- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استمرار جهود مكافحة الإرهاب تظل عاملاً رئيسياً لوقف الهجمات الإرهابية في الأردن
لم تقض جائحة كورونا على الإرهاب في الأردن، ولا يزال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يشكل تهديدًا كبيرًا على الأمن القومي الأردني.
يشير التراجع الملحوظ للنشاط الإرهابي في الأردن خلال العام الماضي إلى أن تهديد تنظيم " داعش" في البلاد قد تضاءل بشكل كبير. للأسف، ليست هذه هي القضية؛ ففي حين أن هناك عدة تفسيرات وراء تراجع الهجمات الإرهابية في الأردن خلال عام 2020، إلا أن أي منها لا يبشر بمستقبل يشهد انتهاء تهديد تنظيم "داعش" على الأمن الأردني.
وعلى العكس من ذلك، كان الانخفاض في نشاط تنظيم "داعش" في الأردن العام الماضي نتيجة جهود مكافحة الإرهاب الفعالة، وليس نتيجة الظروف الخاصة بوباء كورونا أو أي عامل آخر. وعليه، لا ينبغي لمؤسسات مكافحة الإرهاب الأردنية أن تتراخي، بل يجب عليهم الاستفادة من النجاحات التي حققوها، والعمل على توسيع التعاون مع شركائهم وتعزيز مواردهم في مكافحة التطرف.
هناك الكثير من المؤشرات والتقارير الدولية والأممية التي أكدت نشاط وتحرك الجماعات الإرهابية خاصة في العراق الذي تعرض للإرهاب في قلب العاصمة بغداد، حيث أعلن تنظيم "داعش"، في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، مسئوليته عن التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في العاصمة العراقية بغداد وأسفرا عن مقتل 32 شخصاً وإصابة 110 آخرين، وهي العملية الأولى للتنظيم منذ يونيو 2019. كان لنشاط التنظيم في العراق أثرا كبيرا على تصاعد عملياته وأنشطته في منطقة بادية الشام ومثلث الحدود الأردنية –السورية- العراقية من خلال مجموعات صغيرة سريعة الحركة والتموضع، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية الأردنية إلى تعزيز التواجد الأمني والمظاهر العسكرية على الحدود مع العراق وسوريا.
وفي ظل الغارات والقصف الجوي الروسي العنيف أواخر شباط –فبراير الحالي حيث شنّت الطائرات الروسية 130 ضربة جوية على الأقل في يوم واحد ضد الجماعات الإرهابية خاصة داعش في البادية الممتدة بين محافظتي حمص ودير الزور عند الحدود مع العراق، قام الأردن بتعزيز وتشديد التواجد الأمني والعسكري على الحدود والواجهة العسكرية مع سوريا والعراق للحيلولة دون هروب وتسلل عناصر تنظيم داعش إلى الأردن.
سلام نادر خلال عام 2020
شهد الأردن أول تهديدات إرهابية كبيرة ومؤثرة منذ تأسيسه عام 1921. وعلى الرغم من أن اغتيال الملك عبد الله بن الحسين عام 1951 كان بمثابة أول عملية إرهابية كبرى في تاريخ البلاد، إلا أن المعلومات الاستخباراتية حول اغتيال الملك والقتل السياسي فيما بعد أشارت إلى وجود نشاط إرهابي في الأردن منذ تأسيس الدولة. ومنذ ذلك الحين، تخلص الأردن من التهديدات الإرهابية لفترات وجيزة ومتقطعة.
وبالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، يعاني الأردن من معدل منخفض، ولكنه ثابت من الأنشطة الإرهابية. وفي الآونة الأخيرة، شهد الأردن عمليتين إرهابيتين في المتوسط سنوياً منذ ثلاثة عقود ، وجاء ترتيب الأردن على "مؤشر الإرهاب العالمي " الذي يصدر سنوياً عن مركز الاقتصاد والسلام في أستراليا لعام 2020، ضمن المناطق منخفضة التهديد واحتل المرتبة 57 عالمياً. ووفقا لـ"مؤشر الإرهاب في الأردن “لعام 2020 الذي يصدره "مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب" بلغ عدد "العمليات "الإرهابية الفعليّة في الأردن خلال الفترة الممتدة ما بين 1970 حتى آخر إحصاء بتاريخ31 ديسمبر 2020 ما مجموعه (133) عملية إرهابية، نتج عنها ما مجموعه (156) حالة وفاة، وما مجموعه (300) جريحاً.
ونتيجة لذلك، كان عام 2020 استثناءً للقاعدة، وهو العام الأول منذ 2011 الذي لم تشهد فيه الأردن أي عمليات إرهابية، كما أظهرت مؤشرات أخرى أن عام 2020 شهد ضعف تنظيم "داعش" على وجه الخصوص، حيث أكدت "دائرة المخابرات العامة الأردنية " أن أعداد المنتمين للتنظيم قد انخفضت من 1250 عنصرا ولم تعد تتجاوز 750 عنصراً عام 2020 نتيجة عودة البعض منهم إلى الأردن، ومقتل الآخرين في ساحات القتال. وعليه، يؤكد هذا الخبر أن تنظيم "داعش" بدا وكأنه يعاني من الضعف على جميع الجبهات بعد الضربات المتكررة التي استهدفت معاقله في سوريا والعراق.
علاوة على ذلك، أشارت بعض مراكز الأبحاث الغربية مثل "مركز الاقتصاد والسلام" إلى أن هناك “انخفاض في مؤشرات عدد القتلى، والعمليات الإرهابية منذ اندلاع جائحة كورونا في ربيع عام 2020، كما أشار بعض المحللون إلى أن معظم العمليات خلال العام الماضي قد تم تنفيذها بأسلوب الذئاب المنفردة.
في نفس الوقت؛ حذر فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في كانون الثاني / يناير الماضي من أن الجماعات المتطرفة تستغل جائحة فيروس كورونا المستجد لتجنيد المزيد من العناصر والقيام بهجمات ذات دوافع عنصرية وعرقية وسياسية، ونوه إلى تنظيم "داعش" الإرهابي الذي خسر دولته المزعومة في سوريا العراق ما زال يسعى إلى إعادة تشكيل قدراته في شن عمليات خارجية. وشدد فورونكوف، في كلمته على أن هذه التنظيمات تمكنت من تطوير إمكانياتها في الفضاء الإلكتروني والتواصل مع جماعات الجريمة المنظمة، وأن أساليبها بدأت تلهم تنظيمات متشددة جديدة بما في ذلك مجموعات اليمين المتطرف في الغرب.
بدوره، أثار تراجع النشاط الإرهابي لتنظيم "داعش" وإخفاقاته في الأردن خلال عام 2020 تساؤلات حول مستقبل التهديد الإرهابي في الأردن. لكن على الرغم من أن هناك آمل في المستقبل، لا يدعم الانخفاض في الهجمات الإرهابية في الأردن خلال عام 2020، ولا الملاحظات المتعلقة بالوباء وهجمات الذئاب المنفردة بالضرورة الفرضية القائلة بأن الوباء أدى إلى تراجع النشاط الإرهابي، فالتهديد ما زال قائما، ويؤكد ما ذهب إليه فلاديمير فورونكوف، من تحذير وقد تجلى على الساحة الأردنية في العمليات الثلاث التي خطط لها تنظيم "داعش" وفشل في تنفيذها خلال حزيران / يونيو 2020.
العملية الأولى. بتاريخ 2 حزيران/ يونيو 2020حيث أحبطت "دائرة المخابرات العامة" عملية إرهابية لعضوين من تنظيم "داعش" استهدفا مبنى المخابرات في مدينة الزرقاء، باستخدام أسلوب المتفجرات لقتل المتواجدين، وأسلوب الأسلحة الخفيفة لقتل كادر إحدى دورياتها الثابتة في حي معصوم في مدينة الزرقاء. وبينت تحقيقات "محكمة أمن الدولة" مع المتهمين أنهما خططا لعمليتهما الإرهابية نصرة لتنظيم داعش الإرهابي، وكانا خلال لقاءاتهما يتداولان أخبار وإصدارات داعش فيما بينهما عن طريق الإنترنت.
العملية الثانية. بتاريخ 7حزيران/ يونيو 2020. أحبطت دائرة المخابرات العامة عملية إرهابية لخلية مكونة من ثلاثة أعضاء من تنظيم داعش، كانت تستهدف كادر مركز أمن اربد الشمالي في مدينة إربد شمال الأردن، باستخدام أسلوب الأسلحة الخفيفة. وقد بينت تحقيقات "محكمة امن الدولة" أنهم تعرفوا على أفكار تنظيم داعش من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة إصدارات التنظيم والتواصل عبر تطبيق (تيليجرام) مع أعضاء التنظيم خارج الأردن للتواصل والتنسيق.
العملية الثالثة. بتاريخ 28 حزيران/يونيو 2020 كشفت تحقيقات "محكمة أمن الدولة" فشل خلية من أربعة أشخاص من تنظيم داعش من سكان منطقة الوحدات-عمان الشرقية في مهاجمة محل لبيع المشروبات الكحولية وكنيسة الأرمن الأرثوذكس في منطقة الأشرفية القريبة من مخيم الوحدات باستخدام أسلوب الأسلحة الرشاشة، وذلك بعد فشلهم بتصنيع المتفجرات محلياً. واعترف أعضاء الخلية بأنهم تعرفوا على أفكار تنظيم داعش عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وأنهم فشلوا بالالتحاق بصفوف تنظيم داعش في سوريا نتيجة تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود.
تشير هذه الهجمات أيضًا إلى الارتباط الوثيق بين ارتفاع عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وبين الإجراءات الأمنية الأخيرة التي اتخذتها الأردن في هذا الصدد. ومن ثم، ما زال الأردن مشارك فعال في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم في سوريا والعراق، ويتعاون ويتشارك في المعلومات الاستخبارية والأمنية مع قيادة التحالف بخصوص القضايا التي تتعلق بنشاطات التنظيم خارج وداخل الأردن. ومؤخرا، قام الأردن بالتضيق على نشاطات السفر ومنع التهريب على الحدود مع دول الجوار خاصة سوريا والعراق للحد من تسلل أعضاء ومؤيدي التنظيم الذين يخططون للانضمام إليه، والقيام بحملة أمنية مستمرة لمتابعة نشاط المتطرفين على الساحة الأردنية والمراقبة الاستخبارية الحثيثة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتغليظ العقوبات القانونية على المنتمين للتنظيم ومحاكمتهم وفق قانون منع الإرهاب وتعديلاته لعام 2006.
ولعل هذه الإجراءات تفسر سلوك التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية حيث ركز التنظيم على التجنيد، والتوجيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، وتيليجرام) وهذا ما ظهر في عملية الفحيص، والسلط الإرهابية عام 2018 التي تعتبر أولُ عملية إرهابية تسجلُ في تاريخ الأردن حول نيةِ الإرهابين التخطيطُ لاستخدام "المنظومات الجوية المُسيّرة" من خلال الطائرات بدون طيار، وتزيدها بالمتفجرات ضد أهدافٍ أمنية وحكومية. وفشل المسؤولين في الأردن في إحباط عملية طعن السياح في مدينة جرش عام 2019 حين قام مصطفى محمد سلمي أبو رويس وهو من أبناء مخيم (سوف) للاجئين الفلسطينيين ويبلغ من العمر 22 عاماً، من أبناء غزة الحاملين لجوازات سفر أردنية مؤقتة بتنفيذ عملية إرهابية باستخدام أسلوب الطعن بسكين للسياح الأجانب في مدينة جرش، نتج عن العملية إصابة 8 أشخاص بجروح بسيطة. وجاءت تلك العملية كرد على مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.
يؤكد معظم خبراء ومحللي مكافحة الإرهاب ارتفاع تهديد تنظيم "داعش" في مناطق شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، لذلك فأن تهديد داعش للأردن لم ينته بعد، وخطر التنظيم ما يزال قائماً وينتظر اللحظة والظرف المناسب لتنفيذ مخططاته لاستهداف الأهداف الاستخبارية، والأمنية (دائرة المخابرات العامة، وقوات الأمن العام)، و"الأهداف الرخوة" مثل دور العبادة والكنائس كما هو واضح من تفاصيل العمليات التي تم التخطيط لها في عام 2020.
الاتجاهات المستقبلية
إن جاهزية دائرة المخابرات ويقظتها، إضافة إلى عامل مهم وهو عدم خبرة المنفذين وقلة تدريبهم الفعلي على الأساليب والتقنيات الخاصة بالعمليات الإرهابية التي تتوافر عادة في ساحات القتال الحقيقية في سوريا والعراق شمال أفريقيا، هي التي حالت دون تنفيذ مخططات داعش الإرهابية، وليس لأن الإرهاب قد ولى وانتهى في الأردن أو أن جائحة كورونا قد أثرت سلباً عليه. وأن الإرهاب لن ينتهي في الأردن، بل أن معدل العمليات الإرهابية سيرتفع خلال العقد القادم وذلك وفقا لدراسات مستقبلية لاتجاهات ظاهرة الإرهاب في الأردن، خاصة في ظل استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب مستويات الفقر والبطالة ومشكلة ندرة المياه، قد يدفع ذلك المواطنين إلى المزيد من الاحتقان واليأس ويقذف بهم إلى جحيم التطرف العنيف والعنف السياسي.
وعليه فأن المطلوب من الأردن على المستوى الدولي والإقليمي استمرار العمل مع التحالف الدولي ضد الإرهاب وتعميق الشراكة العالمية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب من خلال كافة الأطر الأممية، والدولية. أما على المستوى المحلي فأن جاهزية ويقظة الأجهزة الأمنية واستعدادها الدائم لا بد منه في استمرار المحافظة على الأمن والحيلولة دون نشاط وحرية حركة الجماعات التكفيرية واتصالها مع التنظيم في الخارج. ولا بد كذلك من التركيز على عدم احتكار مكافحة الإرهاب من قبل المؤسسات الأمنية فقط. وتفعيل القانون والتشريعات التي تحمي حقوق الأفراد والمؤسسات، وإشراك الأطراف الفاعلة في المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني في الجهود التي تبذل لمحاربة الأفكار المتطرفة والإرهاب مهما كان شكله أو مصدره. وباختصار، يجب على المسؤولين الأمنيين في الأردن مواصلة وتعزيز عملياتهم، لأنهم على ما يبدو هم العامل الأساسي في السلام الذي تتمتع به الأردن مؤخرا.