هجمات صواريخ المقاومة على "جهاز المخابرات الوطني العراقي"
في 31 تشرين الأول/أكتوبر، أُطلِقت أربعة صواريخ غرب بغداد، سقطت جميعها بالقرب من مبنى "جهاز المخابرات الوطني العراقي" الذي يترأسه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. ومن المحتمل أن تكون «عصائب أهل الحق» هي من نفّذ ذلك الهجوم حيث كانت الخاسر الأساسي في الانتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر، والتي أسفرت عن انخفاض عدد مقاعدها من 15 إلى 4 فقط.
في الساعة الخامسة فجراً من يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر، أُطلقت أربعة صواريخ من عيار 107 ملم باتجاه حي المنصور في الكرخ (غرب بغداد، بعيداً عن السفارة الأمريكية والموقع الأمريكي في مطار بغداد). وانطلقت الصواريخ الأربعة جميعها، وهو أمر نادر الحدوث بالنسبة للهجمات الصاروخية. وسقطت بالقرب من مبنى "جهاز المخابرات الوطني العراقي" في منطقة المنصور، وتُمثل الهجوم الصاروخي الثاني على هذه المنشآت في غضون ثلاثة أشهر. وأصابت ثلاثة من الصواريخ الأربعة مجموعة من المنشآت المدنية، بما فيها مستشفى "الهلال الأحمر"، ومحطة لمعالجة المياه، ومصرف مهجور. ولم تقع إصابات. وأُطلق الهجوم من منطقة الشعلة شمال بغداد، وهي المنطقة التي تُعتبر فيها ميليشيا "عصائب أهل الحق" "المسيطرة على الأرض".
وتم تنفيذ الهجوم السابق في 29 تموز/يوليو 2021، حين أُطلق صاروخان على الأقل على الموقع نفسه، ولكن ربما أكثر (إذا لم تنطلق جميعها). وفي ذلك الوقت، كان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي (رئيس "جهاز المخابرات الوطني العراقي" آنذاك والآن) قد أنهى لتوِّه جولة الحوار الاستراتيجي في واشنطن، في ظل إشارة الميليشيات إلى خيبة أملها من عدم التوصل إلى اتفاق بشأن انسحاب جميع القوات الأمريكية والدولية.
ومن المثير للاهتمام أن قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني إسماعيل قاآني زار العراق أيضاً في 29 تموز/يوليو لتشجيع الميليشيات على تقييد عملياتها المناهضة للولايات المتحدة والقبول بتبديل المهمة ظاهرياً إلى عملية "غير قتالية". وكان مصدر الصواريخ قريباً من "شارع فلسطين"، على الجانب الشرقي من نهر دجلة في منطقة تسيطر عليها عادةً "كتائب حزب الله". ولم تنشر شبكة "صابرين نيوز" وفريق "كوثريون" والمنافذ الإعلامية الأصغر الكثير عن هجوم 29 تموز/يوليو.
ونقلت التقارير أن الهجوم الصاروخي في 31 تشرين الأول/أكتوبر تزامن مع زيارة الكاظمي إلى "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، وهو ما لم يكن كذلك، لكنه مع هذا يشكل مثلاً جديداً عن إرهاب المقاومة ضد مؤسسة وطنية عراقية، وهي في هذه الحالة أحد أهم المساهمين في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وترى المقاومة أن "جهاز المخابرات الوطني" هو بمثابة دائرة الدعم الأساسية للكاظمي، وفي هذه الحالة، ربما تحاول ممارسة الضغط من أجل استئناف نتائج الانتخابات، والتي تشكل (من وجهة نظر المقاومة) نتيجة مؤامرة تشمل الكاظمي و"جهاز المخابرات الوطني العراقي" وقوى خارجية. وتزامنَ الهجوم أيضاً مع إجراء المزيد من التغييرات في القيادة ضمن "جهاز الأمن الوطني"، وهو منظمة مخابرات عراقية كبيرة يتم إعادة تنظيم موظفيها شيئاً فشيئاً على المستويات العليا عبر قوميين عراقيين تم اختيارهم من أجهزة أخرى، بما فيها "جهاز المخابرات الوطني العراقي".
وصعّدت جماعات المقاومة اعتداءها على "جهاز المخابرات الوطني العراقي" في عام 2021. فاغتيل أحد ضباطه (محمود ليث محمد) في المنصور في 21 آذار/مارس 2021، وتلا ذلك إطلاق النار على أحد كبار ضباطه (نبراس فرمان) في منطقة البلديات شرق بغداد في 7 حزيران/يونيو. وجاءت عملية الاغتيال الأولى بعد وقت قصير من قيام الكاظمي بنقل 300 ضابط معيّنين من قبل المقاومة من مقرّ "جهاز المخابرات الوطني" إلى مواقع بعيدة، وكان معظمهم من المعيّنين من قبل «عصائب أهل الحق» («العصائب») الذين استلموا مناصبهم في ظل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وفي 15 آذار/مارس 2021، هددت مجموعة الواجهة التي تسيطر عليها «عصائب أهل الحق» بـ "إذلال وهزيمة" الكاظمي لإبعاده عناصر الميليشيات "حسب ذوق الأمريكيين والإنكليز بأموال سعودية وإماراتية".
وحسب تقديرنا، فإن الهجوم الصاروخي الذي وقع في 31 تشرين الأول/أكتوبر على "جهاز المخابرات الوطني العراقي" تم تنفيذه من قبل «عصائب أهل الحق». وكانت الشبكة الإعلامية الوحيدة التابعة للمقاومة التي أبلغت عن الهجوم هي شبكة "صابرين نيوز" المرتبطة بـ «عصائب أهل الحق»، ولم تُضخّم أي قنوات إعلامية غير تابعة لـ «عصائب أهل الحق» الهجوم، مما يشكل غالباً وسيلة للنأي بالنفس عن هجوم تم شنّه خارج إطار "الهيئة التنسيقية". إن موقع إطلاق الهجوم في الشعلة هو منطقة تسيطر عليها «عصائب أهل الحق»، حيث عادةً ما تحتاج الهجمات التي تشنها جماعات أخرى إلى الموافقة المسبقة للمسؤول الأمني عن المنطقة في «عصائب أهل الحق». كما أن «العصائب» هي أيضاً الخاسر الأساسي في الانتخابات (حيث انخفض عدد مقاعدها من 15 إلى 4 فقط).
إذا كانت «عصائب أهل الحق» هي أيضاً من ارتكب هجوم 29 تموز/يوليو على "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، سيتلاءم ذلك مع النمط الأوسع للهجمات الصاروخية المتزايدة التي شنتها «العصائب» والتي تزامنت مع زيارات قاآني إلى العراق لمحاولة تقييد هجمات المقاومة (أي في 17 تشرين الثاني/نوفمبر و 20 كانون الأول/ديسمبر 2020). وكما أشارت سلسلة مقالات "الأضواء الكاشفة للمليشيات"، كانت «عصائب أهل الحق» تتحدى قاآني بشكل متكرر. كما تم ربط «العصائب» بمجموعة متنوعة من الهجمات الصاروخية "التي تفردت بها" وغير المتطورة جداً على أهداف في غرب بغداد، والسفارة الأمريكية، وشمال بغداد / جنوب صلاح الدين (التاجي، بلد). وإذا كانت «كتائب حزب الله» هي بالأحرى مَن نفّذ ضربة 29 تموز/يوليو على "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، فسيكون ذلك بحد ذاته مثيراً للاهتمام، ويتناسب مع أدلة أخرى على وجود درجة من التمرد داخل «كتائب حزب الله» تجاه قاآني.