فرع "حزب الله" التابع لإيران في العراق: دروس من الأحزاب الشيعية في لبنان
بعد الانتشار السريع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في صيف 2014، أصدر المرجع الشيعي علي السيستاني فتوى تدعو كافة الرجال المقتدرين جسديًا إلى الدفاع عن بغداد وصد "الدولة الإسلامية. فأخذ رجالٌ من كافة الطوائف والأعراق، بأغلبية ساحقة شيعية، على عاتقهم محاربة "الشيطان الأعظم" الذي اجتاح بلدهم. وحققت "وحدات الحشد الشعبي" هذه فرقًا أساسيًا في المعركة ضد "الدولة الإسلامية"، ويُرحَّب بها في العراق على أنها مجموعة من الأبطال.
مع ذلك، تبرز مشكلة عندما ينظر المرء إلى العدد الكبير من الفصائل الشيعية المتشددة التي تتألف منها "وحدات الحشد الشعبي" التي تموّلها إيران مباشرةً وتدربها وتسلّحها. وقد أقلق هذا الدعم الإيراني حقًا الكثيرين، إذ يحاكي صعود وحدات "الحشد الشعبي" بشكل مقلق أوجه عدة لصعود "حزب الله" في لبنان. فعبر مقارنة كيف يستخدم "حزب الله" وفصائل "وحدات الحشد الشعبي" السلطة السياسية والتأثير الخارجي والدعاية للتشديد على القوة، قد تتمكن الولايات المتحدة من تعقب ميول مشابهة لدى المجموعات الشيعية المتشددة في العراق، ومن التحرك لإيقاف حدوث حالة مشابهة.
الاختناق السياسي
في منتصف الثمانينات، كان "حزب الله" نوعًا ما مجرد مجموعة مقاومة في جنوب لبنان تشكّلت ردًا على الاحتلال الإسرائيلي. وفي البداية، اكتسبت هذه المجموعة قوتها ببطء عبر أدائها في ساحة المعركة، فأخذت تستوعب مجموعات شيعية أصغر وتستفيد من النظام السياسي الضعيف. ونجحت المجموعة لاحقًا في مواجهة إسرائيل مجددًا في معركة عام 2006، فتسببت بعدد هائل من القتلى وألزمت إسرائيل على التراجع.
وتترجمَ النجاح العسكري المتواصل لـ"حزب الله" بشكل جيد في السياسة. ويخاف البعض من أن يحاول هذا الحزب تفكيك "اتفاق الطائف" وإعادة بناء تسوية تتناسب مع مصالحه لحوكمة البلاد. وقد شارك الحزب في الانتخابات عام 1992، واستطاع تهديد رئيس الحكومة سعد الحريري علنًا عام 2006، بعد أن دعاه هذا الأخير إلى تسليم سلاحه. والآن، يقود "حزب الله" كتلة قوية في البرلمان اللبناني، ساهمت بشكل أساسي في وصول حليفه ميشال عون إلى الرئاسة بعد سنتين من الشغور.
تلمّح "وحدات الحشد الشعبي" في العراق إلى أنها تريد أن تتحوّل إلى بنى سياسية منظمة. ويشكّل "حزب الله" نموذجًا محتملًا للمجموعات الشيعية في العراق فيما تقوم بهذه المحاولة. فتحاول "وحدات الحشد الشعبي" استخدام نفوذها العسكري على الحكومة العراقية للتحكم بالسلطة نيابةً عن إيران، على نحو يشبه كثيرًا ما فعله "حزب الله" في لبنان.
واستخدمت "وحدات الحشد الشعبي" حلفاءها في البرلمان لإضعاف رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي وحكومته، عبر لجنة لمكافحة الفساد صُممت للإطاحة بحلفاء العبادي. وأكبر حليف "لوحدات الحشد الشعبي" في الحكومة هو رئيس الوزراء السابق والفاسد نوري المالكي، الذي تسبب تهميشُه للجماعات السنية بتمهيد الطريق إلى صعود "الدولة الإسلامية". كما دعم المالكي زعماء "وحدات الحشد الشعبي" الذين يريدون مأسسة مليشياتهم أكثر فأكثر، حتى تصبح بنى دائمة شبيهة بـ"حرس الثورة الإسلامية" في إيران.
مؤخرًا، حكمت المحكمة العليا في العراق ضد قرار أصدره العبادي لإلغاء مناصب النيابة الرئاسية الثلاثة، وهي شرفية إلى حد كبير ويشغل المالكي واحدًا منها. وهذا يُضعف الموقف السياسي للعبادي بشكلٍ أكبر من خلال رفض أحد أهم إجراءاته الرامية إلى توجيه الدعم الشعبي نحو تقليص الفساد في الحكومة وبالتالي يترك خصمه الأساسي في موقع السلطة. وفي الواقع، بمساعدة المالكي، ما استغرق عشرين عامًا ليحققه "حزب الله"، يمكن أن تحققه "وحدات الحشد الشعبي" في خلال سنتين.
التدخل الإيراني
تلقى "حزب الله" من إيران الأسلحة والمساعدة المالية والتدريب على القتال، فتدرب أكثر من 3000 مقاتل من هذا الحزب في إيران على تكتيكات حرب العصابات، وإطلاق الصواريخ والقذائف، وتشغيل الطائرات من دون طيار، والحرب البحرية. وشنت إيران غارات جوية في العراق دعمًا "لوحدات الحشد الشعبي"، وتتوافر أمثلة عدة عن قيام قاسم سليماني، وهو ضابط عسكري إيراني رفيع المستوى وقائد "فيلق القدس"، بإسداء المشورة إلى القوات العراقية وتوجيهها في المعركة. كذلك، يبرز شبه كبير في كيفية محاكاة "وحدات الحشد الشعبي" لـ"حزب الله" من خلال تهميش المجموعات أو الشخصيات الشيعية التي لا تدعمها إيران، كما يفعل مع "حركة أمل".
يتواجد "حزب الله" التابع لإيران في العراق منذ سنة 2003 على شكل "كتائب حزب الله"، التي حاربت ضد القوات الأمريكية وقوات الائتلاف في خلال الصراع الطائفي في العراق في 2007، والتي تملك نسخة مطابقة تقريبًا لشعار "حزب الله" على العلم. وكان أحد قادة المجموعة، أبو مهدي المهندس، مستشارًا سابقًا لـ"فيلق القدس" الإيراني، وتلقى علنًا التدريب والتمويل من "فيلق القدس" و"حزب الله" اللبناني، وعمل مع "حرس الثورة الإسلامية" في خلال الحرب العراقية-الإيرانية. وهو الآن نائب رئيس لجنة الحشد الشعبي لـ"وحدات الحشد الشعبي" في العراق. وقال قائد آخر في "وحدات الحشد الشعبي" وهو رجل الدين البارز قيس الخزعلي إن "معركة الموصل انتقام من أحفاد قاتلي الحسين". والخزعلي الذي دعم المالكي في انتخابات 2014 معروف بدعمه المفترَض لإيران في خلال الحرب العراقية-الإيرانية.
كذلك، قاتل قائد "وحدات الحشد الشعبي" هادي العامري، وهو وزير النقل العراقي السابق ورئيس منظمة "بدر"، إلى جانب إيران في خلال الحرب العراقية-الإيرانية. واتُّهم بالإشراف على رحلات شحن الأسلحة الإيرانية إلى سوريا، وقد أشاد مؤخرًا بقاسم سليماني. ويمكن رؤية هذا التلاقح بين المجموعات الشيعية و"وحدات الحشد الشعبي" و"فيلق القدس" و"حزب الله" اللبناني بشكل أوضح حتى على مسرح الحرب السورية، حيث تساهم الأرض والأعداء المشتركون والدعم الإيراني المباشر بتقريب عدد كبير من هذه القوات.
دعامات الدعاية والدعم الشعبي
يستخدم "حزب الله" و"وحدات الحشد الشعبي" عقيدة المقاومة الشيعية التقليدية، وبالتحديد استشهاد الحسين، لتبرير أعمالهما. وكلا المجموعتين بارع في الاستفادة من الفخر القومي والشعور الوطني الجماعي لتعزيز قضيتهما. فكسب "حزب الله" الدعم الشعبي من عدة مدنيين لبنانيين، كثيرون منهم لا ينتمون إلى الطائفة الشيعية، بسبب القذائف التي أطلقها على إسرائيل وحرب العصابات اللاحقة في 2006. حتى أن "حزب الله" يدير متحفًا عن المقاومة يبعد بضع ساعات عن بيروت، ويصوّر فيه انتصاراته من خلال عرض دبابات إسرائيلية مدمرة وصور كبيرة لحسن نصرالله. ومؤخرًا، أشاد عدة لبنانيين بـ"حزب الله" لأنه يحمي الحدود مع سوريا من أي غزو لتنظيم "الدولة الإسلامية"/"جبهة النصرة"، وتستمر الإشادة به لأنه يدافع عن القضية الفلسطينية.
فيما لا تستطيع "وحدات الحشد الشعبي" أن تتباهى بالقدر نفسه من الدعم المؤسسي، ما زال الملايين في العراق معجبين بها، لأن قواتها تضع حياتها على المحك لمحاربة "الدولة الإسلامية". وعلى غرار تعاطف نصرالله مع معاناة المسيحيين في العراق ومصر، ترثي "وحدات الحشد الشعبي" باستمرار مجزرة المسيحيين بواسطة شرائط مصورة مؤثّرة تُظهر جنودًا يحررون الكنائس، ويحمون الراهبات من "الدولة الإسلامية"، ويصلّون إلى جانب الأولاد ونساء عجزة مسيحيات. حتى أن قادة "قوات الحشد الشعبي" روّجوا لقائد كاثوليكي كلداني، هو ريان الكلداني الذي يُزعم أنه يدير كتيبة مسيحية من "وحدات الحشد الشعبي".
مستقبل للعراق
يتواجد الشيعة في لبنان والعراق كمجموعتين منفصلتين وفريدتين؛ فيتنوع تاريخهم وحكايتهم وعقيدتهم فيما يتمتعون بديناميكيات اجتماعية فريدة. لكن ما هو واضح هو أنه، في كلتا الحالتين، استغلت إيران الفوضى لتعزيز وكلائها. ولمستقبل العراق مجموعة واسعة من النتائج المحتملة، التي تتراوح من المصالحة الوطنية إلى نزاع يستنزف القوى بين الشيعة في الجنوب عندما تعود المليشيات إلى أماكن مثل محافظتيْ ذي قار والمثنى. ومع أنه لا علم لنا بما سيحصل، سيؤدي ترشُّح "وحدات الحشد الشعبي" للبرلمان أو دعمها لأي فريق سياسي إلى نتائج كارثية، وقد يشكل حافزًا لصعود نسخة متقدمة من تنظيم "الدولة الإسلامية".
من غير الواضح كيف ستتصرف "وحدات الحشد الشعبي" بعد الموصل، لكن على الولايات المتحدة والعبادي التخطيط مسبقًا وضمان عدم وصول إيران إلى مبتغاها مجددًا. فيمكن أن تتخذ حكومة العبادي بعض الخطوات لردع صعود "وحدات الحشد الشعبي" بعد الموصل. ولا يُعتبَر كل الشيعة العراقيون دمًى موالية لإيران: ففي الواقع، كثيرون منهم هم قوميون متحمسون. ويمكن أن يستغل العبادي القومية العراقية لمحاربة تزايد الانقسام الطائفي. فيجب مكافأة هؤلاء الرجال الذين اعتادوا القتال لأنهم تركوا "قوات الحشد الشعبي"، وجمعهم في الجيش العراقي، وتدريبهم على قواعد الاشتباك العسكري الرسمية أو إدخالهم إلى القوى العاملة.
كما يجب أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها قدر المستطاع في بغداد أو طهران أو موسكو لمنع قادة "وحدات الحشد الشعبي" من أن يصبحوا قادة سياسيين مؤسسيين. وإذا لم يتم أخذ الاحتياطات، سيحتوي الشرق الأوسط في نهاية المطاف على بلد يضم خمسة أضعاف سكان لبنان ويخضع لسيطرة إيران المباشرة. ومع ارتفاع القومية العراقية إلى مستوى لم تشهد مثله منذ سنوات بسبب هجوم الموصل، سيكون من الحكمة أن تستفيد الولايات المتحدة من ذلك لتوحيد العراق. ويجب وضع حد لـ"قوات الحشد الشعبي" ما إن يتم إلحاق الهزيمة بـ"الدولة الإسلامية"، كما يجب أن تشترط الولايات المتحدة التماس تقدم سياسي لتقديم المساعدة العسكرية. وفي النهاية، على الولايات المتحدة أن تعزز الحوكمة الجيدة عبر اعتماد نظام الجدارة والمحاسبة في الحكومة. وسيأتي ذلك بثمار مضاعفة من خلال الحد من آراء القوى الخارجية في الشؤون العراقية.