- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
في خضم أزمة الغذاء التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تُظهر استطلاعات الرأي أن الأغلبية تُحمّل روسيا مسؤولية مفاقمة الوضع
بينما اعتبر المواطنون العرب الذين شاركوا في الاستطلاع في آذار/مارس أن روسيا مسؤولة عن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، عبّروا أيضًا في بعض الدول العربية ذات الاقتصاديات المتعثرة عن خيبتهم تجاه إخفاقات الحكم السابق والتحديات الاقتصادية.
تعمل العديد من الدول العربية جاهدة من أجل تأمين كميات كافية من الحبوب والأسمدة والزيوت النباتية لتلبية احتياجات شعوبها، شأنها شأن الكثير من دول العالم، في وقت لا تنفك فيه تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا تؤثر على سائر الدول. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار هذه السلع الأساسية بشكلٍ كبير لتصل إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ الحديث. وتستنزف الأسعار المرتفعة على نحو متزايد موازنات الدولة المتعثرة أساسًا، وبخاصةٍ تلك المخصصة لدعم المواد الغذائية الأساسية. في الواقع، تتفق معظم الشعوب في سبع دول عربية على أن مسؤولية ارتفاع الأسعار تقع على عاتق روسيا.
وفي هذا السياق، يُظهر استطلاع للرأي أجراه "معهد واشنطن" في آذار/مارس 2022 أن أغلبية الشعوب في كافة الدول المستطلعة توافق على أن "التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا هو السبب وراء الارتفاع الذي شهدته أسعار المواد الغذائية مؤخرًا". وكانت النسبة الأكبر التي تؤيد هذه المقولة في أوساط اللبنانيين (70 في المائة) في حين وافق أكثر من نصف الخليجيين الذين شاركوا في الاستطلاع في دول أغنى كالسعودية والإمارات والبحرين والكويت، على هذا الطرح.
تجدر الإشارة إلى أن احتساب أسعار المواد الغذائية في العالم العربي غالبًا ما يكون معقدًا بفعل الشبكة الموسعة لدعم رغيف الخبز المنتشرة في معظم الدول المستطلعة. مع ذلك، بدأت التصدعات تظهر في هذا النظام. وتمثلت استجابة مصر لهذا الارتفاع في أسعار الخبز غير المدعوم من خلال تحديد سقف للسعر بعد أن قفز بنسبة 25٪ في شهر آذار/مارس، في حين زادت الدولة اللبنانية سعر الخبز المدعوم ليصل إلى 3250 ليرة لكل كيلوغرام، أي أكثر من ضعف السعر المسجل في منتصف عام 2020، علمًا أن هذا التغيير يأتي بعد سلسلة من ارتفاع الأسعار وانخفاضها على خلفية الأزمة الاقتصادية التي يشهدها البلد.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الأقل، تؤكد هذه الموجة الأخيرة من التقلبات الكبيرة في أسعار الخبز في لبنان أن الحرب في أوكرانيا تفاقم في الواقع أزمة الأمن الغذائي والأزمة الاقتصادية القائمة التي تواجهها العديد من الدول العربية، باستثناء الدول الخليجية الغنية. هذا وتتأرجح العديد من بلدان المنطقة على حافة مواجهة مجاعة جماعية منذ سنوات. ويُظهر منحى الاستطلاعات أن نسبة الإحباط في العديد من الدول العربية إزاء كيفية التعاطي مع التحديات الاقتصادية قبل اندلاع الحرب الأوكرانية كانت كبيرة أساسًا.
فأواخر العام الماضي، طُلب من المستطلعين إبداء رأيهم حول كيفية إدارة دولهم "للمشاكل الاقتصادية والمحن اليومية". من جهة، اعتبرت أكثرية المستطلعين في الإمارات وقطر أن دولتهم تقوم فعليًا "بالكثير" لمعالجة هذه المشكلة. لكن من جهة أخرى، شعرت أكثرية أو أغلبية في البحرين (42 في المائة) ومصر (47 في المائة) والأردن (54 في المائة)، وبشكل خاص في لبنان (96 في المائة)، أنه "تمّ بذل القليل من الجهود" لمعالجة هذه المسائل الملحة، وهي وجهات نظر لم تتغير بشكل أساسي منذ الفترة التي طُرح فيها هذا السؤال قبل سنتين.
وتعكس خيبات الأمل المستمرة التحديات المجتمعة التي أتت لتفاقم مشاكل الحكم القائمة أساسًا، وهي تشمل التحديات التي طرحها فيروس كورونا والجفاف والاقتصاديات المتعثرة. وبالفعل، أجّج الإحباط الناتج عن غياب السلع والخدمات الأساسية موجات متكررة من الاحتجاجات خلال السنوات الخمس الماضية، حيث قضّت الحركات الرئيسية مضجع الحكومات في الجزائر، والسودان، والعراق، ولبنان. فضلًا عن ذلك، حتى الدول التي لم تشهد مثل هذه الاحتجاجات، نظرت نظرة إيجابية إلى الحركات في العراق ولبنان. فحوالي نصف المستطلعين في دول أخرى اعتبروا أن الاحتجاجات كانت على الأقل إيجابية بعض الشيء عند سؤالهم عن رأيهم بها في تشرين الثاني/نوفمبر 2020. ويوفر هذا الإحباط أيضًا تفسيرا لقبول العديد من التونسيين أو حتى دعمهم في البداية لبسط حكومة قيس سعيد سيطرتها على البلاد.
وعلى الرغم من الإحباط الشعبي الواضح في هذه الدول، لا يزال الوضع في حالة سيئة. وضمن العيّنة المستطلعة في هذه الدول خلال آذار/مارس، تتطلع أعداد كبيرة من الشعوب العربية الأكثر ضعفًا من جديد إلى الاحتجاجات كوسيلة لإحداث التغيير. وعند سؤالهم عما إذا كانوا يؤيدون مقولة: "إنه لأمر جيد ألا نشهد احتجاجات كبيرة في الشارع ضدّ الفساد"، لا يزال معظم اللبنانيين يعارضونها (91 في المائة). كذلك، يرفض نصف المصريين (52 في المائة) وأقلية كبيرة من الأردنيين (44 في المائة) هذه المقولة.
هذا ناهيك عن حالات الجوع الأكثر قساوة التي يشهدها اليمن وسوريا خلال الحرب، أو واقع أن 64 في المائة من الغزاويين تقريبًا يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي. كما لم تتحسن الأوضاع خاصة بعد موجة الجفاف الشديدة التي اجتاحت المشرق وشمال إفريقيا، وهي الأسوأ منذ عقود، لتزيد الوضع سوءًا عبر التسبب بتلف المحاصيل المحلية في المشرق وشمال أفريقيا، الأمر الذي يحدّ بشكل أكبر من توافر المواد الغذائية في الأسواق المحلية. وتكشف كل هذه العوامل حجم أزمة الغذاء الإقليمية في العالم العربي، والتي سبق أن قدرتها منظمة الأغذية والزراعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أنها طالت 141 مليون شخص.
وردًا على النقص المرتقب في الغذاء، تعهدت إدارة بايدن مؤخرًا بتقديم 670 مليون دولار إلى ست دول تُعتبر الأكثر عرضةً للنقص في المواد الغذائية، من ضمنها السودان واليمن، في حين تعهدت الدول الأوروبية في وقت سابق من نيسان/أبريل بتزويد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمساعدات تصل قيمتها إلى 244 مليون دولار في مسعى للمشاركة في "دبلوماسية الغذاء" ودحض سردية موسكو بأن أفعال الغرب تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وتكتسي هذه المساعي أهمية رغم أن أغلبية الدول العربية تدرك، كما ذكرنا، أن أفعال روسيا هي التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا. فضلًا عن ذلك، يعتبر أقل من ربع المستجيبين في أي دولة مستطلعة أن "التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا" إيجابي إلى حدّ ما على الأقل. بدورها، تسعى القوى الإقليمية هي أيضًا للتدخل، ومن شأن المساعدة الملحوظة التي تقدمها دول الخليج إلى مصر والبالغة قيمتها 22 مليار دولار أن تمدّ الاقتصاد بدعم كبير.
ومن الضروري أن نتذكر انه ربما يكون لهذه المسألة الملحة تداعيات إقليمية تمتد إلى ما بعد انتهاء الغزو على أوكرانيا. كذلك، قد يكون الاعتماد على التمويل الأجنبي خطيرًا إذ يضع العديد من البلدان في وضع لا تحسد عليه من التسابق خلال أزمة غذاء عالمية للحصول على الأموال الدولية من دول مانحة استنزفت أصلًا مواردها. وأخيرًا، تشير الأرقام الناتجة عن الاستطلاعات إلى أن الاستياء قد يترك آثارًا مزعزعة للاستقرار محليًا في حال عجزت الحكومات في نهاية المطاف عن إطعام شعوبها. وفي ظل الدعم الكبير أساسًا للاحتجاجات في الدول ذات الاقتصادات الأضعف، سيكتسي الاستمرار في معالجة المشقات الاقتصادية وتحسينها أهمية خاصة بالنسبة لهذه الدول في الأشهر المقبلة.