- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حكومة تونس المحلية على خط الجبهة في الحرب على الفساد
بعد مرور سبع سنوات على ثورة الياسمين التي أطاحت بدكتاتورية زين العابدين بن علي الفاسدة، لا يزال الفساد أحد أهم شواغل المواطن التونسي.
بعد أن أعلن رئيس الوزراء التونسي يوسف شاهد "الحرب على الفساد" في أيار/مايو 2017، تطلع الكثير من التونسيين إلى أن يشهدوا أخيرًا نقطة التحول. فقد تم اعتقال العشرات من رجال الأعمال البارزين وزعماء المافيا ومسؤولي الجمارك بتهم تتعلق بالفساد، وهي الخطوة التي رحب بها العامة وأشادوا بها. وأدى ذلك إلى تعزيز الحوار الوطني حول الفساد وأعاد صياغة المسألة بوصفها تهديدًا للاقتصاد الضعيف والأمن القومي للبلاد.
ولكن إعلان العفو مؤخرًا عن المسؤولين الفاسدين الذين عملوا أثناء حكم بن علي الاستبدادي أثار موجة من الغضب العام واحتجاجات أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
وبينما يعاني الاقتصاد للتعافي من حالة عدم اليقين السياسي التي أطلقتها ثورة 2011، يرتبط الفساد والكسب غير المشروع ارتباطًا وثيقًا بتصور التونسيين للتقدم الديمقراطي. ولم يتحسن كثيرًا منذ الثورة ترتيب تونس في مؤشر الفساد الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية".
هذا الأداء الضعيف يعززه استطلاع رأي صدر مؤخرًا عن المعهد الجمهوري الدولي مسلطًا الضوء على مستويات الإحباط المرتفعة التي لا يزال التونسيون يشعرون بها تجاه هذه المسألة. فقد أظهر استطلاع الرأي أن 89 في المائة من التونسيين يرون أن مستوى الفساد في تونس اليوم أكثر ارتفاعًا مقارنة بما قبل الثورة، بينما وصف 87 في المائة اقتصاد البلاد بأنه "سيء إلى حد ما" أو "سيء جدًا". وبالإضافة إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن الفساد المستشري، تشير أبحاث المعهد إلى وجود صلة بين الفساد والتطرف العنيف – حيث يسلب الفساد إحساس الشباب بالكرامة والقدرة على التحكم في مصائرهم ويتركهم عرضة للتجنيد من قبل الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية".
ولا يمكننا الاكتفاء باعتقال المحتالين البارزين والحرص على إتمام المدانين لعقوباتهم، فأي محاولة لمحاربة الفساد ينبغي أن تتضمن إصلاحات مؤسسية موضوعية تعالج الفساد المنهجي الذي يعاني منه القطاعان العام والخاص.
وقبل أن تتخذ هذه الإصلاحات وضعها، ينبغي أولًا فهم كيفية وقوع الفساد ومكانه. ومن أجل فهم تجربة المواطنين اليومية مع الفساد وتحديد أفضل الطرق لدعم رموز مكافحته، أجرى "المعهد الجمهوري الدولي" في تموز/يوليو 2017 تقييمًا لبلدية منوبة لتحديد مواطن الضعف أمام الفساد في عمليات الحكومة البلدية. وقد كشف تقريرنا عن مواطن الضعف أمام الفساد سلسلة من العمليات على مستوى البلدية المعرضة للفساد وساعد في تحديد الأولويات المحتملة لصناع القرار بينما يضعون خطة شاملة لمكافحة الفساد.
وفي منوبة، وجدنا أن الخدمات الإدارية الرئيسية التي قدمتها البلدية – أبرزها تسجيل الوثائق العامة وإصدار تصاريح البناء – كانت عرضة للفساد بشدة. وفي مقابلات مع مختلف الجهات المعنية في المدينة، تكرر ارتباط ذلك بسوء جودة الخدمات العامة المقدمة. وفي مواجهة محدودية الوصول إلى المعلومات والطلبات التعسفية وأوقات الانتظار الطويلة، يجد العديد من المواطنين أنه من الأسهل تجاوز القنوات القانونية والبيروقراطية القائمة وتقديم الرشاوى الصغيرة لتأمين ما يحتاجون إليه.
ومن المرجح أن مواطن الضعف التي تم رصدها في منوبة توجد في العديد من البلديات الأخرى في جميع أنحاء البلاد. فالمدن التونسیة تخضع لسلطة ضریبیة ومصادر دخل محلیة محدودة، مما یخلق حوافز لجمع الإیرادات من خلال المعاملات الشخصیة التي یمکنھا التحول بسهولة إلی فساد، مثل جمع الرسوم الزائدة عن المطلوب مقابل الخدمات. كما أن إطار الحكم المركزي وانعدام الاستقلالية القانونية يشكلان قيودًا على الحكومات البلدية في تطبيق الحلول المبتكرة لهذه التحديات. إلى جانب أن آليات التواصل الضعيفة بين المسؤولين والعامة في المدينة تعزز انعدام الثقة واللامبالاة، مما يضيف إلى حوافز كلا الجانبين للجوء إلى البدائل غير النظامية في تعاملاتهما.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، فإن مدينة منوبة تعد نموذجًا للبلديات الأخرى. فقد لاحظنا في نتائج بحثنا أن مسؤولي البلديات – على الرغم من القيود السياسية والمالية التي يواجهها مسؤولي الانتخابات – يتخذون خطوات لتعزيز الشفافية وتقديم خدمة أفضل للعملاء، مثل نشر الوحدات الإدارية المتنقلة واستضافة جلسات الاستماع للعامة لكسب ثقتهم في حكومتهم المحلية.
ومع الانتخابات المحلية المقرر عقدها في كانون الأول/ديسمبر 2017، ينبغي تعميم هذه الانواع من المبادرات الفعالة من حيث التكلفة في جميع أنحاء تونس كجزء من برنامج متكامل لمكافحة الفساد والحكومة المفتوحة واللامركزية. وتشير الدلائل إلى أن التونسيين سيكونون قادرين على اتخاذ مثل هذه التدابير. فوفقًا لاستطلاع المعهد، يعتقد أكثر من 70 في المائة منهم أن الحكومات المحلية تحتاج إلى معالجة الفساد أولًا من أجل تحسين الاقتصاد.
تستحق الحكومة التونسية التقدير من أجل طرح قضية الفساد، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل في هذا الشأن. أما بالنسبة لزيادة الشفافية في ممارسات الحكومة وتحسين تقديم الخدمات وتعزيز حلقة ردود أفعال المواطنين، خاصة على المستوى المحلي، فسوف تقطع هذه الأهداف شوطًا طويلًا تجاه تعزيز الديمقراطية التونسية والاستقرار والازدهار.