- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3925
"فضيحة ووترغيت" في العراق وتداعياتها على العلاقات مع الولايات المتحدة
انفجر الفساد المسيّس في أفضل وكالة استخبارات في العراق إلى فضيحة تَنَصُّت كبرى موجهة من مكتب رئيس الوزراء؛ يتعين على واشنطن تعديل تبادل المعلومات الاستخباراتية الثنائية وفقاً لذلك.
في 28 آب/أغسطس، بدأت تنتشر أخبار من خلال تقارير استقصائية حول تنفيذ حملة رقابة سياسية واسعة النطاق شملت مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وكان حجم الحملة كثيف لدرجة أن حتى السياسيين والمواطنين العراقيين - الذين اعتادوا بكل معنى الكلمة على الفساد والفضائح حتى الآن - أصيبوا بالصدمة من هذه القضية. وبالنسبة للولايات المتحدة، تُعد الفضيحة مؤشراً صارخاً آخر على أن العراق ليس مستقراً كما يُصوَّر في بعض الأحيان، وأن حكومته الحالية ليست الشريك الأمني والاستخباراتي الموثوق به الذي تحتاجه واشنطن.
مَن الذي تَنَصت على مَن؟
إن التقارير الأصلية حول الفضيحة سرعان ما تعززت بتغطية من وسائل إعلام عربية رئيسية أخرى وتسريبات مسؤولين عراقيين وسياسيين معروفين بعدم الانضباط في بغداد. وتشير الأصداء الزلزالية في بغداد، بما في ذلك الاجتماعات الطارئة العديدة التي عقدتها الفصائل السياسية، إلى أن هناك الكثير من النار وراء الدخان المرئي. وفيما يلي بعض النقاط الواضحة حتى الآن:
تم استهداف جميع الشخصيات السياسية الكبرى في العراق تقريباً من خلال اختراق أو مراقبة أجهزة الاتصال الخاصة بهم، بمن فيهم:
• رئيس "مجلس القضاء الأعلى" القاضي فائق زيدان
• رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وصهره ووكيله التجاري ياسر عبد صخيل المالكي
• هادي العامري، رئيس كيانين سياسيين رئيسيين مدعومين من إيران: "الإطار التنسيقي" و"منظمة بدر"
• رئيس مجلس النواب بالوكالة وعضو "منظمة بدر" محسن المندلاوي
• رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي (واحد من العديد من السياسيين العرب السنة المستهدفين)
• رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي
• همام حمودي، رئيس "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"
• أحمد الفتلاوي، مستشار زعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم (من بين العديد من الشخصيات السياسية الأخرى المستهدفة)
• شخصيات مختلفة في مكتب الرئيس
• مسؤولون مختلفون في "قوات الحشد الشعبي"
ومن اللافت للنظر غياب أقرب مؤيدي السوداني، قيس الخزعلي، وكبار أعضاء ميليشيا "عصائب أهل الحق" الذي هو أمينها العام عن القائمة حتى الآن. وقد صنفت الولايات المتحدة الخزعلي وميليشيته على أنهما كيانان إرهابيان.
وكانت خلية التنصّت تتمركز في مكتب رئيس الوزراء وتُديرها مجموعة من الشخصيات المقربة من السوداني، على النحو التالي:
• عبد الكريم السوداني، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء وقريب من قبيلته
• خالد اليعقوبي، مستشار السوداني لشؤون السياسات الأمنية
• محمد جوحي، زعيم الخلية ونائب المدير العام للشؤون الإدارية في مكتب رئيس الوزراء (اعترف جوحي بالجريمة، وتم إجراء تحليل لأجهزته الإلكترونية)
• أحمد السوداني، قريب آخر لرئيس الوزراء ورئيس "جهاز المخابرات الوطني العراقي" بالوكالة
• أحد عشر فنياً في مجال استخبارات الإشارات من "شعبة الإنصات التابعة للمديرية الفنية لجهاز المخابرات الوطني العراقي"
• مختلف الضباط في "جهاز الأمن الوطني" و"وكالة المعلومات والتحقيقات الاتحادية" التابعة لوزارة الداخلية
وقد استخدم جوحي وآخرون ممن شاركوا في عمليات التنصّت ممتلكات "جهاز المخابرات الوطني العراقي" ومعداته ومركباته لتنفيذ الخطة التي أقرّها أحمد السوداني. فضلاً عن ذلك، تم انتداب أفراد من "جهاز الأمن الوطني" إلى خلية جوحي من قبل رئيس الجهاز أبو علي البصري (المعروف أيضاً باسم عبد الكريم عبد فاضل حسين)، الذي يتمتع بسمعة فعالة في ملاحقة الإرهابيين السنة ولكنه أيضاً أبرز العناصر في "الإطار التنسيقي" الذين يقومون بحملات ضد الخصوم السياسيين.
وفي الثالث من أيلول/سبتمبر، تم اعتقال المصور الشخصي لرئيس الوزراء فيما يتعلق بالمخطط.
وحاولت خلية التنصّت الإيقاع بشخصيات سياسية مختلفة وإعداد أغراض مسيئة لها، ومن بين هذه الشخصيات أعضاء في مجلس النواب ومسؤولين قضائيين وضباط استخبارات وأفراد العائلات من النساء لشخصيات مهمة.
دمار "جهاز المخابرات الوطني العراقي"
إن فضيحة الرقابة - والتي من المرجح أن تستمر حتى فترة تشكيل الحكومة القادمة بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2025 - يجب ألا تكون مفاجئة بالنظر إلى التحذيرات السابقة بشأن التسييس المدمر لأفضل وكالة استخبارات في العراق - "جهاز المخابرات الوطني العراقي" منذ أوائل عام 2023 - عندما وضع السوداني قريبه، أحمد، في السيطرة على الجهاز بالنيابة. وكانت "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية قد قامت في البداية بإعداد "جهاز المخابرات الوطني العراقي" من عناصر تم إنقاذها من وكالات الاستخبارات العراقية ما قبل 2003، ثم قامت بتدريب هؤلاء العناصر والتحقق من خلفيتهم لمدة عشرين عاماً. وفي حين أصبحت العديد من وكالات الاستخبارات الأخرى في البلاد مُختَرَقة بعمق من قبل المسلحين المدعومين من إيران، ظل "جهاز المخابرات الوطني العراقي" معقلاً للثقة النسبية للولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى. ولهذا السبب كان هذا الجهاز من بين القليل من الكيانات العراقية التي تم الوثوق بها لتسلم معلومات استخباراتية حساسة ومعدات وتدريب من الولايات المتحدة. لكن كل ذلك تغير عندما أصبح السوداني رئيساً للوزراء.
ومنذ عام 2022، قامت حكومة السوداني بتطهير العديد من ضباط "جهاز المخابرات الوطني العراقي" الذين كانوا محل ثقة من قبل الولايات المتحدة واستبدلتهم بوكلاء من الميليشيات المدعومة من إيران. وفي أوائل عام 2023، تم تعيين مدير جديد لمكافحة التجسس في "جهاز المخابرات الوطني العراقي" - والذي تتمثل مهمته في منع اختراق الجهاز - وهو فيصل غازي اللامي، ابن شقيق رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض، وأحد أتباع أبو آلاء الولائي (المدرج على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب) منذ فترة طويلة. وقد تم تصنيف كل من الفياض والولائي من قبل الحكومة الأمريكية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والأنشطة الإرهابية على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، يشغل وسام المحياوي - الذي هو مرشح آخر من قبل الفياض - منصب مدير شعبة المراقبة في "جهاز المخابرات الوطني العراقي".
كما أن "جهاز الأمن الوطني" - الذي كان سابقاً في حالة تحسن بعد سنوات من تسلل الإرهابيين - تراجع أيضاً منذ عام 2023 عندما أُعطيت مفاتيح الجهاز للبصري. وقد مُنحت المناصب العليا، مثل نائب المدير، ومدير العمليات، ورئيس عمليات أمن بغداد، إلى مسؤولين من "عصائب أهل الحق". ولا تؤكد الفضيحة الحالية سوى مدى انغماس أهم وكالات الاستخبارات العراقية وأكثرها كفاءة من الناحية التقنية في مستنقع الميليشيات المدعومة من إيران والسياسيين الفاسدين.
خيارات السياسة الأمريكية
يجب أن تكون فضيحة التنصت لحظة كاشفة لعيون صناع القرار السياسي الغربيين، وذلك لعدة أسباب. أولاً، لا ينبغي لواشنطن أن تحاول التغطية على الضرر الذي لحق برئاسة الوزراء بزعامة السوداني. فعلى مدى سنوات، تجنب المسؤولون الأمريكيون الاعتراف بالعلاقات الوثيقة للغاية التي تربط السوداني بجماعة "عصائب أهل الحق"، وهي منظمة مصنفة كإرهابية. ولا ينبغي السماح لزعيم هذه الجماعة - قيس الخزعلي، المصنف كإرهابي أيضاً - بالتحكم في الحكومة العراقية، وبالتالي بعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وإذا ظهرت أدلة جديدة تشير إلى أن السوداني كان على علم مباشر بحملة التنصّت، فقد تحتاج واشنطن إلى تعديل موقفها تجاه رئيس الوزراء بشكل عام، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الجهات الفاعلة الخبيثة قد تستخدم مثل هذه الأدلة بسهولة لاكتساب السلطة عليه. يجب ألا تكون الولايات المتحدة ملتزمة بالبقاء السياسي للسوداني أكثر من راعيه، الخزعلي، الذي يبدو غاضباً لأن هذه الفضيحة نشأت عن أخطاء في الأمن العملياتي ارتكبتها خلية في مكتب رئيس الوزراء. وفي 31 آب/أغسطس، أرسلت إيران وفداً إلى بغداد في محاولة لتهدئة الفضيحة، مما يؤكد ضرورة قيام واشنطن بفعل عكس ذلك تماماً.
ثانياً، يجب على الولايات المتحدة أن تقيّد بشكل كبير التعاون الاستخباراتي مع "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، و"جهاز الأمن الوطني"، وغيرهما من الوكالات إلى أن تقوم هذه بإبعاد المُعيّنين السياسيين الخبيثين من مناصبهم العليا، وخاصة الشخصيات الموالية للميليشيات والمؤيدة لإيران. وبعد أن أصبح السوداني رئيساً للوزراء، غضّت واشنطن الطرف عن التعيينات المثيرة للقلق التي أجرتها حكومته في قطاع الاستخبارات. ومن المؤكد أن مختلف الفصائل ستحاول استغلال الفضيحة الحالية لإدخال مجموعة جديدة من العناصر السيئة إلى المناصب العليا في أجهزة الاستخبارات. يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها كشريك رئيسي للعراق في مكافحة الإرهاب لضمان عدم قيام الحكومة العراقية بمجرد استبدال "السيئين" بأشخاص "هم بنفس القدر من السوء أو أسوأ" عند معالجة الفضيحة وتعيين مسؤولين جدد في "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، و"جهاز الأمن الوطني"، و"وكالة المعلومات والتحقيقات الاتحادية".
ثالثاً، يجب على واشنطن مراجعة موقفها على نطاق واسع تجاه المسؤولين العراقيين في قطاعات متنوعة مثل "جهاز مكافحة الإرهاب"، وسلطات المطارات، وسلطات الموانئ، والوزارات الرئيسية (على سبيل المثال، المالية، والداخلية، والنفط، والنقل، وحتى التعليم العالي، حيث أن وزير التعليم عضو في جماعة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة ولكنه يتنقل بحرية في العواصم الغربية). لقد اختُرِقت هذه الوكالات وغيرها بشكل كبير بنفس الطريقة التي تم بها اختراق "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، وهي ظاهرة بدأت قبل عام 2022 ولكنها تسارعت بشكل كبير منذ ذلك الحين بسبب هيمنة "الإطار التنسيقي" على الفروع التنفيذية والقضائية والتشريعية في العراق. إن الدرس الرئيسي للمسؤولين الأمريكيين هو أن شخصية رؤساء الوزراء العراقيين وإرادتهم السياسية هي العامل الأكثر أهمية في تحديد مدى الاستيلاء على الدولة المدعوم من إيران، وبالتالي شدة الضرر المحتمل للعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق.
الدكتور مايكل نايتس هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "جيل وجاي برنشتاين" في معهد واشنطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربي وهو أحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، التي تقدم تحليلاً متعمقاً للتطورات المتعلقة بالميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وقد شارك في تأليف دراسة المعهد لعام 2020 "التكريم من دون الاحتواء: مستقبل «الحشد الشعبي» في العراق".