- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع جديد يكشف توجهًا معتدلًا في أوساط فلسطينيي القدس الشرقية
استطلاع جديد للرأي العام يُظهر مواقف سكان القدس الشرقية تجاه التقارب العربي- الإسرائيلي، ومشاركة الدول العربية الأخرى، وسياسة الولايات المتحدة المتعلقة بالصراع.
بينما يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة القدس، يُظهر استطلاع شمل نحو 400 ألف فلسطيني يعيشون هناك، قام به "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي" بتكليف من "معهد واشنطن" في حزيران/يونيو 2022، أن مواقف الشعب تبدلت وأصبحت أكثر اعتدالًا نسبيًا – بالمقارنة مع الاستطلاعات التي جرت قبل وباء كورونا، ومع المواقف السائدة في الضفة الغربية اليوم.
ويتجلى هذا المنحى الجديد بشكل واضح في السؤال الرائج المتعلق بخيارات الجنسية. فاليوم، يقول نصف سكان المدينة الفلسطينيين (48 في المئة) إنهم إذا اضطروا إلى الاختيار، سيفضلون أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين وليس فلسطينيين. وفي حين ناهزت هذه النسبة 20 في المئة فقط بين عام 2017 ومطلع عام 2020، تختار اليوم أقلية (43 في المئة) فحسب من سكان القدس الشرقية فلسطين؛ أما النسبة المتبقية (9 في المئة) فتختار الجنسية الأردنية. وفي أوساط سكان الضفة الغربية، بلغت النسب 25 في المئة لصالح إسرائيل، و65 في المئة فلسطين، و10 في المئة الأردن.
والجدير بالملاحظة أن هذا التناقض الصارخ يبرز أيضًا على صعيد أسئلة أخرى ذات صلة. على سبيل المثال، تؤيد نسبة 63 في المئة من سكان القدس الشرقية "نوعًا ما" على الأقل هذا التصريح المستفز عمدًا: "سيكون من الأفضل لنا أن نكون جزءًا من إسرائيل وليس من الأراضي الخاضعة لحكم "السلطة الفلسطينية" أو "حماس". أما في الضفة الغربية، فلم تتجاوز هذه النسبة النصف (28 في المئة).
وتمثل هذه النتائج المفاجئة انعكاسًا للمواقف الواقعية المسجلة في عام 2014 قبل "انتفاضة السكاكين"، وتنامي التوترات حول المجسد الأقصى والردود الإسرائيلية القاسية. وعلى الأرجح، تعكس النبرة التصالحية السائدة حاليًا تجربة السكان مع الرعاية الصحية الإسرائيلية مؤخرًا ومزايا الرفاه الاجتماعي والقدرة على التنقل داخل إسرائيل والسفر خارجها والوظائف خلال السنتين الفائتتين عند تفشي وباء فيروس كورونا. وعلى سبيل المقارنة، لا يتمتع معظم الفلسطينيين الذين يقيمون خلف الجدار الأمني في الضفة الغربية بأي من هذه المزايا. علاوةً على ذلك، أصبح فلسطينيو القدس الشرقية على دراية أكثر بالمشاكل الداخلية التي تحدث في الجهة المقابلة. وحاليًا، توافق نسبة 63 في المئة على أنه "يجدر بالفلسطينيين السعي بجدّ لاستبدال قادتهم السياسيين بآخرين أكثر كفاءة وأقل فسادًا".
واللافت أن المستطلَعين أجابوا بهذه الطريقة الأكثر اعتدالًا نسبيًا (أو غير السياسية) على عدد كبير من الأسئلة الأخرى في هذا الاستطلاع الجديد أيضًا. على سبيل المثال، تؤيد نسبة 62 في المئة التصريح التالي: "حاليًا، يجدر بالفلسطينيين التركيز على الأمور العملية مثل الوظائف والرعاية الصحية والتعليم والاستقرار اليومي وليس على الخطط السياسية الكبرى أو خيارات المقاومة". وتوافق النسبة نفسها على أنه "يجدر بالفلسطينيين في الوقت الراهن إيلاء أهمية أكبر لمواجهة الاتجاهات الإسلامية المتطرفة السائدة في مجتمعاتنا". هذا وتصرح أغلبية كبيرة (65 في المئة) بأن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو للسياسيين أو الكبار في السن عمومًا، وأنا لا أفكر فيه كثيرًا".
وتناقض كل نقاط البيانات هذه الانطباع السائد بالنفور والغضب الجماعي في القدس الشرقية، ولا سيما أن الاستطلاع جرى بعيد التوترات المحتدمة التي شهدتها المنطقة خلال شهر رمضان. وفي هذا السياق، كان سماح إسرائيل لعشرات الآلاف من المسلمين الفلسطينيين المقيمين هناك عمومًا بتأدية الصلاة بسلام في المسجد الأقصى والحرم الشريف المحيط به مفيدًا على الأرجح هذه المرة بخلاف بعض الحالات السابقة.
وعلى نحو مماثل، تظهر إجابات العدد الأكبر من فلسطينيي القدس الشرقية على معظم الأسئلة المرتبطة بـ"المقاومة" العنيفة رفضهم لها. فنسبة 61 في المئة ترفض تصريح أنه على "الفلسطينيين القيام بانتفاضة جديدة وجعل الصراع المسلح أبرز أولوياتهم". كما أن نسبة أكبر حتى (68 في المئة) تعتبر الهجمات على أي مدني إسرائيلي، بمن فيهم المستوطنون، "سيئة". ولدى سؤالهم عن سبب عدم اندلاع انتفاضة جديدة، أجمع المستطلَعون على أن "معظم الناس منشغلين بحياتهم الخاصة وليس بالسياسة". ويؤيد نصف فلسطينيي القدس الشرقية تقريبًا (54 في المئة) الزعم الجازم والاستفزازي : " آمل أن نصبح والإسرائيليين أصدقاء يومًا ما، ففي النهاية جميعنا بشر". أما في الضفة الغربية، فلم تتجاوز هذه النسبة 26 في المئة.
وشكلت إجابات المستطلَعين في الضفة الغربية على الأسئلة المتعلقة بالحكومات العربية الأخرى والخطوات الجديدة نحو تقارب عربي إسرائيلي شامل مفاجأة أكبر. فقد أعرب نصف فلسطينيي المدينة (47 في المئة) على الأقل عن تأييدهم لاتفاقيات إبراهيم "نوعًا ما" – بالمقارنة مع ربع سكان الضفة الغربية. ويرى أيضًا نصف السكان أنه يجدر بالأردن الاضطلاع "بدور مهم" داخل القدس نفسها – بالمقارنة مع نحو الثلث فقط ممن يرشحون "السلطة الفلسطينية" أو "حركة حماس" لهذا الدور.
وتعزز الإجابات على سؤالين آخرين هذه النتيجة المفاجئة، مسجلةً أغلبية ساحقة. لقد وافقت نسبة كبيرة من فلسطينيي القدس الشرقية (79 في المئة) على الاقتراح التالي: "على الحكومات العربية الاضطلاع بدور أكثر فعالية في عملية صنع السلام الفلسطينية الإسرائيلية، من خلال تقديم محفزات إلى الطرفين لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا". علاوةً على ذلك، تعتبر نسبة 57 في المئة أنه "يجدر بالفلسطينيين التطلع إلى حكومات عربية أخرى، على غرار الأردن أو مصر، لمساعدتنا على تحسين وضعنا".
أما بالنسبة إلى الآراء حول الولايات المتحدة، فيعتبر نصف فلسطينيي القدس الشرقية أن العلاقات معها مهمة "نوعًا ما" على الأقل. وفي المقابل، تقول نسبة 32 في المئة فقط الأمر نفسه عن إيران – ولكن الملفت أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين يولون بعض الأهمية للعلاقات الفلسطينية مع روسيا والصين. ومن الجدير ذكره أيضًا أن أقلية كبيرة (41 في المئة) أيدّت "إلى حدّ ما" أقله "مقاربة إدارة بايدن إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وعند سؤال المستطلَعين عن المسألة التي يجب أن تحظى بالأولوية في السياسة الأمريكية إزاء هذه المشكلة، أتت إجاباتهم متباينة بشكل مثير للاهتمام. فقد اختار الثلث "ممارسة الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات إلى الفلسطينيين"، ولكن فضّل ثلث آخر أن تمارس الولايات المتحدة "الضغوط على "السلطة الفلسطينية" و"حماس" لكي تكونا أكثر ديمقراطية وأقل فسادًا". أما الباقي فانقسم بين الخيارات التالية: "عدم التدخل أساسًا في شؤون فلسطين والشرق الأوسط" (21 في المئة) أو "زيادة المساعدات الاقتصادية إلى الفلسطينيين" (8 في المئة) أو "المساعدة على جعل الدول العربية أكثر انخراطًا في حل القضية الفلسطينية" (3 في المئة).
وعلى الرغم من كل المواقف العملية عمومًا الواردة أعلاه، أثارت بعض الأسئلة المصاغة بطريقة دينية أو عاطفية أو مسيسة إجابات سلبية. على سبيل المثال، يوافق 23 في المئة من فلسطينيي القدس الشرقية "إلى حدّ كبير" على التصريح التالي: "أنا قلق بشكل جدي من أن إسرائيل تريد تدمير المسجد الأقصى وإلحاق الضرر بديننا"، وتوافقهم الرأي نسبة إضافية تبلغ 46 في المئة "نوعًا ما". كما توافق نسبة 19 في المئة "إلى حدّ كبير" على أننا "يجب أن نطالب بحكم فلسطيني على كامل القدس، الشرقية والغربية، بدلًا من مشاركة أي قسم منها أو اقتسامه مع إسرائيل"،وتبدي نسبة إضافية تبلغ 45 في المئة موافقة فاترة نظرًا إلى صياغته بطريقة متطرفة. أخيرًا، أثارت هذه الفرضية المحرضة عمدًا الإجابات الأكثر تطرفًا: " عندما أفكر في الاحتلال، أغضب لدرجة أتمنى أن يختفي جميع الإسرائيليين من الوجود". وتوافق أقلية كبيرة (41 في المئة) على هذه المقولة "إلى حدّ كبير"، في حين تؤيدها نسبة 33 في المئة نوعًا ما.
ملاحظة حول المنهجية المتّبعة: يستند هذا التحليل إلى استطلاع قائم على مقابلات شخصية أجري بين 6 و21 حزيران/يونيو 2022 مع عينة عشوائية باستخدام الإجراءات المعيارية للأرجحية الجغرافية من 300 فلسطيني راشد (فوق 18 سنة) من سكان القدس الشرقية، ضمن حدودها البلدية الرسمية. راجع الكاتب شخصيًا ترجمة الاستطلاع والعينات وضوابط الجودة وضمانات السرية وغيرها من بروتوكولات العمل الميداني، مع كامل الفريق المهني الفلسطيني، المتخذ من بيت ساحور في الضفة الغربية مقرًا له. ويناهز هامش الخطأ الإحصائي لعينة ذات حجم وطبيعة مماثلين 6 في المئة، حيث يبلغ مستوى الثقة 95 في المئة. ويمكن توفير معلومات إضافية متعلقة بالمنهجية، بما فيها كامل الإجابات على كافة الأسئلة في الاستطلاع، إما عند الطلب أو على منصة بيانات الاستطلاع التفاعلية الجديدة لمعهد واشنطن.