- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3968
هجمات الحوثيين على السفن: الأنماط والتوقعات لعام 2025
يقدم خبيران رسماً بيانياً تفصيلياً وتحليلاً مصاحباً لرسم أنماط الهجمات واتجاهاتها على مدار العام الماضي والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة به.
خلال حربي غزة ولبنان، نجح الحوثيون فعلياً في تحويل نقطة الاختناق في باب المندب إلى منطقة محظورة/منع الوصول. وبعد عام من استيلائهم على سفينة نقل السيارات "غالاكسي ليدر" (IMO 9237307) وطاقمها المتعدد الجنسيات في البحر الأحمر، تحوّل المجال البحري إلى ساحة عمليات رئيسية للجماعة المدعومة من إيران. وباستخدامهم أنواع مختلفة من الأسلحة، نفذ الحوثيون حتى الآن أكثر من مائة هجوم ضد السفن التجارية والسفن الحربية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وأعلنوا قيوداً جديدة على الشحن في كل مرحلة من حملتهم (راجع متعقب الحوادث البحرية التابع لمعهد واشنطن).
أدت هذه الهجمات إلى تشكيل مهام دفاعية بحرية إقليمية مختلفة، بما في ذلك "عملية حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة وعملية "أسبيدس" بقيادة الاتحاد الأوروبي. وكان وجود القوات البحرية الغربية عاملاً فعالاً في بعض المناطق، مثل اعتراض أسلحة الحوثيين، ومرافقة بعض السفن التجارية، وإنقاذ السفن المتضررة. كما كانت الضربات العسكرية "بوسيدون آرتشر"، التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى "دفاعاً عن النفس" وبدعم غير عملياتي من دول أخرى، ضرورية لاستهداف مخزونات أسلحة الحوثيين ومواقع إطلاقها. ومع ذلك، فإن هذه العمليات لم تردع الجماعة حتى الآن.
ومع اقتراب عام 2025، قد تزداد المخاطر البحرية العالية الحالية أو تنخفض تدريجياً. وسيعتمد ذلك إلى حد كبير على كيفية تعامل الإدارة الأمريكية القادمة مع حرب غزة، التي استخدمها الحوثيون لتبرير هجماتهم، وعلى (موقف) إيران. ومن المفترض أن يمهد وقف إطلاق النار في غزة الطريق لحل دبلوماسي لأزمة البحر الأحمر. ومع ذلك، فإن الحل الجاد سيتطلب مشاركة الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة الذين تأثرت حركة السفن إلى موانئهم بهجمات الحوثيين. ومن ناحية أخرى، إذا انتهجت إدارة ترامب سياسة صارمة تجاه إيران، فقد تواجه السفن التجارية مزيداً من المخاطر الهجينة. وفي كلتا الحالتين، ستؤثر سياسة الشرق الأوسط للإدارة الأمريكية المقبلة بشكل مباشر على المجال البحري في المنطقة.
تطور حملة الحوثيين والاتجاهات البحرية الرئيسية
لقد قسم الحوثيون حتى الآن حملتهم البحرية إلى خمس مراحل:
- المرحلة الأولى: ركزت الهجمات على الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل بدءاً من تشرين الأول/أكتوبر 2023 مع حرب غزة، وعلى السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بدءاً من تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
- المرحلة الثانية: توسعت الهجمات في كانون الأول/ديسمبر 2023 لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. كما أصبحت السفن ذات الروابط المباشرة أو غير المباشرة بإسرائيل أهدافاً، وكذلك السفن التي زارت الموانئ الإسرائيلية في الماضي.
- المرحلة الثالثة: توسعت الهجمات في كانون الثاني/يناير 2024 لتشمل السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.
- المرحلة الرابعة: توسعت الهجمات في أيار/مايو 2024 لتشمل السفن التي يمتلك مالكوها/مشغلوها سفناً تزور الموانئ الإسرائيلية.
- المرحلة الخامسة: أُعلنت هذه المرحلة بعد إطلاق الحوثيين طائرة "يافا" المسيرة على تل أبيب في 19 تموز/يوليو 2024، وهي استمرار للمراحل السابقة.
وفي كل مرحلة، تمكنت الجماعة من إجبار المزيد والمزيد من السفن على تجنب جنوب البحر الأحمر. وفي المرحلة الرابعة، ومنذ أواخر نيسان/أبريل 2024 على الأقل، كانت شركات الشحن الإضافية التي تتاجر مع الموانئ الإسرائيلية تتجنب الإبحار عبر باب المندب. وفي الوقت نفسه، في مناسبات معينة، لفتت الهجمات الانتباه إلى أنشطة أخرى في المنطقة، مثل تجارة النفط الروسية (راجع هذا المنشور "للأضواء الكاشفة للبحرية").
هجمات الحوثيين والسفن المرتبطة بروسيا. أدت حملة الحوثيين إلى تسليط الضوء على ناقلات النفط التي تنقل النفط الروسي إلى السوق الآسيوية. ومن بين هذه الناقلات، كانت ناقلة النفط الخام "كورديليا مون" (IMO 9297888) التي ترفع علم بنما، والتي وصفها الحوثيون خطأً بأنها "بريطانية" عندما هاجموها في تشرين الأول/أكتوبر. وفي الواقع، كانت الناقلة مرتبطة بشركة "Margao Marine Solutions OPC"، ومقرها الهند، والمعروفة بتعاملها مع السفن المشاركة في تجارة النفط الروسي. وكانت "كورديليا مون" تبحر في المنطقة بعد تفريغ شحنة من النفط الخام الروسي في مصفاة جامناجار بالهند. وكشفت أبحاث هذا التقرير أن الناقلة سبق أن أبحرت في المنطقة دون أي مشاكل. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحوثيون قد قرروا مهاجمة السفينة في تشرين الأول/أكتوبر بسبب قلة السفن المتوافقة مع قائمتهم المستهدفة التي لا تزال تبحر في المنطقة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، انخفض عدد الهجمات المؤكدة ضد السفن التجارية إلى ثلاث حوادث فقط، مقارنة بأربعة عشر هجوماً في حزيران/يونيو (راجع متعقب الحوادث البحرية لمعهد واشنطن).
ولا تزال ناقلات النفط المرتبطة بروسيا من بين السفن التي تمر عبر البحر الأحمر. ويُظهر تحليل أجرته شركة "لويدز ليست إنتليجنس" أنه بالإضافة إلى السفن المرتبطة بروسيا، فإن السفن المرتبطة بالصين، واليونان، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، تُعتبر حالياً من بين "أكثر المستخدمين نشاطاً" لهذا الطريق. ولكن لا يعني ذلك أن هذه السفن محصنة تماماً ضد الهجمات، حيث يعتمد الحوثيون غالباً على بيانات شحن قديمة أو غير دقيقة عند تنفيذ هجماتهم.
ردود فعل متباينة على أزمة البحر الأحمر. لا تزال حركة المرور في مضيق باب المندب منخفضة بنسبة تزيد عن 50 في المائة على أساس سنوي. وقد خلقت أزمة البحر الأحمر تحديات للموانئ الإقليمية وللممرات الملاحية الرئيسية مثل قناة السويس، حيث انخفض عدد العبور من حوالي 2,068 في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى حوالي 877 في تشرين الأول/أكتوبر 2024، وفقاً لبيانات شركة "لويدز ليست إنتليجنس".
لكن الأزمة جلبت أيضاً فوائد مالية لبعض الجهات، حيث حققت بعض الشركات أرباحاً جزئية بسبب ارتفاع تكاليف الشحن أثناء إعادة توجيه السفن حول جنوب إفريقيا. وفي المقابل، رأى آخرون فرصاً مالية في البحر الأحمر وأطلقوا خدمات شحن جديدة رغم المخاطر العالية، مثل شركة "SeaLead" التي يقع مقرها في سنغافورة (راجع هذا المنشور " للأضواء الكاشفة للبحرية").
وتواصل شركات شحن الحاويات العملاقة مثل شركة (Maersk) "A.P. Moller-Maersk" الدنماركية تجنب خليج عدن وجنوب البحر الأحمر، وتتخذ طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من ذلك. وقد أدى هذا المسار لمسافات طويلة إلى زيادة استهلاك وقود السفن وارتفاع التكاليف التشغيلية بشكل عام، مما أدى بدوره إلى زيادة أسعار الشحن وأرباح (الشركات).
وفي المقابل، حافظت بعض شركات الشحن الرائدة على بعض العبور عبر جنوب البحر الأحمر. ومن أبرز هذه الشركات شركة الخطوط الملاحية الفرنسية "CMA CGM"، التي استمرت في تشغيل خدمات الشحن بين آسيا والبحر المتوسط عبر المنطقة. وبشكل عام، تحتاج السفن التي تعبر مضيق باب المندب إلى مرافقة من السفن الحربية، على الرغم من أن ذلك لا يحدث في كل مرة.
بالإضافة إلى ذلك، أجبرت أزمة البحر الأحمر بعض المنتجين على التحوّل إلى بلدان جديدة، مما أفاد بعض الدول. على سبيل المثال، تُظهر الأبحاث الخاصة بهذا التقرير أنه مع زيادة المسافة اللازمة لنقل البضائع بين أوروبا وآسيا، قرر بعض المنتجين في أوروبا الانتقال إلى "جبل علي" في دبي، مما أدى إلى تقصير الرحلة من خلال تجنب الإبحار حول جنوب إفريقيا.
ما الذي ينتظرنا في عام 2025؟
على الرغم من أن قوات "القيادة المركزية الأمريكية" كثفت ضرباتها الجوية ضد منصات إطلاق الأسلحة ومرافق التخزين التابعة للحوثيين داخل اليمن في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن التأثير على القدرات العسكرية للحوثيين لا يزال محدوداً. ومنذ كانون الثاني/يناير 2024، استهدفت قوات التحالف الغربي مواقع الحوثيين في اليمن سبع مرات على الأقل، كان آخرها في 9 و 10 تشرين الثاني/نوفمبر، باستخدام طائرات الشبح عالية القدرة من طراز "F-35C" المحمولة على حاملات الطائرات للمرة الأولى. وبينما ركزت معظم تلك الضربات على استهداف أسلحة الحوثيين في مراحل مختلفة من الإعداد للإطلاق وعلى الرادارات الساحلية الداعمة لها، فقد استهدفت الضربات أحياناً أيضاً مستودعات الأسلحة الكبرى، ومخابئ التخزين، وخطوط التجميع. وفي كانون الثاني/يناير 2024، أعادت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية عالمية مصنفة بشكل خاص، ولكن ليس من المستغرب أن ذلك لم يغيّر سلوكهم البحري.
وما إذا كانت الإدارة الأمريكية القادمة ستجري أي تغييرات ملحوظة في نهجها تجاه سلوك الحوثيين سيعتمد بشكل كبير على موقفها من الأمن البحري وحرية الملاحة. إن تأمين جنوب البحر الأحمر يجب أن يشمل حلفاء وشركاء إقليميين لتقاسم تكاليف هذه العملية. وسيتطلب ذلك تحالفات إقليمية قوية مع تفويضات عملياتية واضحة لاعتراض خطوط إمداد الحوثيين بشكل أكثر فعالية.
بالإضافة إلى ذلك، سيعتمد مستقبل أمن ممرات الشحن في عام 2025 إلى حد كبير على مستوى التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وكذلك على الحرب في غزة. وخلال فترة ولاية ترامب الأولى، وفي ظل العقوبات الأمريكية الصارمة على قطاع النفط الإيراني، تم إلقاء اللوم على إيران في العديد من الهجمات البحرية في منطقة الخليج العربي (راجع متعقب الحوادث البحرية لمعهد واشنطن). وإذا اتخذت إدارة ترامب القادمة أيضاً موقفاً متشدداً ضد إيران، فيمكن توقع ردود فعل في المجال البحري على غرار ما حدث بين عامي 2018 و 2020، ولكن مع مشاركة أكبر للحوثيين على الأرجح هذه المرة.
وقد تؤدي سياسات إدارة ترامب إلى خفض صادرات النفط الإيرانية بمقدار يتراوح بين 500 و 600 ألف برميل يومياً بحلول منتصف عام 2025، مما سيقلل الصادرات الإيرانية إلى حوالي مليون برميل يومياً من نحو 1.6 مليون، وفقاً لبيانات تم مشاركتها خلال فعالية نظمتها مؤخراً شركة "Kpler" للاستخبارات السوقية. وفي مثل هذا السيناريو، قد تقوم إيران، وحتى الحوثيين بالرد على السفن، بما في ذلك في مناطق لا تعتبر تقليدية لعملياتهم. على سبيل المثال، قد يكثف الطرفان هجماتهم التعاونية بالطائرات المسيرة ضد السفن التجارية، مثل تلك التي لها روابط مع الولايات المتحدة وإسرائيل في بحر العرب. كما يمكن توقع حوادث بحرية في وسط المحيط الهندي باستخدام أسلحة بعيدة المدى وسفن رئيسية كمراكز لانطلاق عمليات التعدين في قاع البحار، أو الطائرات المسيرة الجوية، أو الصواريخ العابرة (صواريخ كروز)، أو المركبات السطحية غير المأهولة، أو المركبات تحت الماء غير المأهولة.
إذا كان الشركاء الرئيسيون للولايات المتحدة في الخليج العربي يسعون إلى المساهمة في تحقيق استقرار دائم مع تركيزهم على التنمية الاقتصادية، وإذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ترغب في تعزيز السلام في المنطقة بصورة فعالة، فيجب على واشنطن أن تدفع نحو التعاون الوثيق مع الدول الإقليمية مثل السعودية بشأن الأمن البحري والسياسات تجاه إيران. وسيتطلب ذلك ضغوطاً دبلوماسية، خاصة مع استمرار تحسن العلاقات السعودية - الإيرانية على ما يبدو منذ الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين البلدين في عام 2023. وفي الوقت نفسه، إذا كانت إدارة ترامب تخطط للتركيز على سياسة الضغط الأقصى على إيران، فيجب أن تكون مستعدة للعواقب المحتملة وأن تحافظ على وجودها الإقليمي أو حتى توسّعه.
نعوم ريدان وفرزين نديمي هما زميلان بارزان في معهد واشنطن ومشاركان في إنشاء سلسلة "الأضواء الكاشفة للبحرية" التابعة للمعهد.