
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 4001
أوكرانيا في عامها الرابع: وجهة نظر حلف الناتو وتداعياتها على الشرق الأوسط

يشارك مسؤول بارز في حلف الناتو مع خبراء أمريكيين وإقليميين في مناقشة أثر جهود إدارة ترامب في صنع السلام على التوازنات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحرب، بدءاً من صراع القوى العظمى في الشرق الأوسط وصولاً إلى قضية المعادن النادرة والخطاب المُعادي للغرب.
في 18 شباط/فبراير 2025، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي بمشاركة دانا سترول، وآنا بورشتشفسكايا، وخافيير كولومينا، ورياض قهوجي. تشغل سترول منصب مديرة الأبحاث في معهد واشنطن، وزميلة "شيلي ومايكل كاسن". وتعمل بورشتشفسكايا زميلةً في برنامج "هارولد غرينسبون" المختص بدراسة المنافسة بين القوى العظمى والشرق الأوسط، التابع لمؤسسة دايين وغيلفورد غليزر. أما كولومينا، فيشغل منصب الممثل الخاص للأمين العام لحلف الناتو في الجوار الجنوبي، إضافةً إلى منصب نائب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والسياسة الأمنية. في المقابل، يعمل قهوجي مستشاراً أمنياً ودفاعياً ويقيم في دبي، وهو مؤسس "معهد الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري ". فيما يلي ملخص المُقرر عن ملاحظاتهم.
دانا سترول
تشهد الساحة الأمريكية مرحلة جديدة في تعاملها مع الحرب الروسية الأوكرانية، إذ تخلل الأسبوع الماضي سلسلة من التحركات التي قامت بها إدارة ترامب، في أول جهد دبلوماسي رفيع المستوى للتوسط لإنهاء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. ويُشكل هذا التحرك تحولاً جوهرياً عن نهج إدارة بايدن، التي اعتمدت على التعاون مع الحلفاء والشركاء – لا سيما في أوروبا – لعزل روسيا وفرض عقوبات عليها بسبب الغزو، مع التمسك بعدم التفاوض بشأن مستقبل أوكرانيا دون مشاركتها المباشرة في المحادثات.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، قاومت حكومات الشرق الأوسط الانحياز الكامل إلى التحالف الأمريكي الداعم لأوكرانيا، مفضِّلةً بدلاً من ذلك، الحفاظ على العلاقات والتعاون مع روسيا. أما الآن، وفي ظل بروز نهج جديد في واشنطن، تتجلى رؤى مهمة حول طبيعة استجابة هذه الحكومات، فضلاً عن أسئلة جوهرية أخرى بشأن مستقبل المنطقة في سياق التفاعل مع روسيا وأوكرانيا، والدور الأمريكي المتغير.
آنا بورشتشفسكايا
على مدى السنوات الثلاث الماضية، استغل فلاديمير بوتين الحرب الروسية في أوكرانيا كأداة لتحدي النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك الهياكل الأمنية الأوروبية التي تشكلت خلال حقبة الحرب الباردة. ويتطلع بوتين إلى تأسيس عالم متعدد الأقطاب، تتمتع فيه القوى العظمى بحرية التصرف دون مساءلة داخل مناطق نفوذها. وطوال فترة الصراع، أصبح من الواضح أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة لديهم أولويات مختلفة، وفشلوا في فهم الأهداف الاستراتيجية الأوسع لموسكو. هذه حرب لا يمكن لأوكرانيا أو الغرب أن يخسراها دون أن يواجه الجميع خطراً كبيراً.
وقد قدَّم بوتين روسيا بوصفها ضحية، زاعماً أن الغرب يستغل أوكرانيا كوسيلةً لإضعاف موسكو. في حين اتخذت دول الشرق الأوسط موقفاً محايداً إلى حدٍ بعيد، متجنبةً المشاركة في العقوبات الغربية، بل عمد بعضها إلى توطيد علاقاته التجارية مع روسيا، مما أسهم في إضعاف جهود عزل موسكو دولياً.
تستمر السرديات المتنافسة في تشكيل التصورات حول الصراع، إذ اعتبرت موسكو أفعالها دفاعية في مواجهة الضغوط الغربية، مؤكدة أن الولايات المتحدة وشركاءها عملوا على معاقبة روسيا منذ نهاية الحرب الباردة. وتحظى هذه السردية، التي تصوّر موسكو ككيان مهدد أُجبر على اتخاذ إجراءات عدوانية، بزخم متزايد في الشرق الأوسط. غير أن هذه الادعاءات تتعارض مع الواقع وتؤدي إلى تفاقم سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة في مناطق واسعة من العالم، ومنها الشرق الأوسط.
من جانبهم، يدرك الأوكرانيون أن هناك حاجة للتواصل بشكل أفضل مع المنطقة، ويبذلون جهوداً حثيثة لتحقيق هذا الهدف. وتتسم رسالتهم إلى الشرق الأوسط بالوضوح، إذ يؤكدون أن رؤية روسيا لعالم متعدد الأقطاب محكوم عليها بالفشل، ولن تؤدي إلى الازدهار.
في تلك الأثناء، عزّزت موسكو تحالفاتها مع الأنظمة الاستبدادية الأخرى، وعلى رأسها إيران حيث وقّع البلدان في الشهر الماضي معاهدة للشراكة الاستراتيجية الشاملة، ترمى إلى تعميق تعاونهما العسكري والاقتصادي. ومع ذلك، فإن سقوط نظام الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا يوفران للولايات المتحدة فرصة استراتيجية لتقويض هذا التحالف، والاستفادة من الانتكاسات الأخيرة التي تعانيها طهران.
وتضطلع الصين بدور محوري في الصراع الأوكراني أيضاً. فعقب سيطرة روسيا على الأراضي الأوكرانية الغنية بالمعادن الحيوية، أصبحت بكين تستفيد من هذه الموارد وتحظى بوصول ضمني إلى بعضها. ورغم أن هذه القضية ظلت في الخلفية حتى الآن، فإن محاولات الرئيس ترامب لاستغلال الوصول إلى المعادن النادرة والمواد الاستراتيجية الأخرى مقابل تنازلات تفاوضية ستؤثر بشكل بالغ على المحادثات الأمريكية مع روسيا، فضلًا عن المنافسة الاستراتيجية مع الصين.
في المحصلة، تمثل حرب أوكرانيا صراعاً عالمياً يحمل في طياته تداعيات بعيدة المدى، تشمل الشرق الأوسط، إذ ستترك نتائج هذه المفاوضات أثراً عميقاً على مصداقية الولايات المتحدة عالمياً. وفى هذا السياق، لا يمكن تحقيق السلام الدائم دون مشاركة فاعلة من أوكرانيا وأوروبا في المفاوضات .ولترسيخ قوة النظام العالمي الليبرالي وردع الأنظمة الاستبدادية الأخرى عن الظن بأن بإمكانها التصرف دون عقاب تجاه جيرانها، يتعين على الولايات المتحدة تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا وإرغام روسيا على دفع ثمن باهظ جراء عدوانها. وعليه، ينبغي أن تخرج أوكرانيا من هذه الحرب منتصرة.
خافيير كولومينا
ستظل الاتجاهات العالمية عاملاً حاسماً في تشكيل المفاوضات بشأن أوكرانيا، إذ يرتبط الأمن الدولي بشبكة معقدة من التداخلات بين المناطق المختلفة. ويتجلى ذلك في وجود جنود كوريين شماليين في منطقة كورسك الروسية، إلى جانب استخدام القوات الروسية للطائرات المسيّرة الإيرانية. علاوة على ذلك، عزّزت أوكرانيا علاقاتها مع جيرانها الجنوبيين، كما يتضح من الوفد الذي أرسلته كييف إلى سوريا عقب سقوط بشار الأسد.
من جانبه، يدرك "حلف الناتو" أهمية تعزيز التواصل مع الجنوب، وهو ما يعكسه توسيع قنوات الاتصال مع الشرق الأوسط، حيث يشكل "محور عدم الاستقرار" الناشئ مصدر قلق متزايد للحلف، الذي يعتبر الصين أداة تمكين رئيسية للحرب الأوكرانية. وقد أعرب "الناتو" عن خيبة أمله إزاء الدور الذي تؤديه بكين في دعم موسكو، مشدداً على أنه من غير المقبول لدولة تدعي الالتزام بميثاق الأمم المتحدة أن تبقى صامتة إزاء مثل هذا العدوان.
بالإضافة الى ذلك، ستشكل طريقة انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية عاملا حاسماً في تحديد الأمن العالمي. فإذا اعتقدت روسيا أنها حققت نصراً عبر المفاوضات، فسيزداد بوتين والمستبدون الآخرون في مناطق مختلفة جرأة. في الوقت الحالي، تتبنى إدارة ترامب نهجاً يعتمد على إرسال الرسائل، وتقييم ردود الفعل، ثم تعديل خطواتها المقبلة بناءً على تلك الاستجابات .علاوة على ذلك، تؤكد واشنطن علناً أن جميع الخيارات مطروحة، ومع ذلك، يجب أن تُصاغ الرسائل المستقبلية حول هذا الصراع بحيث تُبرز روسيا بوضوح كطرف معتدى، وأوكرانيا كضحية. وفي السر، أعربت الإدارة عن دعمها للناتو، حيث أظهر الرئيس ترامب التزامه بالتحالف. ومع ذلك، فإن تعزيز هذا الموقف يتطلب من الإدارة تقديم دعم أكثر وضوحاً وصراحةً للناتو.
وفي ظل سعي المسؤولين للتوصل إلى تسوية تُنهي الحرب، يبقى السؤال ليس فقط حول ما هو عادل لأوكرانيا، بل أيضاً حول ما هو عادل وقابل للتنفيذ معاً. تدرك الولايات المتحدة أن القرار النهائي يعود لأوكرانيا، لكن نتائج هذه المفاوضات ستخلف تداعيات عالمية، حيث ترسل بذلك رسالة واضحة حول موقف واشنطن من الصراعات الدولية والعدوان الاستبدادي. في الوقت الراهن، تمثل المفاوضات فرصة حاسمة للضغط على موسكو وتمهيد الطريق نحو السلام في أوكرانيا. وأسرع وسيلة لإنهاء الحرب هي أن تدرك روسيا أن التداعيات العالمية للصراع تُضعف حلفاءها وتؤثر سلباً على مصالحها.
رياض قهوجي
حظيت روسيا بدعم قطاع واسع من الرأي العام في الشرق الأوسط خلال الحرب، نظراً للتصورات التي ترى أن التوسع الشرقي لحلف الناتو هو ما دفع موسكو إلى الصراع. كما تولي العديد من الحكومات الإقليمية أهمية قصوى للمصالح الاقتصادية، ولا سيما فيما يتعلق بأسعار النفط. وقد أفضى ذلك إلى تبني موقف يتسم بالحياد الإيجابي، حيث تنصب اهتمامات الدول الإقليمية على المشاركة في المفاوضات والحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى العظمى. وقد تجلى هذا الحياد مؤخراً في استضافة المملكة العربية السعودية لمحادثات السلام التحضيرية. والواقع أنه من المرجح أن يرحب الرئيس ترامب بفكرة وساطة الرياض وأبو ظبي بين موسكو وكييف، ليس لمجرد دفع جهود التسوية فحسب، وإنما لاستخدام هذا النفوذ في صفقات مستقبلية تخص الشرق الأوسط، سواء في غزة أو مناطق أخرى.
وعلى نحو مماثل، لا تحظى مسألة انضمام أوكرانيا المحتمل إلى حلف الناتو بأهمية كبيرة في الأجندة الشرق أوسطية. إذ تدرك المنطقة أن انسحاب روسيا من أجزاء واسعة من أوكرانيا أمر مستبعد، وترى في ذلك ثمنًا يتعين على كييف دفعه نتيجة انحيازها للغرب .بيد أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زالا يتأثران بشكل كبير بالصراع. فعلى سبيل المثال، تعطلت العقود الدفاعية الروسية مع الجزائر ومصر جراء عجز موسكو عن الوفاء بالتزاماتها، مما أسفر عن خسائر اقتصادية واستراتيجية لهذه الدول.
وفيما يتعلق بالأحداث الأخيرة في سوريا، فقد أدى سقوط الأسد إلى تراجع مصداقية روسيا في المنطقة. فعلى سبيل المثال، وجّه مسؤول رفيع في "الحرس الثوري الإيراني" انتقادًا لاذعًا إزاء فشل موسكو في الحفاظ على نظام الأسد. وفى المستقبل المنظور، من المرجح أن تسعى روسيا إلى تحقيق توازن في علاقاتها بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، إدراكاً منها للدور الحاسم الذي يضطلع به المجلس في تحديد أسعار النفط وإنتاجه. وبناءً على ذلك، من غير المحتمل أن تتماشى روسيا بشكل كامل مع المصالح الإيرانية.
وأخيراً، ستترك الطريقة التي تصوغ بها الولايات المتحدة الروايات أثرها على مفاوضات المستقبل حول القضايا الجيوسياسية المصيرية في أوكرانيا وخارجها. إذ أثارت التصريحات الأخيرة لإدارة ترامب حول استعادة قناة بنما، وشراء غرينلاند، والسيطرة على غزة تساؤلات حول كيفية تفسير هذه الأفكار بوصفها نزعات إمبريالية، وما إذا كانت ستنال من مصداقية واشنطن عندما تتحدث عن القيم الليبرالية. وعلى غرار معظم دول العالم، يتطلع الشرق الأوسط إلى تحقيق السلام، ويأمل أن تقدم أوكرانيا تنازلات تُفضي إلى إنهاء الصراع، مع توفير ضمانات دولية قوية لحمايتها من أي عدوان مستقبلي.
تم إعداد هذا الملخص بواسطة كلوديا غرولينغ- أصبحت سلسلة منتدى السياسات ممكنة بفضل سخاء عائلة فلورنس وروبرت كوفمان.