- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
في حين تُظهر استطلاعات الرأي تزايداً في عدم الرضا، هل سيتمكن الشباب الشيعة من قلب الطاولة على النظام السياسي؟
ينبغي على حكومة الكاظمي التحرك بسرعة إن أرادت تجنب اندلاع انتفاضة شعبية محتملة بين الشيعة المستائين من أداء الحكومة في العراق.
وفقا لاستطلاع محرار الرأي العام العراقيIOT)) الذي أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث ومؤسسة غالوب الدولية في نيسان/ أبريل 2021، يُظهر الشيعة بكل المقاييس، معدلات أعلى من عدم الرضا وعدم الثقة والتعاسة بشأن نظامهم السياسي مقارنة بالسنة والأكراد!
إن محرار الرأي العام العراق هو مشروع طويل الأمد يهدف الى تقييم الرأي العام المتعلق بالديمقراطية والحكم الرشيد في العراق. ويهدف المشروع بشكل أساسي الى تحديد ما إذا كانت حالة الرأي العام في البلاد تسير في اتجاه يفضي إلى ديمقراطية تعددية مستدامة وفعالة. وفي حين تم إجراء الاستطلاع الأول من المشروع في نيسان /أبريل 2021، إلا أن المشروع سيركز بشكل دوري على تتبع ومراقبة المواقف الرئيسية في العراق بهدف التوصل إلى فهم أفضل للأسس المجتمعية للنظام السياسي القائم.
على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية أو متفق عليها عن نسبة السكان العراقيين من الشيعة، إلا أن معظم المصادر تتفق على أنهم يمثلون ما يقرب من نصف السكان. بعد الغزو الأمريكي للعراق، حصل الشيعة أخيرًا على لحظتهم التاريخية عام 2003 ـ حيث تم إنشاء نظام سياسي جديد يمنحهم اليد العليا في صنع القرار السياسي في العراق. كما أصبحوا أقوى قوة سياسية في البلاد؛ فمعظم المقاعد البرلمانية والوزراء ورئيس الوزراء باتوا من الشيعة.
وعلى هذا النحو، وعلى عكس العراقيين السنة العرب، كان معظم الشيعة والسنة الكرد سعداء بسقوط نظام صدام حسين، فبعد أقل من عام على الغزو الأمريكي، قال 35٪ فقط من السنة (مقارنةً ب 65٪ شيعة و70٪ أكراد) أن العراق يسير في الاتجاه الصحيح.، كما أفاد أكثر من 80٪ من الشيعة العراقيين أن حياتهم قد تحسنت بشكل ملحوظ في عام 2004.
وبعد أكثر من 15 عامًا، بدأ الشيعة يدركون أن أحلامهم في الحكم الرشيد والحياة الأفضل قد تمت سرقتها من قبل الأحزاب السياسية. لذا بدؤوا ينظرون بشكل أقل إيجابية تجاه النظام السياسي الحالي. وبلغ استياءهم ذروته في تشرين الأول/أكتوبر 2019 عندما خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية للتعبير عن استيائهم ورغبتهم في استبدال النظام السياسي الحالي بالكامل. وبسبب ضغوط المتظاهرين الشيعة، اضطرت حكومة عبد المهدي إلى الاستقالة في نهاية عام 2019، وتم اختيار حكومة جديدة من قبل البرلمان في شهر أيار/مايو 2020 من أجل استرضاء المحتجين.
اكتسبت حكومة الكاظمي الجديدة الكثير من التفاؤل في بداية تشكيلها حيث كان يُنظر إليها على أنها نتاج قوة الشعب لإزاحة الحكومة السابقة. كانت التوقعات عالية للغاية وحظيت حكومة الكاظمي على نسبة تأييد مرتفعة في الأشهر الستة الأولى (حوالي 60٪ من العراقيين إجمالاً وحوالي 50٪ بين الشيعة).
ومع ذلك، يؤكد أحدث استطلاع للرأي أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث ومؤسسة غالوب الدولية، والذي استند إلى مقابلات شخصية مع عينة تمثيلية شملت 1200 مقابلة على مستوى البلاد، انه وبعد عامين تقريبًا من اندلاع انتفاضة أكتوبر، لا يزال العراقيون عمومًا والشيعة على وجه الخصوص غير راضين عما يجري في بلادهم. وفى كانون الثاني /يناير 2021، هبطت ثقة الشيعة في الحكومة الى 27٪، في حين بلغت ثقة السنة بالحكومة 46 %، وثقة الأكراد 55%.
أما الآن، ووفقا لاستطلاع محرار الرأي العام العراقي IOT)) الذي أجري في نيسان/بريل 2021، فقد تراجعت الثقة العامة في الحكومة الى أدنى مستوياتها على الإطلاق، حيث أن 22 ٪ فقط من العراقيين بشكل عام يثقون بها، منهم 17٪ فقط من الشيعة! وفى حين يُظهر الاستطلاع الأخير أن 75٪ من العراقيين بشكل عام يعتقدون أن العراق يسير في الاتجاه الخاطئ، فإن النسبة بين الشيعة أسوأ حيث وصلت الى (80٪)، ما يعكس أعلى معدل للتشاؤم على الإطلاق بشأن البلاد منذ بدء استطلاعات الرأي في العراق عام 2003. ووفقًا لنتائج محرار الرأي العراقي (IOT)، يُظهر الشيعة، بكل المقاييس، معدلات أعلى من عدم الرضا وعدم الثقة والتعاسة مقارنة بالسنة والأكراد! فبينما يشعر 5٪ من الأكراد و16٪ من السنة بعدم الأمان في مدنهم، فإن النسبة تقفز إلى 25٪ بين الشيعة. أي أن واحد من كل 4 من الشيعة يشعر بعدم الأمان في مدينته. يمكن فهم هذا الرقم الصادم بشكل أفضل إذا عرفنا أن 60٪ من الشيعة يعتقدون أن الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، أي الميليشيات الشيعية المنتشرة في مدن جنوب العراق وبغداد، أقوى من الحكومة.
من جانب أخر، فبينما يعتقد ما يقرب من 50٪ من السنة والأكراد أنهم لا يستطيعون التأثير على القرارات المتخذة في العراق، فإن النسبة تقفز إلى 60٪ بين الشيعة. وعلى نفس المنوال، يشعر 60٪ من السنة أنه ليس كل الناس يعاملون معاملة عادلة ومتساوية من قبل الحكومة، بينما تقفز النسبة الى 70٪ بين الشيعة. أن من الواضح أن هناك أزمة ثقة هائلة في العراق عندما يتعلق الأمر بكيفية نظر الشعب إلى الحكومة. ويتعمق هذا الشعور أكثر بين الشيعة في العراق، وهم الفئة الأكثر أهمية التي تحتاجها الحكومة لدعمها السياسي. أن هذا يعني أن الأساس المجتمعي لشرعية الحكومة والنظام السياسي المحاصصي في العراق قد فُقد بشكل كبير. إنها وصفة لمزيد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد. كما يعني أن الرأي العام العراقي ينظر إلى حكومته على أنها سبب المشاكل وليس الحل للعديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العراق.
قد يتوقع المرء أن انتخابات تشرين الأول /أكتوبر المقبلة قد تغير هذا النقص الحاد في رضا وثقة الجمهور في الحكومة العراقية. لكن المعطيات للأسف لا تدعم هذا التفاؤل. ففي حين أن من غير المرجح أن يصوت 50٪ من السنة في الانتخابات المقبلة، فمن غير المرجح أيضا أن يصوت 60٪ من الشيعة. بناءً على التجربة السابقة، سترتفع نسبة الناخبين المقاطعين أكثر مع اقتراب يوم الانتخابات.
تعزز هذه الأرقام من الاستطلاعات الأخرى، نتائج محرار الرأي العام العراقي الأخيرة IOT، والتي أظهرت أنه في حين أن 53٪ من السنة يوافقون على أن الانتخابات لا تمنحهم صوتًا في القرار السياسي، تقفز النسبة بشدة بين الشيعة لتصل الى 71%! وبناءً على ذلك، يبدو أن الانتخابات المقبلة ستشهد إقبالًا ضعيفًا، مع توقع نسبة مشاركة أقل في المناطق الشيعية. ومن بين العراقيين الذين يعتقدون أن بإمكانهم التأثير في القرارات السياسية، هناك 14% من السنة،31% من الكرد، وفقط 11% من الشيعة يؤمنون أن الانتخابات هي وسيلتهم لتحقيق ذلك التأثير! أن من الواضح أن العراقيين بشكل عام والشيعة على وجه الخصوص مقتنعون بشكل متزايد بأن الطرق العادية والمؤسسية لمحاولة التأثير على السياسة والسياسة في العراق لا تعمل لصالحهم.
وفى حين تفرز اللامبالاة بالتصويت مشاكلها الخاصة، مثل السماح للسياسيين الفاسدين بتولي مقاليد الحكم دون منازع، يمكن لهذه اللامبالاة أن تشير أيضا إلى مشكلة أكبر بكثير، أذ يبدو أن العديد من العراقيين قد ينقلبون ضد نظامهم السياسي مما يجعلهم عرضة للحلول الراديكالية والعنيفة لمشاكل العراق السياسية. وفى هذا الصدد، تشير كل هذه المعطيات إلى السيناريو القائل بأن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد تسارعاً في زخم الأنواع المختلفة من الاحتجاجات والتعبير عن عدم الرضا، لا سيما بين الشيعة. لهذا السبب كان هناك عدد متزايد من اغتيالات النشطاء السياسيين في الأسابيع القليلة الماضية. هؤلاء النشطاء الذين يمكن أن يلعبوا دورًا مهمًا في تغيير اللعبة السياسية في العراق، استُهدفوا في محاولة يائسة لوقف زخم ما يسمى بانتفاضة تشرين الأول/أكتوبر.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تؤدى تلك الاغتيالات الأخيرة الى إبطاء تسارع الانتفاضة الشعبية التي تتركز في المناطق الشيعية في الأسابيع المقبلة. ويبقى السؤال الأهم للسياسة العراقية الآن هو، مع كل هذه المستويات العالية من عدم الرضا عن السياسة، هل سيتمكن الشباب لشيعة الغاضبين من قلب الطاولة على النظام السياسي بأكمله في العراق؟
في حين أن تحقق هذا السيناريو سالف الذكر وارد - وذلك في وقت تتراجع فيه محاولات إيقافه تدريجيا- فإن الفرصة ما زالت سانحة أمام الكاظمي وحكومته لإصلاح الأوضاع، حيث يمكنه الاستفادة من عدم انتمائه للأحزاب السياسية الحالية، وتعرضه للهجوم المستمر من قبل بعض هذه الأحزاب، لتحقيق ذلك. فغالبا ما يتلقى الكاظمي انتقادات لاذعة بشكل خاص من قبل أطراف مقربة من إيران. ومن ثم، وحتى يتسنى له وقف زخم الغضب الشعبي بين أوساط الشيعة، سيتعين عليه استكمال عدة إصلاحات مهمة على ثلاث جبهات: أولا. مكافحة الفساد، وهناك أدلة جيدة تشير الى انه قد حقق بالفعل تقدما ملموسا على هذه الجبهة. ثانيا. تحسين الوضع الاقتصادي، حيث قد يساعد الارتفاع الأخير في أسعار النفط في ذلك. ثالثا. وهو الأهم العمل على إضعاف نفوذ وقوة الميليشيات الشيعية. قد يكون هذا التحدي الأخير هو المدخل الرئيسي لجميع محاولات الإصلاح الأخرى حيث سيضمن للكاظمي إمكانية استعادة حكومته السيطرة على الدولة وهو ما يمثل التحدي الأكبر له خلال الأشهر القليلة المقبلة.