- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل حقق حراك الجزائريين أهدافه؟
بعد سبعة أسابيع كاملة من الاحتجاجات التي اندلعت في الجزائر ضد ترشح الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، نجح الجزائريين في إسقاط مشروع الولاية الخامسة، ودفع بوتفليقة للاستقالة دون إكمال ولايته الرابعة. والان وبعد أن هدأت الأوضاع، أصبح هناك ثمة هواجس كبيرة تنتاب الشارع الجزائري بشأن ما تحقق من حراكهم، خاصة بعد تنصيب عبد القادر بن صالح رئيس "مجلس الأمة" والموالي لبوتفليقة كرئيس مؤقت لمدة تسعون يوما وفقا لأحكام الدستور. في ضوء تلك التطورات، أصبح من الواضح إن ما قام به المحتجين لم يكتمل بعد، فحتى يتسنى للمحتجين تحقيق أهدافهم المرجوة، يجب عليهم الدعوة إلى إجراء تعديلات دستورية، ونبذ التحزب، ومواصلة المشاركة السياسية. وفى حين أن تلك الجهود قد تصب في مصلحة الاحتجاجات إلا أنها وحدها لن تحدد مستقبل الجزائر. ومن ثم، يجب أن يلعب الجيش الجزائري دوراً كبيراً في أعقاب تلك الاحتجاجات التاريخية التي شهدتها الجزائر.
فمنذ 22 فبراير الماضي، وكبرى المدن الجزائرية تعيش على وقع مسيرات مليونيه تطالب بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة مجددا للانتخابات التي كانت مقررة في الثامن عشر من نيسان/ أبريل الماضي، والمطالبة بتغيير النظام، ورحيل جميع رموزه، وبعد شد وجذب، وتدخل المؤسسة العسكرية لدعم مطالب الشعب الجزائري تقدم رسميا بوتفليقة باستقالته أمام المجلس الدستوري في الثاني إبريل/نيسان الجاري.
وفى صبيحة التاسع من إبريل /نيسان الماضي، تم إعلان بن صالح رئيسا مؤقتا في جلسة تصويت لأعضاء البرلمان ومجلس الأمة، وذلك وفقا لأحكام المادة 102 من الدستور. وبذلك يكون المشهد قد اكتمل بعد أن تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي رفضها الجزائريون والتي يقودها الوزير الأول نور الدين بدوي، وزير داخلية بوتفليقة السابق، والذي يطلق عليه الجزائريون اسم "عرّاب التزوير". وهكذا، أدرك الشارع الجزائري أن العهد البوتفليقي لم ينته بعد، وإن استسلم الرجل، فأركان نظامه ما تزال قوية وهي التي تتولى إلى الآن ترتيبات ما بعد بوتفليقة، والتحضير للانتخابات الرئاسية القادمة والمقررة عقدها بعد ثلاثة أشهر من الآن.
الآن وفي ظل هذا المشهد يتساءل البعض ما إذا كانت الاحتجاجات قد غيرت الجزائر، وهل سيساعد الحراك الشعبي الجزائريين على تحقيق أهدافهم على المدى الطويل، وما إذا كانت تلك الاحتجاجات ستمهد الطريق لاتخاذ تدابير دستورية لازمة لإصلاح الحكومة. الأكيد أن الإجابة على هذه التساؤلات السابقة هي الأكثر تعقيدا وصعوبة، فالنظام الجزائري بمثابة صندوق اسود محكم الإغلاق، لا تتضح معالم واضحة لكيفية صنع القرار. كما أن تعامل النظام مع الحراك منذ البداية يؤشر على محاولات احتواء والتفاف لأن النظام تفاجأ بقوة الحراك ومشاركة الجزائريين فيه، لذلك اهتدى النظام إلى اتخاذ خطوات استباقية لامتصاص الصدمة مثل إقالة حكومة الوزير الأول أحمد أويحي، وإنهاء مهام كل الوزراء المغضوب عليهم من طرف الشعب، مع إصدار تصريحات بمكافحة الفساد، والقيام ببعض الخطوات التي تعطي الانطباع بأن هناك إرادة حقيقية لمكافحة الفساد مثل اعتقال أحد أبرز رجال الأعمال المقربين من بوتفليقة، إلى جانب إصدار قائمة تضم العشرات من رجال الأعمال لمنعهم من السفر خارج البلاد. ومع ذلك، لا تؤكد كل هذه الخطوات سقوط نظام بوتفليقة، فالأفعى لا تغير نفسها بل تغير جلدها فقط وهذا ما لجأ إليه النظام الجزائري في مواجهته للحراك الشعبي الهائل.
أن اتخاذ أي تدابير دستورية يجب أن تدعمها وتشرف عليها حركة مدنية مخلصة وفعالة، فالنجاح الذي حققه حراك 22 فبراير غير المسبوق، نابع من الشعب ولا يمثل أي طيف سياسي، وهذا سرّ قوته، كما أن مشروعية مطالبه تمنحه القوة. لذلك فان استقالة بوتفليقة تعد الخطوة الأولى نحو الانتقال الديمقراطي الذي ينشده الجزائريون، وذلك لا يتحقق إلا بالاستمرار في الضغط الشعبي من خلال المسيرات السلمية. وبالمقابل، يجب على المتظاهرين تجنب رفع مطالب فئوية أو إيدلوجية، لأن تلك المطالب ستفتح الباب واسعا لحدوث انقسام وتشرذم بين صفوف الحراك.
ورغم أن النظام القائم يبرر الخيارات التي تعامل بها مع الشعب بالاحتكام إلى الدستور وعدم تجاوزه، إلا أن الدستور الحالي يشكل حجرة عثرة أمام مطالب الجزائريين. وأمام هذا العائق برزت دعوات لتجاوز المعضلة باللجوء إلى إعلان دستوري للتعامل مع الوضع الراهن، وذلك من خلال إقالة الرئيس المؤقت، وحلّ مجلس الأمة والبرلمان، وتشكيل هيئة رئاسية تضم شخصين أو ثلاثة أشخاص ممن يمتلكون مصداقية في الشارع الجزائري، ولا يمتلكون طموحا سياسيا في الترشح لمنصب الرئاسة مثل الرئيس الأسبق اليامين زروال ورئيس الحكومة الأسبق احمد بن بيتور إلى جانب وزير الخارجية الجزائري الأسبق احمد طالب الإبراهيمي. وسوف يتولى هؤلاء عملية إدارة المرحلة الانتقالية، والتحضير لانتخابات رئاسية بعد أن يتم تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات ومراقبتها.
ومن ثم، فإن أي تدابير دستورية يجب أن تدعمها وتشرف عليها حركة مدنية مخلصة وفعالة، فنجاح حراك 22 فبراير غير المسبوق في الجزائر نابع في الأساس من طبيعته الشعبية غير الحزبية. تلك الخصائص، إلى جانب مشروعية مطالب المحتجين، كانت السر وراء قوة تلك الاحتجاجات. لكن في حين كانت استقالة بوتفليقة تمثل إنجازًا مثيرًا للإعجاب، حيث فتحت الباب أمام الديمقراطية التي يدعو إليها الجزائريون، إلا أنها كانت بمثابة الخطوة الأولى في طريق طويل. ومن أجل إبقاء الجزائر في طريقها نحو الديمقراطية، سيتعين على المحتجين مواصلة الضغط مع الحفاظ على جبهة موحدة وتجنب الانقسامات بين صفوفهم. والسؤال الرئيسي الآن هو كيف سيتم تمكين الجيش من الإشراف على عملية الانتقال الديمقراطي دون أن تتوغل سلطاته أو يستمر في دوره التقليدي المتمثل في صناعة الملوك، لأنه في هذه الحالة ستكون خطوة استقالة بوتفليقة مجرد انقلاب ناعم على الرئيس بمباركة شعبية.