- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أثر العنف الجنساني على التحالف بين الولايات المتحدة والأكراد
يتطلب العنف ضد المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية في كردستان العراق حلولًا دولية متعددة الأوجه، ويبدو أن الولايات المتحدة ستستفيد من دعم هذه الحلول.
قد لا يكون إقليم كردستان العراق شبه المستقل سوى لاعب صغير ضمن السياق الأوسع لسياسة الشرق الأوسط، إلا أن أهميته بالنسبة إلى الدول الغربية وقوات التحالف كبيرة بشكل غير متناسب. فيقع هذا الإقليم الذي تحدّه إيران وسوريا وتركيا في منطقة معادية عمومًا للمصالح الغربية، ولا شك في أنه الأكثر ولاءً للغرب على الصعيد السياسي في هذه الزاوية من الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، إن هذا الموقف الموالي للغرب يجعل أكراد العراق حليفًا يستحق الحماية، كما أن تمتُع كردستان العراق بالقوة يعود بالمنفعة على السياسات الأمريكية في المنطقة عمومًا.
علاوةً على ذلك، ورغم ضُعف العلاقات الدولية لإقليم كردستان العراق في هذا الوقت – مع أنه يدفع باتجاه المزيد من الانخراط الدولي – فقد استغل وضعه شبه المستقل من أجل تمتين موقعه كمركز للاستثمار والازدهار والقيم المشتركة مع الحلفاء الغربيين. ويستطيع هذا الإقليم بالتالي، عبر تلقي الدعم والحماية المناسبين، أن يقدّم ذلك النوع من الشراكة الذي طالما أرادته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط العربي.
مع ذلك، على غرار أي دولة، تعتمد درجة إمكانية التعويل على إقليم كردستان العراق كحليف على استقراره السياسي والاجتماعي الخاص إلى حدٍ كبير. وفي الوقت الراهن، تهدد المشاكل الاجتماعية-السياسية الداخلية الخطيرة في هذا الإقليم بتقويض مكانته كحليف حقيقي بالنسبة إلى قوات التحالف. لذا من أفضل مصالح الولايات المتحدة دعم البرامج التي تحمي المرأة والأطفال والصحافيين في كردستان العراق.
ما يهدد المرأة والأطفال والصحافيين في كردستان العراق
إن المشاكل الاجتماعية-السياسية في كردستان العراق متأصلة ومتعددة. ويبقى كلٌ من أسبابها وحلولها المحتملة غير مفهوم إلا قليلًا بين الخبراء والناشطين. لكن ما يتضح هو أن بعض أخطر المشاكل التي تزعج المجتمع الكردي وأسرعها نموًا هي العنف ضد المرأة وزواج الأطفال واضطهاد الصحافيين.
إن العنف ضد المرأة هو ظاهرة واسعة الانتشار في كردستان العراق. ورغم أن دستور العراق الصادر عام 2005 يمنع كافة أشكال العنف والتعسف داخل الأسرة والمجتمع، فالنزاع المسلَّح والإرهاب والتطرف والعادات القبلية هي أمورٌ تعني استمرار العنف الجنساني بلا هوادة. ففي عام 2009، قُتلت 120 امرأة في كردستان العراق كنتيجة للعنف الجنساني. وفي أواخر عام 2020، اعتُقل ثلاثة رجال للاشتباه في قيامهم بشنق أخواتهم على أساس ما يُدعى "جريمة الشرف". وفي الأسابيع الماضية وحدها، انتحرت إحدى ضحايا سوء المعاملة الأسرية، وتوفيت ضحية أخرى بعد إطلاق زوجها النار عليها، وقُتلت ضحية أخرى على يد والدها.
في حين أن هذه الحوادث قد تصدم الجماهير في الغرب، فهي شائعة نسبيًا عبر كردستان العراق، رغم أن النساء كنّ عرضة لها بشكل خاص في خلال العام الماضي. فوجد تقريرٌ صادرٌ عن "صندوق الأمم المتحدة للسكان" في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 أن النساء في العراق، ومن ضمنه إقليم كردستان، معرضات لخطر متزايد من العنف الأسري والعنف الجنساني كنتيجة لجائحة كوفيد-19. وأفاد أيضًا أحد خطوط الدعم لضحايا العنف الجنساني في كردستان العراق بأنه يتلقى عددًا من الاتصالات في العام 2021 يفوق العدد الذي كان يتلقاه في السنوات السابقة.
غير أن التقارير لا تصف سوى جزء من النطاق الفعلي للعنف ضد المرأة في كردستان العراق. فتخشى عدة نساء تشويه سمعتهن أو تحريض شركائهن على ممارسة المزيد من العنف، لدرجة تمنعهن من الإبلاغ عن أي أفعال عنف تمارَس ضدهن.
إلى ذلك، إن إخفاق المشرّعين في الفهم الحقيقي لمصادر هذا العنف وأسبابه جعلَ مشكلة تنامي العنف الأسري والعنف الجنساني تتفاقم. فحتى في حالة القتل، لم تضع الحكومة أي استراتيجية واضحة لمعالجة العنف المتفشي ضد المرأة.
أحد أسباب عجز المشرعين في حكومة إقليم كردستان عن فهم أسباب العنف الجنساني ودرجته هو أنّ إقليم كردستان العراق يفتقر إلى أي نوع من الآليات القوية لجمع البيانات حول العنف ضد المرأة. وتتعلق الأرقام الموثوقة الوحيدة المتوافرة تحديدًا بالتنمر السيبراني الذي تتعرض له النساء. وما لا يثير الدهشة هو أن هذه الأرقام تُظهر أن هذا الشكل المحدد من الاعتداء الجنساني يتزايد بمعدّل مثير للقلق. فلا بد من أجراء أبحاث أكثر أهمية والحصول على معلومات إضافية لمعالجة هذه المشكلة.
إحدى المشاكل الاجتماعية الأخرى التي تثير القلق الشديد في كردستان العراق هي انتشار زواج الأطفال. فهو يستمر في الحدوث بأعداد كبيرة رغم عدم شرعيته تقنيًا. وعلى غرار العنف الجنساني، ما زالت الأبحاث في هذا المجال نادرة، إلا أن البيانات المتوافرة تُظهر أن أكثر من 20 في المئة من الفتيات في إقليم كردستان تزوجن قبل بلوغ سن الثامنة عشر (ويطال زواج الأطفال الفتيان أيضًا، لكن ليس بقدر ما يطال الفتيات). وهكذا، إن معدل زواج القاصرين في العراق هو من أعلى المعدلات في العالم، وتفاقمت هذه المشكلة بسبب قدوم مئات آلاف اللاجئين من سوريا.
يساهم كلٌ من الفقر وانعدام الأمن الاقتصادي والتقاليد الاجتماعية والثقافية في ممارسة زواج الأطفال، وقد يُنظَر غالبًا إلى تزويج الفتيات الصغيرات ضمن الأسر المنخفضة الدخل كوسيلة لحماية "شرف" العائلة. وتنمّ هذه النظرة عن جهل الضرر الجسدي والنفسي الشديد الذي يظهر دائمًا تقريبًا على الفتيات الصغيرات بسبب زواج الأطفال.
إن القدرة على الإبلاغ الصريح والحر عن المشاكل التي تزعج المجتمع الكردي – كالعنف الجنساني وزواج الأطفال – ستساعد على تسليط المزيد من الضوء على هذه المسائل، وتُحسّن الوعي والتثقيف، وتساعد على محاسبة المشرعين والأشخاص الموجودين في السلطة. ومع ذلك، يضطر الصحافيون أكثر فأكثر، وسط حملة قمع حدثت مؤخرًا، إلى المجازفة بحياتهم من أجل كشف الحقيقة ونقلها.
ما زالت حكومة إقليم كردستان تدّعي أن الصحافة تتمتع بالحرية والاستقلالية في الإقليم، إلا أن ذلك لم يعُد سوى مجرد خيال. فيمكن أن يواجه الصحافيون الذين يحققون في العنف الجنساني وزواج الأطفال، إلى جانب أولئك الذين يحققون في الاحتجاجات والفساد وسلوك الشخصيات في المنطقة، المضايقة والخطف والاعتقال والاعتداء الجسدي والتعذيب والتهديدات التي تطال حياتهم الخاصة.
لا تؤدي المشاكل المجتمعية المنهجية معًا، مثل العنف الجنساني وزواج الأطفال والفساد والترهيب الإعلامي، سوى إلى تقويض نسيج المجتمع الكردي وإضعافه. وفي المقابل، يُحدث هذا التدهور الاجتماعي غياب الانسجام والاستقرار على كافة المستويات، فيُلحق الضرر بالازدهار الاقتصادي والتماسك السياسي، وأخيرًا بقدرة إقليم كردستان العراق على أن يكون حليفًا قويًا وثابتًا.
نهج متعدد الأوجه إزاء المشاكل الاجتماعية والسياسية
إن الفشل في معالجة مصيبة العنف الجنساني والمشاكل الاجتماعية الأخرى لا يعني سوى تسارُع انهيار المجتمع الكردي. فتتزايد أعداد الأفعال العنفية الجنسانية وحالات الزواج القسري واعتقالات الصحافيين، ولا مبالغة في الاعتبار أن الفشل في معالجة هذه المشاكل الاجتماعية، المقترن بالإحباط والفساد السياسيين الجاريين، قد يؤدي إلى تصدّع الوضع السياسي في كردستان العراق، ما قد يتسبب حتى بحدوث مظاهرات على نطاق واسع.
إن الحلول التي تعالج هكذا مشاكل مترسخة بعمق ليست بسيطة؛ فيؤدي كلٌ من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية دورًا في الحفاظ على هذه المشاكل. لذا تتطلب هذه المسائل نهجًا متعدد الأوجه يشمل الشركاء الدوليين والمنظمات غير الحكومية والناشطين والمؤسسات الحكومية والمجتمع العراقي الأكبر.
يجب أن يشكل تمكين المرأة وعائلتها وأطفالها نقطة الانطلاق. فإنّ تمكين المرأة ماليًا عبر بناء مهارات قابلة للتسويق يُتيح مثلًا التخلص من فقرها. ويسمح التمتع بالأمن المالي إلى حدٍ ما للمرأة بأن تكون أقل اعتمادًا على الرجل المتعسف، ويعني أيضًا تخفيف العبء الاقتصادي المترتب عن الأولاد برأي الأهل، ما يقلّص بدوره الحاجة إلى تزويجهم في سنٍّ مبكر.
علاوةً على ذلك، في حين أن النساء أنفسهن هنّ المستفيدات الأساسيات من التدريب على بعض المهارات، يعود هذا التدريب بمنفعة هائلة على حكومة إقليم كردستان أيضًا. فيساعد تدريب المرأة من أجل اكتساب المهارات على تحقيق التمكين الاجتماعي والاقتصادي مع بناء قوى عاملة أكثر رشاقة.
في الواقع، سبق أن شهدت هذه الأنواع من البرامج التدريبية نجاحًا في أنحاءٍ أخرى من العالم. ففي غامبيا على سبيل المثال، تبين أن النساء اللواتي خضعن لبرامج محو الأمية واكتساب المهارات لدى الراشدين أصبحن أكثر تمكينًا واعتمادًا على الذات بشكل ملحوظ. وأكدت معظم المشاركات أنهن أصبحن قادرات على الاعتماد على الذات، أو نيل وظيفة، أو العمل الحر بعد التخرج من الدورة.
بالإضافة إلى اكتساب المهارات، إن تنفيذ قانون عراقي للعنف الأسري هو مهم بالقدر نفسه بالنسبة إلى النساء اللواتي يعانين بين أيادي الرجال المتعسفين. فسيزيد هكذا قانون الوعي بشأن العنف الأسري على النطاق الوطني، ويحسّن الدخول إلى دور الإيواء، ويحسّن المساعدة القانونية حتى تتمكن المرأة من استخدام المحاكم للدفاع عن نفسها.
حتى الآن، أحبط المشرعون باستمرار الجهود الرامية إلى تمرير مشروع قانون ضد العنف الأسري في البرلمان العراقي، ويتوافر عدد قليل جدًا من البنى التحتية لإيواء النساء اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة في البلدات الريفية والقرى. كما تبقى أوجه القصور الهائلة قائمة في أحكام المساعدة القانونية وعملياتها.
لكن عدا عن القوانين البسيطة، يلزم أيضًا تأمين التمويل لبرامج تمكين الإناث وتحسين البنى التحتية. فمن الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى، فيما لا يزال العراق يعاني من جائحة كوفيد-19، أن تلقى البرامج الابتكارية والمتعددة الأوجه التي تحقق التغيير السلوكي دعمًا وتمويلًا دوليين هي بحاجة إليهما – مثلًا من حلفاء كردستان العراق، كالولايات المتحدة.
أقرت وزارة الخارجية الأمريكية و"الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" في خطتهما الاستراتيجية لعام 2009 بما يلي: "يكون أمننا الخاص مضمونًا بأفضل شكل حين تتمتع الدول الصديقة والمجاورة لنا بالأمن والحرية والازدهار، وحين تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون". لذا على الولايات المتحدة أن ترى المنفعة المتأصلة في دعم البرامج المصممة من أجل تمكين المرأة وحمايتها في كردستان العراق.
حتى أن هذا الجهد يلائم جدول الأعمال الشخصي الخاص بالرئيس بايدن – إذ جعل هذا الرئيس معالجة العنف الجنساني أولوية شخصية وسياسية في خلال مسيرته المهنية. ففي عام 1994، قدّم "قانون مناهضة العنف ضد المرأة"، وهو تشريع بارز شهد انخفاض معدلات العنف الأسري في الولايات المتحدة إلى النصف. كما جعل حماية المرأة جدول أعمالٍ أساسيًا في إدارته الجديدة. وهكذا، لن يتعين على الولايات المتحدة بذل جهد كبير لجعل العنف الجنساني أولوية خارج الولايات المتحدة نفسها.
إن تمكين المرأة وتحسين آفاقها في كردستان العراق هو من ركائز تعزيز الاستقرار في المنطقة. وأثبت الرئيس بايدن عبر سياساته وسجله التزامه بإنهاء العنف ضد المرأة، ومن المهم جدًا أن يضمن الآن قيام الحلفاء مثل كردستان العراق بما يتوجب عليهم من أجل تطبيق القيم المشتركة وكفالة سلامة المرأة. فصحّة المجتمع في كردستان العراق تعني إنشاء حليف أقوى للولايات المتحدة، ولا بدّ من أن تلاحظ إدارة بايدن ذلك.