- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
دعونا لا نتسرّع: أسئلة هامة حول إيران لا تزال بلا إجابة
مما لا شك فيه أن التنفيذ الناجح للاتفاق النووي الإيراني مهم، فهو ينزع فتيل أزمة خطرة بين إيران والمجتمع الدولي، ويؤخر فترة تجاوز إيران للعتبة النووية، ويُظهر مهارة الولايات المتحدة في تنفيذ عملية دبولماسية وعسكرية واقتصادية واستخباراتية متطورة. كما وأنه أنشأ اتصالات مع الحكومة الإيرانية، الأمر الذي كان مفيداً في الإسراع بنزع فتيل الأزمات، مثل الإفراج عن السجناء الأمريكيين وبحارة البحرية الأمريكية المحتجزين.
ولكن، على الرغم من أنّ الاتفاق النووي مفيد والاتصالات الدبلوماسية مفيدة أيضاً ولا بد من الاحتفال بتحرير المحتجزين والبحارة، إلا أن هناك حدوداً لما يمكن قراءته جراء هذه التطورات. فإيران لم تقدم للولايات المتحدة أي خدمة في توقيعها على هذا الاتفاق. فهو ينهي العقوبات المفروضة عليها وسيعود عليها بما يصل إلى 100 مليار دولار من عائدات مبيعات النفط الماضية مقابل فرض قيود على عمليات تخصيبها لليورانيوم (وليس إيقافها) وعدم الاعتراف بمخالفاتها على الرغم من وجود أدلة وفيرة حولها.
وحتى في ظل حكم الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد المتصلب، أفرجت إيران عن بحارة بريطانيين في غضون 17 يوماً من دون إغراءات بقيمة 100 مليار دولار ومن دون تخفيف العقوبات عنها. وفي المقابل، تمت مبادلة الأمريكيين المحتجزين في إيران بتهمة ملفقة بشكل ملموس بإيرانيين كانوا قد خرقوا القوانين الأمريكية فعلياً. هذا وترفض إيران حتى توضيح ما حدث للضابط السابق في "مكتب التحقيقات الفيدرالي" روبرت ليفنسون على أراضيها، ولم تطلق سراح البحارة الأمريكيين في الأسبوع الماضي سوى بعد أن أشاعت عمداً عملية إذلالهم على أيدي الإيرانيين في جميع أنحاء المنطقة.
ولكن، بقدر ما تُعتبر هذه النجاحات حقيقية، فهي في النهاية تكتيكية وليست استراتيجية، ولن تؤدي بمفردها إلى تهدئة الشرق الأوسط الذي لا ينفك يزداد عنفاً واختلالاً وظيفياً. ويعود السبب في ذلك إلى أن سعي إيران للهيمنة الإقليمية من خلال الحرب غير المتكافئة والإرهاب والترويع هو من العوامل الرئيسية المسرّعة لمشاكل المنطقة. فإذا رأت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الاتفاق النووي يشكل فوزاً استراتيجياً قادراً على إحداث تحول في عدوانية إيران، فإن قدرة الولايات المتحدة على ردع التحديات التي تطرحها إيران وعلى احتوائها ستتراجع.
من هنا، يعتمد الأمر بجزء كبير منه على كيفية رؤية الإدارة الأمريكية للمسألة. فقد اعتبر نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، في إطار حديثه إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في نيسان/ إبريل، أن الاتفاق النووي كان مشابهاً لاتفاقيات الحد من التسلح مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة - التي كانت مفيدة ومعززة للاستقرار لكنّها لم تغيّر قواعد اللعبة بشكل استراتيجي في مواجهة الأيديولوجية والعدائية السوفياتية. إذا كان بايدن دقيق في كلامه، وإذا كانت الإدارة الأمريكية تنظر إلى الاتفاق النووي على أنه مجرد حل لوضع خاص بما يؤدي إلى تحرير الولايات المتحدة لدعم الأمن الإقليمي بشكل أكثر فعالية، فإن إدارة الرئيس أوباما تكون بالتالي على الطريق الصحيح.
ولكن، تبرز مؤشرات أخرى على أن الإدارة الأمريكية تعتبر الاتفاق مبشراً بظهور إيران مختلفة، مشابهة للاتحاد السوفياتي عندما أصبح ميخائيل غورباتشوف رئيساً للحزب [الشيوعي]. وليست تصريحات الرئيس باراك أوباما لتوماس فريدمان في 5 نيسان/أبريل عن "احتمال تغيّر إيران" سوى مؤشراً من مؤشرات كثيرة تدل على أنه يفكر بهذه الطريقة. ولكن، قلّة هي الأدلة التي تشير إلى أن القيادة المتشددة المحيطة بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مهتمة بالتقارب مع الولايات المتحدة، بل على العكس منذلك وفقاً لما تبيّنه تجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية الأخيرة، وعملية إذلال البحارة الأمريكيين المحتجزين والسلوك الإيراني في سوريا.
ومن المؤكد أنّ شركاء الولايات المتحدة الإقليميين لا يرون أن إيران ستتغير في أي وقت قريب. وفي هذا السياق، تطرق الرئيس الأمريكي في خطاب "حالة الاتحاد" إلى توجه الدول الأخرى إلى واشنطن عندما تكون في أزمات. وهذا أمرٌ صحيح، لكنّ هذه الدول لا تسعد في هذه الأيام دائماً بالرد الذي تتلقاه. لهذا السبب تعمل الرياض وتل أبيب وأنقرة، وهي أقوى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، على نحو متزايد من تلقاء نفسها لاحتواء إيران وحليفتها الجديدة، روسيا، وفي كثير من الأحيان بطرق خطرة بطبيعتها من دون قيادة أمريكية.
إذا اختارت الإدارة الأمريكية عدم مواجهة إيران، إما بغية تشجيع تحول غير مرجح يُزعم أنه سينجم عن الاتفاق أو بهدف "إنقاذ" الاتفاق وإرثها، سيؤدي ذلك إلى القضاء على الاستقرار، بدلاً من تعزيزه، في منطقة حيوية ولكن خطيرة.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن.
"يو. إس. نيوز أند وورلد ريبورت"