- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3967
دعم قوات سوريا الديمقراطية في سوريا ما بعد الأسد
لكي تحافظ الولايات المتحدة على شريكها الوحيد الموثوق به في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" والقادر على ذلك، يجب عليها مساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" في ردع "هيئة تحرير الشام" والتصدي للميليشيات المدعومة من تركيا.
غيّر سقوط بشار الأسد خريطة سوريا بسرعة. ففي حين اندفع تنظيم "هيئة تحرير الشام" وحلفاؤه من قاعدتهم في إدلب للسيطرة على معاقل رئيسية للنظام في طريقهم إلى العاصمة، تحركت جماعات معارضة أخرى للاستيلاء على أراضٍ في محافظتي درعا والقنيطرة في جنوب شرق البلاد. وفي منطقة "البادية" الصحراوية الوسطى والجنوبية، وسّع فصيل المعارضة المدعوم من الولايات المتحدة، "مغاوير الثورة"، سيطرته حول الحامية الأمريكية في "التنف". كما تنتشر بقايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في الصحراء أيضاً، مما يجعلها قادرة على تنفيذ هجمات في أي لحظة. وفي شمال شرق البلاد، تقدمت "قوات سوريا الديمقراطية" بزعامة الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة إلى عمق الرقة، لكنها خسرت أراضٍ في تل رفعت ومنبج بسبب تقدم "الجيش الوطني السوري"، وهو ائتلاف محلي من الميليشيات المدعومة من تركيا.
وفي هذه اللحظة الهشة، يجب على المسؤولين الأمريكيين إعادة تقييم احتياجات "قوات سوريا الديمقراطية" لضمان حصولها على الدعم اللازم لمواصلة المهمة التي جمعت الشريكين معاً في المقام الأول وهي: القتال المشترك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، والذي يشمل الآن الدفاع عن العديد من مرافق الاحتجاز في شمال شرق سوريا التي تضم آلاف من عناصر التنظيم وأنصاره. كما تتضمن هذه المهمة إبقاء ميليشيات "الجيش الوطني السوري" تحت السيطرة وضمان استعداد "قوات سوريا الديمقراطية" لمواجهة هجوم جديد من "هيئة تحرير الشام" إذا قرر الجهاديون دفع عملياتهم نحو شمال شرق البلاد.
توازن القوى المتغير
على الرغم من أن الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية" كانا خصمين، إلّا أن النظام وحلفاءه في إيران وروسيا طوروا وضعاً غير سهل بل مستقر نسبياً مع هذه القوات خلال السنوات الأخيرة. وفي الغالب ترك الأسد "قوات سوريا الديمقراطية" دون تدخل كبير في شمال شرق البلاد، بينما وافقت "قوات سوريا الديمقراطية" على أن يسيطر النظام وحلفاؤه الأجانب على أقسام صغيرة من مناطق الحسكة والقامشلي داخل أراضي "قوات سوريا الديمقراطية"، ومن بينها مطار القامشلي والمعبر الحدودي القريب مع تركيا. وفي الوقت نفسه، تتواجد القوات الأمريكية في شمال شرق البلاد منذ عام 2015 لمساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما عملت كوسيلة ردع فعلية ضد إيران وروسيا وتركيا والأسد.
وكجزء من هذه الترتيبات، تعاونت قوات النظام السوري وروسيا و"قوات سوريا الديمقراطية" للقيام بدوريات على خطوط المواجهة مع "الجيش الوطني السوري" وعلى الحدود التركية، بهدف ردع أنقرة عن تنفيذ المزيد من العمليات الهجومية. وتَعتبر تركيا الوحدة الكردية الرئيسية داخل "قوات سوريا الديمقراطية كياناً إرهابياً بسبب روابطه مع "حزب العمال الكردستاني"، وتسعى في النهاية إلى القضاء عليه. وبعد سلسلة من العمليات في شمال سوريا في 2016-2017 و 2018، شنت القوات التركية عملية توغل كبيرة في عام 2019، مما أدى إلى إقامة "منطقة عازلة" بعرض 100 ميل داخل أراضي "قوات سوريا الديمقراطية" بين "عين عيسى" و"تل تمر". وبعد ذلك، وقّعت أنقرة وموسكو مذكرة تفاهم تنص على تسيير دوريات مشتركة روسية - تركية على الجانب التركي من المنطقة، ودوريات مشتركة بين روسيا و"قوات سوريا الديمقراطية" والنظام على جانب "قوات سوريا الديمقراطية". (حتى كتابة هذا النص، ليس من الواضح إلى أي مدى لا تزال القوات الروسية متواجدة في هذه المنطقة.)
لقد حافظ ميزان القوى الدقيق في شمال شرق سوريا على استقراره حتى مع اختبار إيران والأسد لعزيمة "قوات سوريا الديمقراطية" في وقت سابق من هذا العام من خلال إرسالهما مقاتلين من القبائل العربية لمهاجمة مواقع "قوات سوريا الديمقراطية" في دير الزور. إلا أن انهيار النظام وتدهور وجود روسيا وإيران أخلّ بهذا التوازن. فمن جهة، سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" بشكل كامل على العديد من المواقع المهجورة للنظام وتوسعت إلى وسط سوريا. ومن جهة أخرى، تضاءل الردع الذي تمارسه "قوات سوريا الديمقراطية" ضد تركيا و"الجيش الوطني السوري"، وبرزت "هيئة تحرير الشام" كمنافس قوي جديد.
التهديدات التركية والجهادية المتجددة
إن "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري" خصمان، ولكنهما قد يختاران التعاون بصورة غير علنية ضد "قوات سوريا الديمقراطية" في البيئة الجديدة، أو على الأقل البقاء بعيدين عن طريق بعضهما البعض. وقد استفاد كلاهما من الدعم التركي، على الرغم من أن "هيئة تحرير الشام" هي جماعة جهادية مستقلة، بينما يُعد "الجيش الوطني السوري" وكيلاً تركياً يضم فصائل إسلامية وغير إسلامية.
عندما حطّم الهجوم الأخير لـ "هيئة تحرير الشام" مواقع النظام في حلب، تعرّض جيب "قوات سوريا الديمقراطية" القريب في "تل رفعت" لهجمات "الجيش الوطني السوري". وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر، أرسلت "قوات سوريا الديمقراطية" تعزيزات لفتح ممر إجلاء، لكن قوات "الجيش الوطني السوري" قطعت الطريق عليها بسرعة بمساعدة كبيرة من المدفعية والطيران التركي، مما أدى إلى محاصرتها في "الشيخ مقصود"، وهو حي ذو أغلبية كردية في حلب. وبعد ذلك عرضت "هيئة تحرير الشام" السماح لعناصر "قوات سوريا الديمقراطية" بمغادرة المدينة. ومع ذلك، لا تشير النتائج النهائية إلى مستقبل مشرق لهذه العناصر، إذ أفادت التقارير أن "قوات سوريا الديمقراطية" قد انسحبت من منبج، وتواجه الآن هجمات على كوباني في شمال شرق البلاد.
وفي غضون ذلك، تركت التقدمات المستمرة لـ "هيئة تحرير الشام" الجماعة تتشارك حدوداً طويلة مع "قوات سوريا الديمقراطية". ونظراً لهدف الجهاديين المتمثل في إقامة سوريا موحدة تحت تفسيرهم المتشدد للشريعة الإسلامية، فمن غير المرجح أن توافق "هيئة تحرير الشام" على استمرار وجود "قوات سوريا الديمقراطية" العلمانية - على الأقل ليس ككيان مستقل بالكامل. وحتى الآن، أظهرت "هيئة تحرير الشام" ضبط النفس تجاه الأكراد، مؤكدة أنهم "جزء لا يتجزأ" من المجتمع السوري وفتحت الباب أمام إمكانية التوصل إلى تسوية تفاوضية. ومع ذلك، من الصعب تصوُّر قيام الجماعة بتوقيع اتفاقية لا تفكك "قوات سوريا الديمقراطية" أو تقلل من شأنها وتحوّلها إلى جماعة تابعة. وفي غياب تسوية، قد ينشب صراع مسلح؛ وفي الواقع، قد تشعر "هيئة تحرير الشام" بضغوط إضافية للتوسع داخل أراضي "قوات سوريا الديمقراطية" إذا استمر "الجيش الوطني السوري" في تحقيق المكاسب، مما قد يؤدي إلى إشعال شرارة صراع على الأراضي في شمال شرق سوريا.
وفي مثل هذا السيناريو، قد يُشكل الجهاديون تحدياً عسكرياً خطيراً لـ "قوات سوريا الديمقراطية". فقد استثمرت "هيئة تحرير الشام" بشكل كبير في تحسين قدراتها العسكرية على مدى السنوات القليلة الماضية وأظهرت احترافية محسنة وتكتيكات مبتكرة خلال هجومها ضد (نظام) الأسد، بما في ذلك الاستخدام المتقدم للطائرات المسيّرة للقيادة والتحكم، والمراقبة، والاستهداف، والهجمات المضادة للدروع. ولم يواجه الأكراد مثل هذا الخصم الجهادي العازم منذ الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الفترة 2014-2019. وفي الواقع، لولا التدخل الأمريكي في كوباني قبل عقد من الزمن، لكانت القوات الكردية قد دُمرت تماماً.
ويبدو أن "قوات سوريا الديمقراطية" تدرك جيداً هذا الخطر اليوم، حيث لاحظت مؤخراً تهديد توسّع تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد سقوط الأسد. وقبل أشهر من سقوط النظام، لاحظت "القيادة المركزية الأمريكية" زيادة ملحوظة في هجمات تنظيم "داعش" وحذرت من أن الجماعة "تحاول إعادة تشكيل نفسها". وقد مارست قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" سيطرة إقليمية جزئية في بعض المناطق من خلال هجماتها المنتظمة على القوات الموالية للنظام وابتزاز السكان المحليين. والآن، مع رحيل الأسد، يهدد التنظيم بالسيطرة الكاملة في البادية.
وكما ذُكر أعلاه، يأمل تنظيم "الدولة الإسلامية" أيضاً في تهريب مقاتليه وعائلاتهم من السجون ومعسكرات الاحتجاز التي تخضع حالياً لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرق البلاد. وقد أظهر هجومه على "سجن الصناعة" في الحسكة في عام 2022 أنه لا يزال قادراً على تنفيذ عمليات كبيرة، الأمر الذي تطلب مساعدة التحالف بقيادة الولايات المتحدة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" في صد الهجوم. ومع احتجاز 50,000 فرد من المرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية" حالياً، فقد يكون انهيار "قوات سوريا الديمقراطية" وهروب عناصر التنظيم كارثة كبرى.
التداعيات السياسية
نظراً لأن "قوات سوريا الديمقراطية" هي الشريك الأمريكي الوحيد الموثوق به والقادر على مكافحة الإرهاب في سوريا، فسوف تحتاج واشنطن إلى مساعدة هذه القوات في وقف تقدم "الجيش الوطني السوري"، وردع "هيئة تحرير الشام"، والحفاظ على تنظيم "الدولة الإسلامية" في حالة ركود. وفي الشمال الغربي من البلاد، يجب أن تكون أولوية الولايات المتحدة منع "الجيش الوطني السوري" من التوسع أكثر داخل أراضي "قوات سوريا الديمقراطية". فقد واجهت تركيا ووكلاؤها اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد السكان الكرد، وكانت واشنطن قد فرضت سابقاً عقوبات على شخصيات من "الجيش الوطني السوري" بسبب هذه الجرائم. علاوة على ذلك، لم تلعب تركيا ولا "الجيش الوطني السوري" دوراً كبيراً في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا. ومن المرجح أن تكون منبج، التي كانت ذات مرّة مركزاً لوجستياً رئيسياً للتنظيم، أكثر عرضة لاستغلال الجهاديين إذا وقعت في أيدي "الجيش الوطني السوري".
وفي مواجهة هذه التطورات، ينبغي على إدارة بايدن أن توضح لتركيا، علناً وسراً، أن المزيد من هجمات "الجيش الوطني السوري" غير مقبولة، وأن الولايات المتحدة ستوفر دعماً جوياً لـ "قوات سوريا الديمقراطية" ضد هذه الهجمات. ومن شأن توسيع نطاق طلعات القاذفات فوق المنطقة على الفور أن يشير إلى الحزم في هذا الشأن. كما يجب على واشنطن أن تدرس فرض عقوبات إضافية على قادة "الجيش الوطني السوري"، ونقل قوات أمريكية إلى خطوط المواجهة في الرقة وكوباني، وتوسيع الدوريات المشتركة مع "قوات سوريا الديمقراطية". ومن شأن الدعم الأمريكي المتزايد أن يحقق فائدة جانبية حاسمة تتمثل في ضمان عدم إرهاق "قوات سوريا الديمقراطية" وإهمال واجبها في تأمين مرافق احتجاز تنظيم "الدولة الإسلامية".
وفي الوقت نفسه، يجب على الإدارة الأمريكية أن تراقب "هيئة تحرير الشام"، التي قد تحاول الاستيلاء على أراضي "قوات سوريا الديمقراطية" إذا شعرت بالضعف - وهو السيناريو الذي من شأنه أن يعرّض الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" للخطر بشكل أكبر. وعلى الرغم من أن قوات "هيئة تحرير الشام" قمعت تنظيم "الدولة الإسلامية" في إدلب، إلا أن أعضاء كبار من التنظيم الإرهابي العالمي (بمن فيهم اثنان على الأقل من قادته السابقين) وجدوا ملاذاً في أراضي "هيئة تحرير الشام" سابقاً. ولا تزال "هيئة تحرير الشام" منظمة مدرجة على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب بسبب ارتباطها السابق بتنظيم "القاعدة" واستمرار نزعاتها المتطرفة. ولكي تقرّ واشنطن بهذه المخاطر وتمنع انهيار مهمة مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، يجب عليها اتخاذ الخطوات العاجلة التالية:
- معارضة جهود "هيئة تحرير الشام" للتوسع في أراضي "قوات سوريا الديمقراطية"، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة ستدعم "قوات سوريا الديمقراطية" بحزم في حالة وقوع هجوم كبير.
- مواصلة الضربات الجوية الأمريكية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وبالفعل، لقد تم الإعلان عن تنفيذ "عشرات" من الغارات الجوية على "معسكرات" التنظيم في وسط سوريا منذ سقوط الأسد، ويجب أن تستمر هذه الضربات وفقاً للحاجة. كما أن دعم مهمة مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" يتطلب الالتزام بالحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا (900 جندي في الوقت الحاضر).
- ضمان استعداد "قوات سوريا الديمقراطية" للدفاع عن الأراضي ضد التهديدات الجهادية المحتملة، الأمر الذي سيتطلب القيام (بحملات عسكرية) بصورة أكثر من عمليات مكافحة الإرهاب الروتينية التي نفذتها هذه القوات بدعم من التحالف في السنوات الأخيرة.
عيدو ليفي هو زميل مشارك في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن، وطالب دكتوراه في "كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية".