- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3724
داخل النظام الإيراني (الجزء الثالث): الإحباطات الاقتصادية لـ "الحرس الثوري" الإيراني
في مناخ يشعر فيه الكثير من رجال الدين بعدم الرضى عن وضعهم وبعضهم يفقد الثقة في الجمهورية الإسلامية، يُظهر المحضر المزعوم لاجتماع عقده النظام مؤخراً كيف يمكن أن تتطور المشكلة مع استمرار الاضطرابات الداخلية.
كما هو موضح في الجزء الأول و الجزء الثاني من هذا المرصد السياسي، يُقال أن مجموعة من كبار قادة "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني اجتمعت مع المرشد الأعلى علي خامنئي في كانون الثاني/يناير، وشمل المحضر المزعوم للاجتماع شكاوى واسعة النطاق حول تماسك "الحرس" والتوجه الذي تتبعه الجمهورية الإسلامية. كما تناول ثلاثة مواضيع مألوفة هي الفساد وسوء الإدارة والقيود المالية، حيث اتخذ كل منها حياة جديدة في أعقاب حركة الاحتجاج الأخيرة.
الفساد وعدم الكفاءة
وفقاً للمحضر المزعوم، انتقد الكثير من القادة على وجه التحديد أمين "المجلس الأعلى للأمن القومي"، علي شمخاني. فقد وجّهوا، على سبيل المثال، اتهامات لاذعة لابنه بارتداء ساعة تبلغ كلفتها ما يوازي دخل الجندي العادي على مدى أربع سنوات. وقيل إن شمخاني رد بالقول إن مكتبه وجد أن أبناء الكثيرين من قادة "الحرس الثوري" ينفقون ما مقداره 10 مليارات ريال شهرياً (حوالي 20000 دولار بسعر السوق المفتوح) - أعلى بكثير مما تسمح به رواتب آبائهم فقط. وتمت الإشارة أيضاً إلى قضايا فساد أخرى رفيعة المستوى، من بينها تلك المتعلقة برئيس القضاء السابق صادق لاريجاني.
وعلى مر السنين، شكّل "الحرس الثوري" الإيراني وشمخاني محور الكثير من مزاعم الفساد، وبالتالي، ستكون هذه الشكاوى منطقية إذا صحت. ومن خلال آليات مختلفة مباشرة وغير مباشرة، يلعب "الحرس الثوري" دوراً بارزاً في الكثير من القطاعات الاقتصادية، من بينها الطاقة والبناء والنقل، مما يفتح المجال أمام الفساد والسرقة والمحسوبية.
وانطوت إحدى أشهر الحالات مؤخراً على المؤسسة التعاونية لـ "الحرس الثوري" الإيراني وشركة "ياس القابضة" التابعة لها، والتي قيل إنها مرتبطة بـ "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري". وفي العام الماضي، ظهر تسجيل قديم لقائد "الحرس الثوري" في ذلك الوقت يتحدث فيه عن اختلاس مرتبط بالمؤسسة وبلدية طهران، بعد أن كشف تدقيق مالي اختفاء مبالغ كبيرة من أموال المؤسسة. وأشار التسجيل على وجه التحديد إلى شخصيات بارزة في ذلك الوقت مثل محمد باقر قاليباف، الذي شغل منصب رئيس بلدية طهران خلال المخالفات المزعومة، وكذلك قائد "فيلق القدس" الراحل قاسم سليماني ورئيس استخبارات "الحرس الثوري" الإيراني آنذاك حسين طيب. وأكدت وسائل الإعلام المرتبطة بـ "الحرس الثوري" صحة التسجيل.
وواجه شمخاني أيضاً مزاعم فساد، من بينها تلك المتعلقة بالممتلكات العقارية لزوجته، وأعمال الشحن الخاصة بأبنائه، والارتباط المحتمل لإبن أخيه بانهيار مبنى، وبناء منزل صهره. وقد نفى شمخاني هذه المزاعم.
كما يُزعم أيضاً أن بعض قادة "الحرس الثوري" عبّروا في اجتماع كانون الثاني/يناير عن إحباطهم من عدم كفاءة حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي والحكومة السابقة لها. وقيل إن أحد القادة اشتكى من أن عدم الكفاءة كان منتشراً للغاية بين كبار المسؤولين في محافظة ألبرز لدرجة أن مدير الكهرباء الإقليمي لم يكن يعرف الفرق بين كيلوواط وميغاواط. وزُعم أن آخر قال إن المسؤولين كانوا غير مطلعين على احتياجات المواطنين لدرجة أنه يشك فيما إذا كان بإمكان أي من القادة الحاضرين تحديد السعر الحالي للدجاج أو اللحوم. وإذا كانت هذه التعليقات صائبة، فإنها تشير إلى أنه حتى بعض المدافعين الشرسين عن النظام يشعرون بخيبة أمل شديدة من أداء رئيسي، على الرغم من سيطرة المحافظين الكاملة على جميع أدوات سلطة الدولة.
التحديات المالية
قيل أيضاً إن قادة "الحرس الثوري" الإيراني يشكون من محدودية الموارد. وأفاد البعض كما يُزعم أن الرواتب غير كافية لتغطية تكلفة المعيشة، خاصة للجنود الذين يحاولون إعالة أسرهم أو إلحاق أطفالهم بالجامعة. ويُزعم أن أحد القادة تحدث عن اضطرار الجنود إلى تولي وظائف متعددة، بينما اشتكى آخر من التفاوت في الأجور بين الجنود على الحدود (الذين يواجهون هجمات من المهربين والإرهابيين) وأولئك الذين لديهم وظائف مكتبية في طهران. وقيل إن اثنين من الجنرالات ذكروا أنه تم القبض على جنود يبيعون معلومات استخباراتية مقابل مبالغ نقدية.
ومجدداً، لا تُعتبر هذه المزاعم مفاجئة على الإطلاق نظراً للضائقة الاقتصادية في البلاد، وهي تؤكد أن "الحرس الثوري" الإيراني ليس محصناً من القيود المالية الناجمة عن الفساد وسوء الإدارة والعقوبات الأمريكية. وعلى الرغم من مواجهة أكبر حركة احتجاجية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، لم تتمكن الحكومة من حشد الموارد الكافية لزيادة ميزانية "الحرس الثوري" - أهم مؤسسة أمنية في البلاد - إلى درجة تواكب التضخم. وعلى الرغم من أن الميزانية العامة لا تشمل مجمل نفقات الدفاع، إلا أنها توفر مؤشراً مفيداً عن القدرات المالية للحكومة. وبالنسبة للعام الإيراني الحالي، الذي بدأ الأسبوع الماضي، اقترحت الحكومة زيادة مخصصات "الحرس الثوري" بمقدار الثلث مقارنة بالعام الماضي، لكن التضخم السنوي يتجاوز حالياً 50 في المائة، لذا سينخفض التمويل العام لـ "الحرس" من الناحية العملية. كما شهدت رواتب الحكومة والجيش تخفيضات فعلية، بما أن الزيادات المعتمدة بنسبة 20 في المائة فقط لا تواكب التضخم أيضاً. ومع ذلك، حاول البرلمان منح بعض أفراد "الحرس الثوري" إجازة مالية، وخاصة "الباسيج"، الذين تم إعفاؤهم من دفع رسوم الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي ورسوم البلديات.
التداعيات
إذا كان محضر الاجتماع حقيقياً، فهو يعكس فكرة مباشرة غالباً ما تضيع في المحادثات المعنية بضائقة إيران الاقتصادية - أي أن أقسام كبيرة من "الحرس الثوري" تواجه ضغوطاً حقيقية بسبب العقوبات الأمريكية، ناهيك عن سوء الإدارة الداخلية والفساد في صفوف النظام. وبالطبع، تستفيد أقسام أخرى من "الحرس الثوري" من الوضع الراهن، إذ تؤدي العقوبات إلى إجراء العمليات التجارية في الخفاء، وتستخدم الكيانات المرتبطة بـ "الحرس الثوري" شبكاتها للتهرب من القيود الأمريكية وتحصيل جزء من الإيرادات لها في غضون ذلك.
وفي الواقع، ينبغي أن يؤدي الطابع المعقد لـ "الحرس الثوري" ومصالحه المتنوعة إلى إعادة النظر في أي مزاعم بأن "الحرس الثوري" لديه وجهات نظر متجانسة حول العقوبات أو الدبلوماسية مع الغرب أو الحكومة الحالية. فحكومة رئيسي تزخر بقدامى المحاربين في "الحرس الثوري"، بينما يدير المحافظون والمتشددون مؤسسات الدولة - وهو الوضع الذي دفع العديد من المحللين إلى افتراض أن "الحرس الثوري" سيكون الفائز الأكبر خلال فترة رئاسته. ومع ذلك، فهذا لا ينطبق على ما يبدو على الكثير من أفراد "الحرس". فالشكاوى المزعومة بشأن عدم كفاءة الحكومة تؤكد على عمق التحديات الهيكلية التي تواجهها إيران والصعوبات التي يواجهها بعض أعضاء "الحرس الثوري" في محاولتهم تغطية نفقاتهم.
هنري روم هو زميل أقدم في معهد واشنطن.