- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3055
في الصراع لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، لا تنسوا المشتريات
خلال الأسابيع القليلة الماضية، أصدر مجلس الأمن الدولي ثلاثة تقارير مرتبطة بالقرار رقم 2231 (الاتفاق النووي)، وفّر كل منها تحديثات بشأن امتثال إيران لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» وعمليات الشراء المشبوهة التي تجريها خارج قناة المشتريات الرسمية التي تمّ إنشاؤها بموجب هذه «الخطة». ومع ذلك، فقد تلاشى أي أمل في التحديثات المفصّلة؛ وبدلاً من ذلك، أبرزت التقارير اعتماد الأمانة العامة للأمم المتحدة و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" المستمر على آليات ضعيفة لإعداد التقارير الذاتية من أجل التحقق من المشتريات ومراقبتها، مما يعزّز بالتالي إمكانية حصول إيران على مواد نووية بصورة غير مشروعة أو سرية. يتعيّن على الولايات المتحدة التواصل بشكل استباقي مع حلفائها الأوروبيين - وخاصةٍ الأطراف المتبقية في «خطة العمل الشاملة المشتركة» - من أجل دعم جهود الأمم المتحدة و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وضمان الحذر الدائم من أي خدع إيرانية محتملة.
شكوى خفية تعني الكثير
في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، نشر مجلس الأمن الدولي أحدث تقرير لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بشأن إيران و«خطة العمل الشاملة المشتركة». وكما جاء في التقارير السابقة، كرّر التأكيد على التزام إيران المستمر بشروط الاتفاق المتعلقة بالشقّ النووي، لكنه أثار أيضاً مخاوف بشأن استجابة الحكومة لطلبات "الوكالة". وعلى وجه التحديد، دفعت "الوكالة" إيران إلى تقديم المزيد من التعاون "في الوقت المناسب وبشكل استباقي" - وهي صياغة وصفها مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الدولي ومنع انتشار الأسلحة النووية، كريسوفر فورد، بأنها "شكوى مباشرة"، رغم التعبير عنها "في الخطاب الخافت لدبلوماسية «الوكالة»".
بإمكان "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على الأرجح تقديم المزيد من المعلومات المفصلة إلى الأطراف في «خطة العمل الشاملة المشتركة» في المجالس الخاصة بشأن امتثال إيران المتأخر. ويمكن للحكومات حينها التسلّح بهذه المعلومات من أجل دعم جهود التحقق التي تبذلها "الوكالة" من خلال تحميل إيران مسؤولية التقيّد بالتزاماتها بموجب «الخطة المشتركة».
نشاط مشبوه
في 6 و11 كانون الأول/ديسمبر على التوالي، أصدرت الأمانة العامة للأمم المتحدة والميسّر لتنفيذ القرار رقم 2231 أحدث تقريرين لهما حول قضايا مثل قناة المشتريات والنشاط المشبوه الذي يحدث خارجها. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يبدو وكأن قناة المشتريات - آلية أنشئت لمراقبة عمليات نقل المواد والمعدات وغيرها من المساعدات الضرورية لبرنامج إيران النووي - تواصل عملها، وإن كان بمعدل مخفّض. وجاء في تقريريهما السابقين، الصادرين في حزيران/يونيو 2018 واللذين يغطيان الأشهر القليلة الماضية من مشاركة الولايات المتحدة في «الخطة المشتركة»، أن القناة تلقت ثلاثة عشر طلباً للنقل. وخلال فترتي إعداد التقارير التي سبقت ذلك، تلقت ثمانية وعشرة طلبات على التوالي. غير أنه في الفترة الأخيرة، لم تتلق سوى خمسة طلبات.
وكما كان متوقعاً، ساهمت إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران في آب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر في جعل بعض الأنشطة في قناة المشتريات قابلة للعقوبات بموجب القانون الأمريكي، الأمر الذي ربما كان قد ردع تقديم الطلبات. كما أن استخدام القناة المحدود أساساً يجعل من الصعب تأكيد هذه الفرضية، غير أن الدفعة التالية من التقارير - في غضون ستة أشهر، بعد أن تم منح الوقت لتنفيذ العقوبات الأمريكية - قد تُلقي المزيد من الضوء على المسألة.
لسوء الحظ، ولكن على نحو غير مفاجئ، تقدّم التقارير الأخيرة توضيحات محدودة حول النشاط المشبوه الذي يحدث خارج القناة، بما في ذلك الحوادث التي لوحظت خلال فترة إعداد التقارير السابقة. ووفقاً لتقارير حزيران/يونيو، كان مجلس الأمن يحقق في الشكاوى الأمريكية والإماراتية بأن إيران حصلت على مواد ذات استخدام مزدوج - بمعنى آخر، مواد منقولة تحت غطاء تجاري وغير نووي ولكن يمكن استعمالها في برنامج نووي - بشكل مستقل عن قناة المشتريات. وعلى وجه التحديد، أعلن مسؤولون إماراتيون أن إيران تلقت "40 قطعة أسطوانية من التنجستن، ومطياف كتلي بلازمي واحد مقرون بالحث، و10 مكثفات، وقضيب تيتانيـوم واحد". وتوضح التقارير التي صدرت في كانون الأول/ديسمبر أنه، وفقاً إلى الدول المصنعة غير المحددة، لا يفي التنجستن والمكثفات بالمعايير اللازمة لطلب الموافقة من قناة المشتريات.
ومع ذلك، أبلغ بلد التصنيع للمطياف الأمانة العامة للأمم المتحدة بأن هذه المادة قد استوفت هذه المعايير، على الرغم من أن المراجعة الداخلية كانت لا تزال قائمة، مما يُبقي القراء بانتظار التأكيد النهائي. أما بالنسبة لقضيب التيتانيوم المشتبه به، فقد أشار تقرير الأمانة العامة إلى عدم توافر أي معلومات إضافية. كما عجز عن اتخاذ أي قرار بشأن ألياف الكربون والخمسين طناً من سبائك الألومنيوم التي حصلت عليها إيران من خارج القناة، رغم التأكيدات الأمريكية السابقة بوجوب حصولها على موافقة. وكما سبق وأُشير بالتفصيل، سيكون من المقلق للغاية أن تستوفي هذه المواد معايير معينة وأن تكون إيران قد اشترتها من خارج القناة، بما أن كلاً منها يمكن استعماله في برنامج نووي أو صاروخي. وفي ضوء القيود المفروضة على هذه المسائل، قالت الأمانة العامة ببساطة إنها "طلبت توضيحاً" لكل حالة.
آليات ضعيفة لمكافحة الانتشار
يؤكد التقرير الأخير للأمانة العامة بشكل كبير عدم وجود آليات جديرة بالثقة من أجل التحقيق في الخدع. صحيح أن هذا العجز ليس بالأمر الجديد، لكن قد يتفاقم بسبب الاختلاف الأمريكي-الأوروبي حول قرار واشنطن بالانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة».
وحالياً، وفي حالات المشتريات غير المشروعة المزعومة، يُطلب من الدولة المصنّعة إبلاغ مجلس الأمن ما إذا كانت المادة المعنيّة تستوفي المواصفات الضرورية لمراجعتها من قبل القناة. ولا يتحقق أي طرف خارجي من المعلومات المقدمة من الدولة المذكورة - سواء الأمم المتحدة أو الفريق العامل المعني بقناة المشتريات، أو أي وكالة أخرى، ناهيك عن طرف خارجي يتمتع بالمعرفة الفنية الضرورية لاختبار صحة الشكاوى. ويذكّرنا ذلك بآليات التحقق والمراقبة الخاصة بـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" التي تلقي بمسؤولية إعداد التقارير والتوضيح على الطرف المتهم. وقد تُفسر المخاوف من تجاوز وكالة دولية للسيادة سبب عدم وضع مهمة استقصائية مناسبة وشاملة عبر إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة. وعلى أي حال، تتمثل النتيجة النهائية في أنه يمكن لإيران استغلال هذه الثغرات من أجل شراء مواد غير مشروعة. ومما يثير الحنق هو أنه حتى لو وجدت الآليات الضعيفة القائمة دليلاً على مشتريات غير مشروعة، يقع عبء تفسير الانتهاك على عاتق المزوّد وليس المشتري. وفي الواقع، يمكن لإيران شراء مواد من خارج القناة الرسمية من دون خوف من العواقب.
ويمكن أن تساعد وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة والأطراف المشاركة في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، باستخدام قدراتها في الرصد إلى أقصى حدودها، على معالجة هذه المشكلة كما فعلت في الماضي. ويتطلب جهد مشترك لمكافحة انتشار الأسلحة النووية إرادة سياسية حازمة وتنسيقاً فعالاً بين الدول - وربما يكون ذلك أمراً صعباً نظراً إلى الانقسامات السياسية التي ظهرت إلى الواجهة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
يجب الإشادة بجهود أوروبا لإنقاذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» وضمان عدم انسحاب إيران وبالتالي إحياء برنامجها النووي. لكن في خضم الصراع العلني لإنقاذ بعض جوانب الاتفاق، من الضروري أن يدعموا جهودهم في مكافحة انتشار الأسلحة النووية بشكل خاص - وإلا ستواجه خطر تأكيد شكوك الولايات المتحدة حيال الاتفاق.
إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في المعهد، ومحللة نووية سابقة في "مكتب مكافحة الإرهاب" التابع لـ "إدارة شرطة مدينة نيويورك".