- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
دير الزور محاصرة بين القيادات المحلية الفاسدة والحوكمة الخارجية
في يوم الأحد 27 آب/أغسطس، تمت دعوة قائد "مجلس دير الزور العسكري"، أبو خولة، بالإضافة إلى عدد من قادة الصف الأول في المجلس، للقاء قائد "قوات سوريا الديمقراطية" ("قسد")، مظلوم عبدي، في محافظة الحسكة المجاورة.
ولكن الاجتماع الذي كان من المفترض أن يركز على إيجاد حل للتوترات المستمرة بين الطرفين، انتهى باعتقال قادة المجلس، ولاحقًا، عزل أبو خولة والقادة الذين اعتُقلوا معه من مناصبهم.
وتعود الحادثة إلى خلاف نشب بين قائد في "قسد" يدعى روني و"مجلس دير الزور العسكري" في وقت سابق من هذا الشهر، بسبب رفض المجلس بعض القرارات السياسية. وتصاعد التدخل إلى اشتباكات خطرة استمرت لساعات وأسفرت عن وقوع قتلى من الجانبين. وفي نهاية المطاف، تم احتواء الحادثة بالكامل ووقف العمليات العدائية.
تجّددت الاشتباكات بين الطرفين في 27 آب/أغسطس في إثر اعتقال أبو خولة، وامتد القتال ليشمل حاليًا مناطق واسعة في ريف دير الزور الشرقي والشمالي. وقد نتج عن ذلك المزيد من الخسائر في الأرواح من الطرفين وفي صفوف المدنيين أيضًا.
وفي حين تسيطر "قسد" رسميًا على منطقة دير الزور، يحظى "مجلس دير الزور العسكري" بدعم أكبر من سكان الريف، وذلك لأن السكان المحليين، الذين ينتمون إلى القبائل، يشكلون الغالبية العظمى من عناصر المجلس، ولأنه تأسس في إطار القتال المحلي ضد تنظيم "داعش" في عام 2018.
أبو خولة و"قوات سوريا الديمقراطية": زواج المصالح
مع ذلك، يُعد اختيار "قسد" دعم أبو خولة وتعزيز سيطرته على "مجلس دير الزور العسكري" أمرًا مثيرًا للتساؤل. ينتمي أبو خولة إلى عشيرة البكير، إحدى أبرز عشائر شمال شرق سوريا. وبعد اندلاع المعارك بين "قسد" وتنظيم "داعش" في المنطقة، اعتبرت "قسد" أبو خولة الأجدر والأنسب لتمثيل العرب في صفوفها. بيد أن تعيينه لاقى رفضًا من السكان المحليين في البداية بسبب خلفيته. فقبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011، عُرِف أبو خولة محليًا بقيادته مجموعة تمارس نشاطًا غير قانوني، لا سيما سرقة السيارات والدراجات النارية. وكانت هذا المجموعة تمارس عملياتها بشكل أساسي في ريف دير الزور الشمالي الذي يربط محافظة دير الزور بالحسكة.
استغل أبو خولة إيرادات تلك الأنشطة لتعزيز قوة مجموعته، وفرض رسوم على الأفراد المنخرطين في قطاع النفط المحلي. وبسبب أفعاله وسمعته السيئة، لم يحظَ بقبول من الفصائل العسكرية في دير الزور، بما في ذلك "الجيش السوري الحر"، بين عامي 2011 و2014، عندما تطورت الثورة إلى صراع مسلح مع نظام الأسد. ونتيجة لذلك، لم يجد أبو خولة مكانًا له في قوى المعارضة إلا بعد سنوات عبر "قوات سوريا الديمقراطية"، عندما أطلقت حملاتها العسكرية ضد تنظيم "داعش".
والتزم أبو خولة، على الرغم من سوء سمعته، بسياسات وأوامر "قسد" في ما يتعلق بإدارة شؤون دير الزور، ونجح في الحفاظ على علاقته معها لسنوات. وساهم هذا التفاهم بين الطرفين في تمكين أبو خولة، الذي اكتسب سلطة عسكرية وإدارية واسعة في مختلف أنحاء دير الزور. واستطاع أيضًا في السنوات التالية الحصول على مكاسب أكثر مما كان يتوقع، وزاد من نفوذه وثروته، لا سيما عبر سيطرته على المعابر النهرية بين ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية.
إلا أن طموح أبو خولة لم يتوقف عند هذا الحد، إذ وضع نصب عينيه مناصب أخرى غير دوره كقائد عسكري في دير الزور. فقد شكّل قاعدة أتباع محلية ونصّب نفسه زعيمًا قبليًا يُنتظَر من باقي القبائل أن تستمع إليه وتطيعه، وأدت هذه الجهود إلى عزل قيادات قبلية أخرى. وفي الآونة الأخيرة، تم تسريب عدد من الرسائل الصوتية، يُزعَم أنه استخدم فيها لغة مسيئة للغاية في حديثه عن شيوخ قبائل بارزين في المنطقة. ومع ذلك، ظل يتصرف باعتباره الزعيم القبلي الرئيسي، مستفيدًا من منصبه كممثل محلي في نظام حكم يعتبره سكان دير الزور إلى حد كبير دخيلًا عليهم.
ويوضح انهيار هذه العلاقة مؤخرًا حدود ترتيبات العمل هذه بين الطرفين. فقد أصبح أبو خولة الآن متمردًا على "قسد"، ويقوم بحشد مؤيديه وتأجيج الغضب المحلي ضدها. أما "قسد" فتحصد حاليًا ما زرعته، إذ كانت تدرك جيدًا سمعة أبو خولة السيئة في دير الزور قبل تعيينه.
وتُعد التطورات الجارية في دير الزور خير دليل على أن الوضع في شمال شرق سوريا أشبه بقنبلة موقوتة. وتزداد هشاشة النهج الذي تتبعه "قسد" في هذه المنطقة وعدم واقعيته، كما يتضح أنه لولا الوجود الأمريكي في دير الزور لانهار استقرارها النسبي على الفور. ويبدو أن "قسد" عاجزة وحدها عن التصدي للتهديدات الخطيرة التي تواجهها، مثل خلايا "داعش" أو الميليشيات الإيرانية والروسية أو نظام الأسد. لقد ثبت أن الوجود الأميركي المستمر على الأرض هو الضامن لاستقرار المنطقة حتى الآن.
تحديد السياسة الأمريكية في دير الزور
شاركتُ في الكثير من النقاشات السياسية الرفيعة المستوى بين مسؤولين أميركيين وشخصيات قبلية ومحلية. ولطالما أعربت القبائل عن إحباطها من لجوء الولايات المتحدة إلى الأكراد في تحديد سياستها في دير الزور ذات الأغلبية العربية. وفي حين يمكن تفهّم هذا الموقف نظرًا إلى اعتماد الولايات المتحدة على الأكراد في الحرب مع "داعش"، تقدّم المجتمع المحلي العربي في دير الزور بتوصيات ومطالب معقولة في هذه النقاشات، استجابت غالبًا لمقتضيات السياسة التي حددتها الولايات المتحدة.
وكان مطلبهم الأساسي الاعتماد على الأصوات المعتدلة التي تمثلهم فعليًا، وليس على الدخلاء كالأكراد أو الفاسدين في دير الزور مثل أبو خولة. ولكن أحدًا لم يستمع إلى تلك المطالب، وبقي الناس في مختلف أنحاء البلاد عالقين بين خيارات أسوأ من بعضها بعضًا. هذه هي المشكلة الأساسية التي يواجهها شرق سوريا، وبخاصة دير الزور، نظرًا إلى غياب الوجود الكردي في المنطقة، خلافًا لمنطقة الحسكة المختلطة. ربما سلطت الاشتباكات الأخيرة الضوء على هذه الدينامية، إلا أن هذه القضايا تتفاقم منذ سنوات، ومن غير المرجح أن تشكل المناوشات الحالية التداعيات الوحيدة لهذه الدينامية التي تزداد خطورة. ومن أجل معالجتها بشكل فعّال، لا بد من معالجة نقطتين رئيسيتين:
1.إعادة صياغة سياسة حقيقية في شمال شرق سوريا:
يجب على الولايات المتحدة وضع سياسة شاملة وثابتة لمنطقة شمال شرق سوريا البالغة الأهمية المتاخمة للعراق. وعند وصف التدابير الأمنية للسكان المحليين، يجب إطلاع الأشخاص الأكثر تأثرًا بها على الرؤية الطويلة المدى والاستراتيجية الأشمل. إن تقييم التهديدات الحقيقية في المنطقة بشكل دقيق، بما في ذلك تنظيم "داعش" والميليشيات الإيرانية والروسية ونظام الأسد، والتواصل مع زعماء القبائل المحلية للمساعدة في حماية منطقة شرق الفرات بسواعِد سكانها، يمكن أن يساعد في دحض التصوّر السائد بأن هذه المنطقة متروكة للقوى الخارجية الأخرى لتعبث بها كما تشاء.
2.إنشاء قنوات اتصال مباشرة
هذا الأمر ضروري للتغلب على المخاوف المحلية وتمكين القادة المحليين. ولهذه الغاية، ينبغي على واشنطن تعزيز التواصل المباشر بين السكان العرب وأصحاب النفوذ الرئيسيين في المنطقة، والذي لا يشمل الأفراد الفاسدين. ويجب تحديدًا عقد اجتماعات منتظمة بين التحالف والسكان المحليين للاستماع إلى احتياجاتهم والعمل على تلبيتها بشكل فعال والتخفيف من حدة التوترات القائمة.
في سبيل ذلك، يجب على ممثلي الولايات المتحدة تعزيز فهمهم للديناميات القبلية، والتعامل معها على أساس الاحترام وإشراك الأطراف كافة في شمال شرق سوريا بصورة هادفة. كما ينبغي عليهم منع قيادة "قسد" من التدخل علنًا في إدارة دير الزور، والنظر في منح المحافظة قدرًا أكبر من الحكم الذاتي، أو تقديم التحالف الدولي ضمانات حقيقية بإشراك السكان المحليين بصورة أكبر في هيكليات الحكم الخاصة بهم.
يمكن بذل المزيد من الجهود لإشراك جيل الشباب المتعلم في المنطقة وتمكينه في نهاية المطاف، ليصبح جيلًا يهتم بالاستقرار والأمن وحماية المنطقة. وعلى نحو مماثل، تبرز حاجة ماسة إلى استراتيجيات مكافحة الفساد. تساعد هذه الجهود على بناء الثقة التي تشتد الحاجة إليها ويفتقر إليها حاليًا سكان دير الزور الحيوية.