- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3978
استبدال الأونروا: فرصة لا ينبغي أن تفوتها إدارة ترامب
لا تعتزم الإدارة الأمريكية القادمة إجبار إسرائيل على التعاون مع منظمة مثيرة للجدل كهذه، لذا ينبغي على المسؤولين التركيز على الضغط على الوكالات الأممية الأخرى لتحمل مسؤولياتها في غزة- أو المخاطرة بتقليص تمويلها.
من شأن الإعلان المتوقع عن اتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل أن يشكل نجاحاً مبكراً كبيراً لإدارة ترامب القادمة، بقدر ما يعد إنجازًا نهائيًا لفريق بايدن المنتهية ولايته، خاصة في ضوء تحذير الرئيس المنتخب من أن "الجحيم سيكون الثمن الذي يُدفع" إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن المتبقين في قطاع غزة قبل توليه المنصب. ومع ذلك، في غضون أيام من تنصيبه، سيواجه ترامب أزمة دبلوماسية مبكرة تتعلق بقضية أخرى ملحّة في الشرق الأوسط، من بينها مصير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي هيئة مثيرة للجدل تُعنى بتقديم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين. ورغم أن التفاصيل لا تزال غير واضحة، فإن المخاطر تبدو كبيرة.
الاختلاف حول إعادة التوطين
تأسست الأونروا بموجب قرار الجمعية العامةفي كانون الأول/ديسمبر 1949 "بهدف توفير برامج الإغاثة المباشرة والعمل" لمئات الآلاف من المدنيين الذين نزحوا بسبب الحرب الإقليمية التي اندلعت نتيجة لمحاولة الدول العربية والميليشيات الفلسطينية منع إقامة الدولة اليهودية التي اعترفت بها الأمم المتحدة بموجب قرار قبل عامين. في البداية، كان النازحون يشملون العرب واليهود على حد سواء، ولكن بينما تكفلت إسرائيل سريعًا باستيعاب اللاجئين اليهود، لم تتحمل أي دولة عربية مسؤولية استيعاب 700,000 لاجئ فلسطيني.
في بداية عملها، تضمن تفويض الأونروا إعادة التوطين كهدف رئيسي،لكن تم حذف هذا البند في أواخر الخمسينيات تحت ضغط من الدول العربية. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت الأونروا سياسة تعتبر أن أحفاد اللاجئين الفلسطينيين يُعتبرون لاجئين بدورهم، ويحتفظون بـ "حق العودة" إلى إسرائيل الحالية – بغض النظر عما إذا كانوا قد بدأوا حياة جديدة في أماكن أخرى أو حتى حصلوا على جنسية أخرى. ويعنى ذلك من الناحية العملية أن الأونروا تُدرج حاليًا حوالي 5.9 مليونفلسطيني ضمن فئة اللاجئين المسجلين، رغم أن ثلثهم فقط لا يزالون يقيمون في مخيمات اللاجئين، وأغلبهم في غزة. ويساهم هذا الوضع الموروث للاجئين بشكل ملحوظ في ترسيخ عقلية الضحية، مما يسهم في تغذية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولو بشكل جزئي.
من المهم التأكيد على كيفية اختلاف وكالة الأونروا عن "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، التي تُعنى بقضايا اللاجئين في جميع أنحاء العالم. فإلى جانب تقديم الإغاثة في حالات الطوارئ، تركز المهمة الأساسية للمفوضية على تعزيز إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في البلدان التي لجأوا إليها. وعلى مدى العقود السبعة الماضية، اتخذت الأونروا نهجًا مختلفًا تمامًا، حيث عارضت عمليات إعادة توطين اللاجئين أو إدماجهم. في واقع الأمر، هناك تناقض جوهري بين موقف الأونروا الرافض لإعادة التوطين وبين الجهود الرامية إلى تحقيق حل الدولتين أو أي تسوية تفاوضية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن الاستمرار في تقديم الإغاثة لملايين الفلسطينيين بناءً على الافتراض بأن وطنهم الشرعي والمشروع يقع داخل إسرائيل يُشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق السلام.
وتماشيًا مع هذا الموقف، تخلت الأونروا منذ فترة طويلة عن دورها كمنظمة إغاثية محايدة لتصبح وكالة متحيزة للفلسطينيين - وأحيانًا تتبنى مواقف معادية لهم. فعلى سبيل المثال، أشارت العديد من التقييمات المستقلة، إلى أن مدارس الأونروا التي تخدم مئات الآلاف من الأطفال غالبًا ما تعتمد مناهج دراسية مشبعة برسائل معادية لإسرائيل، بل وأحيانًا تتضمن خطاب معادٍ للسامية، وهي رسائل مرفوضة في مؤسسات الأمم المتحدة.
في ظل إدارة ترامب الأولى، كانت هذه المشكلات كافية لإقناع الحكومة الأمريكية – التي تُعد أكبر ممول تقليديً للأونروا - بأن الوكالة "معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه“. نتيجة لذلك، تم تعليق الدعم الأمريكي في عام 2018 - ثم أُعيد في عام 2021 من قبل إدارة بايدن التي وعدت بالسعي إلى تنفيذ إصلاحات جوهرية. ومع ذلك، فإن الأغلبية التلقائية التي تتمتع بها الدول المناهضة لإسرائيل داخل الهيئات الدولية تجعل من إصلاح الوكالة مهمة شديدة التعقيد. ويبدو أن فريق بايدن يرى أن تقديم الأونروا للخدمات الأساسية، خاصة في غزة التي تعاني من فقر شديد، أمر ضروري إلى حد يجعله يتغاضى عن المشكلات المرتبطة بتفويضها.
موقف الأونروا خلال الحرب بين حماس وإسرائيل
في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، برزت أزمة جديدة تتعلق بالأونروا، تمثّلت في تورط بعض موظفيها في هجوم "حماس" الإرهابي الذي أدى إلى مقتل أكثر من 1200 شخص في إسرائيل وإصابة الآلاف وأخذ 250 رهينة. وقد أقرّت الأونروا بأن تسعة على الأقل من موظفيها ربما شاركوا في الهجوم، لكن الإجراء المتخذ ضدهم اقتصر على إنهاء عقودهم.
لم يكن هذا الاكتشاف المروع سوى غيض من فيض، فعلى مدار فترة الحرب، أصبح من الواضح أن إرهابيي حماس كانوا ينشطون بحرية داخل العديد من منشآت الأونروا أو بالقرب منها أو تحتها، حيث كانوا يخزنون الأسلحة ويجمعون الصواريخ وينظمون قواتهم داخل مدارس الوكالة، وملاجئها، ومستشفياتها، وعياداتها. وتبدو فكرة أن مسؤولي الأونروا وموظفيها البالغ عددهم 30,000 – ومعظمهم تقريبا من الفلسطينيين – لم يكونوا على علم بهذه الأنشطة، أمرًا يصعب تصديقه. في الواقع، وردت عدة تقارير خلال الحرب تفيد بتورط بعض موظفي الأونروا في تقديم الدعم أو المساعدة، أو حتى العمل كمسؤولين ضمن صفوف "حماس".
ونتيجة لذلك، نفد صبر إسرائيل، التي طالما تغاضى جيشها عن مواقف الأونروا المعادية، باعتبار دورها شرًّا لا بد منه. لكنها في النهاية انضمت إلى جوقة المنتقدين. وفي هذا السياق، صوّت الكنيست الإسرائيلي، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بأغلبية ساحقة على تمرير قانونين من المقرر دخولهما حيز التنفيذ في 30 كانون الثاني/يناير: الأول يحظر عمليات الأونروا في الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، والثاني يقطع جميع العلاقات الإسرائيلية مع الوكالة، بما في ذلك إلغاء الاتفاقية التي أُبرمت بعد عام 1967، والتي سمحت للأونروا بالعمل بحرية في الأراضي التي كانت قد احتُلت حديثًا آنذاك.
سيكون لحظر عمل الأونروا تأثير عملي محدود نسبيًا، حيث تدير الوكالة سبع مدارس فقط داخل إسرائيل (معظمها في القدس)، ويمكن للدولة أن تتولى أدارتها بسهولة. لكن قطع العلاقات مع الوكالة يحمل تداعيات أكثر خطورة.
وفى واقع الأمر، يكمن التحدي الأساسي في غزة، وليس في مناطق عمليات الأونروا الأخرى. ففي الضفة الغربية، تدير السلطة الفلسطينية مؤسساتها تحت الإشراف الأمني الإسرائيلي، ورغم التحديات المتأصلة التي تواجهها السلطة في تقديم الخدمات، يبدو أنها ما زالت قادرة على تولي مسؤوليات الأونروا. أما في الأردن ولبنان وسوريا المجاورة، لن تتأثر عمليات الأونروا بشكل مباشر بالتشريعات الإسرائيلية الجديدة. أما في غزة التي مزقتها الحرب، فتتولى إسرائيل - إلى جانب مصر - مسؤولية إدخال وتوزيع المساعدات الغذائية والطبية، التي تتولى الأونروا توزيع معظمها على السكان. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأعباء تتحملها أطراف خارجية بعد إخفاق حماس في تحمل مسؤولياتها تجاه سكان القطاع. وبالتالي، فإن تنفيذ سياسة إسرائيل الجديدة بقطع العلاقات مع الأونروا قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المتدهورة أصلًا.
مكاسب الرئيس ترامب
في الأسابيع الأخيرة، ومع اقتراب الموعد النهائي التشريعي الذي حددته إسرائيل في 30 كانون الثاني/يناير، أفادت التقارير بأن إدارة بايدن تواصلت مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى العاملة في غزة - بما في ذلك" مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" و"برنامج الأغذية العالمي" و"منظمة الصحة العالمية" وغيرها – بهدف استكشاف إمكانية توليها مهام الأونروا. ومع ذلك، رفضت جميع هذه الوكالات هذا الاقتراح، مؤكدة أن الأونروا وحدها تمتلك القدرة على أداء هذه المهمة. وردًا على القوانين الإسرائيلية الجديدة، صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه "لا يوجد بديل عن الأونروا"، بينما أكد فيليب لازاريني، المفوض العام للوكالة، أن "الأونروا غير قابلة للاستبدال" .وبعبارة أخرى، قالت منظومة الأمم المتحدة أساسًا إنها تفضل أن يموت سكان غزة جوعًا على أن تكون متواطئة في تهميش الأونروا.
ومنذ ذلك الحين، برزت دعوات داخل وزارة الخارجية الأمريكيةتحث إسرائيل إلى عدم تنفيذ قوانينها الجديدة. ومع ذلك، ومع اقتراب مراسم تنصيب ترامب، يبدو أن هذا النهج غير واقعي، إذ تشير الرياح السياسية إلى اتجاه مغاير تمامًا. فبالنظر إلى أن ترامب سبق أن قطع تمويل الأونروا خلال رئاسته الأولى، فإن احتمال تكرار هذا القرار يزداد، لا سيما بعد التقارير التي كشفت عن تورط موظفي الوكالة في الفظائع التي شهدتها الأشهر الخمسة عشر الماضية. لذا، من غير المرجح أن تكون إحدى أول مبادرات ترامب في الشرق الأوسط هي إجبار إسرائيل أو الضغط عليها لإنقاذ الأونروا.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الخيار الأسهل أمام الإدارة الجديدة هو قطع الدعم الأمريكي للأونروا وترك إسرائيل تتدبر تداعيات القوانين الجديدة. ومع ذلك، أظهرت التجربة السابقة أن وقف التمويل الأمريكي وحده لا يكون فعالًا دائمًا، حيث تتدخل الجهات المانحة الأوروبية وغيرها لسد الفجوة مما يسمح باستمرار عمل المنظمة دون تنفيذ إصلاحات.
بالمقابل، يمكن لمقاربة أمريكية أكثر طموحًا أن تحقق إنجازًا سياسيًا مربحًا للجانبين يعزز المصالح الأمريكية في تعزيز السلام في الشرق الأوسط مع توفير ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب. وعلى وجه التحديد، يمكن لواشنطن أن تستفيد من القوانين الإسرائيلية الجديدة لإنشاء آلية دعم بديلة تسهل خروج الأونروا من غزة. وسيستلزم ذلك رفع مستوى التعاون مع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة الأخرى العاملة في المنطقة. فبدلاً من الاستفسار بلياقة عما إذا كان بإمكانهم تولي مهام الأونروا في غزة، ينبغي على إدارة ترامب أن توضح بشكل مباشر أن استمرار تمويل الولايات المتحدة لعمليات هذه الوكالات العالمية سيكون مرهوناً بتحملهم تلك المسؤوليات. ومن المرجح أن تؤدي هذه السياسة الحازمة وحدها إلى تحقيق نتائج ملموسة.
وعلى وجه التحديد، ينبغي على الرئيس ترامب اتخاذ الإجراءات التالية عند توليه منصبه:
- الإعلان عن تعليق كل أشكال الدعم الأمريكي للأونروا.
- تفويض سفيره الجديد في الأمم المتحدة بتهديد الوكالات المتخصصة بخفض التمويل بنسبة 40% إذا رفضت تحمل مسؤوليات الأونروا في غزة، وهي نسبة تعادل مساهمة واشنطن الحالية في ميزانية الأونروا.
على سبيل المثال، تُعد الولايات المتحدة أكبر مانح لبرنامج الأغذية العالمي، حيث تغطى 46% من ميزانية البرنامج لعام 2024، التي تبلغ 9.67 مليار دولار. كما أنها الممول الأكبر للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث توفر 44% من ميزانيتها البالغة 4.7 مليار دولار. وبالمقارنة، تبلغ ميزانية الأونروا أقل من 1.5 مليار دولار. وفى مواجهة تهديد بفقدان جزء كبير من هذه المساعدات، ستجد هذه الوكالات نفسها فجأة قادرة تمامًا على تنفيذ مهام الأونروا - خاصة وأن الجهات المانحة التي عوضت نقص التمويل في 2018 بملايين الدولارات لن تكون قادرة على تغطية عجز بمليارات الدولارات في الوقت الحاضر.
من المؤكد أن هذا التحول لن يكون حلاً سحريًا، إذ ستظل هذه الوكالات تعتمد على العديد من الموظفين المحليين في غزة، وهم نفس الأفراد الذين يعملون حاليًا ضمن صفوف الأونروا. كما أن استبدال وكالة تابعة للأمم المتحدة بوكالات أخرى لن يحقق الهدف الأساسي المتمثل في بناء حكم ذاتي فلسطيني فعال ومسؤول ولا يخضع لنفوذ "حماس". ومع ذلك، فإن استبدال الأونروا بمزيج من برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالات متخصصة أخرى سيكون خطوة مهمة. فقيام هيئات الأمم المتحدة بتوفير الخدمات الضرورية خارج نطاق تفويض الأونروا المسيّس، سيمثل تقدمًا مهمًا نحو تقليص سيطرة الوكالة على قضية اللاجئين الفلسطينيين، مما قد يعزز آفاق السلام على المدى الطويل.
وقد جادل البعض بأن تقليص التمويل الأمريكي لهذه الوكالات قد يمنح الصين فرصة لتعزيز نفوذها داخلها. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يبدو غير مرجح. فحتى مع خفض التمويل بنسبة 40%، ستظل مساهمة الولايات المتحدة تفوق بكثير الدعم الصيني المحدود، والذي لا يتجاوز 11مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي، و5.8 مليون دولار لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وبالنظر إلى هذه الفجوات التمويلية الشاسعة، فمن غير المرجح أن تتحمل بكين هذا العبء المالي الهائل لمجرد تسجيل نقاط سياسية.
بالطبع، فإن تنفيذ جميع هذه الإجراءات خلال الأيام العشرة الفاصلة بين مراسم تنصيب ترامب والموعد النهائي لوضع التشريع الإسرائيلي حيز التنفيذ في 30 كانون الثاني/يناير ليس ممكناً، خاصة في غزة التي مزقتها الحرب. لذلك ينبغي على إدارة ترامب أن تفكر في إصدار إنذار تمويلي للوكالات الأممية، ثم تمنحها فترة زمنية محددة - مثل 90 إلى 120 يومًا - لاستكمال عملية الانتقال وتحمل مسؤوليات الأونروا في غزة. وفي حال التزام هذه الوكالات بتنفيذ الخطة، يمكن لواشنطن أن تطلب من إسرائيل تأجيل تنفيذ قرارها بوقف عمليات الأونروا لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر.
ما هي السيناريوهات المحتملة إذا رفضت وكالات الأمم المتحدة الامتثال لطلب ترامب؟ في هذه الحالة، ستبقى إسرائيل مسؤولة عن توفير المساعدات والخدمات وتوزيعها بعد 30 كانون الثاني/يناير (وهو السيناريو الافتراضي الذي يستند إليه التشريع الإسرائيلي المناهض للأونروا)، وسيتعين على واشنطن دعم هذه الجهود، مع الاعتراف بأن إسرائيل ستواجه صعوبة في إنجاز جميع وظائف الأونروا الحالية بمفردها.
وفى حين يمكن للقوات الإسرائيلية، بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية، المساعدة في توزيع المساعدات، فإنه من غير الواقعي تصور أن إسرائيل ستقوم بتشغيل مدارس غزة أو توفير الملاجئ للمدنيين أثناء العمليات العسكرية الجارية. وبمرور الوقت، قد تجد إسرائيل نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما إعادة فرض إدارة مدنية شاملة على غزة، وهو ما يعني استعادة عنصر أساسي من الاحتلال الإسرائيلي للقطاع قبل عام 2005 (وهو احتمال يرفضه الإسرائيليون بأغلبية ساحقة حسبما يُقال)، أو الدفع نحو تشكيل كيان إداري فلسطيني بديل قادر على تحمل هذه المسؤوليات، وربما يشمل ذلك توسيع دور السلطة الفلسطينية التي تم التخلي عنها كثيرًا. في الواقع، قد يؤدي التشريع الإسرائيلي المناهض للأونروا إلى تداعيات غير متوقعة، من بينها دفع صانعي القرار في إسرائيل إلى إعادة النظر في تمكين السلطة الفلسطينية في غزة، حتى ولو كان ذلك يهدف إلى انقاد إسرائيل من سيناريو غير مرغوب فيه.
وبينما تجري هذه الحسابات السياسية داخل إسرائيل، ستكون هناك تداعيات واقعية يومية على المدنيين الفلسطينيين الذين سيعانون بلا داعٍ إذا استمر مسؤولو الأمم المتحدة في التركيز على الولاء للأونروا على حساب الشعب الفلسطيني الذي أسست الوكالة لخدمته. ولتخفيف هذه الأزمة، يمكن لواشنطن أن تعيد توجيه جزء من الأموال التي كانت مخصصة للأونروا إلى صندوق دعم إنساني مخصص لسكان غزة. فعلى سبيل المثال، من شأن إلغاء الدعم الأمريكي المقدم للأونروا وخفض 40% من التمويل الأمريكي لوكالتين فقط (برنامج الأغذية العالمي ومفوضية اللاجئين) أن يؤدى الى توفير نحو 3 مليارات دولار سنويًا.
وخلاصة القول، بمجرد عودة الرئيس ترامب إلى المكتب البيضاوي، ستتاح له فرصة فورية لإصلاح عقبة كبيرة أمام السلام العربي الإسرائيلي. إن الخيار الأبسط يتمثل في قطع تمويل الأونروا والمضي قدمًا نحو قضايا أخرى، إلا أن ذلك سيخلق تعقيدات إضافية لواشنطن، دون أن يساهم في الحد من الآثار السلبية للوكالة على مساعي السلام طويلة الأمد. وتتمثل المقاربة الأفضل بكثير في الاستفادة من الدعم الأمريكي لوكالات الأمم المتحدة الأخرى لإيجاد بديل عملي للأونروا. لنأمل أن يأخذ الرئيس ترامب بهذا المقترح.