- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
إثبات أن تنظيم «الدولة الإسلامية» رسولاً مزيفاً
قد يبدو من الغريب أن يكون للإرهاب وتأمين الأراضي الأمريكية دورٌ محوري في الحملات الرئاسية في الولايات المتحدة بعد مرور خمسة عشر عاماً تقريباً على أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. ومع ذلك، فمكافحة الإرهاب كانت من أولويات إداراتَي بوش وأوباما حيث أن كلا الرئيسين بذلا الكثير من الجهود لتجريد التنظيمات الإرهابية الخارجية من قدرتها على تنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة؛ وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح.
إلا أن الاعتداءات التي وقعت في مدينتي سان برناردينو وأورلاندو الأمريكيتين والتي بيّنت الخطر المتمثل بالإرهابيين المحليين وسهولة وصولهم بشكل مريع إلى الأسلحة الأوتوماتيكية جعلت الخيارات أشدّ وضوحاً والأمور المطروحة على المحك أكبر وأضخم. فالشعارات لن تحول دون وقوع مثل هذه الاعتداءات، بل إن جمع المعلومات الإستخباراتية (وخاصة على البريد الإلكتروني ومواقع وسائل التواصل الاجتماعي)، والكشف المبكر عن احتمالات التطرف إضافةً إلى التعاون الفعال مع مجتمعات المسلمين ستكون جميعها جزءاً من الحل. ومن الواضح أن مجافاة هذه المجتمعات ليست طريقة حذقة لحملها على المشاركة الفاعلة في هذه الجهود، كما أنها ليست الطريقة الفعالة للتصدي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») الإرهابي الذي يصوّر العالم وكأنه ناقمٌ على المسلمين لكي يجنّد عناصره.
إنّ هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتشويه صورته هما عنصران أساسيان في أي خطة استراتيجية هادفة للتعامل مع الإرهاب. وعلى الرغم من أن هناك جماعات إرهابية أخرى، إلا أن تنظيم «داعش» يشكّل خطراً فريداً لثلاثة أسباب على الأقل، أولها أنه يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوبٍ متقن ومهني ومصمم لاستقطاب الشبان المستبعدين والمهمّشين في المجتمع. السبب الثاني هو أنه يشكل مصدر إلهام للهجمات الفردية - وخاصة بفعل دعواته إلى "قتل الكفّار" وما يزعمه عن الاستشهاد البطولي لمن يلبّي هذه الدعوات. أما السبب الثالث فهو أن التنظيم يعلن أن مهمته تتمثل بالحاجة إلى توليد مواجهة كارثية مع الكفار لتحقيق النصر النهائي للإسلام، ويعني ذلك أن تنظيم «داعش» سينفّذ الهجمات ضد الولايات المتحدة حتى إذا لا تقوم هذه الأخيرة بمهاجمته.
فما الذي يجب القيام به لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ بادئ ذي بدء، لا بد أن تعمل واشنطن على إضعاف جاذبيته، فهو يدّعي أنّ له مهمة إلهية ولذلك فإن تكبّده خسائر عسكرية سيبرهن أن ادعائه باطلاً. وفي حين تعمل الولايات المتحدة حالياً على دحره في كل من العراق وسوريا، إلا أن صور نجاحاته سبتقى قائمة طالما لم تبطل واشنطن أعظم انتصاراته الرمزية، ألا وهي استحواذه على الموصل في العراق واتخاذه الرقة في سوريا عاصمةً له. من هنا يعدّ فقدان رمزية هذه الإنجازات ضرورياً وبالتالي سيستحيل إخفاؤها.
كذلك ثمة أساليب أخرى لفضح مزاعم التنظيم المزيفة، وهنا تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورها. لنأخذ مثلاً الادعاء القائل إنّ مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» هم مبعوثون إلهيون. ومع تقييد مواردهم والأراضي الخاضعة لهم، تتزايد أعداد المقاتلين الذين يستسلمون للتنظيم أو ينشقون عنه. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، لماذا لا تعرض واشنطن هؤلاء المستسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي؟ فأيّ مبعوث إلهي يستسلم؟ وعلى النحو نفسه، من المهم أن تضع الولايات المتحدة هؤلاء المنشقين على منصات التواصل الاجتماعي فتدعهم يروون أخبار الوحشية والظلم واستغلال النساء والفساء والطبيعة الفاسدة والتعسفية للحكم في الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم.
وفي النهاية، ينبغي تشويه صورة تنظيم «داعش ». صحيحٌ أن باستطاعة واشنطن تكذيب مزاعمه عبر إلحاق الهزائم العسكرية به وفضح أعماله الفعلية، إلا أن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف من غير المسلمين لا يتمكنون من تشويه صورة هذا التنظيم. إن المسلمين السُنّة هم الوحيدين الذين يستطيعون أن يفعلوا ذلك. فتنظيم «الدولة الإسلامية» يدّعي أنه يحمي المسلمين السُنّة من الكفّار والرافضة - أي المسلمين الشيعة. وهذا الأمر وحده يبيّن لنا أنه لا يمكن لإيران أن تشارك في تشويه صورة «داعش». وعلى العكس من ذلك، إن الدور الذي لعبته في القتل الجماعي للسنّة في سوريا ساهم في بروز تنظيم «الدولة الإسلامية».
إن واشنطن بحاجة إلى أن يقوم السُنّة - من رجال دينٍ وعشائر وحكومات - بتشويه صورة تنظيم «داعش» والحلول محله على الأرض. فحتى لو نجحت الولايات المتحدة في إخراج تنظيم «الدولة الإسلامية» من الموصل والرقة بالأساليب العسكرية وإزالة مخلفات سيطرته على الأراضي، لا بد للحكم السني أن يحل محل هذا التنظيم. فإذا لم يحدث ذلك، وإذا أقدمت الميليشيات الشيعية على حملات قتلٍ انتقامية في أعقاب التحرير، وإذا تم استبعاد السنّة وقمعهم على الساحتين السياسية والاقتصادية (كما كان عليه الحال عند هزيمة تنظيم «القاعدة في العراق» عام 2008)، لن يطول الزمن قبل أن تشهد واشنطن نشوء نسخة جديدة من تنظيم «داعش».
إنّ المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة في حمل السُنّة على الاضطلاع بهذا الدور تكمن في أن أولويتها في سوريا والعراق هي تنظيم «الدولة الإسلامية» - في حين تشغل إيران والميليشيات الشيعية كما يشغل الرئيس السوري بشار الأسد بال السُنّة. فالسُنّة يرون في إيران طيراً كاسراً يستخدم الميليشيات الشيعية للهيمنة على المنطقة ويخشون أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للقبول بهذه الهيمنة. وريثما تبرهن واشنطن أنها تأخذ التهديد الإيراني على محمل الجد وأنها ستعمل مع شركائها السنّة لتحميل إيران ثمن أعمالها المزعزعة للاستقرار، من المستعبد أن يلعب السنّة الدور الذي يستطيعون وحدهم لعبه ضد تنظيم «داعش». من هنا، ينبغي على الرئيس الأمريكي المقبل أن يفهم هذا الواقع المعقد ويستفيد من استعداد الولايات المتحدة لمواجهة إيران في المنطقة من أجل كسب النفوذ والقدرة على التأثير على السنة لحثّهم على جعل تنظيم «الدولة الإسلامية» أولى أولوياتهم وأولويات الولايات المتحدة على حدٍّ سواء.
دينيس روس مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
"يو إس إي تودي"