- تحليل السياسات
- مقابلات وعروض تقديمية
هل أعطى ترامب أردوغان الضوء الأخضر لقتل مسلحي «حزب العمال الكردستاني» داخل العراق؟
"زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واشنطن مؤخراً للقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب. وعلى الرغم من التوترات الناشئة عن قرار إدارة ترامب بتسليح ميليشيا «وحدات حماية الشعب» في سوريا التي يعتبرها أردوغان منظمةً إرهابية، سار الاجتماع دون أي عوائق عموماً. وفي هذا الإطار، أجرى فريز لودج من "ذي سايفر بريف" مقابلةً مع الخبير في شؤون تركيا سونر چاغاپتاي حول كيفية قراءة نتيجة هذا الاجتماع الأول بين الرئيسين".
"ذي سايفر بريف": ما كان رد فعلك إزاء الاجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته إلى واشنطن مؤخراً؟
سونر چاغاپتاي: لم أكن أتوقع أن يتمخض عن الاجتماع أية أخبار مثيرة للاهتمام لأن أردوغان نال أساساً أكثر من نصف الإنجازات التي كان يريد تحقيقها من هذا الاجتماع، وكان مسروراً جداً بهذه الدعوة. ويعود ذلك إلى الاستفتاء التركي على الدستور في نيسان/أبريل الذي كان بمثابة سباق محتدم مليء بالمخالفات فاز به بفارق ضئيل جداً. وعلى الأرجح لن نعلم أبداً ما إذا كانت المخالفات كبيرة لدرجة كفيلة بتغيير نتيجة التصويت، إذ فاز أردوغان بنسبة 1.5 في المائة فقط من الأصوات. لكن خلال الخطاب الذي أدلى به ليلة فوزه - وقد بدا لي وكأنه خطاب تنازل أكثر منه خطاب انتصار - قال أمراً مثيراً للاهتمام حقاً. فقد أشار إلى أنه يتمنى أن تعترف الحكومات الأجنبية بنتيجة هذا التصويت باعتبارها حرة وعادلة. وإذا كنتَ مطلعاً على السياسة التركية، سوف ترى أنّ هذا الأمر عجيب وغير عادي. فمنذ عام 1950، تُجرى انتخابات حرة ونزيهة في تركيا، ولم يكن هناك أي قلق على الإطلاق من عدم حرية الانتخابات أو عدالتها. لذلك فبرأيي الخاص، إن ما قاله هو زلة لسان فرويدية، فقد بدا أنه يسعى إلى [الحصول على] تأكيد من القوى الخارجية على أن فوزه كان عادلاً ومنصفاً.
ولم يرحب أردوغان باتصال ترامب به مباشرة بعد الاستفتاء فحسب، بل أن الرئيس الأمريكي دعاه لزيارة واشنطن. وبالتالي، كان الفرح والبهجة يملآنه ولم يكن يريد افتعال مشاكل مع ترامب. وقد ذهب إلى الاجتماع فقط من أجل استيعاب الخبر السيئ بأن الولايات المتحدة ستقوم بتسليح «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية، وهي ضربة خفف ترامب من وطأتها عبر إعلام الوفد التركي بقراره قبل أسبوع من زيارة أردوغان. وهذا ما أنقذه من موقف كان من الممكن أن يكون محرجاً إلى حدّ كبير.
ويشكّل تسليح الولايات المتحدة لـ «وحدات حماية الشعب»، التي تعتبرها تركيا عدواً، مصدر قلقٍ كبير، إلّا أنني أعتقد أنه نظراً إلى الطريقة التي جرى من خلالها إعداد ذلك، لم يؤدِّ هذا الاجتماع إلى أزمة كبيرة، بالطبع باستثناء إقدام حراس أردوغان بالاعتداء بالضرب على المتظاهرين خارج مقر إقامة السفير التركي.
"ذي سايفر بريف": ما هي برأيك النقاط التي ناقشها الرئيسان فيما يخص مسألة «وحدات حماية الشعب» ؟
سونر چاغاپتاي: أولاً، تقديم الولايات المتحدة على الأرجح ضمانات إلى تركيا بأن أي أسلحة ثقيلة تعطى إلى «وحدات حماية الشعب» ستعاد إلى واشنطن، وأن الوحدات ستغادر الرقة فور تحريرها. وأعتقد أنه بالنسبة إلى المسألة الأولى، ستمتثل «وحدات حماية الشعب» للأوامر الأمريكية، وستعيد الأسلحة لأن واشنطن تقوم بضبطها وتعقبها. أما في ما يخص الوعد بمغادرة الرقة، فأنا لا أراهن على ذلك، ولا سيما إذا نظرنا إلى تاريخ الجماعة في منبج، وهي مدينة ذات أغلبية عربية، كانت قد وعدت بإعادتها إلى سكانها العرب، ولكنها لم تفعل ذلك. وكان بقاء «وحدات حماية الشعب» في المدينة السبب الذي دفع بالقوات التركية إلى دخول سوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في تلك البلاد.
وإذا نظرنا إلى الأهداف الأوسع نطاقاً لـ «وحدات حماية الشعب»، هناك ما يدفعني للاعتقاد بأنها لن تنسحب من الرقة، وحتى لو فعلت ذلك، قفد تُدخل إليها عرباً أصدقاء لها كما فعلت في منبج، أو ستقوم بالسيطرة على الرقة وتفاوض على تسليمها إلى النظام السوري والروس مقابل استمرار دعم الروس والسوريين والإيرانيين لاقتصادها المستقل.
ولن يكون هذا الأمر مستحباً لأردوغان لسببيْن. الأول هو أن «وحدات حماية الشعب» ستبقى في الرقة والثاني أنها قد تستقطب عرباً موالين للنظام. وأردوغان يكره الاثنين: أي «وحدات حماية الشعب» والنظام، لذلك قد نرى أزمةً في المستقبل في هذا الصدد.
أما الجزء الآخر من هذه المسألة فهو أن الولايات المتحدة تحاول تقسيم علاقاتها بين «وحدات حماية الشعب» في سوريا و «حزب العمال الكردستاني» في تركيا والعراق. وتلمّح أمريكا للأتراك إلى أنهم إذا تغاضوا عن موضوع سوريا، فهي ستفعل المثل في العراق حيث تريد تركيا محاربة «حزب العمال الكردستاني». غير أن الولايات المتحدة تطلب منهم أيضاً عدم القيام بذلك في الوقت الراهن، والانتظار إلى حين تحرير الرقة والموصل. وبعدها، تشير الولايات المتحدة إلى أنها قد تساعد الأتراك حتى في محاربة «حزب العمال الكردستاني» في سنجار في العراق.
يُذكر أن مقر «حزب العمال الكردستاني» يقع حالياً في كردستان العراق وتحديداً في جبال قنديل على طول الحدود الإيرانية-العراقية، ولكنه موقع بعيد للغاية عن عمليات الحزب في سوريا. فسنجار لا تقع على طول الحدود العراقية-السورية فحسب، بل تمتد فعلياً إلى الداخل السوري، الأمر الذي يمنح الحزب مركزاً ممتازاً للعمليات داخل العراق، ولكن الأهم من ذلك هو أنه يمتد إلى سوريا أيضاً، وكذلك للعمليات في تركيا. ونتيجةً لذلك، ينقل «حزب العمال الكردستاني» العتاد والبنى التحتية إلى سنجار. وعليه، ستبذل تركيا ما بوسعها لمنع هذا الأمر الواقع. وأعتقد أن هذه هي الخطوة الثالثة في هذا الاتفاق، حيث تشير الولايات المتحدة إلى أنها قد تساعد تركيا على إطلاق عملية في سنجار بعد تحرير الرقة والموصل. وفي هذا السياق، ستتلقى تركيا المساعدة في الواقع من «حكومة إقليم كردستان» في العراق ورئيسها مسعود بارزاني الذي لا يرغب بدوره في وجود الحزب في سنجار. وفي الواقع، ترغب حكومة الإقليم في خروج «حزب العمال الكردستاني» حتى أكثر من تركيا. أخيراً، تعد الولايات المتحدة أيضاً بتقديم المساعدة لمواجهة الحزب في أوروبا حيث له شبكات كبيرة لجمع الأموال والابتزاز والاتجار بالمخدرات.
هذا هو نوع الاتفاق الذي توقعْتُه من الاجتماع، ألا وهو تقسيم العراق وسوريا وتقديم المساعدة لتركيا ضد «حزب العمال الكردستاني» في أوروبا.
"ذي سايفر بريف": ماذا عن ضرب المتظاهرين خارج مقر السفارة التركية؟ ما الذي تحمله هذه الحادثة في طياتها برأيك؟
سونر چاغاپتاي: السبب في أهمية هذه الحادثة هو أنها تشير برأيي إلى الاستقطاب العميق والعنيف في تركيا المنتشر في شوارع واشنطن ، وهذا الاستقطاب هو ما أفسّره في كتابي "السلطان الجديد". ففي الوقت الراهن تشهد تركيا استقطاباً حاداً، ويبدو أن هذا الأمر يسير نحو التحوّل إلى نوع عنيف من الاستقطاب. وقد شهدت البلاد عدداً كبيراً من الهجمات الإرهابية مؤخراً، وتقوم الحكومة بقمع الانشقاق والمعارضة بالقوة. ويبدو لي أن ضرب المتظاهرين أصبح أسلوب عمل في تركيا بحيث لم يرَ أردوغان أو حراسه أي خطأ في القيام بذلك في الولايات المتحدة لأن هذه هي الطريقة التي يعملون بها للأسف. كما تُظهر هذه الحادثة السرعة التي يمكن أن يتحوّل فيها الاستقطاب في تركيا إلى حركة عنيفة، إذ يبدو أنه حتى خلال تواجدهم في قلب الديمقراطية الأكبر في العالم، لم يعد حراس أردوغان إلى رشدهم.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب الجديد: "السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة".
"ذي سايفر بريف"