- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أي توجه يجب أن تنتهجه "السلطة الفلسطينية" إزاء إدارة بايدن
من المتوقع أن تُظهر إدارة بايدن مزيجًا من سياسات ترامب وأوباما تجاه إسرائيل والفلسطينيين.
يجب ألا يعلّق الفلسطينيون آمالًا كبيرة على إدارة بايدن المقبلة – فالمسائل على غرار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) والشؤون الداخلية الأمريكية والتهديد الذي تطرحه إيران ستحظى من دون شك بالأولوية على المسائل الإسرائيلية- الفلسطينية في أجندة بايدن. وفي حال تدخلت الإدارة، فستنتهج على الأرجح مزيجًا من السياسات التي اعتمدتها إدارات سابقة، بما فيها إدارة ترامب. ولكن هذه السياسات لن تكون فعالة من دون بذل القيادتيْن الإسرائيلية والفلسطينية جهودًا فاعلة.
تحديد توقعات واقعية من إدارة بايدن
من المرجح ألا يكون توجه بايدن إزاء القيادتيْن الإسرائيلية والفلسطينية مفاجئا إلى حدّ كبير، بمعنى أن بايدن قد يواصل تطبيق بعض سياسات أوباما ويستغني في الوقت نفسه عن سياسات أخرى من أجل الارتكاز على الديناميات القائمة. ومن المتوقع أن سياسات إدارة بايدن بشأن إسرائيل والفلسطينيين ستكرر تلك المعتمدة من الإدارات الديمقراطية السابقة، كما أنه من المرجح أن يواصل الرئيس الجديد بعض السياسات التي وضعتها إدارة ترامب.
ومن الحالات المتوقع أن يعود فيها بايدن إلى سياسات تذكّر بتلك التي اعتمدتها إدارتا أوباما وكلينتون، فمن المستبعد أن تتغاضى إدارته عن القضية الفلسطينية وأن تعتمد سياسات اليمين الإسرائيلية التي فضلها ترامب. فضلًا عن ذلك، يأمل الفلسطينيون أن يضيف بايدن بعض التوازن إلى موقف الولايات المتحدة إزاء القضايا الفلسطينية بالاعتراف بدولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمتها. وفي حال قام باية مبادرات، فانه لن ينفذها بطريقة سلفه ترامب. بخلاف هذا الأخير، لن يطرح بايدن "صفقة قرن" للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني كما انه من المتوقع أن يتعاون أكثر مع الحلفاء الدوليين عند بذل أي جهود للتعامل مع القضايا الفلسطينية.
علاوةً على ذلك، من المستبعد أن تشجع الإدارة الجديدة على بناء مستوطنات إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. ومن الممكن أن يعيد بايدن إحياء سياسة أوباما التي اعتبرت المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة بأنها تخالف القانون الدولي وتعيق السلام. وفي هذا الصدد، من المتوقع أن تدعم إدارة بايدن "اتفاقات أوسلو" التي تجاهلها ترامب. كذلك، من المرجح أن يستأنف بايدن المساعدات الاقتصادية والإنسانية المرسلة من الولايات المتحدة إلى الفلسطينيين وقد يعيد فتح مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" في العاصمة واشنطن. وعمومًا، وبخلاف ترامب، يعتمد بايدن حل الدولتيْن للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حين لن يتجاهل بايدن المصالح الفلسطينية كما فعل ترامب، سيمنح بشكل شبه أكيد أهمية واهتماما أكبر للمصالح الإسرائيلية. وستبقي إدارة بايدن على بعض سياسات ترامب.، اذ يصعب تصوّر قيام إدارة بايدن بأي تغييرات جذرية على غرار إعادة السفارة الأمريكية من القدس إلى تل أبيب. كما انه من المستبعد أن يستأنف بايدن التمويل الأمريكي لـ"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"("الأونروا")، ولكن من المتوقع استئنافه انخراط الولايات المتحدة في المنظمات الدولية التي تخلى عنها ترامب. وبالاستناد إلى جهود إدارة ترامب، من المرجح أن يشجع بايدن المزيد من الدول العربية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في إطار المشاركة في عملية السلام.
فرصة أمام "السلطة الفلسطينية" لإعادة ضبط الأمور
في خلال الفترة المقبلة، وفي حين قد لا يشكّل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي محور سياسة إدارة بايدن الخارجية، سيرغمه ثقل هذا الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في الحوار الشعبي على بذل الجهود لإحراز تقدّم في هذه المسألة والقيام بدور بنّاء. وفي الآونة الأخيرة، شكّل التعاون الأمني وتحويل الإيرادات الضريبية الخاصة بـ"السلطة الفلسطينية" التي تجمعها الحكومة الإسرائيلية من الفلسطينيين إضافةً إلى التعاون المتواضع في مواجهة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) الى تحسين العلاقات ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وهنا، يمكن لإدارة بايدن أن تلعب دورًا إيجابيا في تمهيد الطريق أمام المزيد من المشاركات والتفاعلات البناءة.
وبغية تحقيق هذا التقدّم البنّاء، يجب ألا تعتبر القيادة الفلسطينية بايدن من المسلمات، ويجب ألا تسعى السلطة الفلسطينية إلى وضع العقبات بقائمة من المطالب والشروط. وعمومًا، يجب أن تبدأ القيادة الفلسطينية باعتماد نهج أكثر واقعية وفعالية في التعامل مع الولايات المتحدة. فهذه القيادة اصطدمت مع الإدارة الامريكية عندما عارضت بشدة التطبيع الإسرائيلي مع دولة الإمارات وبعض الدول العربية، ولم تنجح سوى بخلق عداوة ما بين السلطة الفلسطينية والحكومات الخليجية التي كانت دوما تدعم بحماسة القضية الفلسطينية. وسترتكب قيادة السلطة الفلسطينية خطأ فادحًا في حال واصلت معارضتها لهذه السياسة بدلا من السعي للاستفادة منها.
إلى ذلك، يجب أن تدرك "السلطة الفلسطينية" أنه في حين ان المصالح الأمريكية تتضرر، الا ان المصالح الفلسطينية ستعاني بشدة من جراء هذا النوع من الصدامات المباشرة مع الولايات المتحدة التي حصلت في عهد إدارتيْ أوباما وترامب. ولتفادي هذه الصدامات، على السلطة الفلسطينية ان تتجنب السعي إلى الحصول على تبني الولايات المتحدة لقرارات منظمة الأمم المتحدة وأن تقوم بإعداد خطة سلام مترابطة وواقعية تأخذ في الحسبان مصالح الطرفيْن ومخاوفهما الأمنية.
ولسوء الحظ، يبدو أنه من المستبعد أن تتخذ أي من القيادتيْن الإسرائيلية والفلسطينية الحاليتيْن اي من الخطوات المعقولة تجاه تحقيق وبناء السلام. إلا أن وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) وأثاره الضارة على مصالح الشعبيْن واقتصادهما قد يشكّلان محفزا لتعاون إيجابي. فضلًا عن ذلك، قد تنشأ في الفترة المقبلة في ظل الظروف الملائمة، قيادة جديدة للطرفين تتمتع بشجاعة ورؤية يمكنهما من دفع الدولتيْن نحو السلام. وعلى الرغم من دعوة رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس إلى إجراء انتخابات برلمانية في أيار/مايو القادم وأخرى رئاسية في تموز/يوليو، يغيب التفاؤل لدى الفلسطينيين بأن تُحدث هذه الانتخابات تغييرًا كبيرًا على الساحة الفلسطينية.
ويبقى الأهم أن تميل المواقف والاتجاهات الشعبية في المجتمع المدني نحو السلام. وفي حال لم يرغب القادة الفلسطينيون والإسرائيليون بالمشاركة في مفاوضات أو محادثات الوضع النهائي، فهذا يعني على الأرجح أن قواعدهم الشعبية لا تحضهم على ذلك. وفي هذه الحالة، لن يكون بيد إدارة بايدن الكثير لتقدمه.
على المدى القصير، ستكون إدارة بايدن منشغلة خلال الأيام المئة الأولى في معالجة سياسات ترامب الكارثية لإدارة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) وبناء الاقتصاد ورأب الصدع الداخلي وتحسين العلاقات مع الحلفاء وتلميع صورة الولايات المتحدة على الساحة الدولية. ولذا يحسن ان تقوم السلطة الفلسطينية بالاستفادة من هذه الفترة لترتيب أوضاعها الداخلية ووضع برنامج سلام يتضمن أفكار جديدة لضمان العودة إلى طاولة المفاوضات.