- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
غزة وقطر والإمارات: اتفاقات أبراهام بعد عملية "حراس الأسوار"
يبدو أن اتفاقات أبراهام لم تحجب القضية الفلسطينية، كما أنها أيضا لم تعززها.
كانت النتائج المحتملة لاتفاقات التطبيع العربية الإسرائيلية الأخيرة بشأن القضية الفلسطينية موضع نقاش كبير، حيث رأى الكثيرون أنّ اتفاقات التطبيع التي وقّعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان تحت رعاية إدارة ترامب تنطوي على احتمالية للضغط من أجل التوصل إلى اتفاقية بين إسرائيل والفلسطينيين. أمّا بالنسبة إلى آخرين، فكانت الاتفاقات دليلًا على عدم وجود حاجة لإشراك رام الله من أجل الضغط لتحقيق السلام الإقليمي.
وفي هذه المرحلة، لا يمكن إثبات صحة أي من النقطتَين تمامًا. فلا تزال الاتفاقات حديثة حيث لا يمكن تحليلها بصورة مُرضية، وهي تختلف جميعها من حيث النطاق والمحتوى. ومع ذلك، فإنّ العنف الأخير بين إسرائيل و"حماس"، الذي يمكن اعتباره الاختبار الحقيقي الأول للاتفاقات، يشير إلى أن أيًا من الحجتَين ليس صحيحًا تمامًا. وفي حين لا يبدو أن الاتفاقات قد أربكت الموقّعين العرب عليها حول القضية الفلسطينية، إلا أنها على ما يبدو لم تقدّم أي فرص جديدة وذات مغزى للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني.
عملية "حراس الأسوار": اختبار للتطبيع
الاحتجاجات وأعمال العنف التي بدأت في 7 مايو/أيار 2021 في القدس وعملية "حراس الأسوار" التي أطلقها الجيش الإسرائيلي والمتعلقة بالعنف الناتج بين حركة "حماس" وإسرائيل، كانت من الناحية العملية الاختبار الأول لاتفاقات التطبيع. فخلال احتجاجات القدس، التي دخلت خلالها قوات الجيش الإسرائيلي المسجد الأقصى، انتقدت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب إسرائيل بشدة لما وصفته بانتهاك لحقوق الفلسطينيين وحرمة المسجد.
وحمّل هذا النقد، الذي ركّز بشكل خاص على الأحداث في القدس، مسؤولية العنف على إسرائيل وعبّر عن حساسية الأطراف العربية الموقعة تجاه الأحداث في المدينة (انعكست بالمثل من جانب المملكة العربية السعودية، التي بدت أنها دعمت الاتفاقات). وإلى حد كبير، أظهرت ردود فعل الموقّعين العرب اهتمامهم بالإظهار للفلسطينيين أنهم يقفون إلى جانبهم على الرغم من العلاقات الجديدة بينهم وبين إسرائيل.
ومع ذلك، كانت ردود فعل هذه الدول على أعمال العنف التي تلت بين إسرائيل وحركة "حماس" مختلفة تمامًا تقريبًا. فعلى سبيل المثال، بينما أدانت الإمارات العربية المتحدة الإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية، فهي لم تدِن قصف إسرائيل لقطاع غزة. وبدلًا من انتقاد إسرائيل على أفعالها، زعمت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية بشكل عام أن العنف يولّد العنف وأن المشاكل لا يمكن حلها من خلال إراقة الدماء. وأشارت الصحيفة إلى الدعم الإماراتي لأي تحرك من شأنه وقف التصعيد وتعزيز ضبط النفس.
صعوبة محاربة النفوذ القطري في غزة
يشير عدم انتقاد الدول العربية المُطبّعة للضربات الإسرائيلية في غزة، وكذلك عدم دعمها الصريح لحركة "حماس"، إلى أنه في حين تريد هذه الدول أن تظهر نفسها كداعمة للقضية الفلسطينية على نطاق واسع، إلّا أنها تهتم أيضًا بإضعاف حركة "حماس". وبالنسبة إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة، وكذلك المملكة العربية السعودية غير الموقعة، من المحتمل أن تنبع هذه المصلحة من الرغبة في منع قطر من السيطرة على الخطاب حول هذه القضية.
وتتمتّع قطر بثقة كبيرة من الفلسطينيين: فهي الدولة الأولى التي افتتحت سفارة فلسطينية في عاصمتها عام 1988 بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني، وزار رؤساء الدولة قطاع غزة مرتين في حياة ياسر عرفات ومرة أخرى في عام 2012 خلال حكم "حماس". علاوةً على ذلك، وعلى الرغم من أنّ ذلك قد أحدثت خلافًا بين قطر والسلطة الفلسطينية، إلّا أن قطر هي مصدر أساسي للتمويل لقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة "حماس". ولأن إسرائيل تفضّل قطر على السلطة الفلسطينية، تتعاون إسرائيل وقطر على تقديم هذا الدعم المالي، ما يعني أن قطر تحافظ على علاقة عمل مع كل من حركة "حماس" وإسرائيل. والآن مع احتمال أن تطالب "حماس" بدور أكثر مركزية في صنع القرار الفلسطيني في محادثات المصالحة الفلسطينية التي تستضيفها القاهرة، يمكن لقطر أن تزيد من نفوذها في السياسة الفلسطينية.
وبسبب علاقات قطر القوية مع "حماس" ودعمها لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي تعتبرها الإمارات تهديدًا لأمنها القومي، تكافح القيادة الإماراتية لمحاربة النفوذ القطري القوي في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. وكجزء من هذا الجهد، وعدت الإمارات بالمساعدة في تمويل إعادة إعمار قطاع غزة بعد عملية "حراس الأسوار"، لكنها تكافح لتحويل الأموال إلى غزة من دون تدخّل حركة "حماس" أو قطر. حتى الآن، يبدو أن مبلغ 500 مليون دولار الذي وعدت مصر بالتبرع به لإعادة إعمار غزة سيأتي فعليًا من أموال الإمارات التي ستصل على شكل سلع وخدمات مصرية إلى قطاع غزة.
لكن كما ذكرنا، من المرجح أن تحافظ قطر على نفوذها في غزة بغض النظر عن الجهود الإماراتية. وتتمتّع قطر بميزة نسبية لأنها الدولة المانحة الأكثر سخاءً واستمرارية وثباتًا للفلسطينيين، ولن تسمح حركة "حماس" بتهميشها، لا سيما بالنظر إلى التغطية الإعلامية الإيجابية التي تتمتّع بها "حماس" في مصادر الأخبار القطرية مثل قناة "الجزيرة". علاوةً على ذلك، تنظر إسرائيل إلى تدفّق الأموال إلى غزة على أنه ضروري لمنع التحريض والحفاظ على الاستقرار، وترى إسرائيل أن قطر كيان مفيد يمكن الوثوق به على المدى الطويل. ويجب أن يتذكر المرء أنه بعد اتفاقيات أوسلو، كانت قطر الدولة الأولى التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والدولة الأولى التي وقّعت معها اتفاقية توريد الغاز الطبيعي.
على هذا النحو، من غير المرجح أن تنجح الجهود الإماراتية في التعدّي على النفوذ القطري. وإن العلاقة الإشكالية بين الإمارات والسلطة الفلسطينية، وعدم قدرة محمد دحلان، السياسي الفلسطيني المقيم في المنفى الذي تستضيفه الإمارات، على إدارة أموال المساعدات، وكراهية الإمارات تجاه حركة "حماس"، تجعل الإمارات غير قادرة على إيصال المساعدات إلى غزة من خلال أي منظمات فلسطينية. وسيقلّل تسليم الإمارات العربية المتحدة الناتج للمساعدات عبر مصر إلى حد كبير من الدور الإماراتي في إعادة إعمار غزة كما سيقلّل من أهمية الإمارات بالنسبة إلى الفلسطينيين العاديين.
ديناميات متغيّرة في واشنطن
إلى جانب مخاوف الإمارات بشأن النفوذ القطري في الشؤون الفلسطينية، أظهر الموقّعون العرب الأربعة أن أهم ما يشغلهم في ما يتعلق باتفاقيات التطبيع هو علاقتهم بالولايات المتحدة والاستحسان الذي تلقوه من إدارة ترامب.
ومع ذلك، مع وجود إدارة جديدة في الحكم، أصبحت الفوائد المحتملة التي تقدمها الولايات المتحدة مقابل التطبيع موضع تساؤل. وبينما أعلنت إدارة بايدن دعمها لاتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية الأخيرة، لا نزال نجهل ما ستكون الإدارة على استعداد لتقديمه مقابل تعزيز الترتيبات بين إسرائيل وجيرانها.
حتى الآن، لم ينفّذ المغرب والسودان اتفاقاتهما بالكامل، حيث لم يتلقيا بعد الفوائد التي تقدمها الولايات المتحدة في المقابل. ويوضح الخطاب الذي استخدماه منذ توقيع الاتفاقات أنّ الدافع كان المكاسب التي وعدت بها الولايات المتحدة وليس أي رغبة حقيقية في تعزيز علاقاتهما مع إسرائيل. وفي ما يتعلّق بالإمارات العربية المتحدة، رفعت إدارة بايدن تجميدها المؤقت لصفقة الأسلحة مع أبوظبي، لكن سنرى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحقّق بقية التزاماتها.
قد يكون هذا التردّد في تقديم الفوائد من الولايات المتحدة مقابل التطبيع مرتبطًا بتراجع أكبر في صالح إسرائيل في واشنطن. وتمثل ردود الفعل الغاضبة على عملية "حراس الأسوار" وأصوات الديمقراطيين التقدميين المؤيّدة للفلسطينيين في مجلس النواب ضغطًا على الرئيس بايدن لتقليل التزام الولايات المتحدة الثابت سابقًا بالأمن الإسرائيلي. على هذا النحو، قد لا تتمتّع إسرائيل بعد الآن بالنفوذ نفسه في واشنطن الذي كانت تتمتّع به قبل وصول إدارة بايدن.
لذلك، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها الإمارات في استخدام الاتفاقات لمحاربة النفوذ القطري في غزة، من المرجح أن يواجه الموقّعون العرب على الاتفاقات صعوبة في استخدامها كورقة مساومة مع الولايات المتحدة.
مستقبل التطبيع والقضية الفلسطينية
بالنظر إلى كلّ المناورات حول جهود إعادة الإعمار في غزة، يبدو أن أي شخص يعتقد أن اتفاقات التطبيع ستلغي الحاجة إلى معالجة القضية الفلسطينية قد فاته الهدف منها. في الوقت نفسه، بينما تظل القضية ذات صلة، فمن المرجح أن تصبح القضية الفلسطينية مُجزأة وغير فعالة بشكل متزايد بسبب استمرار سيطرة قطر وحركة "حماس" على غزة، وهو اتجاه قد تدعمه إسرائيل.
بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة، لا تزال القضية الفلسطينية ذات صلة كورقة ضغط ضد إسرائيل ووسيلة محتملة لتسجيل نقاط إيجابية لدى واشنطن. وتمثّل عملية "حراس الأسوار" وجهود إعادة الإعمار المطلوبة بعد ذلك في غزة فرصة للإمارات لزيادة نفوذها في قطاع غزة وتهميش قطر، التي أصبحت المصدر الرئيسي لتمويل المدنيين في غزة.
ومع ذلك، من غير المرجّح أن تنجح الإمارات في هذه المهمّة، وقد تكون النتيجة استمرار الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. يشكّل تعاون قطر مع إسرائيل بشأن التحويل الشهري لأموال المانحين إلى غزة، على الأقلّ من وجهة نظر الإمارات العربية المتحدة، محاولة لترسيخ الفصل طويل الأمد بين قطاع غزة والضفة الغربية. وتضخم هذه الحقيقة التساؤل حول دوافع قطر لتدخلها في غزة وتقوّي النظرية القائلة بإن نوايا الحكومة الإسرائيلية هي تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي.
على هذا النحو، لم تغيّر الاتفاقات بشكل كبير الموقف الجيوسياسي لإسرائيل ولم تخلق فرصًا أو صيغة جديدة لإحراز التقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين. ونظرًا لاهتمام المغرب والسودان والبحرين بواشنطن أكثر من القضية الفلسطينية، يبدو أن الاتفاقات لم يكن لها تأثير كبير على المنطقة، حيث تمتّعت إسرائيل أصلًا بعلاقات جيدة نسبيًا مع الدول الثلاث الأخرى، بما في ذلك العلاقات الأمنية. وبالتالي، قد تكون العلاقات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية المحتملة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل هي النتيجة الوحيدة المفيدة للاتفاقات المتعلقة بإسرائيل أو الفلسطينيين.