- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استمرار التوترات في سنجار يهدد عودة الايزيديون
يحتاج الأيزيديون في العراق إلى دعم دولي حازم لحماية حقوقهم ورفاهيتهم.
بعد مرور ما يقارب سبع سنوات من غزوة تنظيم "داعش" لسنجار، يعقد الكثير من الايزيدين العراقيين أمالا، في العودة الى مناطقهم الأصلية بعدما اجبروا على تركها مكرهين. وبعد تصاعد تهديدات تركيا بالقيام بعملية عسكرية في سنجار، وقيام الحشد الشعبي بإرسال ثلاثة ألوية تابعة لها الى قضاء سنجار في الأيام القليلة الماضية وتمركزها في جبل سنجار وانتشارها على الحدود السورية، تبددت أمال الايزيديين النازحين في العودة، وأمال السكان الحاليين في الاستقرار.
منذ أشهر عادت العشرات من العوائل الى سنجار والتي تعاني من انعدام ابسط مقومات الحياة وتهالك البنية التحتية . إلا أن هذه الأعداد قلت بشكل متزايد منذ الشهر الماضي بسبب ارتفاع وتيرة الصراعات السياسية، ووجود المجاميع المسلحة غير الشرعية هناك. يؤكد كثيرون على ضرورة إخراج التشكيلات العسكرية من سنجار لكي يستتب الأمن في تلك المنطقة ويكون ضمانا وحافزا لرجوع النازحين الى ديارهم، والسماح لهم بحماية ممتلكاتهم.
وبالمثل فالوضع الحالي للايزيديين خارج سنجار لا يُحتمل أيضا، حيث ما زال يأمل الألف النازحين الايزيديين في مخيمات إقليم كردستان العراق في العودة الى ديارهم. كما أن الوضع الإنساني داخل تلك المخيمات مزري للغاية وهناك نقص في تقديم المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإنسانية ومن الحكومة العراقية أيضا. وفى هذا الصدد، يرى معظم النازحين أن أوضاع المعيشية الصعبة في المخيمات وتدهور الأوضاع الاقتصادية في إقليم كردستان أثرت بشكل كبير على حياة النازحين وازدادت نسبة الفقر بينهم، والتي أدت بدوره الى ازدياد حالات الانتحار، والعنف الأسري، والتخلي عن الأطفال والهجرة. وفى جين بينما تستمر التوترات الإقليمية في الاشتعال في سنجار، إلا انه يجب فصل احتياجات وحقوق الأيزيديين عن تلك التوتران ودعم الاستقرار في سنجار للسماح للأيزيديين بالعودة إلى ديارهم.
اتفاقية سنجار وتشرذم البيت الايزيدي
حدثت الزيادة الطفيفة والنهاية اللاحقة لعودة الأيزيديين إلى سنجار في سياق اتفاقية سنجار التي أبرمت في في أكتوبر عام 2020 بين بغداد وأربيل وبدعم من الأمم المتحدة، لإعادة الأمن والاستقرار ولتطبيع الأوضاع في قضاء سنجار. ومع ذلك، أدت تلك الاتفاقية الى تقسيم الشارع الايزيدي الى فريقيين، الأول متشائم والثاني متفائل.
يركز الفريق المتفائل على أهمية تطبيع الأوضاع في سنجار من اجل إحلال السلام في منطقتهم، أما الفريق الأخر فهو يرى أن هناك صعوبة في تطبيق هذه الاتفاقية بسبب الصراعات الحزبية والإقليمية هناك ، وان أخر ما يهم الأطراف المتصارعة هو حياة سكانها من الايزيديين ، وكذلك غياب الثقة ، و رفض إعادة الملف الأمني بيد قوات البيشمركة التي تخلت عنهم بين ليلة وضحاها والتي أودت بحياة الآلاف من الايزيديين على يد تنظيم "داعش" ، وان خلاصهم الوحيد هو الحماية الدولية التي هي أيضا من الصعب تطبيقها لعدم وجود مصالح القوى الكبرى في سنجار.
يتفق الكثير من الايزيدون أن التدخلات الحزبية والكردية أدت على وجه الخصوص في الشأن السياسي والديني في سنجار الى زيادة معاناة الايزيديين وعدم التوافق على روية واحدة تخدم سنجار وأهلها. ومن ثم، يرى معظم الايزيدين أن الأطراف الكردية المتصارعة قد عمدت الى توسيع الهوة بين المجتمع الايزيدي لخدمة مصالحها السياسية، وان الشعارات التي تطلقها هذه الأحزاب بان الايزيدين هم عمق استراتيجي الأكراد ليست سوى ذر الرماد في العيون من اجل استغلال قضيتهم الإنسانية خدمة لأجنداتهم السياسية، والمتاجرة بقضيتهم على صعيدين المحلي والدولي، ومن خلال شخصيات يزيدية فرضت عليهم كواجهة باعتبارهم يمثلون الشارع.
كما أن الأحزاب الايزيدية هي كذلك تحت رحمة الأحزاب الكبيرة العربية والكردية ولا تستطيع التحرك بمعزل عن تلك الأحزاب، بحكم تمثليها السياسي الشبه المعدوم في البرلمان العراقي من خلال كوتا خصصت لهم فقط مقعد واحد ولا تتناسب مع التمثيل السكاني للايزيدين. فوفقا لأحكام الدستور العراقي، يتم تخصيص مقعد واحد لكل مائة ألف من السكان. كما قضت المحكمة العراقية العليا منذ ذلك الحين بمنح الايزيديين المزيد من المقاعد في البرلمان العراقي. أن سياسة الإقصاء والتهميش المتبعة من قبل بغداد والإقليم ليست وليدة اليوم وإنما هي كانت متبعة منذ تأسيس الدولة العراقية والى يومنا هذا.
ماذا يريد الايزيديون؟
ومع ذلك، هناك قضايا واضحة ما زالت توحد معظم الايزيديين، منها إصرارهم على تحقيق مطالبهم المشروعة. وتشمل هذه المطالب محاكمة عناصر تنظيم "داعش" أمام محكمة دولية ومحاسبة المسؤولين الذين تسببوا في الكارثة الإنسانية في سنجار، والاعتراف بالإبادة الجماعية الايزيدية. كما يطالبون بضرورة البحث ومعرفة مصير 2887 من النساء والأطفال المفقودين حسب أخر الإحصائيات الرسمية من مكتب إنقاذ المختطفات والمخطوفين الايزيدين.
كما يطالب الايزيديون أيضا بإخراج جميع الفصائل المسلحة من قضاء سنجار باستثناء القوات العراقية من الشرطة والجيش، ودمج الايزيديين في المؤسسة الأمنية والعسكرية الرسمية، وإعادة النازحين الى ديارهم، ورفع نسبة التمثيل الايزيدي في البرلمان، وجعل قضاء سنجار محافظة عراقية تتبع للحكومة المركزية إسوة بباقي المحافظات. ومت شأن هذا الاستقرار أن يساعد على تهدئة التوترات داخل سنجار التي تثير التهديدات التركية للمنطقة، وتسمح لمزيد من الأيزيديين بالعودة إلى ديارهم.
أصبح المشهد في سنجار اليوم أكثر قتامة وذلك رغم تفاءل البعض بانفراجات قريب تعيد الشتات الداخلي بين أبناءها الذين أصبحوا ضحايا الصراع على الجغرافية. ومن ثم، يجب العمل على الصعيد السياسي والدبلوماسي بهدف تحييد قضية الايزيدين في العراق من خريطة المصالح والسياسات المتقاطعة بين الأطراف المتصارعة، هو امر يتطلب جهدا كبيرا من الايزيدين وأصدقاءهم الدوليين، ولعل تدويل القضية يكون مدخلا مهما وورقة يمكن للمجتمع الايزيدي الاستفادة منها في دفع بغداد وأربيل والأطراف الخارجية الأخرى هناك نحو معالجة المشكلة بجدية أكثر.
في كلتا الحالتين، هناك ضرورة لفصل قضية الايزيديين عن تلك المصالح المتضاربة داخل العراق والتعامل معها على أنها قضية فريدة تتعلق بحقوق الإنسان.