- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2740
حل الوسط الذي بلورته إسرائيل بشأن عمونا قد يعزز حركة الاستيطان
في 18 كانون الأول/ديسمبر، توصّلت الحكومة الإسرائيلية وسكان البؤرة الاستيطانية عمونا غير الشرعية إلى حل وسط بشأن مستقبل المستوطنة. ففي عام 2014، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأنه يتعيّن إخلاء هذه البؤرة الاستيطانية في الضفة الغربية بحلول 25 كانون الأول/ديسمبر 2016. وبعد أشهر من المفاوضات، تجنّب الطرفان إخلاءً قسرياً كان من المحتمل أن يكون عنيفاً من خلال الموافقة على نقل معظم الأسر إلى تلة مجاورة وتلك المتبقية إلى مستوطنة أخرى. ويسلط هذا الحدث الضوء على النفوذ السياسي لحركة المستوطنين، وصعوبة إخلاء المستوطنات، والأهداف المحتملة للحركة في ظل رئاسة دونالد ترامب. كما أنه بمثابة السياق المهم لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي صدر مؤخراً والذي يدين النشاط الاستيطاني الإسرائيلي ، ولأحدث خطاب لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن الصراع [الإسرائيلي] -الفلسطيني. ورغم أن الحكومة والمستوطنين توصّلوا إلى حل وسط في عمونا، إلا أنهم قايضوا أزمة وشيكة بعدد من المشاكل البعيدة الأمد.
السياق
كانت عمونا موقعاً متنازعاً عليه منذ أن أقامها المستوطنون قبل عشرين عاماً تقريباً. وقد تسبّب تدمير جزئي لها في عام 2006 بأسوأ موجة عنف على الإطلاق بين الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، مما أدّى فعلياً إلى وقف أي عمليات إخلاء واسعة النطاق منذ ذلك الحين.
وخلال الأشهر التي سبقت التسوية الراهنة، تفاوض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع مؤيدي المستوطنين وسكان عمونا حول طرق مختلفة لإخلاء البؤرة الاستيطانية وتعويض العوائل. كما أوضح كل من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ونتنياهو أن الحكومة ستحترم سيادة القانون وتطبّق قرار المحكمة العليا، لكن الموقع البديل الذي اقترحاه كان على مقربة من عوفرا، التي هي أيضاً مستوطنة أخرى مثيرة للجدل. وقد أدان المسؤولون الأمريكيون العرض باعتباره مثالاً على مشروع غير مقبول لبناء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، في حين وصفه المدّعي العام الاسرائيلي بأنه قانوني ولكن صعب.
بيد، أصرّ سكان عمونا على انتزاع شروط أفضل. فمع اقتراب موعد الإخلاء، توافد مئات المستوطنين المتعاطفين مع السكان إلى البؤرة الاستيطانية، حيث أن الأكثر تطرفاً بينهم كانوا يعتزمون التصدّي بعنف للقوات الحكومية. وفي الوقت نفسه، سعى وزراء يمينيون في الكنيست إلى تمرير مشروع قانون إشكالي يهدف إلى شرعنة البؤر الاستيطانية المبنية على أرض فلسطينية خاصة؛ وقد تمّ إرجاء التصويت النهائي على هذا الإجراء إلى ما بعد استلام ترامب سدّة الرئاسة.
وقد ساهمت هذه الضغوط في التوصّل إلى اتفاق تقوم بموجبه الدولة بنقل أربع وعشرين أسرة من أصل أربعين من عمونا إلى تلة مجاورة -- في زيادة عن اثنتي عشرة أسرة تضمّنها عرض نتنياهو الأساسي. وسوف يحصل الباقون على مساكن مؤقتة في مستوطنة عوفرا. ووفقاً لحسابات المنظمة الإسرائيلية اليسارية "السلام الآن" سوف تنفق البلاد ما يقرب من260,000 دولار لكل أسرة في عمونا على مساكن جديدة وتعويضات.
وقد أرجأت المحكمة العليا مهلة الإخلاء بخمسة وأربعين يوماً لتأهيل المنشآت الجديدة وحكمت بأن يمتثل الاتفاق مع قرارها السابق. لكن الخطة لا تزال عرضةً لتحديات قانونية من قبل أصحاب الأراضي الفلسطينيين الذين يدّعون ملكيتهم للأراضي المختارة. وبالتالي، قد تستمر هذه القصة الطويلة لبعض الوقت، لتصبح اختباراً لقدرة المحكمة على إجبار إخلاء عمونا خلال رئاسة ترامب.
الحركة الاستيطانية صامدة لا تتزعزع
ربما سلّطت النتيجة الضوء على قوة الحركة الاستيطانية وحلفائها أكثر من أي شيء آخر. وغالباً ما يتنافس رجال السياسة من حزب "الليكود" وحزب "البيت اليهودي"، وغيرهما من الفصائل داخل الائتلاف الحاكم المحافظ الذي يرأسه نتنياهو، من أجل الحصول على دعم المستوطنين. وخلال أزمة عمونا، رسمت مطالب المتشددين معالم المفاوضات إذ تجنّب الوزراء انتقاد السكان خوفاً من خسارة دعم مؤيدي الاستيطان. ويُثبت الدعم السياسي الواسع لمشروع قانون شرعنة البؤرة الاستيطانية نفوذ المستوطنين.
بالإضافة إلى ذلك، زاد خطر اندلاع أعمال عنف بين اليهود من قدرة سكان عمونا على المساومة. ومن شأن أي اشتباكات مباشرة بين نشطاء المستوطنين والشرطة أن تُغضب الرأي العام الإسرائيلي، وربما تؤدي إلى انقلاب جمهور الأنصار المؤيدين للمستوطنين ضد نتنياهو. ولن يجازف أي من الوزراء بأن يبدو وكأن يديْه ملطختان بدماء يهودية، لذلك شكّل خطر العنف المتكرر ووجود المتطرفين في عمونا حافزاً مهماً للحكومة لتجنّب الإخلاء القسري. وعلى الرغم من أن سكان البؤرة الاستيطانية قد فضّلوا على الأرجح البقاء فيها، إلا أن شروط خروجهم لا تزال تمثّل انتصاراً لحركة الاستيطان.
الحفاظ على الائتلاف
بينما توصّل نتنياهو إلى توافق في الآراء بشأن عمونا، بدا أن سياسة الائتلاف تفوق جميع الاعتبارات الأخرى، بما فيها سابقة قانونية وموافقة دولية. فقد قام بتسهيل اتفاق انتقال مثير للجدل وعملية تمرير مشروع قانون لشرعنة البؤرة الاستيطانية من المرجح أنه غير دستوري، وكلاهما ناقضا روح قرار المحكمة العليا من عام 2014 وأثارا ردود فعل سلبية من الخارج. وقد انضمّت إدارة أوباما إلى العديد من الدول الأوروبية والعربية، وبلدان أخرى في الاعتراض على الإجراءات التي اتخذها نتنياهو باعتبارها حاجزاً يحول دون التوصّل إلى اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين. وربما يكون هذا الشعور قد عزّز الزخم الكامن وراء قرار مجلس الأمن رقم 2334 وخطاب كيري في 28 كانون الأول/ديسمبر. وقد أشارت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور صراحة إلى قانون تنظيم المستوطنات ["قانون عمونا"] الذي بلورته إسرائيل أثناء دفاعها عن قرار واشنطن بعدم نقض القرار، وقد فعل كيري الشئ نفسه في الدفاع عن التحرك الأمريكي للحفاظ على حل الدولتين.
لكن لو تعامل نتنياهو مع الأزمة بشكل مختلف، لكان ائتلافه قد تزعزع، مع احتمال خروج الوزراء المحافظين من حزبي "الليكود" و "البيت اليهودي" من الحكومة إذا كانوا قد اعتقدوا أن رئيس الوزراء يفرض شروطاً غير مواتية على عمونا. وخوفاً من هذه النتيجة، فضّل التماسك السياسي من خلال دعم منح شروط أكثر سخاء.
هل تكون رئاسة ترامب داعمة للحركة الاستيطانية؟
يتوقّع معظم زعماء المستوطنين أن تؤدي رئاسة ترامب إلى زيادة قوتهم. وبالفعل، فإن وجود إدارة أمريكية تفضل التوسع الاستيطاني بدلاً من معارضته سيجعل من الصعب على نتنياهو مواصلة الحدّ من نمو المستوطنات والتصدّي لأي أنواع أخرى من مشاريع قوانين الشرعنة.
إن خطاب ترامب بشأن إسرائيل - إلى جانب ترشيحه ديفيد فريدمان كسفير الولايات المتحدة المقبل في إسرائيل وهو الشخص المعروف بتأييده للاستيطان - قد أثار الحماسة في نفوس أولئك الإسرائيليين الذين يريدون من واشنطن التخلي عن معارضتها لأنشطة بناء المستوطنات التي دامت خمسة عقود - تلك المعارضة التي تبناها كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وعلى الرغم من أن فريدمان لا يُقرر سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، إلا انه لا يزال بإمكانه التأثير على تفكير ترامب بشأن هذه المسألة، وربما ينفخ الرياح في أشرعة الحركة الاستيطانية الذين يتطلعون إلى توسيع البناء على جانبي الحاجز الأمني في الضفة الغربية.
إن هذا الأمر قد يضع نتنياهو في وضع صعب. فقد اقتصر تزايد عدد المستوطنات المتواضع في عهده عموماً على مناطق داخل المستوطنات الكبيرة القائمة أو بالقرب منها. وفي حين أن مثل هذا النوع من البناء لا يساهم كثيراً في رسم الحدود مع دولة فلسطينية مستقبلية، إلا أنه يطرح تعقيدات أقل بكثير من بناء مستوطنات على غرار عمونا في مناطق معزولة بالقرب من القرى الفلسطينية. وحتى الآن، ساهم شبح المعارضة الأمريكية وأهمية الحماية التي توفرها الولايات المتحدة ودعمها الدبلوماسي في تمكين نتنياهو من السيطرة على مؤيدي تمديد رقعة البناء، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الروادع ستبقى كافية. وبغض النظر عن الموقف النهائي للإدارة الأمريكية القادمة، قد تؤدي تصورات المستوطنين الحالية عن آراء ترامب إلى إزالة أفضل الأعذار التي يقدّمها نتنياهو للحدّ من أعمال البناء.
وإذا توسّعت أنشطة البناء فعلاً، فقد تؤدي إلى تنفير النواب الأمريكيين الديمقراطيين وأعداداً كبيرة من المجتمع اليهودي الأمريكي، وإثارة حفيظة الدول الأوروبية والعربية، وتعزيز الحركة الدولية لنزع الشرعية والمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المعروفة بـ «BDS». كما أن تصورات المستوطنين عن [آراء] ترامب قد تؤدي أيضاً إلى إطالة أمد أزمة عمونا من خلال تشجيع السكان على إسقاط الاتفاق الأخير ورفض الإخلاء.
ردع عمليات الإخلاء المستقبلية
على الرغم من أن الوجود الكبير للمستوطنين يهدّد قابلية إقامة دولة فلسطينية مستقبلية والمستقبل الديمقراطي اليهودي في إسرائيل على حدّ سواء، تبيّن مسألة عمونا صعوبة إجراء أي عمليات إخلاء مستقبلية. فبالنسبة لحكومة يمينية دون أي آفاق سلام وشيكة، من شأن ضغوط النقل أن تعيق إلى حدّ كبير أي جهود واسعة النطاق ترمي إلى نقل المستوطنين إلى داخل الجدار الأمني، ناهيك عن خارج الضفة الغربية بأكملها. لقد كان على الحكومة تحمّل مشاكل سياسية، والتهديد بالعنف، وتكاليف مالية عالية لنقل أربعين عائلة فقط بضع مئات من الأمتار. ومن هذا المنطلق، لا تزال الموافقة على مغادرة عمونا تمثّل انتصاراً للحركة الاستيطانية، التي تُعلّق أهمية قصوى على ردع عمليات الإخلاء. وسيبقى السياسيون المحافظون يجدون أنه من الأسهل السماح بالبناء واستيعاب المستوطنين بدلاً من تحمّل المخاطر المصاحبة لإخلائهم.
أما السياسيون اليساريون والمعتدلون الأقل التزاماً بدعم المستوطنين فقد يكونوا أفضل حظاً. فإذا تولّوا السلطة، فقد يكون بإمكانهم إعطاء الأوامر للجيش بمنع طرق الوصول إلى المواقع في بداية عملية الإخلاء بغية الحدّ من عدد المحتجين الذين تتطلب إزالتهم. بيد، تُظهر أزمة عمونا أن المستوطنين يملكون الميزة الضرورية للمعارضة، حتى لو تم إحياء احتمال إقامة دولتيْن في المستقبل.
الخاتمة
لقد تردّد صدى قصة عمونا بالفعل على المستوى الدولي، وربما تتضمن الرواية بعض الفصول الإضافية. فالحكومة تنشط في بناء مساكن جديدة للمواطنين، لكنهم قد لا يغادرون في النهاية إذا اعتقدوا أن الرئيس ترامب سيعزّز موقفهم. أما إدارة أوباما، الغاضبة من الاتفاق ومشروع قانون شرعنة البؤر الاستيطانية ذو الصلة، فلا يزال أمامها الوقت لممارسة المزيد من الضغط على القيادة الإسرائيلية إذا رغبت في ذلك، ربما من خلال تكريس المبادئ التوجيهية التي تضمنها خطاب كيري في قرار آخر يصدر عن مجلس الأمن. وحتى إذا لا تؤدي أزمة عمونا إلى حدوث مأساة إضافية على المدى القصير، إلا أن المشاكل الأطول أمداً ستظل قائمة، وخاصة إذا ما استمرت الحركة الاستيطانية في دفع إسرائيل إلى اتخاذ قرارات تهدّد علاقاتها الدولية، وقدرتها على صنع السلام، ومستقبلها الديمقراطي اليهودي.
ميتشل هوخبرغ هو باحث في معهد واشنطن وحاصل على درجة الماجستير من برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون.