- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل هناك عناصر في السياسة الخارجية لترامب تستحق الإبقاء عليها؟
Also published in "لوس أنجلوس تايمز"
لن تزول الصدمة التي خلّفها اعتداء الحشود الغاضبة في 6 كانون الثاني/يناير على الكونغرس والوصمة التي مُنيت بها صورة الديمقراطية الأمريكية في أي وقت قريب. وعلى الرغم من أن غريزة إجراء تغييرات جذرية هي أمراً مفهوماً وصحيحاً في بعض الأحيان، إلا أن بعض عناصر سياسة ترامب توفر فرصاً جيدة لتعزيز المشاركة العربية-الإسرائيلية، والضغط على إيران، والتقدم في قضايا أخرى.
لن تزول الصدمة التي خلّفها اعتداء الحشود الغاضبة في 6 كانون الثاني/يناير على الكونغرس والوصمة التي مُنيت بها صورة الديمقراطية الأمريكية في أي وقت قريب. وعزّزت تلك اللحظة الدافع لرفض كل أثر لسياسات إدارة ترامب.
ففي مجال السياسة الخارجية، لن يكون ذلك استثناءً صارخاً عن ردّ فعل الرؤساء الجدد على أجندات أسلافهم. فغريزة إجراء تغييرات سريعة وجذرية هي أمر فهوم ويمكن أن تكون في الغالب صحيحة. فعلى سبيل المثال، كان أيزنهاور بحاجة إلى إيجاد طريقة لإنهاء الحرب الكورية. أمّا كندي فقد تعيّن عليه الأخذ في الحسبان الصحوة في الدول النامية التي لم تتلاءم بدقة مع كتلتَي الحرب الباردة. ومن جهته، تعهّد نيكسون بإنهاء حرب فيتنام.
ومع ذلك، تكتشف معظم الإدارات الأمريكية أيضاً أن نظراتها بشأن السياسة الخارجية لأسلافها قد تكون خاطئة. فعلى سبيل المثال، بدأ بيل كلينتون ولايته مصمماً على عكس سياسة جورج بوش الأب بشأن يوغوسلافيا السابقة وفي غضون ستة أشهر لم يكن متأكداً من أنها كانت خاطئة. ومن جهته، ألغى جورج بوش الابن الاتفاق النووي الموقع مع كوريا الشمالية في عهد كلينتون بسبب خداع بيونغ يانغ، ليعود ويتفاوض بشأن اتفاق نووي جديد لم يلتزم به الكوريون الشماليون في النهاية.
وشعر باراك أوباما أنه كان عليه عكس مقاربة بوش بشأن تغيير النظام في الشرق الأوسط، ومع ذلك بحلول فترة "الربيع العربي"، انحاز إلى جانب الحشود التي كانت في الساحات في مطالبتها بالإطاحة بالزعماء في القصور. كما تعهّد أوباما بعكس سياسات مكافحة الإرهاب التي كانت سائدة في عهد بوش، ولكنه قام في النهاية بتوسيع العديد منها مثل الضربات التي استهدفت قادة الإرهاب وعمليات المراقبة الواسعة النطاق.
ومن جانبه، دخل دونالد ترامب المكتب البيضاوي متعهّداً بعكس جميع سياسات حقبة أوباما - أي الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والشراكة عبر المحيط الهادئ، والاتفاق النووي الإيراني. وبشكل أكثر عمومية، رفضت نظرته العالمية القائمة على "أمريكا أولاً" العديد من مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية المنتهجة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت بموجبها تحالفات الولايات المتحدة وقيادتها والتزاماتها تجاه الدول الأخرى أمراً أساسياً.
وحتى إن لم يكن ترامب قد حرّض على الهجوم على الديمقراطية من خلال نظريات المؤامرة حول الانتخابات المسروقة، إلا أنه سيكون هناك الكثير الذي يستلزم الإصلاح. أولاً، على الرئيس بايدن إعادة نزاهة الديمقراطية الأمريكية وتصوّرها. ثانياً، من الضروري إظهار الدعم للتحالفات القائمة منذ فترة طويلة وتعزيز القيم الديمقراطية أثناء التحدث علناً ضد الأنظمة الاستبدادية. ثالثاً، على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتشكيل تحالفات للتعامل مع الأوبئة وتغير المناخ والتحديات التي لا تحترم أي حدود.
وفي حين أن هناك الكثير الذي يجب تغييره، إلّا أنه لا ينبغي عكس بعض مقاربات إدارة ترامب إزاء السياسة الخارجية بشكل كامل. ففي الشرق الأوسط على سبيل المثال، أدّى إقامة علاقات رسمية مؤخراً بين إسرائيل وبعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب إلى قيام وقائع جديدة في المنطقة. فهي تعكس تقارباً استراتيجياً بين العديد من الدول العربية وإسرائيل، ليس فقط فيما يتعلق بالتهديدات بل أيضاً حول مصالحها المشتركة لتعزيز الاقتصاديات ذات التوجه التكنولوجي بشكل أكبر وتلبية احتياجات الأمن المائي والغذائي أيضاً.
ويمكن لإدارة بايدن البناء على هذه الاتفاقات وحتى إبرام المزيد منها. ويمكنها أيضاً أن تلعب دور الوسيط في التواصل العربي مع إسرائيل لتحفيز الخطوات الإسرائيلية التي قد تعود بالفائدة على الفلسطينيين وتؤدي إلى استجاباتهم. فالتطبيع مع الدول العربية لن يؤدي إلى سلام إسرائيلي-فلسطيني على المدى القصير، لكنه قد يكون وسيلة لكسر الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإعادة خلق إمكانية [التوصل إلى حل].
لقد كان الانسحاب الكامل لإدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران خطأ ومنح الجمهورية الإسلامية ذريعةً لتسريع وتيرة برنامجها النووي. ومع ذلك، أسفرت حملة "الضغط الأقصى" التي شنتها الإدارة الأمريكية من دون شك عن نفوذ لا ينبغي تجاهله. وربما يحاول المرشد الأعلى علي خامنئي إرغام إدارة بايدن على إدراج إيران على جدول أعمالها، من خلال تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة وإظهار أن الجمهورية الإسلامية تمثل مشكلة يجب معالجتها، من جملة أمور أخرى. ولكن، كما تشير كلمات خامنئي في الخطاب الذي ألقاه مؤخراً، يقوم الزعيم الإيراني بذلك ليس لأنه يريد من الولايات المتحدة أن تسرع في الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي بل لأنه يريد تخفيف العقوبات - وهو ما لا ينبغي لإيران الحصول عليه مجاناً.
ويتردد حالياً صدى نهج المواجهة التي اعتمدتها إدارة ترامب تجاه الصين لدى أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. فقد أدّت جائحة فيروس "كوفيد-19" إلى تفاقم المخاوف بشأن سيطرة الصين على سلاسل الإمدادات والممارسات التجارية غير العادلة. وحتى أن بايدن قال إنه ليس في عجلة من أمره لرفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة. فقضايا سرقة الملكية الفكرية الشائعة في الصين، وتوسع شبكة مراقبة الدولة خارج حدودها، وانتهاكات حقوق الإنسان في هونغ كونغ وشينجيانغ يجب أن تصبح محط تركيز إدارة بايدن وحلفاء الولايات المتحدة.
وغالباً ما تكون بداية عهد إدارة أمريكية جديدة فترة لعكس المسار، لكن الدوافع الانعكساية في السياسة الخارجية نادراً ما تكون صحيحة. سيتعيّن على بايدن إظهار قدرته على القيادة عالمياً وشفاء الديمقراطية في أمريكا في أعقاب هجوم 6 كانون الثاني/يناير وتأثيرات الوباء. ومع ذلك، خلال تشكيل أجندته الخاصة بالسياسة الخارجية، على بايدن أن يدرس بجدية عناصر مقاربة سلفه التي تستحق الإبقاء عليها.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن ومؤلف مذكرة الانتقال الرئاسية الجديدة الخاصة بالمعهد بعنوان "المحادثات النووية الإيرانية القادمة: الافتتاحيات والعقبات". وقد شغل سابقاً مناصب عليا في الأمن القومي في إدارات ريغان، جورج بوش الأب، وكلينتون، وأوباما. وخوان زاراتي هو رئيس "مركز القوة الاقتصادية والمالية" في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" ونائب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة جورج دبليو بوش. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "لوس أنجلوس تايمز".