- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اتصال اليمن بشبكة الإنترنت فرصة للتعاون وليس هدفًا
يجب التعامل مع الاتصال بشبكة الإنترنت على أنه حق من حقوق الإنسان الأساسية. واليمن بحاجة ماسة اليوم إلى هذا الاتصال لعدة أغراض، منها تسهيل المساعدات الإنسانية ودعم الانتعاش الاقتصادي بعد انتهاء الحرب.
إنّ الهجوم السيبراني الروسي على البنية التحتية الرقمية الأوكرانية، المعروف بـ "داتا وايبر" (أو ماسح البيانات)، صار واقعا وجديدا ومرعبا في المرحلة المقبلة من الحرب الإلكترونية، حيث لا تخضع لأي قوانين ولم يسبق لها مثيل، مع احتمال أن تخلّف تداعيات عالمية كارثية. والواقع أن استخدام الإنترنت كسلاح ليس مفهومًا جديدًا، مع أنه لم يُستخدم على هذا النطاق الواسع من قبل. ومع ذلك، وفى مواجهة عملية استخدام الإنترنت كسلاح، بذل اليمن جهودا مضنية للوصول إلى الشبكة العنكبوتية. وعلى الرغم من أن خدمة الأنترنت تتوافر لدى 27 في المائة فقط من السكان، إلا أنه غالبًا ما تكون هدفًا للعمليات العسكرية من قبل طرفي النزاع. ففي أواخر شهر كانون الثاني/يناير، انقطعت خدمة الإنترنت عن معظم المناطق اليمنية بعد أن تعرّض مركز اتصالات في مدينة الحديدة الساحلية لضربات جوية من قوات التحالف التي تقودها السعودية. ووردت أيضًا تقارير عن هجوم على مركز اتصالات في صنعاء في 14 شباط/فبراير، ما أدى إلى انقطاع الخدمة بشكل أكبر.
وقد ادعى عبد الملك الأعرجي، وهو أحد الممثلين السياسيين للحوثيين، أن القطاع يُستهدف عمدًا كجزء من استراتيجية حرب اقتصادية لأنه مصدر دخل لحركة التمرد. وإذا صحّ هذا الادعاء، فهذا يعني انتهاكًا لقواعد الحرب، مثل الملحق (البروتوكول) الإضافي إلى اتفاقية جنيف لحماية الأعيان المدنية. ومع ذلك، صرّح التحالف أن ضربة صنعاء كانت تستهدف منظومة طائرات مسيرة، مع أنه لم يعطِ أي تبرير لضربة الحديدة. وتكشف تعليقات الأعرجي أيضًا عن مشكلة أخرى في حال كانت الأطراف المتنافسة ترى قطاع الاتصالات مصدرًا للدخل وليس مرفقًا ذا منفعة عامة.
حتى في ظل الأزمة الإنسانية الحادة التي يشهدها اليمن، مع وجود خمسة ملايين شخص على شفير المجاعة وسقوط ضحايا من الحرب كل يوم، يبقى من بالغ الأهمية نزع الطابع السياسي عن قطاع الاتصالات وإحراز تقدم سريع في انتشاره بأسعار معقولة من أجل تسهيل المساعدات الإنسانية والنشاط الاقتصادي والحياة المدنية الطبيعية. ومن ثم، يعاني ملايين اليمنيين الكثير في ظل تفشى جائحة كوفيد-19 وحرب أهلية دون إمكانية الوصول للمعلومات أو الاتصال بالعائلة أو استخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
لم يكن انقطاع الإنترنت خلال كانون الثاني/يناير المرة الأولى التي ينعزل فيها اليمنيون افتراضيًا عن العالم. وما لم يُتَّخذ إجراء ملموس بهذا الشأن، من المحتمل ألا تكون الأخيرة. واليمن عرضة للخطر في هذا المجال لأنه يتصل بشبكة الإنترنت بواسطة كابل "فالكون" واحد قديم ممتد في البحر يصل إلى شاطئ الحديدة. وبعد هذه النقطة، لا يتوفر حاليًا سوى خط محدود إلى جيبوتي يخدم عدن ويوفر الوصول إلى الأقمار الصناعية بشكل نادر ومكلف.
تُظهر الأضرار الأخيرة التي لحقت بخدمة الإنترنت ضعف البنية التحتية في اليمن، ففي تموز/يوليو 2018، تضرر كابل "فالكون" عندما قام الحوثيون عن طريق الخطاء بأعمال حفر لتحصين محيط الحديدة. وفي كانون الثاني/يناير 2020، تضرر "فالكون" مرة أخرى من مرسى سفنٍ في مصر فتسبب بانقطاع الاتصال في اليمن لأسابيع. وفي آب/أغسطس 2020، حدث انقطاع بسبب عطل تقني؛ وفي وخلال حالات الانقطاع هذه، تعذّر على اليمنيين الوصول إلى الشركات التجارية على الإنترنت والاطلاع على الأخبار، وانقطعوا عن التعليم والتفاعلات الاجتماعية وكذلك عن التحويلات النقدية من أقاربهم في الخارج، علمًا بأن الكثيرين يعتمدون على هذه التحويلات للبقاء على قيد الحياة، كما أنها تساهم بربع الناتج المحلي الإجمالي تقريبًا.
حتى إذا لم تحدث أي أعطال، تحتل الاتصالات في اليمن أسفل المرتبات في التصنيفات العالمية، وهذا يعني انخفاض عرض النطاق الترددي وارتفاع زمن الانتقال، علاوة على تكلفة اتصال شبكي هي من الأعلى في العالم. وبما أن اليمن يفتقر إلى نقاط تبادل الإنترنت ومراكز بيانات لمعالجة الطلبات محليًا، يتوجب توجيه كامل حركة الإنترنت تقريبًا عن طريق النظم الدولية. ويشير هذا الى أن اليمنيين الذين يصلون إلى موقع مثل (يوتيوب) يجلبون البيانات من الولايات المتحدة عوضاً عن الخوادم المحلية، مما يؤدي إلى إبطاء سرعة الاتصال بشكل كبير. لذلك ـ فإن الاعتماد على توجيه حركة المرور عبر شبكة الإنترنت الدولية يزيد الضغط على النطاق الترددي الدولي المحدود الذي يقل عن عُشر المتوسط العالمي للفرد.
ونصف السكان في اليمن بالكاد متصلون بشبكات الهاتف المحمول حيث تتمتع نسبة 2 في المائة فقط باتصال ثابت بالشبكات واسعة النطاق، علمًا بأن التغطية متقطعة وتقتصر إلى حد كبير على تقنيات الجيل الثاني (2G) والثالث (3G)، كما أنهم لا يستطيعون الوصول إلى معظم خدمات الإنترنت. وتؤثر هذه الهوة الرقمية بحدة على النساء والفقراء أكثر من غيرهم، وهذا ما يتبين من البيانات التي تظهر أن النساء تشكل نسبة 13 في المائة فقط من إجمالي اليمنيين الذين يستخدمون فيسبوك.
ويعزى ضعف خدمة الاتصالات في اليمن بالدرجة الكبرى إلى إخفاقات الحكومات المتعاقبة، وجاءت الحرب لتزيد الوضع سوءًا منذ عام 2015. وهي، علاوة على الضرر المباشر الذي لحق بالبنية التحتية، أعاقت الاستثمار الخاص في هذا القطاع. وجدير بالذكر هنا أن شركة "أم تي أن" الجنوب أفريقية التي تدير إحدى شبكات الهاتف المحمول خرجت من القطاع العام الماضي.
إن التواصل شرط أساسي لاقتصاد قوي. وقد سلطت جائحة "كوفيد-19" الضوء على أهمية الاتصال بين الناس وكشفت عن التفاوتات العالمية في الاتصالات وما لها من تبعات خطرة اجتماعية سياسية واقتصادية وحتى صحية. فالافتقار إلى قدرة الوصول إلى الإنترنت بشكل مناسب يؤثر على قطاعات حيوية مثل التعليم والمصارف والرعاية الصحية. ومع تفشي الوباء، لجأت دول متقدمة كثيرة حول العالم إلى المنصات عبر الإنترنت لمتابعة التعليم، لكنّ هذا الخيار لم يكن يومًا متوفرًا في اليمن. في الواقع، من شأن تحسين الاتصالات أن تحسّن حياة اليمنيين العاديين بشكل كبير من خلال الربط في ما بينهم، بما في ذلك ربطهم بالعدد الكبير من المغتربين في العالم، والوصول إلى المعلومات والخدمات، ومساعدتهم في إطلاق إمكاناتهم الكبيرة في ريادة الأعمال. كما أن التوسع الكبير في العمل عن بُعد خلال فترة تفشي الوباء يعني أن الوصول الموثوق إلى الإنترنت سيتيح لليمنيين إيجاد فرص عمل عن بُعد، بما في ذلك في دول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الفرص الأخرى الضائعة في اليمن.
الخبر السار هو أن فرص تحسين الوصول إلى الإنترنت في اليمن متوفرة، لكنها تتطلب إرادة سياسية واستثمارات جدية. فكابل AAE-1 البحري متصل بعدن منذ عام 2017، ولكن لم يتم تشغيله بسبب الخلافات بين الأطراف المتحاربة. ومن شأن الاتفاق على تشغيل هذا الكابل الجديد وتعميم النطاق الترددي على كل البلاد أن يضاعف النطاق الترددي الدولي بين ليلة وضحاها، بل سيكون خير مثال عن فوائد جهود السلام، فيبني الثقة اللازمة لاتخاذ الخطوات الأصعب المطلوبة لضمان سلام عادل ودائم. كما أن رفع القيود المفروضة على استيراد معدات الاتصالات وقطع الغيار يعطي هو أيضًا دفعًا سريعًا لهذا القطاع.
أما الخطوات التالية فتشمل الربط بكابلات إضافية، بما فيها مثلاً الكابلات ذات النطاق الترددي العالي التي تمدّها حاليًا شركتا غوغل وميتا في أنحاء المنطقة وتتصل بكل الدول الأخرى تقريبًا. ويمكن أيضًا إعادة تشغيل الوصلات الأرضية مع السعودية وعُمان التي دمرها الصراع وإعصار لبان 2018. في مطلق الأحوال، ستدعو الحاجة إلى استثمارات كبيرة في مراكز البيانات المحلية والشبكات الثابتة والمتنقلة لتعميم إمكانية الاتصال على جميع أنحاء البلاد. كما أن أنظمة الأقمار الاصطناعية من الجيل الجديد، مثل ستارلينك، قد تسهم هي أيضًا في تجاوز هذه العملية البطيئة لتوفير إمكانية الوصول إلى الإنترنت في المزيد من المناطق النائية.
يجب أن يكون الاتصال بالإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية أولوية في عملية السلام. فالاتصال بالإنترنت هو حق أساسي من حقوق الإنسان وأداة تمكين للنشاط الاقتصادي والحوكمة. وسيكون تحسين الوصول إلى هذه الخدمة مربحًا لكل اليمنيين، وفرصةً للتعاون وبناء الثقة بين الأطراف المتحاربة. وقد آن الأوان ليحظى هذا القطاع بالاهتمام الذي يستحقه قبل أن يغوص اليمنيون أكثر في الظلام.