يطمح زعيم «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، إلى أن يصبح قائد فصائل «المقاومة» العراقية؛ أي زعيم على نفس مستوى الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني، حسن نصرالله، وزعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي؛ أي قائد يسيطر على الميليشيات العراقية الأخرى. ويسعى جاهداً إلى أن يظهر وكأنه يتحدث نيابة عن جميع فصائل «المقاومة» العراقية.
يواصل زعيم «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، محاولة تصوير نفسه على أنه حليف استراتيجي لإيران وليس وكيلاً لها. ففي مقابلة تلفزيونية أُجريت معه في الأول من حزيران/يونيو 2021، شدّد على الطبيعة الوطنية لموقفه، بقوله: لدي الكثير من الأدلة التي تثبت أن موقفي [قائم] على [المصلحة] الوطنية... إذا وعد [الأمريكيون] بالانسحاب من [العراق]، سنقبل بنتيجة المفاوضات [مع الأمريكيين] التي سيجريها وسيط ولن يكون لها أي علاقة بالمفاوضات النووية... وإذا كانت إيران هي من يتخذ القرار نيابةً عني، فكنت سأقول: لا أستطيع التفاوض، علي أن أرى ما الذي تريده إيران، ما الذي يوافقون عليه (الشكل 1). ومؤخراً، قال الخزعلي إنه أخبر ذات مرة قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، إسماعيل قاآني، ألا يطلب منه وقف الهجمات على القوات الأمريكية في العراق.
يطمح لمركز نصرالله أو عبد الملك الحوثي
يطمح الخزعلي إلى أن يصبح قائد فصائل «المقاومة» العراقية؛ أي زعيم على نفس مستوى الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني، حسن نصرالله، وزعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي؛ أي قائد يسيطر على الميليشيات العراقية الأخرى. ويسعى جاهداً إلى أن يظهر وكأنه يتحدث نيابة عن جميع فصائل «المقاومة» العراقية.
ويُعتبر ظهوره المتكرر على شاشات التلفزيون إحدى استراتيجياته لتحقيق هذه المكانة. فبعد وقت قصير من المقابلة الآنفة الذكر مع الخزعلي، نشرت قناة "صابرين" النافذة التابعة لـ «عصائب أهل الحق» على وسائل التواصل الاجتماعي، منشوراً مثيراً للاهتمام جاء فيه: هل تحوّل قيس الخزعلي إلى عبد الملك الحوثي في العراق؟... هل أصبحت خطابات قيس الخزعلي مماثلة لخطابات عبد الملك الحوثي والسيد حسن نصرالله؟ واستشهدت القناة بعد ذلك بمعاهد بحوث غير معروفة خلصت، وفقاً لبعض التقارير، إلى أن ظهور الخزعلي المتكرر في البرامج التلفزيونية قد جعل منه شخصية مشابهة لنصرالله والحوثي (الشكل 2).
ويقارن الخزعلي نفسه برجال عظماء في التاريخ جاءوا من خلفيات متواضعة فقط لتغيير مجرى التاريخ. ويشعر بالحماس عندما يتم تذكيره بأنه "في حالة حرب" مع أعظم جيش في العالم. [ويبدو ذلك واضحاً] من خلال نبرة صوته وتعابير وجهه خلال المقابلة التي أجراها في الأول من حزيران/يونيو 2021 حين تحدث عن "الحرب بين العراق والولايات المتحدة" في دلالة على حماسه.
إثارة المنافسات داخل «المقاومة»
تخلق هذه الطموحات حساسية ضمن صفوف «المقاومة» العراقية، حيث تعتقد ميليشيات أخرى مثل «كتائب حزب الله» أنها تستحق تولي القيادة، وليس من خلال محاولة وصف نفسها على أنها حليف مساوٍ لإيران، بل عبر الحفاظ على نفس السردية القديمة التي تركزّ على زعامة جمهورية إيران الإسلامية. على سبيل المثال، قال المتحدث الرسمي باسم «كتائب حزب الله»، محمد محي، في حديث له مع قناة "الاتجاه" في 12 حزيران/يونيو 2021: موقفنا عراقي، لكن موقف محور «المقاومة» هو موقف موحّد... وأحياناً يدخل «حزب الله» اللبناني في مواجهات مع إسرائيل دون أن ينتظر إذن من إيران بالضرورة. وتابع محي قائلاً: لا نخجل من أن نكون تحت عباءة الجمهورية الإسلامية وقائدها وقائد محور «المقاومة»، فهذا في الحقيقة شرف لنا. وكما أشارت "ميليشيا سبوتلايت" في مقال نشرته في 24 أيار/مايو 2021، أنه في غياب «عصائب أهل الحق»، كانت لجنة تنسيق «المقاومة»، المعروفة باسم "التنسيقية"، هي التي تحدثت خلال احتجاجات أيار/مايو التي تمّ الإعلان عنها للمرة الأولى على أنها فعالية مشتركة بين «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» ومن ثمّ وُصفت بأنها فعالية لـ "التنسيقية".
مصلحة إيران في وصف سيطرة أقل صرامة على فصائل «المقاومة»
في الوقت الذي قد تكون فيه التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة قد منحت الميليشيات العراقية المزيد من الاستقلالية، إلا أن هذه الميليشيات لا تزال تدور ضمن فلك إيران إلى حد كبير. وقد أدت التطورات، مثل دمج الميليشيات في «قوات الحشد الشعبي» - والتي منحت هذه الميليشيات نفاذاً إلى إيرادات منتظمة ومزايا أخرى تقدمها الدولة - إلى تقليل اعتمادها المالي على إيران. كما أن مقتل قاسم سليماني/أبو مهدي المهندس قد خفف قبضة إيران على هذه الميليشيات. لكن هذه التطورات وغيرها لا تغير واقع كوْن «المقاومة» محوراً خاضعاً دينياً لولاية الفقيه، وأن الخزعلي مُلزم بالتقيّد بأوامر خامنئي في جميع الأوقات. إن هذه هي معضلة الإسلام السياسي الشيعي التي يواجهها الخزعلي. وما لم يصبح هو الولي الفقيه (وهو أمر مستبعد للغاية)، سيتعيّن عليه أن يتبع شخصية تحمل هذا اللقب، أو سيصبح خارج «المقاومة».
وهذا لا يعني أن إيران ستطرده من محور «المقاومة» إذا سعى إلى الحصول على المزيد من الاستقلالية. وفي الواقع، يمكن أن تكون الاستقلالية التي تخضع للرقابة مفيدة للغاية بالنسبة لإيران، لأنها ستُجنّب «فيلق القدس» رعاية الميليشيات الصغيرة، والإنفاق عليها ومساعدتها على إدارة أعمالها اليومية. كما ستسمح لإيران بإنكار مسؤوليتها عن أي أعمال تقوم بها هذه الجماعات، بما يتماشى مع أهداف «المقاومة» المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج. باختصار، فإن تمتُّع الميليشيات العراقية باستقلالية أكبر - وهي الجماعات التي ترتبط إيديولوجياً بالجمهورية الإسلامية - يعني أن إيران قادرة على الاستفادة من أفضل ما في العالمين. وإذا سمحت الولايات المتحدة، بإمكان طهران التفاوض بشكل غير مباشر مع واشنطن في فيينا، في الوقت الذي يهاجم فيه شركاؤها من الميليشيات القواعد الأمريكية في العراق.