- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3201
عهد نتنياهو قد ينتهي على الأرجح في خضم أزمة ما بعد الانتخابات
مرّ الآن أكثر من شهر على إجراء إسرائيل جولة ثانية غير مسبوقة من الانتخابات الوطنية غير الحاسمة، ولكن الأزمة لا تزال قائمة. وما لم تحصل أي تغييرات مفاجئة هذا الأسبوع، سيطلب الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين من زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس تشكيل حكومة - وهي المرة الأولى منذ عام 2006 التي يُطلب فيها من زعيم غير نتنياهو تشكيل الحكومة، والمرة الثانية هذا العام التي فشل فيها رئيس الوزراء الحالي في تشكيل ائتلاف يضم عدداً كافياً من المقاعد البرلمانية. وكان نتنياهو يعمل على تشكيل حكومة منذ الانتخابات لكنه أقلع عن ذلك في 21 تشرين الأول/أكتوبر. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان غانتس سينجح في محاولته تشكيل ائتلافه الخاص، لكن الظروف الحالية تشير إلى أن فترة العشر سنوات التي سيطر خلالها نتنياهو على السياسة الإسرائيلية من المرجح أن تقترب من نهايتها.
حسابات الإئتلاف
كما هو الحال الآن، لن يتمكن غانتس من تشكيل ائتلاف أغلبية يضم 61 مقعداً في الكنيست الذي يتألف من 120 عضواً ما لم يتوصّل إلى ترتيب ما مع حزب "الليكود" (تحالف الأحزاب العربية الذي فاز بـ 13 مقعداً يعارض بشدة قيام حكومة يمينية، لكنه يرفض أيضاً الانضمام إلى حكومة برئاسة "أزرق-أبيض"، أو حتى أي حكومة ائتلافية). ومع ذلك، لا يزال لديه اليد العليا بالنظر إلى إخفاق نتنياهو مرتين متتاليتين.
وبعد فوزه في الانتخابات الأولى في نيسان/أبريل، لم يستطع نتنياهو جمع أكثر من 60 مقعداً، مما دفعه إلى حل الكنيست بدلاً من منح ريفلين خيار السماح لمنافسه بمحاولة تشكيل حكومة. وفي انتخابات الإعادة في أيلول/سبتمبر، تراجع عدد أعضاء كتلة نتنياهو اليمينية إلى 55 مقعداً، في حين تفوق "أزرق-أبيض" على حزب "الليكود" بفوزه بـ 33 مقعداً مقابل 32 مقعداً لـ "الليكود". وبناءً على ذلك، عَرِف غانتس أن نتنياهو لن يتمكن من تشكيل حكومة عندما منحه ريفلين الفرصة الأولى لتشكيلها.
وفي الوقت الراهن، لا يزال وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان صانع الملوك. فقد أعلن أنه يرغب في أن تتوحّد صفوف حزبي "أزرق أبيض" و"الليكود" مع حزبه "إسرائيل بيتنا" (الذي فاز بـ 8 مقاعد) وإبقاء فصائل أصغر في اليسار واليمين خارج المعادلة. وفي السنوات الأخيرة، تمتعت أحزاب المتدينين المتطرفين والمستوطنين بنفوذ غير متكافئ، وحصل ليبرمان على ثلاثة مقاعد إضافية في انتخابات أيلول/سبتمبر مستفيداً من استياء الناخبين من تلك الأحزاب. ويطالب الآن هو وحزب "أزرق-أبيض" بأن ينفصل "الليكود" عن هؤلاء الحلفاء اليمينيين (الذين فازوا بـ 23 مقعداً) كشرط مسبق للمشاركة في حكومة وحدة وطنية. ويرفض نتنياهو بإصرار [هذا المطلب]، حيث يرى أن ذلك شكلاً من أشكال نزع السلاح السياسي.
وهناك عقبة أخرى تتمثل في إصرار حزب "أزرق أبيض" على أن يعيّن حزب "الليكود" زعيماً جديداً له، لأن نتنياهو لا يزال تحت سحابة قانونية وسط مؤشرات واسعة النطاق بأنه سيتم توجيه الاتهام إليه في ثلاثة مزاعم فساد، ربما بحلول نهاية الشهر المقبل. وبموجب القانون الإسرائيلي، يمكن لرئيس الوزراء أن يبقى في منصبه إذا وُجّهت إليه تهم، لكن على أي وزير آخر في مثل هذا الموقف التنحي من منصبه. لذلك، إذا شكّل حزبا "الليكود" و"أزرق أبيض" حكومة وحدة وطنية برئاسة دورية، سيصر نتنياهو على أن يكون الأول في نموذج التناوب هذا - ليس فقط لكي يبقى في منصبه في حال صدور لوائح الاتهام، بل أيضاً لزيادة ميزته في التوصل إلى مساومة قضائية. ومهما يكن الأمر، فإن تصريحاته العلنية توضح بأنه لن يتنحى لصالح عضو آخر في حزب "الليكود" في هذه المرحلة، وقد اصطف وراءه جميع كبار مسؤولي الحزب. وفي ضوء هذه العوامل، يبدو أن هناك ثلاثة سيناريوهات أكثر ترجيحاً فور تولي غانتس هذه المهمة خلال هذا الأسبوع.
السيناريو 1: حل وسط من قبل ريفلين
وسط استمرار انتهاج الأحزاب لسياسة حافة الهاوية، قد يميل غانتس إلى اعتماد ما أصبح يُعرف بخطة ريفلين للتسوية التي تسعى إلى معالجة المأزق المحيط بدور نتنياهو. وتقوم الخطة على تعديل القانون بحيث يتمّ نقل الصلاحيات إلى نائب رئيس الوزراء لمدة 100 يوم إذا كان رئيس الوزراء غير قابل للقيام بمهام منصبه، كما كان عليه الحال عندما أصيب آريئيل شارون بجلطة دماغية حادة في عام 2006. وقد يتم تعديل القانون ليمتد إلى أكثر من 100 يوم، لكي يغطي الحالات التي يتم فيها اتهام رئيس الوزراء.
وإذا وافقت الأحزاب على هذه التسوية وشكّلت حكومة وحدة، سيمنح ريفلين لنتنياهو الفترة التناوبية الأولى لرئاسة الحكومة. غير أنه فور صدور الاتهامات بحقه، سيتمّ نقل صلاحياته إلى نائبه، أي غانتس في هذه الحالة. وسيحتفظ نتنياهو بلقب رئيس الوزراء كما يجيزه القانون المعدّل، لكن غانتس سيكون القائم بأعمال رئاسة الحكومة خلال ما تبقى من الدورة المخصصة لنتنياهو ما لم تبرئه المحاكم بالكامل خلال هذه الفترة. وبعدها سيتولى غانتس المنصب رسمياً خلال العامين التاليين من عهد حكومة الوحدة، مما قد يمنحه السيطرة على الحكومة لما يقرب من ما مجموعه أربع سنوات.
ومع ذلك، فإن عدم ثقة حزب "أزرق أبيض" بنتنياهو عميق للغاية إلى درجة أن مسؤولي الحزب لا يصدقون أنه سيتخلى بالفعل عن السلطة إذا وجهت إليه اتهامات. وكدليل على ذلك، أشاروا إلى واقع أنه وافق على الفكرة بسرعة كبيرة وراء الأبواب المغلقة. فهل يسمح لحزب "أزرق أبيض" بإدراج آليات إنفاذ صارمة في الاتفاق؟ أو هل ستتزامن لوائح الاتهام مع هذه الجهود الرامية إلى إبرام الاتفاق، في خطوة ترجح احتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون نتنياهو؟
السيناريو 2: تشكيل حكومة على المدى القصير
إذا بذل غانتس قصارى جهده لتشكيل ائتلاف مع "الليكود" ولن ينجح في ذلك، فقد يطلب من ليبرمان الامتناع عن التصويت لكي يمكن تشكيل حكومة أقلية برئاسة "أبيض - أزرق". وسيكون ذلك صعباً جداً من الناحية السياسية، نظراً لأن هذه الحكومة ستكون قائمة أساساً على 44 مقعداً (كما ذُكر سابقاً، لن تنضم الأحزاب العربية إلى حكومة برئاسة "أزرق-أبيض"؛ وفي أفضل الأحوال، ستوفر مقاعدها الـ 13 كشبكة أمان ضد اقتراحات بحجب الثقة). وعلى الرغم من أن حكومة أقلية صغيرة كهذه لم يسبق لها مثيل، إلا أن غانتس سيشرح لليبرمان كما يُفترض بأنه إجراء قصير الأجل سيكون قائماً على الأمل في أن يؤدي الضغط العام إلى إجبار نتنياهو على التنحي لصالح مرشح آخر من حزب "الليكود" بمجرد إصدار لوائح الاتهام. وبالفعل، يحاول مساعدو نتنياهو تجنب هذا الاحتمال عن طريق توجيه التماسات إلى الجناج الأيمن من حزب "أزرق-أبيض"، بزعامة وزير الدفاع السابق موشيه يعلون.
ويتمثل أحد السيناريوهات المنخفضة الاحتمال في استعانة غانتس بليبرمان وبأحد الحزبين المتدينين المتطرفين لتشكيل حكومة تضم 61 مقعداً. لكن ذلك من شأنه أن يشكل انتهاكاً لتعهد ليبرمان بعدم تشكيل حكومة مع الحزبين المتدينين المتطرفين، ناهيك عن وعد هذين الحزبين المتطرفين في إسرائيل بعدم المشاركة في حكومة لا يرأسها نتنياهو.
السيناريو 3: جولة ثالثة من الانتخابات
خلال افتتاحه جلسة الكنيست لفصل الخريف، أنّب ريفلين علناً أعضاء الكنيست بسبب الأزمة المستمرة وحذرهم من عدم جر البلاد إلى إعادة إجراء انتخابات أخرى. لكن في ظل المعركة التي يخوضها غانتس ونتنياهو لإقناع الإسرائيليين بهوية المسؤول عما تصفه نشرات الأخبار المسائية بـ"الأزمة السياسية"، لا يمكن استبعاد إمكانية العودة إلى صناديق الاقتراع.
وخلال المرحلة القادمة، من المرجح أن يركز غانتس على أن نتنياهو غير منطقي في إصراره على رئاسة حكومة في وقت يرزح فيه تحت سحابة قانونية، وطلبه أن يكون الأول في التناوب على رئاسة الحكومة ورفضه السماح لحزب "الليكود" بالانضمام إلى حكومة من دون حلفائه في معسكر اليمين. وفي المقابل، أعلن غانتس أنه سيشكل حكومة وحدة مع حزب "الليكود" فور تنحي نتنياهو جانباً. وإذا دعا نتنياهو أو حلفاؤه إلى جولة اقتراع أخرى، فمن المرجح أن يرفض غانتس هذا التهديد باعتباره باطلَا نظراً إلى فقدان رئيس الوزراء للدعم بين الجولتين الأولى والثانية. ومن جهته، من المحتمل أن يعتبر نتنياهو أن غانتس يتصرف بشكل غير منطقي من خلال عدم السماح له بأن يتولى الفترة التناوبية الأولى في رئاسة الحكومة.
الخاتمة
على الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة أي من السيناريوهات الواردة أعلاه سيتبلور، إلا أن جميعها تتشارك قاسماً واحداً، وهو: أن نتنياهو لم يعد يسيطر على المشهد السياسي كما فعل على مدى العقد الماضي. وبما أنه يعيد المهمة إلى ريفلين، فقد تنحصر خياراته الواقعية إلى حدّ كبير بالتصدي لغانتس بدلاً من الاحتفاظ بالسلطة الكاملة لنفسه. وتُلمح هذه السيناريوهات أيضاً إلى انتقال إسرائيل على نطاق أوسع بعيداً عن هيكلية سلطة تتركز على شخص واحد ونحو نموذج يقوم نوعاً ما على تشارك السلطة.
ومهما يكن الأمر، فمن الصعب تصوّر اتخاذ الحكومة المؤقتة الحالية أي مبادرات رئيسية قبل تشكيل الحكومة الجديدة، بصرف النظر عن الضربات العسكرية التكتيكية رداً على الهجمات الصاروخية المحتملة من غزة. وبالمثل، يبدو أن إدارة ترامب تنتظر تشكّل المشهد السياسي في إسرائيل قبل أن تقرر ما إذا كانت ستقوم بإطلاق مبادرتها للسلام التي طال انتظارها، أو ربما إعادة صياغتها على شكل "بيان رؤية" أقل طموحاً لاستخدامه كنقطة مرجعية لمساعي السلام في المستقبل. وفي الوقت الحالي، لا يوجد ما يشير إلى أن ترامب ونتنياهو قد تحدثا مع بعضهما البعض منذ انتخابات أيلول/سبتمبر، وعندما يزور كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر المنطقة في أواخر الشهر الحالي، سيجتمع مع غانتس للمرة الأولى وليس فقط مع نتنياهو.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير "برنامج العلاقات العربية - الإسرائيلية" في معهد واشنطن