- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3282
إعطاء المجال اللازم لرئيس الوزراء العراقي المقبل للنجاح
في الساعات الأولى من يوم السابع عشر من آذار/مارس، قام الرئيس العراقي برهم صالح بتسمية المرشح المقبل لرئاسة الوزراء في البلاد، السياسي الشيعي عدنان الزرفي. وتعهد أقرب حلفاء إيران في مجلس النواب العراقي بمعارضة المصادقة البرلمانية بحلول 16 نيسان/أبريل، وقد يعترضون قانونياً على تسميته في غضون ذلك. وبالمثل، ردّ عملاء الميليشيات الإيرانية بهجماتهم الثالثة والرابعة والخامسة ضد قوات التحالف في غضون أسبوع، باستهدافهم السفارة الأمريكية وقاعدتي التدريب التاجي وبسماية بالقرب من بغداد.
كيف يمكن للولايات المتحدة الرد على هذه الاستفزازات دون عرقلة تطور إيجابي محتمل؟ العراق بحاجة ماسة إلى قيادة فعالة في وقت تتداخل فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية والصحية، ويبدو أن الزرفي قادراً على توفيرها. ولزيادة فرصه للحصول على المصادقة، على الحكومة الأمريكية اعتماد موقف عسكري دفاعي بشكل مؤقت، و"تحضير" ضربات استجابية للمستقبل مع استخدام إجراءات دبلوماسية للتعامل مع هجمات الميليشيات في الوقت الحالي. وعلى الصعيد السياسي، من الضروري أن تساعد الولايات المتحدة العراق بشكل جلي على التعامل مع الأزمات المتعددة التي يواجهها لكن بصورة خفية مع كافة القضايا الأخرى. ولإظهار إيمانها بالزرفي، على واشنطن تجديد وإطالة الإعفاء من العقوبات في قطاع الطاقة.
الطريق لترشيح الزرفي
دخلت عملية تشكيل حكومة عراقية إلى طريق مجهول مرتين خلال الأشهر الأربعة الماضية: في 2 كانون الأول/ديسمبر عندما أدت الاحتجاجات الشعبية العامة إلى إرغام عادل عبد المهدي على الاستقالة، ليكون بذلك أول رئيس وزراء يستقيل منذ سقوط صدام حسين؛ ومجدداً في الأول من آذار/مارس عندما أصبح محمد توفيق علاوي أول رئيس وزراء مكلف لا تحصل الحكومة التي شكلها على مصادقة مجلس النواب بحلول الموعد النهائي الدستوري الذي أمده ثلاثين يوماً. بعد ذلك، أكدت "المحكمة الاتحادية العليا" أن الرئيس وحده مخوّل بتسمية بديل لعلاوي، وناشد الرئيس صالح كافة الأحزاب تسمية مرشح توافقي. لكن هذه الخطوة باءت بالفشل تماماً كجهد الأحزاب الشيعية وحدها لتسمية مرشح.
وحيث اصبحت المهلة الدستورية التي أمدها خمسة عشر يوماً لتسمية مرشح على وشك الانتهاء، قام صالح بخطوة نادرة ومحفوفة بالمخاطر للغاية بالنسبة للسياسيين العراقيين هذه الأيام: صان اليمين الذي قسمه، وعمل وفقاً للقواعد، واختار المرشح الذي اعتبره الأكثر تأهيلاً. يجب على المجتمع الدولي أن يتذكر ذلك ويدعم صالح في هذا الوقت العصيب للغاية.
أما الزرفي، فهو مرشح مثير للاهتمام ومن غير المرجح أن يحظى بدعم جماعي من الفصائل الشيعية المدعومة من إيران على غرار "تحالف فتح" بقيادة هادي العامري (الذي يضم 48 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان) و"حركة عطاء" بقيادة فالح الفياض (8 مقاعد). وحيث كان محافظاً سابقاً للنجف، فلديه تاريخ من المشاحنات مع الأحزاب والميليشيات الإسلامية الشيعية والضغط عليها، ومع ذلك يبدو أنه قد تغلب على المخاوف من مقتدى الصدر وبعض القادة الشيعة الآخرين. والزرفي هو رجل أعمال وسياسي عاش في الولايات المتحدة بين عاميْ 1992 و2003 ويحمل الجنسية الأمريكية، لكن ذلك لم يمنعه من بناء علاقات مفيدة مع العديد من السياسيين العراقيين الذين تساورهم الشكوك حول الولايات المتحدة.
وتُمثّل تسميته غير المتوقعة تقدماً مهماً محتملاً للعراق، الذي يتعرض لسلسلة من الأزمات بدءاً من تفشي فيروس كورونا، مروراً بانخفاض أسعار النفط بواقع النصف، والاضطرابات الشعبية، وصولاً إلى استمرار أعمال العنف التي تمارسها الميليشيات. وأمام الزرفي الآن ما يصل إلى ثلاثين يوماً لتشكيل حكومة والحصول على المصادقة عليها من خلال نيل 165 صوتاً على الأقل في مجلس النواب. وكما هي عليه الأمور، فإن حظوظ نجاحه جيدة لأن بعض عناصر "تحالف فتح" فقط مصممين على معارضته، كما أنه يتمتع بالروابط الضرورية لتفريق المعارضة المتبقية. ويتمثل التحدي الذي يواجهه في تجنب أي انشقاقات رئيسية في الأسابيع المقبلة، خاصة من قبل الصدر المتقلب الرأي. بإمكان الولايات المتحدة المساعدة في تقليل احتمالية حدوث تطورات معرقلة كبيرة من خلال تعديل سياساتها الحالية بصورة مؤقتة.
الدفاع عن النفس دون تصعيد كبير
للتعويض عن تمثيلها المحدود في البرلمان، من شبه المؤكد أن تلجأ هذه العناصر التي تعارض بشدة ترشيح الزرفي إلى القوة المسلحة. وكانت الهجمات الصاروخية التي نفذتها الميليشيات قد أثرت تقريباً على كافة الإنجازات في عملية الترشيح، وسقطت ثلاث صليات جديدة بعد أن اختاره صالح. وبالتالي، بينما يجدر بالولايات المتحدة حماية أفرادها في العراق، عليها أيضاً تجنب الوقوع في الفخ الذي تنصبه الميليشيات وداعموها الإيرانيون، وهي: جرّ واشنطن إلى مواجهة تقوّض تكليف الزرفي وتعزز نفوذ هذه الميليشيات. لذلك، يجب على صناع السياسة التركيز على الخيارات التالية:
- دمج وحماية القواعد الأمريكية. تفيد التقارير أن التحالف ينسحب من القواعد الأمامية المكشوفة على غرار القيارة والقائم وكركوك من أجل الاندماج في قواعد أكبر وأكثر حماية مثل إربيل ومطار بغداد الدولي والأسد. ومن المرجح أن تتزامن هذه الخطوات مع وصول بطاريات صواريخ "باتريوت" وأسلحة "مكافحة القذائف الصاروخية والقذائف المدفعية والهاون" الأمريكية. وتُعتبر المقاربة الجديدة حذرة ويجب تطبيقها بالكامل، رغم احتمال التخفيف من حدة الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لفترة من الوقت. وما أن يتمّ إنجاز كافة الخطوات، يجب تقليل حركة المروحيات والتحركات على الأرض إلى أدنى حد.
- التحضير لردود انتقامية. يتعين على الولايات المتحدة أن تحذر إيران ووكلاءها علناً وسراً بأنه وإن لم تلق بعض الهجمات الصاروخية رداً كبيراً في الوقت الحالي، إلا أن القوات الأمريكية سترد على كل منها في المكان والزمان اللذين تراهما مناسبين. وناهيك عن احتمال تقليص فرصة الميليشيات التي تحاول نصب فخ لواشنطن في هذا الوقت الحساس، فإن هذه طريقة أذكى للردع بشكل عام، بما أنها تسمح باستهداف قادة الميليشيات الرفيعي المستوى فور ظهورهم. يتعيّن على الكونغرس الأمريكي وإدارة ترامب إجراء محادثات خاصة حول تحديد الدرجة المناسبة من المرونة العسكرية ومستويات الردّ.
- زيادة الضغط الدولي على الميليشيات. خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ضربت الميليشيات المدعومة من إيران قواعد تضمّ قوات من الدنمارك وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وإسبانيا والبرتغال. يجب على واشنطن طمأنة هؤلاء الجهات وغيرها من الجهات الفاعلة الدولية بأنها ستكبح الضربات الانتقامية، طالما توافق هذه الجهات على إدانة هجمات المليشيات على قوات التحالف بشكل متماسك وعلني، كما يفعل البعض منها فعلاً.
خطوات غير عسكرية
أثناء فترة ولاية عبد المهدي، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق إلى درجة لم نشهدها منذ عام 2003. لذلك يجب على واشنطن توفير حلول سهلة لرئيس الوزراء المقبل، بما أن الحكومة تبدو الآن قادرة على التحوّل نحو مستقبل أفضل، للمرة الأولى منذ عامين. ولا شكّ في أن التدابير غير العسكرية ضرورية في هذا الصدد، على المستويين الرمزي والملموس:
- إدارة أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19). في ظل تفشي الوباء بكثرة، سيتطلع العراقيون إلى المؤسسات الأمريكية مثل "مراكز مكافحة الأمراض واتقائها" لتوفير أفضل الممارسات والدعم الطبي. على واشنطن اللجوء لاستخدام نفوذها كدولة مانحة رئيسية لـ "منظمة الصحة العالمية" لضمان نقل معدات الاختبار إلى العراق، وإرسال بعض الدعم الإنساني الرمزي المباشر (والذي يشمل الأدوية والمنفّسات)، بالطريقة نفسها التي تُرسِل فيها الإمارات والكويت دعماً مماثلاً لإيران.
- استعادة مكانة العراق. تضررت سمعة بغداد من انهيار حكومتها وهجمات الميليشيات غير المقيدة التي استهدفت مستشارين عسكريين دوليين. وللمساعدة على عكس مسار هذا التدهور، على المسؤولين الأمريكيين أن يرحبوا علناً بالزرفي بلهجة حارة وداعمة حتى قبل مصادقة مجلس النواب على حكومته، مع منحه مهلة لتوجيه انتقادات عادلة لأمريكا - طالما يفعل الشيء نفسه مع إيران. كما عليهم تشجيعه على تعزيز تواصله الاستراتيجي مع المحتجين العراقيين من أجل الحد من المعارضة الشعبية المحتملة. وأخيراً، يجب أن يبدأوا في التلميح إلى أن رئيس الوزراء المقبل سيكون مرحباً به لزيارة البيت الأبيض ما أن يتمّ رفع ظروف الحجر الصحي في البلدين.
- دعم الإصلاحات الاقتصادية. في ظل انحدار أسعار النفط، يجد العراق نفسه في أسوأ خطر اقتصادي من أي دولة شرق أوسطية تقريباً - وهو وضع يمنح واشنطن سبباً آخر لحث السعودية والإمارات على إنهاء حرب الأسعار مع روسيا. ويمكن للسلطات الأمريكية أيضاً إعطاء الأولوية لشراء النفط العراقي عند تحديث "الاحتياطي الاستراتيجي للنفط"، وهي خطوة رمزية مفيدة. وفي موازاة ذلك، على واشنطن البدء بحشد الدعم لاتفاق جديد بين "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" والعراق، الذي سرعان ما قد يصبح دعماً أساسياً للاقتصاد العراقي المتعثر.
- دعم استقلال الطاقة. تُعتبر الجهود الأمريكية الحالية لتعزيز مشاريع معالجة الغاز وتحويل الغاز إلى كهرباء في العراق أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، من أجل خفض اعتماد بغداد على إمدادات الطاقة/الوقود الإيراني وزيادة كمية النفط العراقي المتوفر للتصدير. يجب تسريع الحوار الاستراتيجي الثنائي حول هذه الأمور - حتى لو كان افتراضياً نظراً للقيود المفروضة على السفر الدولي بسبب فيروس كورونا. وكما ذكرنا سابقاً، على واشنطن دعم الزرفي من خلال إصدارها إعفاء من العقوبات لمدة 120 يوماً كما فعلت في الماضي، وعدم حصره في حدود الـ 45 يوماً الحالية.
- حشد الدعم الدولي لإجراء انتخابات مبكرة. على الولايات المتحدة الاضطلاع بدور فعال (وإن متواضع) في هذا المجال، من خلال حث الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية على مساعدة مجلس النواب العراقي ورئيس الوزراء المقبل على إنجاز قانون الانتخابات وإصلاح "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
ويمكن أن تساعد هذه الخطوات في الإظهار للعراقيين بأنه حتى في خضم أزمة عالمية، فإن لديهم صديق في الولايات المتحدة مع نص مهم واحد - أن هذا الصديق سيكون أكثر استجابةً لاحتياجاتهم ما أن يتولى رئيس وزراء كفوء زمام الأمور.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ومنذ عام 2003، أجرى أبحاثاً مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية.