- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2437
دروز سوريا تحت التهديد
في 10 حزيران/يونيو قتل تنظيم «جبهة النصرة» ذراع تنظيم «القاعدة» ما لا يقل عن عشرين من الدروز في قرية قلب لوزة، في ريف إدلب شمال غرب سوريا. وبعد ستة أيام، قَتَل جنديان من جنود نظام الأسد الذين يؤدون خدمتهم في قرية الخضر الدرزية على الحدود مع إسرائيل قائدهما الدرزي قبل أن ينشقا وينضما إلى «جبهة النصرة». وفي اليوم التالي، استولى مسلحون إسلاميون وقوات متمردة أخرى على تلة استراتيجية شمال الخضر وحاصروا القرية بعد خوضهم معارك عنيفة مع قوات النظام.
وتؤكد هذه الأحداث ضعف المجتمعات الدرزية المتواجدة على جانبي حدود لبنان وسوريا وإسرائيل. إذ لم يعد الدروز في سوريا، الذي يقارب عددهم 800 ألف شخص يحصلون على الحماية الكافية مما تبقى من النظام، ويُعتبرون زنادقة من قبل «جبهة النصرة» وجماعات إسلامية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي حدوث المزيد من التصعيد إلى دفع إسرائيل إلى التدخل، ويبقى ذلك بالتالي خطراً من بين مخاطر أخرى.
ردود فعل متباينة بين الدروز في لبنان
بعد حادث قرية قلب لوزة، سارع السياسي اللبناني الدرزي وليد جنبلاط، الذي لا يعترف بـ «جبهة النصرة» كمنظمة إرهابية، إلى إدانة عمليات القتل وتهدئة جمهوره الغاضب. وفي 12 حزيران/يونيو وصف الهجوم بأنه حادث "فردي"، مضيفاً أنه وقع في وقت كان فيه نظام الأسد "يقتل المئات من المواطنين بشكل يومي". وأشار إلى أنه سيحل الحادث "عن طريق الاتصالات السياسية" مستفيداً من علاقاته المحلية لاحتواء الموقف.
وفي 13 حزيران/يونيو، أعلنت «جبهة النصرة» أنه تم تنفيذ الهجوم من قبل عناصر منها "بدون علم القيادة" وبمخالفة واضحة لتوجيهات قيادتهم، معتبرة أن الحادث عبارة عن "خطأ غير مبرر". وأضاف البيان: "إن أهالي [الدروز] القرية آمنين مطمئنين تحت حمايتنا".
أما جنبلاط، وهو ناقد لاذع للأسد، فكان قد دعا - في وقت سابق - الدروز في سوريا، لا سيما في محافظة السويداء الجنوبية الغربية، إلى التخلي عن النظام و"المصالحة" مع الثوار في محافظة درعا التي يسيطر عليها السنة. وفي 11 حزيران/يونيو، أعلنت الجماعة الثورية "الجبهة الجنوبية [لـ «الجيش السوري الحر»]، " أن "أبناء السويداء هم إخوتنا وأهلنا، وأننا لم ولن نقاتلهم"، مضيفة: "أننا سنكون معهم [الدروز] يداً بيد بمواجهة جميع المخاطر التي تهدد محافظة السويداء في حال طلبوا منا ذلك".
ينقسم الدروز في السويداء حالياً إلى ثلاثة معسكرات: أولئك الذين يؤيدون النظام، وأولئك الذين رفضوا الخدمة في الجيش واختاروا أن يدافعوا عن المحافظة بأنفسهم، وأولئك الذين لا يزالون على الحياد. وفي 16 حزيران/يونيو، قال الشيخ وحيد البلعوس، أحد الدروز المنتقدين للنظام، أنه وأنصاره - المعروفين باسم "مشايخ الكرامة" - مع وقف إطلاق النار بين محافظتي درعا والسويداء [المتجاورتين]. والأهم من ذلك، أفادت التقارير أنه قال إن جماعته تنسق بشكل غير مباشر مع الثوار من «الجيش السوري الحر»، الذي يحظى بدور مؤثر في درعا.
وفي الوقت نفسه، انتقد السياسي الدرزي الموالي للأسد وئام وهاب، الذي يرأس "حزب التوحيد"، موقف جنبلاط المتحفظ حول قلب لوزة ودعا الدروز في لبنان إلى مساعدة إخوانهم في الدين في سوريا. وكان البعض من مؤيديه قد حثوا الدروز اللبنانيين على حمل السلاح، وخلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً أشار إلى أن "الدروز قادرون على إنشاء جيش يضم اكثر من 200 الف شخص من دروز سوريا ولبنان والعالم للدفاع عن السويداء".
قلق الدروز الإسرائيليون
يشعر الدروز الإسرائيليون بالتوتر بسبب تطورين: التهديد للدروز السوريين، وتجنيد الشبان الدروز في خلايا إرهابية تعمل بإيعاز من إيران و«حزب الله». فهذا الاسبوع، تظاهر الآلاف من الدروز الإسرائيليين في القرى الشمالية عسفيا ومجدل شمس، داعين إلى لفت الانتباه إلى التهديد المباشر الذي يواجه نظراءهم السوريين من «جبهة النصرة». إلى جانب ذلك، أرسلوا أكثر من 2.6 مليون دولار للدروز السوريين عن طريق الأردن لشراء الأسلحة وغيرها من المستلزمات.
وفي الوقت نفسه، طلبت الحكومة الإسرائيلية من الولايات المتحدة زيادة المساعدات لدروز سوريا، وحثت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" والأمم المتحدة على إنشاء منطقة إنسانية آمنة للدروز على الجانب السوري من مرتفعات الجولان. ومع ذلك، رفضت حتى الآن التدخل عسكرياً نيابة عن الدروز داخل سوريا خوفاً من أن يُنظر إليها على أنها تقحم نفسها مباشرة في الحرب.
وقد أتى مقتل القائد الدرزي في الجيش السوري على يد اثنين من المنشقين الذين انضموا إلى «جبهة النصرة»، في 16 حزيران/ يونيو بعد يوم واحد من المظاهرات الإسرائيلية، وقد أعقب عملية الاغتيال هجوماً قامت به «جبهة النصرة» أسفر عن إصابة عدد من الدروز في بلدة الخضر التي تضم 25 ألف درزي. وفي ما يتخطى الخسائر البشرية، كان الهجوم الأخير مشؤوماً على وجه الخصوص بسبب أهميته الجيوسياسية. فالخضر هي آخر قرية درزية على الجانب السوري من الجولان التي لا تخضع لسيطرة قوات الثوار. ووفقاً للمسؤولين الإسرائيليين، فإن العديد من القرى الخاضعة لسيطرة الثوار (على سبيل المثال، بريقة وبئر عجم) تخضع فعلياً لسيطرة «جبهة النصرة» حتى في ظل تواجد عناصر أخرى من الثوار (عادة، يسيطر كل فصيل على حي، ولكن «جبهة النصرة» هي الأكثر قوة من بين هذه الفصائل). يُذكر أن التهديدات التي تربصت القرى الدرزية السورية لبعض الوقت كان مصدرها منطقة جباتا الخشب، وهي قرية تبعد خمسة أميال فقط إلى الجنوب وتسيطر عليها «جبهة النصرة» وجماعات أخرى من الثوار. ونتيجة لذلك، يشير الجنود الإسرائيليون أحياناً إلى معبر القنيطرة على أنه "معبر النصرة"، وذلك جزئياً من باب الدعابة فقط.
وفي الوقت نفسه، تواجه إسرائيل أيضاً تهديدات إرهابية من السكان المحليين - بمن فيهم الدروز - الذين يجندهم «حزب الله» لزرع عبوات ناسفة على جانب الطريق بالقرب من حاجز الجولان الأمني. وقد أشار المسؤولون العسكريون الإسرائيليون إلى خمسة عشر هجوماً مماثلاً على الأقل في الفترة بين آذار/مارس وكانون الأول/ديسمبر 2014. وكما قال أحد الجنرالات لصحيفة "نيويورك تايمز" في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بأن استخدام السكان المحليين يخدم سياسة الإنكار، و"«حزب الله» يعطيهم العبوات الناسفة والإيرانيين يمدونهم بالإلهام". وفي كانون الثاني/يناير أودت غارة جوية إسرائيلية بحياة جهاد مغنية، ابن القيادي الإرهابي المتوفي في «حزب الله» عماد مغنية، حينما كان يقوم بـ "جولة القادة" في المنطقة. كما وقُتل جنرالاً إيرانياً والعديد من النشطاء الآخرين. ومنذ ذلك الحين، لعب مصطفى، شقيق جهاد، دوراً أكثر بروزاً في هذا الجزء من سوريا.
وعلى الرغم من أن لا «حزب الله» ولا إيران يريدان جرّ إسرائيل إلى سوريا في الوقت الراهن، إلا أن كليهما يشعران بأنهما مجبران على الحفاظ على مصداقيتهما، باعتبارهما أعمدة "المقاومة" ضد إسرائيل. ووفقاً لذلك، كان «حزب الله» قد استخدم الدرزي اللبناني سمير القنطار - الذي أُدين بتهمة قتل عائلة إسرائيلية في عام 1979 وأُفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى عام 2008 - لتجنيد الشبان الدروز بصورة نشطة لشن هجمات إرهابية. ويُقال أن القنطار بدأ بتجنيد ميليشيات محلية للدفاع عن القرى الدرزية من هجمات «جبهة النصرة» وثوار آخرين. ومن ثم اقترح سراً على عدد قليل من المجندين - الذين هم محل ثقة من بلدة الخضر - مهاجمة إسرائيل؛ ومن بين هؤلاء اثنان من الشبان الذين جاءوا أصلاً من قرية مجدل شمس عبر الحدود.
لقد وضع تجنيد الدروز، ناهيك عن دروز إسرائيل، المجتمع كله في وضع متزعزع. وما يزيد الأمر سوءاً أن خلية القنطار نفذت هجوماً بعبوة ناسفة في 27 نيسان/إبريل، خلال عيد الدروز الأبرز وهو زيارة مقام النبي شعيب. وفي هذا الإطار، ورد أن أحد قادة الدروز البارزين كان غاضباً وأجبر أحد الشباب أن ينفي علناً تورطه في مجموعة القنطار بينما كان واقفاً أمام قريته بأكملها.
التداعيات
كشف الهجوم على قلب لوزة عن شقاق في غير أوانه داخل الطائفة الدرزية في لبنان، حيث ينقسم المشهد السياسي بين التحالفات المؤيدة للأسد وتلك المناهضة له. وفي الوقت الراهن، تسعى دعوة جنبلاط لضبط النفس إلى الحفاظ على التوازن الطائفي الدقيق بين الدروز والسنة، الذين يعيشون معاً في جميع أنحاء البلاد. فهو في وضع دقيق جداً، إلا أن تصريحه بأن «جبهة النصرة» جزء من المعارضة السورية وليست منظمة إرهابية كان عبارة عن محاولة للحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة مع الجماعة، التي ما زالت تحتجز عدداً من الجنود ورجال الشرطة اللبنانيين- سبعة منهم من الدروز- كرهائن.
أما بالنسبة إلى دروز إسرائيل، فإن إنشاء منطقة إنسانية آمنة لحماية أقاربهم والمنتمين إلى الطائفة نفسها عبر الحدود سيصبح احتمالاً أكثر صعوبة إذا استكملت «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات سيطرتها على الجولان السوري. لذا فإن المسؤولين الإسرائيليين يراقبون الوضع بعناية، خوفاً من أنه في ظل غياب مأوى دولي في سوريا، يمكن أن يجدوا أنفسهم فجأة يعانون من تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الدروز نحو الحدود. وقد أفادت التقارير أن "جيش الدفاع الإسرائيلي" حذر «جبهة النصرة» من استهداف الدروز، وهي رسالة نُقلت عن طريق «الجيش السوري الحر». وعلاوة على ذلك، قال رئيس أركان "الجيش الإسرائيلي"، أثناء تقديمه شهادته أمام الكنيست في 16 حزيران/يونيو، أن الجيش سوف "يعمل على منع ذبح اللاجئين السوريين"، في إشارة ضمنية إلى مأزق الدروز. وفي غضون ذلك، ليس هناك شك بأن الدروز الإسرائيليين سيزيدون إلى حد كبير من الدعم الإنساني والمالي الذي يقدموه إلى الدروز السوريين.
وأخيراً، قد يشعر الدروز اللبنانيون والإسرائيليون بأنهم مجبرين على الانضمام إلى القتال بأنفسهم إذا ازداد الوضع سوءاً، في ظل ظروف من المحتمل أن تسبب زعزعة الاستقرار. وفي الحالة الأولى، يمكن أن يواجه الدروز اللبنانيون اتهامات بالسير على خطى «حزب الله» إذا ما تدخلوا في الحرب السورية المجاورة. وقد انتقد العديد من اللبنانيين «حزب الله» لتكريسه الكثير من الاهتمام والطاقة لسوريا، مما أدى بالتالي إلى تأجيج التوتر الطائفي في الداخل اللبناني. وفي غضون ذلك، لخص عضو الكنيست الإسرائيلي والزعيم الدرزي أيوب قرا مخاوف جمهوره من الأنصار بقوله: "إسرائيل ليست جزءاً من [هذا] القتال، ولا تريد أن تكون جزءاً منه، لأنه إذا قلنا أننا سنكون جزءاً من القتال، فإن ذلك سيجعل الأمور أكثر سوءاً لأهلنا [الدروز] في سوريا". وأضاف قائلاً: "ولكنني كرجل درزي - سأفعل كل ما هو ممكن لدعم شعبي. أنا مخلص جداً لشعبي".
نعوم ريدان عملت حتى وقت قريب باحثة مشاركة في معهد واشنطن ومحررة منتدى فكرة باللغة العربية. ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد.