ينجح بينيت في تصحيح مسار السفينة؟
صرحت سيلمان أن قرارها جاء على خلفية قرار وزير الصحة مؤخراً بالسماح بتقديم طعام غير موافق للشريعة اليهودية في المستشفيات خلال عيد الفصح. غير أن النقاد سخروا من هذا الادعاء باعتباره ذريعة زائفة، ومع ذلك، أصرّوا على أن دافعها الحقيقي هو جو الترهيب الذي يمارسه اليمين في مجتمعها الديني في رحوبوت، الذي يعتقد الكثير من سكانه أن حكومة بينيت تفرط في مراعاة المجتمع الإسرائيلي العربي وتهدد بالتالي الطابع اليهودي للدولة.
وللمفارقة، يُعد حزب رئيس الوزراء الفصيل الأكثر تقلباً ضمن الإئتلاف. ولكن الأمر ليس مفاجئاً بما أن قائمة "حزب يمينا" المؤلفة من سبعة أعضاء اختيرت قبل أن يقرر بينيت تولي رئاسة حكومة مختلطة، علماً أن الحزب كان فصيلاً يمينياً موثوقاً في السابق.
ولن تجتمع الكنيست مجدداً قبل 9 أيار/مايو، الأمر الذي يصب في مصلحة بينيت، إذ قد يمنحه ذلك الوقت الكافي إما لإقناع سيلمان بالعودة إلى الائتلاف الحكومي أو الاستقالة لصالح الشخص التالي في قائمة "يمينا" الذي يُعتبر موالياً لبينيت. ولكن الاجتماع الوحيد الذي عقده حتى الآن مع فصيله قد لا يكفي لوقف نزف الأعضاء. وقد امتلأت التعليقات الصحفية بالاتهامات بأن الوقت الذي يمضيه بينيت في التحدث عبر الهاتف مع فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي أطول من الوقت الذي يخصصه لتحسين العلاقات مع أعضاء "يمينا"، إذ أصبح العديد منهم غير مقتنعين بأن هذه الحكومة تحقق النتائج المرجوة لقاعدتها. ومن المثير للاهتمام أن الأشخاص نفسهم الذين دعوا بينيت إلى التعامل بلطف يعتقدون أن عليه التعامل بقسوة - أي من خلال إصدار قانون يمنع البرلمانيين "المرتدين" الذين حدّدتهم "لجنة الكنيست"، من الانضمام إلى قائمة منافسة في الانتخابات التالية. وسيتوقف بقاء بينيت في منصبه على قدرته على إقناع الأعضاء الآخرين (خاصة من اليمين) بأن مصير الائتلاف ليس مهدداً. ومن المؤكد أن سلسلة الهجمات الإرهابية الأخيرة لا تساعده في هذا الصدد.
وإذا لم يتم التعامل بشكل مناسب مع مسألة سيلمان في الأسابيع المقبلة، فقد يواجه رئيس الوزراء مشكلتيْن كبيرتيْن. أولاً، قد تزداد جرأة بعض البرلمانيين - بمن فيهم ثلاثة من أعضاء حزب بينيت الذين يعتبرون متقلّبين - بالفكرة بأن بإمكانهم الآن ابتزاز الحكومة في قضايا معينة. فقد أعلن بالفعل عضو "حزب يمينا" نير أورباخ، عن رغبته في التراجع عن الإجراءات الهادفة إلى إدخال المزيد من اليهود المتدينين إلى القوى العاملة. كما يريد ربط البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية بشبكة الكهرباء الإسرائيلية وتعزيز النشاط الاستيطاني الشامل دون تحديد الموقع. وسيكشف رد الحكومة على أورباخ ما إذا كان عدد قليل من البرلمانيين يستطيعون فرض الأسلوب الذي سيعتمده بينيت.
ثانياً، قد تؤدي استقالة سيلمان وحدها إلى إحباط الأجندة البرلمانية للحكومة من خلال تركها مع 60 مقعداً فقط وستخسر الأغلبية الضئيلة التي كانت تتمتع بها. وسيؤثر العجز المحتمل عن سن القوانين سلباً في الائتلاف الذي يريد إظهار التقدم المحرز في العديد من المبادرات الشعبية، بما فيها تحسين النقل العام بطريقة نوعية (على سبيل المثال، مترو أنفاق في منطقة تل أبيب)، وإصلاح شهادة "الكوشر" للطعام المطابق للشريعة اليهودية من خلال خفض الأسعار، وتطبيق عملية مبسطة لتبديد الغموض القانوني المحيط بمئات الآلاف من الأوروبيين الشرقيين الذين سعوا إلى اعتناق اليهودية والحصول على الجنسية الإسرائيلية. وفي إطار هذا السيناريو، قد يحاول بينيت التوصل إلى تفاهم مع "القائمة المشتركة" خارج الإئتلاف بهدف سن تشريع معين، كما فعل إسحاق رابين عندما ترأس حكومة أقلية في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وبموجب القانون الإسرائيلي، ستسقط الحكومة الحالية إذا لم تمرر ميزانيتها المقبلة بحلول آذار/مارس 2023. فلا أحد في ائتلاف بينيت يملك أعداداً كافية من الناخبين للحث على إجراء انتخابات مبكرة - إذ اعتمد معظمهم على مراكمة الإنجازات المحققة خلال الولاية الكاملة التي أمدها أربع سنوات.
وإذا لم يتمّ التعامل بشكل حذق مع الديناميات المذكورة أعلاه، فقد تسقط الحكومة حتى في وقت أقرب من ذلك. ولا يتطلب حلّ الكنيست وتحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة أكثر من 61 صوتاً - وهي حقيقة تسلط الضوء مجدداً على "القائمة المشتركة" ومقاعدها الستة الحاسمة. ومن الناحية النظرية، فإن المنطق نفسه الذي دفع عودة إلى القول إنه لن يساعد نتنياهو في العودة إلى السلطة من خلال آلية حجب الثقة يجب أن يمنعه أيضاً من التصويت لحلّ الكنيست، بما أن الانتخابات الناتجة عن ذلك يمكن أن تعيد نتنياهو بسهولة عبر مسار مختلف. ومع ذلك، فإن المنافس السياسي الرئيسي لعودة هو منصور عباس من "القائمة العربية الموحدة" الذي ارتقى ليصبح ركيزة لائتلاف بينيت. وكلما صمدت الحكومة لفترة أطول، سيتمكن عباس أكثر فأكثر من إثبات أن نهجه التصالحي - وليس خطاب عودة الناري - يحقق نتائج ملموسة للإسرائيليين العرب.
التداعيات على السياسة الأمريكية
لا ترغب إدارة بايدن في رؤية حكومة بينيت تتعثر، ناهيك عن الإطاحة بها. أولاً، من شأن حكومة مستضعفة أن تخضع لضغوط لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، وهو ما يتعارض مع رغبة الإدارة الأمريكية في تطبيق حل الدولتين النهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ثانياً، إذا تم المضي قدماً في الاتفاق النووي مع إيران - وهو سؤال يبدو أن إجابته تتغير يوماً بعد يوم - فقد يشعر بينيت "المستضعف" بأنه مرغم على التصدي للاتفاق كما فعل نتنياهو في عام 2015، حتى لو كان ذلك فقط لتعزيز موقفه في الداخل قبل الانتخابات المبكرة. وحتى الآن، تمثل موقفه في تحسين شروط الاتفاق وليس رفضه بشكل قاطع.
ثالثاً، أبدى المسؤولون الأمريكيون حماسة أكبر بشأن دعم حكومة بينيت المتنوعة وتركيز أحزابها على جانبي الطيف السياسي، على الحفاظ على استقلالية مؤسسات إنفاذ القانون والمؤسسات القضائية في إسرائيل. وسيكون من الصعب لواشنطن تقديم الدعم الكامل لحكومة يمينية متشددة تهدّد بضرب هذه المؤسسات كما فعل نتنياهو.
وخلال ولاية نتنياهو الأخيرة، دعمه المزيد من الإسرائيليين عندما أصبح من الواضح أنه يحظى بدعم كامل من إدارة ترامب. ويتمتع الرئيس بايدن شخصياً بشعبية في إسرائيل، لكن بعض المواطنين يشككون في طريقة تعامل إدارته مع قضايا مختلفة، ولا سيما سعيها الواضح إلى تقديم تنازلات رئيسية من أجل جعل الاتفاق النووي أكثر قبولاً لإيران. ووفقاً لذلك، قد تعتبر إدارة بايدن أن الأزمة السياسية في إسرائيل تمثل فرصة لدعم حكومة بينيت بشكل فعال، ربما من خلال التخطيط لزيارة رئاسية أو إعطاء الأولوية لجهود توسيع نطاق "اتفاقيات إبراهيم" لكي تشمل دولاً عربية أخرى.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز في "مشروع كوريت" التابع لمعهد واشنطن حول "العلاقات العربية الإسرائيلية" ومنتج برنامج البث الصوتي "نقاط القرار".