- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هجوم إرهابي في إيران يثير قلق السعودية وأسواق النفط
لم تتناول التقارير التي تمّ إعدادها حول هجوم يوم السبت على العرض العسكري في مدينة الأهواز الإيرانية، منظوراً هاماً جداً، وهو النفط. فالأهواز هي عاصمة "إقليم خوزستان" الذي يضم حقول النفط الإيرانية الرئيسية. لذلك، يمكن لطهران أن تنظر إلى الهجوم الذي أسفر عن مقتل 29 شخصاً، من بينهم بعض الأطفال ومواطنون متفرجون آخرون، على أنه هجوم على بنيتها التحتية النفطية. وبالتالي قد تعتبر المنشآت النفطية للبلدان الأخرى هدفاً مشروعاً للانتقام. وقد أقسم «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني على الانتقام من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والولايات المتحدة. وفي الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر اتهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الرياض وأبوظبي بتمويل "الجناة" وهدد بفرض "عقوبات قاسية".
وتشكّل كل من السعودية والإمارات منافساً إقليمياً لإيران. وتدعم طهران وكلاءً في اليمن والعراق وسوريا والبحرين. كما أن جميع المنافسين الثلاثة هم منتجون ومصدرون رئيسيون للنفط - على الرغم من أن سياسة الولايات المتحدة ترمي إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، إن أمكن، وذلك ابتداءً من تشرين الثاني/نوفمبر. وتمثّل صادرات هذه البلدان الثلاثة مجتمعة أغلبية النفط المصدر من الخليج العربي عبر مضيق هرمز الاستراتيجي.
في العام الماضي، وفي مقابلة تلفزيونية، تحدّث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة، بصورة مبهمة عن المنافسة مع إيران: "سنعمل لكي تكون المعركة على جانبهم، داخل إيران، وليس في السعودية". لكن، كما كتبتُ (ربما مع قدر من البصيرة) في شهر آذار/مارس لصحيفة "ذي هيل": "إذا حاولت المملكة العربية السعودية زعزعة استقرار إيران من خلال تعزيز التمرد، كما قال الأمير محمد بن سلمان في لقاء خاص مع بعض المحاورين، سرعان ما سينكشف ضعفها".
ويوم الاثنين، قفز سعر النفط إلى أكثر من 2 بالمائة ليتخطى 80 دولاراً للبرميل في خام برنت، وهو أعلى مستوى منذ أربع سنوات. ويعزى ذلك إلى عدم رغبة السعودية في إقناع منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بأن تتفق على زيادة الإنتاج في قمة النفط التي عقدت في نهاية الأسبوع المنصرم في الجزائر. وادعى وزير الطاقة السعودي خالد الفالح يوم السبت بشكل مراوغ أن "أوبك" تتمحور حول الإنتاج وليس السعر، بقوله: "هناك الكثير من الإمدادات لتلبية حاجة أي عميل". ووفقاً للتفسير الاقتصادي الضيق، تدور هذه الحجة حول الاستدامة - ولكن إذا كان هناك اضطراب سياسي كبير في الخليج، فهذا أمر مختلف للغاية. فالتعامل مع انخفاض الإنتاج في فنزويلا والمكسيك وإيران يختلف تماماً عن تعطيل إيران لأنشطة الإنتاج السعودي، إذ سيكون ذلك كارثياً، وستصعب مواجهته لا سيما إذا كانت بصمات طهران غير واضحة.
وحتى الآن هناك التباس حول الجهة المسؤولة بالفعل عن هجوم الأهواز. فقد نفّذ الهجوم أربعة أشخاص. ووفقاً للتقارير، قُتل اثنان، وربما تم القبض على اثنين آخرين. وفي هذا الإطار، أعلن الانفصاليون المحليون في خوزستان - وهي مقاطعة سكانها من أصل عربي وليس فارسي - مسؤوليتهم عمّا حدث ومن ثم أنكروها. كما أصدر تنظيم "الدولة الإسلامية" شريط فيديو يؤكد فيه الدور الذي اضطلع به، وفي هذه الحالة قد تبرز توترات دينية بين الشيعة السنة. ففي هذه المرحلة، ربما يكون من الأسلم أن لا نحكم على أي من الادعاءات، ولا حتى حالات الانكار، على أنها صحيحة أو خاطئة. وبالنظر إلى تعليقات المرشد الأعلى الإيراني، قد يكون ذلك غير ذي صلة.
وتعيد لي حادثة الأهواز الكثير من الذكريات. ففي كانون الأول/ديسمبر 1978، أي قبل أسابيع قليلة من الثورة التي أطاحت بشاه إيران، توجهت إلى هناك بالنيابة عن صحيفة "فاينانشيال تايمز" وأجريت مقابلة مع المسؤول التنفيذي الأمريكي في مجال النفط الذي كان يدير اتحاد الشركات الغربي الذي مقره هناك وينتج النفط الإيراني. لم أكشف عن اسمه في المقال الذي نشرته في 20 كانون الأول/ ديسمبر، لأنه قبل بضعة أيام من ذلك التاريخ، ترك شخص ما تحذيراً على مكتبه، جاء فيه: "تذكّر أن تغادر البلاد قبل حلول العام الجديد". لكنني نقلت عنه الكلام التالي: "جحيم، لقد عملت في هذا المجال لفترة طويلة جداً. ما عادت هذه الأمور تخيفني." وفي 27 كانون الأول/ديسمبر، كتبتُ مقالاً آخر جاء فيه أن بول غريم، الرجل الذي أجريت معه المقابلة، "تعرض لكمين في السيارة وهو في طريقه إلى العمل على يد ثلاثة مسلحين كانوا يستخدمون أسلحة آلية".
وفي كانون الثاني/ يناير 1979، غادر الشاه إيران، وفي الشهر التالي، عاد آية الله الخميني من المنفى في فرنسا إلى الوطن.
آمل أن يكون ما حدث في الأهواز قبل بضعة أيام مجرد حادثة عابرة، تضيع ذكرياتها مع الأخبار الجديدة التي سترد خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة. إلّا أن [أكثر] ما أخشاه هو أن الأمور قد تكون خارجة عن السيطرة. ومن المقرر أن يرأس الرئيس ترامب [اجتماع لـ] مجلس الأمن الدولي في نيويورك يوم الأربعاء، ويقال إنه ينوي التحدث عن إيران. ويوم السبت، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية الهجوم على الأهواز [ووصفه بأنه] عمل إرهابي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي سيقوله الرئيس الأمريكي؟
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
"ذي هيل"