- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2525
بوتين يزور إيران
في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة إلى إيران تستغرق ثلاثة أيام، هي الأولى التي يقوم بها منذ عام 2007. وستشمل الزيارة مكونات ثنائية ومتعددة الأطراف. فعلى الجبهة المتعددة الأطراف، سيشارك بوتين في قمة "منتدى الدول المصدرة للغاز" ويعقد عدة اجتماعات مع رؤساء الدول المجتمعين هناك، بالإضافة إلى لقاءات ثنائية منفصلة مع القادة الإيرانيين. وقد تهئ هذه الاجتماعات والقضايا الروسية الإيرانية المختلفة التي تتمحور حولها فرصاً ومخاطر جديدة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
احتكاك ثنائي الطرف
تجري زيارة بوتين في خضمّ جوّ من العلاقات المعقدة على نحو متزايد بين إيران وروسيا. فالاتفاق النووي مع دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» قد أنهى عزلة إيران السياسية، الأمر الذي فتح لطهران فرص للتعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع أوروبا، وإلى حد ما مع الولايات المتحدة أيضاً. وتشكّل هذه الخيارات الجديدة تحدياً للتحالف السياسي بين روسيا وطهران.
وفي الوقت نفسه، تتوسع الخيارات السياسية والاقتصادية الخاصة بروسيا أيضاً. وقد تتمكّن موسكو من الاستفادة من ثلاثة عوامل مترابطة - أي دورها في سوريا، ومساهمتها المحتملة في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وقدرتها على إبطاء تدفق اللاجئين إلى أوروبا - لتقيم علاقة جديدة مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وربما ستستطيع أيضاً إزالة القيود التي فرضتها هذه البلدان بعد أزمة أوكرانيا. ونتيجةً لذلك، قد تتطوّر في المستقبل قضايا خلافية أخرى بين طهران وموسكو.
أولاً، في حين أن بوتين وإيران ما زالا يظهران جبهة موحّدة حليفة لنظام الأسد، إلا أن الانتشار الروسي في سوريا قد تسبب بتوترات على الرغم من ذلك. فطهران غير راضية من استيلاء موسكو على دورها المهيمن في دمشق والدور المحتمل الذي كان يمكن لإيران أن تلعبه مع الغرب للتوصل إلى تسوية سلمية. وعلاوةً على ذلك، من المؤكد أنّ إطلاق موسكو لصواريخ كروز على سوريا من بحر قزوين مؤخراً قد أقلق القادة الإيرانيين.
وقد اختلف البلدان أيضاً حول الوضع المتعلق بمبيعات الأسلحة الثنائية. فخلال المفاوضات النووية، جمّدت موسكو تنفيذ عدد من صفقات الأسلحة الموقعة مع إيران. والآن بعد الانتهاء من الاتفاق النووي، تريد طهران أن تفي روسيا بهذه العقود على الفور. وفي الواقع، قد ترغب موسكو في إرسال أسلحة متطورة لتُظهر لطهران فائدة المحافظة على صلات مع روسيا بدلاً من التقرّب من القوى المنافسة. وتحرص إيران بشكل خاص على الحصول على منظومة الدفاع الجوي المتطورة "أس-300". وكانت موسكو قد هددت [الغرب] أكثر من مرة على مدى العقد الماضي بنقل هذا النظام، ولكنها امتنعت عن تسليمه فعلياً بعد الحصول على تنازلات من إسرائيل، وفي بعض الأحيان من الولايات المتحدة أيضاً. وسيشكّل تسليمه الآن مشكلةً لروسيا، فبالإضافة إلى أنه سيخلق توترات إضافية مع واشنطن وإسرائيل، فإنّ تزويد النظام سيتسبب ببعض الصعوبات التقنية وفقاً لبعض التقارير.
وتشكّل عودة إيران للمشاركة الكاملة في تجارة الطاقة العالمية نقطة نزاع أخرى لأنها تهدد مصالح روسيا. فالنيّة التي تحملها طهران وهي زيادة صادرات النفط ستزيد من الضغط الهبوطي على أسعار النفط، مما سيضاعف التحديات الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها موسكو. وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، تشعر موسكو بالقلق من أنّ احتياطيات إيران الهائلة قد تهدد هيمنتها كمورّد طويل الأمد في العديد من الأسواق.
وفي الوقت نفسه، تقوم روسيا بتوسيع علاقاتها مع عدد من البلدان المتنافسة مع إيران في الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية، مما يثير استياء طهران. كما ينعم بوتين بتعاون أمني ممتاز مع إسرائيل - وفي الواقع، كان رئيس الوزراء نتنياهو أول زعيم أجنبي يزور موسكو بعد ظهور خبر الانتشار الروسي في سوريا إلى العلن.
قمة "منتدى الدول المصدرة للغاز": التمحور حول الدبلوماسية أكثر من الطاقة
بالإضافة إلى الاجتماعات الوزارية المنتظمة، عقد "منتدى الدول المصدرة للغاز" ["المنتدى"] قمتين سابقتين للغاز شارك فيهما رؤساء دول ومسؤولون آخرون من الدول الأعضاء، التي تشمل الجزائر ومصر وإيران وليبيا وقطر وروسيا والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا، من بين دول أخرى. وعُقدت القمة لعام 2013 في موسكو، وشارك فيها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. ونظراً لحضور العديد من قادة الدول الرئيسية في الشرق الأوسط ومنطقة بحر قزوين - بمن فيهم رئيسَيْ أذربيجان وتركمانستان اللذيْن سيحضران كضيفين للمرة الأولى في تاريخ "المنتدى"، فإن القمة التي ستعقد يوم الأثنين ستمنح بوتين منصةً مناسبة للدبلوماسية العامة، الأمر الذي يمكن أن يزيد من نفوذه في المنطقة في هذا الظرف الحاسم.
تأسس "منتدى الدول المصدرة للغاز" في الأصل لتنسيق السياسات بين الدول المصدرة للغاز، وكانت إيران وفنزويلا القوة الدافعة وراء إنشائه رسمياً في عام 2007. وفي ذلك الوقت، روّج المرشد الأعلى علي خامنئي لفكرة أنّه ينبغي على طهران وموسكو إنشاء "منظمة للتعاون في مجال الغاز شبيهة بـ «منظمة الدول المصدرة للنفط» («أوبك»)." ولكنّ "منتدى الدول المصدرة للغاز" فشل في تنفيذ تنسيق أيّ اتحاد احتكاري في أسواق الغاز لعدد من الأسباب.
أولاً، إن الطبيعة الثنائية لتجارة الغاز ضمن عقود محددة على المدى الطويل لا تتيح التنسيق بين المنتجين. ثانياً، إن البلديْن المؤسسيْن لـ "منتدى الدول المصدرة للغاز" ليسا في الواقع مصدّران للغاز - حيث تركّز فنزويلا بالطبع على قطاع النفط، في حين أنّ إيران هي مستوردة صافية للغاز، حيث تستورد هذه المادة من أذربيجان وتركمانستان أكثر بقليل مما تصدّره منها إلى تركيا وأرمينيا. وعلاوةً على ذلك، ليس للمنتجين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا أي صلة بـ "المنتدى"، في حين أن معظم الدول الأعضاء تحاول باستمرار توسيع صادراتها الفردية من الغاز وجذب الاستثمارات بغض النظر عن سياسة "المنتدى" الأوسع. وخلاصة القول هي أنه في عصر لم يعد فيه لـ «أوبك» تأثير كبير على سوق النفط العالمي، أصبح من الصعب تصوّر أنّ "منظمة للغاز شبيهة بـ «أوبك»" ستتمكّن من التأثير على أسواق الغاز الطبيعي.
المحصلة
يزور بوتين إيران في الوقت الذي سيؤثّر فيه عدد من السياسات المتبدلة والتطورات الإقليمية على العلاقة بين الجانبين. وفي السابق، عندما كانت إيران تخضع لعقوبات صارمة تتعلق بأسلحتها النووية، تضامن البلدان على الصعد المختلفة، وكان يعود ذلك جزئياً إلى تجمّد عدة ميادين من التنافس الاستراتيجي بينهما. ومع ذلك، يتمتع الطرفان حالياً بخيارات جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي مع شركاء آخرين. كما تتمتع روسيا بحافز قوي يدفعها للاستفادة من احتياجات أوروبا وواشنطن للتعاون في المجال الاستخباراتي والأمني، سواء لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط أو لتحقيق الاستقرار في سوريا من أجل وقف تدفق اللاجئين. وفي الواقع، يبدو أنّ الدول الأوروبية تميل إلى إزالة العقوبات المتعلقة بأوكرانيا المفروضة على روسيا أو تقليصها من أجل تسهيل هذا التعاون.
وإذا مدّت موسكو بالفعل يد العون إلى أوروبا بشأن القضايا المتعلقة بسوريا، فقد تجد نفسها وسط خلافات إضافية مع طهران. وبدلاً من ذلك - أو ربما في الوقت نفسه - قد تقرر روسيا أخيراً تسليم أسلحة متطورة إلى إيران لتذكير قادتها أنّ الشراكة معها تحمل فوائد غير قابلة للتحقيق حالياً مع أوروبا أو الولايات المتحدة.
ولجني فوائد هذه التطورات وتجنب مخاطرها، تحتاج واشنطن إلى اعتماد مقاربة شمولية مع روسيا. فالسياسات الأمريكية بشأن سوريا وإيران وأوكرانيا مترابطة ولا يمكن تجزئتها: وتؤثر تصرفات الولايات المتحدة في ساحة واحدة على التحركات الروسية في ساحة أخرى. وتحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى استراتيجية من شأنها أن تتيح لهما التعاون مع روسيا في سوريا ومناطق أخرى من الشرق الأوسط دون تخليهما عن الأهداف الرئيسية في أوكرانيا والمناطق السوفيتية السابقة. وعلاوةً على ذلك، يجب على واشنطن الاستفادة من تعاونها الأمني المتجدد بشكل واضح مع موسكو لمنع تسليم أسلحة متطورة إلى إيران.
بريندا شيفر هي أستاذة مساعدة في "مركز جامعة جورج تاون للدراسات الأوروبية - الآسيوية والروسية وشرق أوروبا" ("سيريس") وزميلة غير مقيمة في "مركز الطاقة العالمي" في "المجلس الأطلسي".