- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
بناء تعاون إعلامي بين دول "اتفاقيات إبراهيم"
لكي يتسنى النجاح الحقيقي لاتفاقيات إبراهام للسلام، ينبغي أن يمتد التعاون بين الدول الأعضاء ليشمل إنشاء شراكات تهدف الى التوصل لمصادر إعلامية أكثر دقة وواسعة النطاق.
كنتيجة لـ"اتفاقيات إبراهيم"، وهي الآن في عامها الثالث، وصلت العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج وإسرائيل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وأدت هذه العلاقات إلى إنشاء تعاون ثنائي في عدد من القطاعات الرئيسية، لكنها تمثّل أيضًا فرصةً لتحديد المجالات التي تتطلب مزيدًا من الاهتمام، مثل التنسيق الإعلامي.
حين يتعلق الأمر بدول "اتفاقيات إبراهيم"، على كافة المعنيين إدارة المعلومات المضللة والتحيز والاستقطاب ومواجهتها في التغطية الإعلامية الخارجية لبلدانهم، مع التفكير أيضًا في طرق تعزيز التفاهم المتبادل بين هذه الدول نفسها. وفي دول الخليج، يركز المحتوى الإعلامي بشكل كبير على انتهاكات حقوق الإنسان على حساب جوانب أخرى، في حين أن تغطية إسرائيل غالبًا ما تقدّم صورة غير دقيقة عن هذه الدولة كطرف محتل عنيف. وكذلك، غالبًا ما كانت تغطية "اتفاقيات إبراهيم" نفسها مكتومة الصوت، فيما تم أيضًا التقليل من شأن التعاون بين دول الخليج العربي. ومن أجل دعم المساهمة في هذه المحادثات، على الدول المعنية في "اتفاقيات إبراهيم" إنشاء سبل للتعاون الإعلامي، ما يساعد في مشاركة القصص الحقيقية والصحيحة وتحقيق تغطية دقيقة لكل من النجاحات والتحديات.
أثر التحيز والاستقطاب
في الوقت الحاضر، يمكن فهم المنطقة على أنها منقسمة إلى محورين. ويتميز "محور الاعتدال" باتباع نهج أكثر براغماتية واعتدالًا في المنطقة، وهو يشمل الإمارات والبحرين ومصر والأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية، مقارنةً بالنهج الذي تقوده الأيديولوجيا ويتبعه كل من إيران والجماعات الشيعية الموالية لمفهوم الخميني المتمثل في "ولاية الفقيه"، والجماعات الإسلامية السنية مثل حركة "حماس" وجماعة "الإخوان المسلمين".
أحد أهم الاختلافات الجوهرية القائمة بين المحورين هو مقاربتهما لكيان الدولة؛ فتؤيد دول "محور الاعتدال" وجود كيان للدولة وتعمل مع الدول الأخرى. وفي المقابل، يركز نموذج "محور المقاومة" على أيديولوجيا ثورية تدعم الجهات الفاعلة غير الحكومية، وتشكل قوة مزعزعة للاستقرار بشكل خاص في لبنان واليمن والعراق.
لقد رأت بعض الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام الغربية، وخاصةً تلك اليسارية، أن الإسلاميين السياسيين مثل "الإخوان المسلمين" والنظام الإيراني هم بمثابة علاج مناسب لتلك الجماعات المتطرفة التي أصبحت تثير الخوف الأكبر خارج المنطقة، مثل تنظيمَي "داعش" و"القاعدة". وقدّم الأوّلون أنفسهم على أنهم نسخ من الإسلام المعتدل يمكنها ترويض هذه الجماعات الإرهابية الأخيرة. ومن ناحية أخرى، يتماشى الفهم البديل لماهية الإسلاميين السياسيين مثل جماعة "الإخوان المسلمين" كمدخل، وذلك عبر تطوير أيديولوجي يمكن أن تؤدي إلى أيديولوجيا التطرف، مع فهم تصور "محور الاعتدال"، ويصيغ هذا الفهم النهج الذي يعتمده المحور الأخير إزاء هذه الجماعات. وأدت هاتان السرديتان المتضاربتان إلى عدم ظهور كل من إسرائيل والخليج في وسائل الإعلام بشكل يعكس دوافعهما وهواجسهما، بينما يتم في بعض الحالات تضخيم السرديات التي تنبع من "محور المقاومة".
أحد الأمثلة على ذلك هو المقاربة الإقليمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ فتؤيد دول "محور الاعتدال" حل الدولتين على أساس "مبادرة السلام العربية" لعام 2002. وفي غضون ذلك، يتطلع "محور المقاومة" إلى طرد إسرائيل باستخدام الميليشيات المسلحة، ويركز على زعزعة الاستقرار بطريقة يمكن أن تصبح في نهاية المطاف تهديدًا للأمن القومي في المنطقة. وتميل القيادة الفلسطينية أيضًا إلى هذا النهج الأيديولوجي، لا سيما من خلال خطاب حركة "حماس" إنما أيضًا من خلال الخطاب العربي القومي واليساري والشيوعي الذي تشير إليه حركة "فتح". وأسفر اتباع هذا النهج عن نشوء تداعيات عملية سلبية، إذ رفضت القيادة الفلسطينية بعض الجهود البراغماتية الرامية إلى تحقيق السلام على مر السنين.
بالطبع، سيترك ذلك دولة إسرائيل ذات التوجه البراغماتي مسيطرة على ميزان القوى، وهو ما يعني من منظور العلاقات الدولية، أنها ستكون في وضع أقوى لحماية نفسها. علاوة على ذلك، ونتيجة سعي الفلسطينيين لتبنى مسار أيديولوجي، فضلاً عن كون المؤشرات المادية والإقليمية تُرجِّح كفة إسرائيل بشكل كبير، فإن هذا سيبقيها مسيطرة على أغلب النزاع - وبالتالي ستكون أقل تحمساً لتغيير الوضع الراهن.
بالتالي، يمكن أن يساعد تنفيذ مشروع إعلامي مشترك في محاولة تعزيز فهم أكبر بين السكان في بلدان "اتفاقيات إبراهيم"، وإبعاد جيل الشباب الفلسطيني عن السرديات الداعمة لـ"محور المقاومة"، وتوفير المزيد من التفاصيل الدقيقة بشأن هذه القضايا للمصادر الإعلامية الخارجية. ويمكن أن تسمح وسائل الإعلام المشتركة، باستخدام قناة إخبارية فضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات ودبلوماسية المواطنين، للمواطنين من دول "اتفاقيات إبراهيم" بمواجهة الاستقطاب والتحيز ومعالجتهما.
وبهدف معالجة سرديات الجماعات الإسلامية الضارة، ربما تكون قناة غير رسمية مثل "يوتيوب" هي الأنسب إذ يمكنها تسليط الضوء على السرديات المتطرفة لهذه الجماعات باللغة العربية لغير الناطقين بها. وعلى هذا النحو، يمكن أن تساعد ترجمة هذه الرسائل العربية في تنوير الجمهور الغربي بشأن الطبيعة الحقيقية للجماعات الإسلامية السياسية، بينما تساعد أيضًا في توضيح مواقف الدول العربية تجاهها.
تنسيق التعاون الإعلامي في أثناء الصراع
تتواجد كذلك أمثلة على قيام تعاون إعلامي أكثر تنسيقًا سبق أن بدأ، ويمكن البناء على هذه النماذج. ففي 7 نيسان/أبريل 2021، وقّعت "وكالة أنباء الإمارات" ووكالة "تضبيط" الإسرائيلية اتفاقية مهنية للتعاون وتبادل الأخبار. كما أطلقت "وكالة أنباء الإمارات" موقعًا على شبكة الإنترنت باللغة العبرية. غير أن الوكالتين بحاجة الآن إلى وضع سياسة واضحة حول كيفية التعاون ليس في أوقات الاستقرار فحسب، فلا بد من التركيز أيضًا على تبادل المحتوى المطبوع والمسموع والمرئي في أوقات الاضطرابات، لا سيما في خلال فترات الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
من شأن التزام الصمت في خلال هذه الفترة، كما كان الحال في أثناء الصراع الذي أشعلته أحداث حي الشيخ جراح عام 2021، أن يسمح للمنظمات المتطرفة والإرهابية بالاستفادة من العدائية من أجل الترويج لأيديولوجياتها. وتُحدث مشاهد هذه الصراعات تأثيرًا كبيرًا على الجمهور العربي، الذي يشمل الجمهور المنتمي إلى الدول الموقعة على "اتفاقيات إبراهيم". فقد تأثّر بعض الأفراد من عامة الناس في الإمارات والبحرين إلى حد كبير بالمشاهد الإعلامية التي شاهدوها من غزة في خلال الصراع الذي نشب في أيار/مايو 2021، وأثّرت هذه المشاهد في وجهات نظرهم تجاه إسرائيل.
لذلك، من المهم تشجيع التبادل بين المحللين السياسيين والصحافيين من دول "اتفاقيات إبراهيم"، بما فيها إسرائيل، حتى يظهروا في وسائل الإعلام الخاصة ببعضهم البعض، ويساعدوا في توفير سياق ووجهات نظر شاملة في أوقات الاضطرابات. ولتحقيق هذه الغاية، يجب عرض مشاهد من كلا طرفَي الصراع عبر وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية والخارجية؛ فلا بد من تصوير الضربات الإسرائيلية التي تسببت في حالات الوفاة والإصابات وتدمير المباني في غزة، كما يجب عرض صواريخ "حماس" التي أُطلقت على إسرائيل.
قابلت المؤلفة (عبر برنامج "زوم") البروفيسور مردخاي كيدار، وهو باحث إسرائيلي في مجال الثقافة العربية ومُحاضر في "جامعة بار إيلان" في تل أبيب، وذلك لمناقشة مسألة إنشاء تحالف إعلامي ومشاريع إعلامية مشتركة بين دول "اتفاقيات إبراهيم". وكان البروفيسور كيدار مؤيدًا للفكرة وأشار إلى وجود نواة لمثل هذه المؤسسة قائمة بالفعل في إسرائيل، على الرغم من حاجتها إلى المزيد من التطوير. فيوفر تطبيق الهاتف المحمول الذي صممه كيدار، ويُدعى "أخبار إسرائيل والشرق الأوسط" (Israel & Middle East News)، تغطية إخبارية ورياضية وتكنولوجية وترفيهية واسعة النطاق على المستوى الوطني، وهو يهدف إلى عرض كل من الأخبار والمقالات الدقيقة التي تكافح المعلومات المضللة. كما أعرب كيدار عن اهتمامه بالتعامل مع نظرائه الإماراتيين، وبرزت في طور المناقشة أفكار متعددة.
يتوفر التطبيق حاليًا باللغتين العبرية والإنجليزية، فيما يتم الخطيط لإضافة اللغة العربية ولغات أخرى. وفي حين أن هذا التطبيق يغطي حاليًا الأخبار الوطنية في إسرائيل، يتمثل أحد أجزاء الخطة في تضمين أخبار من دول "اتفاقيات إبراهيم" والدول الأخرى في الشرق الأوسط. ويجب أن يُنشئ مثل هذا التطبيق مجلس أمناء مؤلف من أكاديميين ومهنيين إعلاميين لبناء رؤية ورسالة قويتين من أجل ضمان استمرار تقدمه، وذلك على كلا الصعيدين التقني والفكري.
سبل أخرى للتعاون
إلى جانب التعاون الإعلامي الرسمي، تتعدد السبل لتنسيق التواصل بين الشعوب وتشجيعه. ونظرًا إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، لا سيما بين الشباب، من المهم أن تستثمر وزارات الخارجية في البرامج التي يمكن أن تدرب المستخدمين على كيفية تحديد التحيز الإعلامي أو المعلومات المضللة ومواجهتها بشكل فعال من خلال دبلوماسية المواطنين. ومع أن الاعتماد المفرط على منصات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون ضارًا أيضًا أو أن يخضع للرقابة، يجب أن تأخذ الحكومات دبلوماسية المواطنين على محمل الجد، وأن تعتبرها عنصرًا ضروريًا وليس كماليًا من الجهود الدبلوماسية، نظرًا إلى قدراتها على الإقناع. ومن خلال التفاعل بين الشعوب عبر الإنترنت، وخاصةً بين الجماهير المطّلعة، سيكتسب كلا الجانبين فهمًا لوجهات نظر الآخرين واهتماماتهم. وحتى تكون دبلوماسية المواطنين أداة فعالة في حل الصراعات، يجب أن يظل هذا التفاعل أيضًا غير رسمي، أي مستقلًا عن الحكومة. ويتمثل دور الحكومة في توفير الموارد والتدريب.
كذلك، تُمثّل الفنون سبيلًا مشابهًا. فبعد وقتٍ قصيرٍ من توقيع "اتفاقيات إبراهيم"، تم التوصل إلى اتفاق بين "صندوق السينما الإسرائيلي" (Israel Film Fund) و"لجنة أبوظبي للأفلام" من أجل تعزيز السلام والتسامح بواسطة الإنتاج السينمائي والتلفازي. ودعا الاتفاق إلى إقامة برامج تدريبية وتطويرية مشتركة لصانعي الأفلام الإماراتيين والإسرائيليين، بالشراكة مع "مدرسة سام شبيجل للسينما والتلفزيون في القدس".
علاوةً على ذلك، يعتمد نجاح الإعلام جزئيًا على نقاطه المرجعية الفكرية. وفي هذا المجال أيضًا، تم بالفعل إنشاء شراكات بين مراكز الأبحاث الإسرائيلية والإماراتية، مثل الشراكة التي أُنشئت بين "معهد القدس للاستراتيجية والأمن" و"مركز تريندز للبحوث والاستشارات" في أبوظبي في الإمارات بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر 2020. وعلى نحوٍ مماثل، أعلن "مركز الإمارات للسياسات" في أبوظبي و"معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب عن إقامة شراكة استراتيجية ثلاثية الأطراف في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2020. وثمة الكثير من مراكز الأبحاث الإسرائيلية الأخرى التي يمكن أن تنظر مؤسسات دول الخليج في إقامة شراكات معها.
في هذه الحالات كلها، ستعود زيادة التوازن في التغطية الإعلامية بالفائدة على كافة المعنيين. ويمكن أن يعني الفشل في معالجة هذه القضايا إضعاف فعالية قدرة "اتفاقيات إبراهيم" على تحسين العلاقات بالنسبة إلى كافة الأطراف، مع المساهمة أيضًا في تعزيز السرديات التي تثير الخلافات والتي يمكن أن تزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.