- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
فرص إدارة بايدن لتعزيز السلام في اليمن
النظام الفيدرالي هو الخيار الواقعي الوحيد لتشكيل حكومة جديدة في اليمن.
يبدو أنّ إدارة بايدن، عبر الإعلان عن مبعوثٍ خاص جديد إلى اليمن، تفتح فصلًا جديدًا للتدخّل الأمريكي في النزاع الذي دامَ لسنواتٍ – وهو تَبدُّلٌ يشهده تَدخُّل الولايات المتحدة الذي كان يتمحور سابقًا حول التركيز الحصري تقريبًا على وجود تنظيم "القاعدة" ("تنظيم القاعدة في جزيرة العرب") في اليمن.
بعد أيامٍ فحسب من إعلان بايدن أنّ تيموثي ليندركينغ سيكون المبعوث الخاص الأمريكي الجديد إلى اليمن، ظهرَ ليندركينغ في الرياض وهو يحث على وقف إطلاق النار – ما جعَل جهود الولايات المتحدة تتماشى مع الجهود الأممية الطويلة المدى، بما فيها الرحلة الأخيرة التي قام بها مارتن غريفيث إلى إيران للمرة الأولى. إلا أنّ الالتزام بإنهاء الحرب في اليمن يتطلّب من إدارة بايدن أيضًا صياغة السلام الذي تتوقعه، وما إذا كانت مستعدة للقيام به ضدّ مَن يعيقون حدوث هذا السلام.
إحضار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات
عند التحدّث عن إنهاء الحرب في اليمن، لا بدّ من أن يُقرَّ المبعوث الخاص الأمريكي والمجتمع الدولي بأنّ الهدنة أو المفاوضات لن تكون لها أي قيمة من دون التغيير في التوازن العسكري للقوة على الأرض. ففي ظل تزايُد تهديد الحوثيين على مأرب واستمرار سيطرتهم على الحديدة، تغدو معالجة الاعتداءات الحوثية الجارية أمرًا إلزاميًّا قبل أن يتمكّن مجلس الأمن من مساعدة اليمن على العمل لوقف إطلاق النار وبلوغ مرحلة انتقالية.
سبق أن أقحمت الولايات المتحدة نفسها في مسألة الدور العسكري للحوثيين من خلال الإعلان أولًا عن تصنيفها إياهم كتنظيمٍ إرهابيٍّ ثمّ إبطال هذا التصنيف ابتداءً من 16 شباط/فبراير. واختلفت الاستجابات للتصنيف الأوّلي إلى حدٍّ كبيرٍ: فيعتبر كلٌّ من الحكومة الشرعية والمعترَف بها دوليًّا والتحالف العربي بقيادة السعودية أنّ التصنيف "يمكن أن يساهم في إنهاء الحرب في اليمن"، فيما زعمَ مراقِبون آخرون مثل مارتن غريفيث، وهو المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، أنّ التصنيف سيجعل سوء الوضع الإنساني يتفاقم أكثر فأكثر من دون إنهاء الحرب.
لديّ بعض التحفظات بشأن المصطلح "إرهابي"، بما أنه يبدو أنّ الإدارة الأمريكية تطبّق هذا المصطلح بشكلٍ سائبٍ حسب مصالحها من دون عرض أي تعريفٍ واضحٍ، ويبدو أنّ الهواجس المحلية تدفعها أكثر من الارتباط بحدثٍ معيّنٍ – مثل الاعتداء الحوثي على حقل بقيق النفطي في السعودية. ومن المهم أيضًا أن تضعَ الإدارة الأمريكية آلياتٍ من أجل ردع الأثر السلبي المحتمَل على المسائل الإنسانية، كما حذّرت منظّمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية، بالاستناد إلى الإعفاء الذي اعتمدته الإدارة الجديدة لمدة شهرٍ إزاء مجموعات حقوق الإنسان.
لكن إذا كانت إدارة بايدن تأمل وضع حدٍّ للحرب في اليمن، يجب أن تفهم أنها ستُضطرّ إلى إنشاء حوافز جديدة – وعقوباتٍ جديدةٍ – للحوثيين من أجل السعي جدّيًا للتوصل إلى اتفاق سلام. وفي هذه المرحلة، من المهم جدًّا التعامل مع قرار إلغاء التصنيف بطريقةٍ تصلح لتخطي مأزق الحرب الجارية في اليمن. وإذا كانت إدارة بايدن تأمل في إحراز تقدُّمٍ نحو إحضار الحوثيين إلى طاولة التفاوض، سيتعيّن عليها تحديد بعض الوسائل الأخرى لممارسة الضغط، إذ لا يُظهِر الحوثيون أي علاماتٍ تشير إلى إيقاف اعتدائهم على مأرب.
الواقع هو أنّ الإدارة الأمريكية لن تتمكّن على الأرجح من إحضار كافة الجهات إلى الطاولة، إلا إذا لمّحت إلى عقوباتٍ جدّيةٍ ضدّ كلّ مَن يعيقون عملية بناء السلام، سواء انتموا إلى الحوثيين أنفسهم، أو إلى القوات التي تعارض المشروع الحوثي – مثل "المجلس الانتقالي الجنوبي" أو قوات طارق صالح.
الفدرالية هي الخيار الوحيد
السؤال الثاني هو أي نوعٍ من الحكومة تدعمه الإدارة الأمريكية ليكون فيها وقف إطلاق النار ناجحًا بشكلٍ فعليٍّ. فالواقع هو أنّ الفدرالية هي الفرصة الوحيدة المتاحة لكي يتطوّر اليمن إلى دولةٍ فاعلة، وهي الضامن الوحيد الممكن لتحقيق وحدة اليمن وسيادته، بالإضافة العلاقات الطبيعية والآمنة والمصالح المشتركة مع البلدان في المنطقة وخارجها. وببساطة، لن يؤدي إنهاء الحرب في اليمن من دون التوجّه نحو الفدرالية إلّا إلى تحضير البلد لنزاعٍ آخر لاحقًا.
وللطريقة التي يدافع فيها المجتمع الدولي عن الحوكمة في اليمن أهمية؛ فسيتطلّب إنشاء نظامٍ فدراليٍّ عقب وقف إطلاق النار مرحلةً انتقاليةً طويلةً يمكن أن توفّر فرصةً من أجل اختبار قابلية تطبيق اتفاق السلام. وفيما يتوافر في اليمن مشروعُ دستورٍ يمكن الاستناد إليه، سيتطلّب إنجاز اعتماده كأساس لاتفاق سلام وفق عمليةَ صنع قرارٍ تشاركية وقائمة على التوافق، ولا بدّ من أن تُحقق هذه العملية التوازن بين هواجس كافة الجهات قبل إخضاع الدستور لاستفتاءٍ شعبيٍّ في صندوق الاقتراع عند انتهاء الفترة الانتقالية. وهذه العملية ممكنة على الأرجح مع التأييد والدعم الدوليَين الكاملَين لهذا النموذج.
يجب أن تقترن المفاوضات الهادفة إلى إنشاء دولة فدرالية بفترة انتقالية طويلة، ما يُتيح الفرصة للتأكد من استدامة الحلول المقترَحة وقابلية تطبيقها، وللاتفاق على أي تغييرات ضرورية من أجل ضمان الانتقال إلى أوضاعٍ طبيعيةٍ عبر استفتاءٍ يجري ضمن دولة فدرالية حديثة وديمقراطية. غير أنّ عدة عناصر تُعتبَر أساسيةً بشكلٍ خاصٍّ مثل: دعم التوزيع العادل للثروة والسلطة وإنشاء مؤسساتٍ قويةٍ عبر الشراكات الواسعة المترسخة في الحُكم الرشيد، وهما أمران ضروريّان لإخراج اليمن من دوّامة الحرب الراهنة فيه.
لا بدّ من أن تتعامل الفترة الانتقالية أيضًا بجهدٍ مع فيضٍ من المسائل اللوجستية، ابتداءً من الترتيبات المالية التي تضمن تدفُّق الموارد الضريبية والجمركية من كافة الموانئ البرّيّة والبحرية والجوّيّة، ووصولًا إلى ضمان تدفُّق القيَم الإنتاجية الخاصة بالموارد المعدنية أي النفط والغاز، فضلًا عن قطاع صيد الأسماك في اليمن. ومن الضروري قيام مصرف مركزي موحَّد بالإضافة إلى ترتيبات فدرالية تضمن دَعم الاقتصاد الوطني وتدفع الرواتب والمساهمات. وإلى ذلك، سيتعيّن على هذه المرحلة مواجهة الأزمات الإنسانية الحادّة في اليمن، مع التركيز على الصحة وفي الوقت نفسه محاربة الفقر والمجاعة.
تتلاءم الفدرالية بشكلٍ فريدٍ مع مواجهة هذه التحديات الجارية: فيُحتمَل أن تضمن بشكلٍ خاصٍّ تَقاسُم السلطة والثروة بإنصافٍ بين المركز والأطراف. وعلى النحو نفسه، لا يمكن أن ينجح تنفيذ اتفاقات تَقاسُم السلطة، مثل "اتفاق الرياض"، إلا في سياق نظامٍ فدراليٍّ. وسيشمل ذلك السماح لهيئةٍ مستقلةٍ ذات تمثيل مشترك من الخبراء على الأرض بجَمع الموارد من كافة مناطق اليمن. كما يجب أن يتمّ التركيز على التشريع اللامركزي، مثل تسهيل القراءة الثانية للقوانين عبر مجلس الشورى على شكل تشريعٍ صادرٍ عن مجلسَين، لضمان توفير مساهماتٍ أوسع نطاقًا في التشريعات المستقبلية.
كذلك، تُعتبَر الفدرالية مهمة لأنّها تتمتع بأفضل فرصة للقبول من الجهات المتنازعة. فهي فعليًّا نتيجة مشروع الدستور التي سبق أن تم الاتفاق عليها من "مؤتمر الحوار الوطني" لعام 2013، وفيما تَبدّلَ الكثير منذ ذلك الوقت، ما زال اقتراح الفدرالية الذي قدّمه مشروع الدستور يشكّل على الأرجح التسوية التي تلقى القبول الأكبر.
يُقدّم التدخل المتزايد لإدارة بايدن فرصةً محتملةً في هذه المرحلة: فسيزداد احتمال رضوخ كافة الجهات للنموذج الفدرالي عبر مزيجٍ من الضمانات والضغوطات الدولية.
ويكمن التعقيد الأكثر احتمالًا في الحاجة إلى طمأنة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي لا يعترف حاليًّا بنتائج "مؤتمر الحوار الوطني" ويسعى عمومًا إلى انفصال جنوب اليمن بالكامل. وما يمكن أن يساعد إلى حدٍّ كبيرٍ في إذعان هذا المجلس للفدرالية هو الضمانة الدولية التي توفّر الدعم اللوجستي لهذه العملية والسيطرة على آليات التنفيذ.
سيقتضي إقناع الحكومة الشرعية في اليمن بالتطبيق العملي والسريع للفدرالية اتّباعَ نهجٍ مختلفٍ؛ فيجب أن يُقنع كلٌّ من الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي حكومةَ هادي بأنّ حديثها عن استعادة الدولة للبنية السياسية المركزية التي كانت قائمةً قبل الحرب مستحيلٌ بشكلٍ واضحٍ في ظلّ الظروف الراهنة، فبالرغم من أن تحويل اليمن إلى دولة اتحادية وفقاً لنظام فيدرالي هو ما تروج له الشرعية، فإن الخطوات الفعلية على الأرض والاتفاقات السياسية – بما فيها اتفاق الرياض – لا توحي بهذه القناعة، حيث يُقدّم نهج الفدرالية حلًّا وسطيًّا بين الانفصال من جهة والمركزية الكاملة من جهةٍ أخرى. وقد تبرز الحاجة هنا إلى زيادة الحث الدولي.
لذلك، على مبعوث بايدن الخاص توضيح أنه يرى الفدرالية كهدفٍ نهائيٍّ أقصى لليمن والتشديد على ذلك: أي عرض دولة فدرالية مدنية حديثة ستحافظ على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. وسيتعيّن على الولايات المتحدة التشديد على اتّضاح فَشَل النظام المركزي الكامل، في حين أنّ النظام الفدرالي المتفق عليه سيُختبَر بعد أن أجهض الانقلاب الحوثي في عام 2014 جهود "مؤتمر الحوار الوطني".
بناءً على ذلك، أمام المبعوث الخاص الأمريكي الجديد فرصة العمل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من أجل إصدار قرارٍ دوليٍّ عبر مجلس الأمن يُضفي الطابع الرسمي على الالتزام بدعم وقف إطلاق النار والمفاوضات بناءً على دولة فدرالية في اليمن.
في كلا هاتَين الحالتَين – أي مسألة تسليح الحوثيين والتوجه الأخير للحوكمة اليمنية - الأمر الأساسي هو عدم تسرُّع الإدارة الأمريكية الجديدة في السعي إلى إيجاد أيِّ حلٍّ كان في اليمن. فيُحتمَل أن يؤدي العمل على إنهاء الحرب في اليمن من دون اتّضاح الأهداف وأدوات التنفيذ إلى استمرار الحرب بشكلٍ أو بآخر. ولا بدّ من أن يوضح المبعوث الأمريكي الخاص ما هو نوع نهاية الحرب الذي تدعمه وتتوقعه الحكومة الأمريكية. فمن غير المحتمل التوجه نحو إنهاء النزاع بطريقة أخرى.