- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
آثار الحرب في غزة على التعاون بين الأردن وإسرائيل في مجالات الطاقة والمياه
تسارع تأثير الحرب في غزة على الأردن بشكل كبيرٍ وغير منضبط أحياناً. لكنه تميز -حتى الآن- بالتركيز على مطالب وقف كافة أنواع "التعاون الثنائي" مع إسرائيل. أما تنفيذ مشروع "اتفاقية المياه مقابل الطاقة" فهو مسألة وقت فقط، ومرهون بتوقف العدوان في غزة.
ألقت الحرب في غزة بين إسرائيل و"حماس" ظلال قاتمة على مستقبل مشاريع التعاون الواعدة بين لأردن وإسرائيل في قطاعات المياه والطاقة التي تعتبر من أكثر القطاعات الاقتصادية والسياسية حساسية في الأردن المعاصر بالنظر إلى مشكلة ندرة المياه المزمن في الأردن، وصعوبة تأمين مصادر الطاقة للاستخدام المحلي. حيث يستورد الأردن أكثر من 96% من حاجته للطاقة، وتفوق فاتورة وارداته السنوية منها 3 مليارات دولار، بحسب بيانات إحصائية رسمية.
وأدت الحرب في غزة إلى تأثير مباشر على الراي العام وارتفاع أصوات المعارضة الأردنية المطالبة بتنصلِ الأردن من كل التزاماته ومعاهداته واتفاقياته مع إسرائيل ووقف جميع أشكال التعاون معها. وحتى الآن، يبدو أنها نجحت في تعطيل مشروع واحد فقط؛ وهو "الازدهار الأزرق" أو (اتفاقية المياه مقابل الطاقة) الذي ترعاه الإمارات العربية المتحدة بمباركة أمريكية.
لكن؛ وعلى رغم من توقف هذا المشروع، إلا أنني أعتقد بأن هذا التوقف مؤقت؛ وسيعود بعد نهاية الحرب، لأن هناك مصلحة مشتركة للطرفين في هذا النوع من التعاون الذي يعتبر حتمياً تقريباً لأنه من أهم وسائل "الترابط والتشبيك" بين الدول والمؤسسات والأفراد، وتخفيف الأزمات والنزاعات المسلحة بينها.
أسس التعاون
كانت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل 26 تشرين الأول-أكتوبر 1994هي التي فتحت لأول مرة في التاريخ المعاصر، الباب لمشاريع التعاون في قطاعات المياه والطاقة بين البلدين. كما أشار المؤرخ الإسرائيلي آفي شليم في كتابه "أسد الأردن: حياة الملك الحسين في الحرب والسلام"، إلى أن كلمة "تعاون" وردت عشرين مرة في المعاهدة. وتؤكد الأدبيات التي تناولت المفاوضات بين المسؤولين الأردنيين والإسرائيليين والأمريكان حول معاهدة السلام بأنهم " ناقشوا القضايا المتعلقة بحصص المياه باعتبارها من أكثر القضايا تعقيداً، وخطط شق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت وربط شبكتي الكهرباء وتحويل صحراء وادي عربة القاحلة الى وادي السلام بزراعة مزدهرة ومركز صناعية وسياحية ". وفي النهاية وافق الإسرائيليين في المعاهدة على تزويد الأردن بخمسين مليون متر مكعب من المياه سنويا، والتعاون لإيجاد مصادر إضافية لتزويد المملكة بالمياه الصالحة للشرب. وتعهد الجانبان بالتخفيف من حدة نقص المياه من خلال تطوير مصادر مياه جديدة، وبمنع التلوث وتقليص الهدر في المياه.
وتتضمن معاهدة السلام 1994 في المادة 19 منها بنودا تنظم العلاقة فيما يخص قطاع الطاقة، وتضمنت الاتفاقية ملحقا خاصا تحدث عن الربط الثنائي وأنابيب الغاز التي تنظم العلاقة بين الجانبين. ويمكن القول - بشكلٍ عام - أن إسرائيل التزمت بتنفيذ تلك البنود، وحافظ الطرفان على روح التعاون رغم بعض البطء والعثرات السياسية المرتبطة اساساً بالسياسة الداخلية لإسرائيل وتبدل الحكومات بين معتدلة ومتطرفة، التي كثيراً ما أدت الى توتر العلاقات السياسية بين البلدين.
التحديات والفرص
يعاني الأردن من شح مصادر الطاقة وتفاقم مشكلة ندرة المياه التي باتت تقف على رأس التحديات الاستراتيجية التي تواجه البلاد على مستوى الأمن القومي وهي تشكل أزمة سنوية متكررة لصانع القرار خاصة في فصل الصيف.
لكن المعارضة السياسية، وبعض خبراء المياه الأردنيين، ينكرون بشدة وجود هذا التحدي، ويرفضون أي فرصة للتعاون بين الأردن وإسرائيل في مجال المياه والطاقة بحجج كثيرة، أهمها؛ الادعاء بأن الأردن قادر ذاتياً على تأمين حاجته المحلية من المياه والطاقة وليس بحاجة للتعاون مع إسرائيل. ويشككون في كل التقارير الدولية والمحلية التي تكشف عن جدّية تحدّي الطاقة وندرة المياه.
لكنَّ نظرة تحليليه على الأرقام والدراسات التي نشرتها "وزارة المياه والري الأردنية" عام 2023 تحت عنوان "الإستراتيجية الوطنية للمياه (2040-2023)" والتقارير الدولية خاصة "البنك الدولي" تشير الى عمق وجدّية المشكلة؛ وبالتالي حاجة الأردن الى تامين حاجته والتعاون مع طرف ثان بغض النظر مع إسرائيل أو غيرها. فقد أشارت الدراسة إلى أن "الأردن يُعتبر من أكثرِ دول العالم فقراً بحصة الفرد من المياه العذبة والمتجددة، إذ بلغت هذه الحصة في العام 2021 ما مقداره 61 متر مكعب، وهو أدنى من خط الفقر المائي المطلق المتعارف عليه دولياً والمقدر بـ 500 متر مكعب للفرد في العام الواحد.
وأكد عددٌ من خبراء المياه والطاقة الأردنيون أن حاجة الأردن سنوياً من المياه تبلغ نحو مليار و400 مليون متر مكعب للاستخدامات كافة، يتوفر منها نحو 950 مليون متر مكعب، بينما يبلغ العجز المائي نحو 400 مليون متر مكعب. ولذلك أصبح الأردن من الدول النادرة التي تزود المياه للسكان مرة واحدة في الأسبوع؛ لأن المياه تكفي مليوني نسمة فقط بينما يعيش في الأردن نحو 11.1 مليوناً نسمة، يتوقع أن يتجاوز 16.8 مليون نسمة بحلول عام 2040.
ولأن الأردن يواجه هذا المأزق والتحدّي الحقيقي في سدِ الفجوة الآخذة في الاتساع بين الطلب على المياه والتزويد ضمن المصادر المتاحة، جاءت الإستراتيجية وأكدت على أن مصادر المياه المستقبلية ستعتمد بشكل أساسي على مشاريع تحلية مياه البحر والمياه المعالجة محسنة الجودة. وقد كان من اللافت للنظر أنها أدّرجت من ضمن مشاريعها المستقبلية؛ مشروعي " اتفاقية المياه مقابل الطاقة" و"الناقل الوطني".
في المقابل؛ تعتبر إسرائيل حاليا دولة رائدة في مجال تحلية المياه حيث تمتلك خمس محطات رئيسية للتحلية، وما يقرب من 30 محطة صغيرة، تُنتج أكثر من 585 مليون متر مكعَّب من المياه المُحلاة سنوياً. كما أن إسرائيل منشغلة حاليا بتحدٍّ إستراتيجي يتعلَّق بالتحوُّل إلى الطاقة النظيفة. حيث تسعى الى توليد 30% من الكهرباء بواسطة مصادر متجدِّدة بحلول نهاية العقد الحالي. وقد واصلت على مدار العقد الماضي جهودها من أجل زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، علاوة على خطط خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050.ومن هنا أصدرت "وزارة الطاقة الإسرائيلية" في منتصف شهر نيسان/ أبريل 2021 ما يُعرف بـ(خارطة طريق لاقتصاد طاقة منخفض الكربون بحلول عام 2050)، التي تضمنت مجموعة من البرامج لتلبية أهداف خارطة الطريق من شأنها أن تنشئ علاقات ترابط ثنائية بالجوار الإسرائيلي، وعلى رأسها الأردن باعتباره مكانا جغرافيا مناسبا لتطوير الطاقة المتجددة على المستوى الإقليمي، عندما واجهت صعوبات حالت دون تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجدِّدة، مثل قلة المساحات التي يمكن أن تُستخدم مزارعَ شمسية، وتقنية التخزين المحدودة؛ فالأردن يمتلك مساحات شاسعة ذات كثافة سكانية منخفضة في الجنوب ،والشمال الشرقي ، وهي مثالية لإنتاج الطاقة الشمسية في منطقة ذات أعلى معدلات للتعرُّض لأشعة الشمس في العالم، كما أن تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة في الأردن منخفضة نسبيا بسبب أسعار الأراضي والعمالة الأرخص، وهو ما يعني حسب النظرية الاقتصادية الكلاسيكية إن إسرائيل سيصبح لديها "ميزة اقتصادية نسبية "بالقدرة على إنتاج الطاقة المتجددة لإسرائيل بسعر أقل مما يمكن أن تُنتجه إسرائيل بنفسها. وبالتالي يمكن أن يتعاون البلدان، ويتبادلان الميزات النسبية لاقتصاديات المياه والطاقة.
ويشير ذلك إلى أن هناك إمكانية للتعاون بين البلدين، حيث تتمتع إسرائيل بخبرة واسعة في مجال تحلية المياه، كما يتمتع الأردن بظروف جغرافية مواتية لإنتاج الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، بتكلفة أقل نسبيا. ومن ثم، يمكن أن يفضى ذلك إلى وجود شراكة ومنفعة متبادلة في مجال المياه والطاقة.
التعاون في مجال تبادل الطاقة مقابل المياه
لم تؤثر الحرب في غزة على مشاريع التعاون القائمة بين البلدين خاصة حصص المياه التي ضمنتها معاهدة السلام. ولم تؤثر على اتفاقية تبادل الطاقة مع إسرائيل التي وقعت في سبتمبر/أيلول 2016، لشراء الغاز وذلك أثر تعليق صادرات الغاز المصري إلى الأردن.
ونظراً لأن الأردن يسعى بشكلٍ حثيثٍ لحل مشكلة ندرة المياه، وزيادة إنتاجه من الطاقة، دخل في مشروع اتفاقية “الطاقة مقابل المياه" الذي يهدف لبيع المياه للأردن من إسرائيل وشراء إسرائيل الكهرباء من الأردن بتمويل إماراتي.
تنص الاتفاقية - حسب ما نشر في وسائل الإعلام - على أن يُصدّر الأردن، نحو 600 ميغاواط سنويا من الكهرباء المولَّدة من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل، مقابل تزويد الأردن بـ 200 مليون متر مكعَّب من المياه المُحلَّاة. الأمر الي يعني المساهمة في تغطية نحو نصف كمية العجز المائي المقدّر بكمية 400 مليون متر مكعب سنوياً.
وتهدف إسرائيل من الاتفاقية إلى توفير 30 في المئة من احتياجاتها للطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، خاصة وأن اعتمادها على استيراد النفط لا يشكل مصدراً مأموناً؛ لأنها تستورد جزءً كبيراً من النفط من دول بعيدة، تقع ضمن قوس الأزمات الدولية مثل جمهورية أذربيجان التي تؤمّن نحو نصف احتياجات إسرائيل من النفط والغاز.
الحرب تعطل التعاون لكنها لا تمنعه
تسارع تأثير الحرب في غزة على الأردن بشكل كبيرٍ وغير منضبط أحياناً. لكنه تميز -حتى الآن- بالتركيز على مطالب وقف كافة أنواع "التعاون الثنائي" مع إسرائيل (معاهدة السلام، اتفاقية الغاز، اتفاقية المياه مقابل الطاقة) ولذلك قام مجلس النواب وزارة الخارجية بالتحرك والاستجابة السريعة التي نجحت في احتواء مطالب الشارع الأردني مرة واحدة.
فبعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الحرب؛ دعا رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي في جلسة لمجلس النواب يوم الاثنين 13 تشرين أول -أكتوبر-2023 اللجنة القانونية في مجلس النواب الى مراجعة كافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وتقديم التوجيهات اللازمة بشأنها بهدف تقديمها للحكومة لتكون مرهونة بوقف العدوان على غزة. وقد صوت مجلس النواب بالإجماع على هذا الاقتراح.
وبعد تصويت مجلس النواب بثلاث بأيام؛ أعلن وزير الخارجية أيمن الصفدي بتاريخ 16-تشرين الثاني -نوفمبر -2023 أن الأردن لن يوقع "اتفاقية الطاقة مقابل المياه" في ظل الحرب على غزة. ثم أكد وفي مقابلة مع مذيعة CNN، بيكي أندرسون 17-تشرين ثاني -نوفمبر -2023م أن محادثات الاتفاقية توقفت. بحجة إن الظروف الحالية "لن تسمح بأي نوع من التفاعل مع الإسرائيليين"، لا بل أضاف أن معاهدة السلام بين الدولتين ستصبح "وثيقة يتراكم عليها الغبار".
اعتقد بأن اتفاقية الغاز لن تتوقف رغم الحرب؛ لأنها سبق أن واجهت اعتراضات واسعة من قبل الشارع الأردني ومجلس النواب الذي صوت مرتين على مطالبة الحكومة بإلغائها؛ لكن الحكومة ردت بحزم وبشكل واضح ،واعتبرت أن ذلك "غير ملزم لها وأن تنفيذ الاتفاق جاء في إطار المصلحة الوطنية للبلاد وحاجتها لتعزيز أمن الطاقة".
أما تنفيذ مشروع "اتفاقية المياه مقابل الطاقة" فهو مسألة وقت فقط، ومرهون بتوقف الحرب في غزة. وهو ما يُرجح أن التوقف سيكون مؤقتاً. وأعتقد أن الحكومة سترد على مجلس النواب بنفس ردها في اتفاقية الغاز. خاصة وأن الكثير من خبراء المياه الأردنيون يؤكدون على فوائد المشروع، لأن استيراد المياه من إسرائيل يعتبر أقل تكلفة وأكثر كفاءة من تطوير قدرات تحلية المياه الخاصة.
هذا إضافة الى أن معارضة المشروع تخدم أطراف بعينها داخل الأردن تدّعي أنها تدافع عن مصالح الأردن ودعم الشعب الفلسطيني، لكنها في الحقيقة استمرأت التضحية بمصالح الأردن خدمة لأطراف أخرى.
إنّ الولايات المتحدة الامريكية يمكن أن تلعب أدوار مؤثرة في إنجاح هذا التعاون من خلال الاستمرار برعاية مشروع "المياه مقابل الطاقة" والعمل على نجاحه بما تملكه من تأثير عميق لدى كافة الأطراف، وبما تملكه من خبرة عميقة في هذا المجال تعود الى الخمسينات خلال إدارة الرئيس الأمريكي ايزنهاور حين تدخلت ايجابياً وبحزم في الصراع على مياه نهر الأردن بين إسرائيل والأردن مؤكدة أن التعاون الأردني الإسرائيلي في قطاع المياه سيصبح حجر الزاوية في التسوية عبر الحدود.
إنّ المشاريع المشتركة بحاجة الى التعاون وليس المنافسة بما يدفع الدول والمؤسسات والأفراد الى البحث عن مصالحهم المشتركة وحمايتها خدمة لتسهيل عملية التعاون الذي يفترض أن يعمل كمحفزٍ على الحوار العقلاني بين الدول، ويُقلل بشكلٍ كبيرٍ من اللجوء الى الحرب والصراع المسلح.