- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
بايدن يتوجه إلى مصر وسط الاحتجاجات الاقتصادية والجمود الليبي
على الرغم من أن قضايا المناخ سوف تتصدر من دون شك عناوين قمة المناخ "كوب 27"، إلّا أن سجل حقوق الإنسان في مصر، وحركة الاحتجاجات المستعرة، والسياسات المشكوك فيها في ليبيا المجاورة ستوفّر حوافز إضافية كثيرة توجّه مناقشات بايدن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، يصل الرئيس الأمريكي بايدن إلى شرم الشيخ في مصر، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ 2022 ("كوب 27"). ويتزامن اجتماع هذا العام مع ارتفاع درجات الحرارة في القاهرة، بأكثر من طريقة. ومن المقرر أن يلتقي بايدن بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اليوم نفسه الذي يتمّ فيه التخطيط لتنظيم احتجاجات على مستوى البلاد بشأن الاقتصاد المتعثّر. وفي الوقت نفسه، مرّت أشهر على بدء أبرز سجين سياسي مصري، علاء عبد الفتاح، إضراباً عن الطعام حتى أصبح الآن يرفض تناول السوائل، مما يزيد من احتمال وفاته أثناء انعقاد المؤتمر.
يُذكر أن بايدن والسيسي أصدرا بياناً عبّرا فيه عن "التزامهما المشترك بإجراء حوار بنّاء حول حقوق الإنسان" خلال اجتماعهما السابق على هامش قمة سعودية عُقدت في تموز/يوليو. ومع ذلك، في حين دعم متحدث باسم الإدارة الأمريكية إطلاق سراح عبد الفتاح، إلّا أنه ليس من الواضح إلى أي مدى سيشدّد بايدن على هذه المسألة خلال لقائه السيسي في سياق قمة "كوب 27". يُذكر أن مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون المناخ، جون كيري، عانق علناً ديكتاتوراً تطاله انتقادات وعقوبات واسعة النطاق (الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو) بعد فترة وجيزة من افتتاح المؤتمر. وحتى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لم يذكر عبد الفتاح علناً خلال الفترة التي قضاها في المؤتمر، ولا يبدو أنه أحرز أي تقدم خاص فيما يتعلق بإطلاق سراح السجين، على الرغم من واقع كَوْن عبد الفتاح يحمل الجنسيتين المصرية والبريطانية.
ومن المفترض أيضاً أن يناقش بايدن والسيسي الاضطرابات الاقتصادية في مصر، والتي نمت في الأسابيع الأخيرة حيث أدى انخفاض قيمة العملة إلى محو ما يقرب من 25 في المائة من قيمة الجنيه المصري، كما تجاوز التضخم 16 في المائة، مما أضر بمستوى المعيشة للعديد من المواطنين. ودفعت هذه التطورات القاهرة إلى اللجوء مجدداً إلى "صندوق النقد الدولي"، وهذه المرة للحصول على قرض إضافي بقيمة 3 مليارات دولار. وتلقت مصر أساساً 12 مليار دولار من "الصندوق" منذ عام 2016، مما يجعلها أكبر مُدين لـ "صندوق النقد الدولي" في العالم بعد الأرجنتين. وفي الوقت نفسه، رفض السيسي خفض الإنفاق، وبدلاً من ذلك قام بتنفيذ مشاريع عملاقة وتوسيع دور الجيش في الاقتصاد. ويستند القرض الجديد لـ "صندوق النقد الدولي" إلى عكس هذه المقاربة وتحفيز نمو القطاع الخاص.
ومع ذلك، سوف تمتد الاحتجاجات قبل اتخاذ مثل هذه القرارات بوقت طويل، ومن الصعب التنبؤ بمدى حجمها. وقد حذرت مؤسسة "دار الإفتاء" الدينية التي ترعاها الدولة من "الفتنة" المحتملة في المظاهرات، كما أشارت مواقع إعلامية حكومية إلى أن التجمعات قد تكون مدفوعة من قبل جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة، مما وضع أساساً للقمع العنيف المحتمل للاحتجاجات التي يُفترض أنها سلمية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، على بايدن أن يثير موضوع ليبيا، حيث لا تلعب القاهرة دوراً مفيداً بشكل خاص. فوفقاً لإحدى دراسات الأمم المتحدة، من شأن استقرار دولة ليبيا المجاورة أن يُضيف 100 مليار دولار إلى الاقتصاد المصري، ويقلل من معدل البطالة في مصر بنسبة 9 في المائة، ويزيد الاستثمار فيها بنسبة 6 في المائة في غضون أربع سنوات. إلا أن القاهرة تصرّ على رفضها المتعنّت للكثير من مقاربات المجتمع الدولي تجاه ليبيا. فمصر هي الدولة الوحيدة التي تعترف بالحكومة الموازية القائمة في الشرق التي عيّنها ما يُعرف بـ "مجلس النواب الليبي"، على الرغم من أن وضع "حكومة الوحدة الوطنية" ومقرها طرابلس لم يتغير وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي التي أرست أسس المسار الانتقالي في البلاد. وبينما تواصل الولايات المتحدة وشركاؤها الآخرون ممارسة الضغوط من أجل إجراء انتخابات يمكنها إضفاء شرعية طال انتظارها على حكومة ليبية، لا تزال مصر تعيق هذا التقدّم وتدعم الجهات الفاعلة الشرقية - على غرار المشير خليفة حفتر ورئيس "مجلس النواب" عقيلة صالح عيسى - إذ تعتقد القاهرة أن بإمكانها السيطرة على هذه الجهات على الرغم من أنه ليس لهذه الأخيرة مصلحة في تسهيل انتخابات قد تهدّد المزايا التي تتمتع بها في الوقت الحالي (أو في حالة حفتر، طموحاته الديكتاتورية). لذلك على الرئيس بايدن الضغط على السيسي لدعم ليبيا موحدة، والتأكيد على الكيفية التي يمكن فيها أن يُفيد ذلك الاقتصاد المصري الهش بشكل متزايد.
إن تحقيق الاستقرار في ليبيا قد يساعد أيضاً في تعزيز أمن الطاقة العالمي. فبعد مقاطعة استمرت أشهر بقيادة حفتر، تنتج البلاد مجدداً ما يقرب من 1.2 مليون برميل من النفط يومياً. ويمكن لصيانة البنية التحتية للقطاع بالشكل المناسب وتعزيز الاستثمار في تكرير النفط وتسويقه أن يزيدا بشكل كبير من إنتاج ليبيا في المستقبل القريب.
وإذ تأتي بعد أربعة أشهر على زيارة بايدن السابقة للشرق الأوسط، تُعد زيارة شرم الشيخ فرصة للتشديد على الاهتمامات الأمريكية بحقوق الإنسان في مصر، والاستقرار في شمال إفريقيا، وزيادة إنتاج النفط. وسيكون من الصعب على القاهرة تقبًّل جميع هذه النقاط - ولكن نظراً للموقف الدفاعي إلى حد ما الذي اضطر السيسي إلى اعتماده محلياً، فقد يكون أكثر تقبلاً نسبياً لاقتراحات بايدن، على الأقل على الصعيد الاقتصادي. وهناك شيء واحد مؤكد: إذا اتَّبع بايدن المقاربة نفسها التي استخدمها في اجتماعهما الأخير وأثنى ببساطة على السيسي لكبحه جماح «حماس» في غزة، فسوف يُهدر فرصة مهمة ربما تكون قصيرة الأجل لممارسة النفوذ الأمريكي.
ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" في معهد واشنطن ، ومدير برنامجه حول السياسة العربية، ومساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى. بين فيشمان هو زميل أقدم في المعهد ومدير سابق لشؤون شمال إفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي.