- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حل مشكلة الخان الأحمر
أظهرت الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت مرة جديدة مرونة ورغبة في التسوية في إطار مقاربتها لحل الأزمات.
حظي إخلاء البدو من الخان الأحمر، الذي أحكمت حكومة نتنياهو قبضتها عليه وأصبح موضوع جدل في الساحة الدولية، باقتراح تسوية تمّ الاتفاق عليه بين البدو والحكومة الإسرائيلية. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت "السلطة الفلسطينية" والاتحاد الأوروبي سيسمحان للعائلات بالانتقال إلى مكان إقامة أكثر ديمومة، وفق شروط الاتفاق، أو يمارسان الضغوط على السكان من أجل البقاء نظرًا إلى أهمية هذا الموقع الاستراتيجية.
وتتمحور التسوية الحالية حول ما يقرب المئات من السكان من قبيلة بدو الجهالين الذين يعيشون في ظروف معيشية غير ملائمة سواء في خيم أو مباني من الصفيح المتجمعة قرب طريق القدس-أريحا في أراضي مستوطنة كفر أدوميم. ووفق البدو، يعود تاريخ وجودهم في المنطقة إلى خمسينيات القرن الماضي حين طردوا من وادي العرب على يد الجيش الإسرائيلي بعد مقتل الجندي بينشاس سيلا من فيلق العلوم.
كونهم رعاة، جال البدو مع قطعانهم بين وادي أريحا والمنطقة الصحراوية. غير أنه خلال العقود القليلة الماضية، وضعت هذه العائلات حدًا لأسلوب حياة الرحالة هذا ونصبت الخيم غرب موقعالسامري الصالح، في المنطقة ج من الضفة الغربية. وتخضع هذه المنطقة للإدارة العسكرية الإسرائيلية بموجب الاتفاق المؤقت المبرم بين إسرائيل و"السلطة الفلسطينية". وسمّي المكان في وقت لاحق الخان الأحمر تيمنًا بموقع أثري يبعد بضعة كيلومترات عن الموقع. وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت تجمع علاقات ودية بين البدو وسكان كفر أدوميم الإسرائيليين، وهي المستوطنةالإسرائيلية المجاورة التي بنيت في سبعينيات القرن الماضي.
وفي تلك السنوات، تناولت المفاوضات بين إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" تعريف "الكتل الاستيطانية" الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاق دائم. في المقابل، يتعين على إسرائيل التعويض على الدولة الفلسطينية بمنحها قطعة أرض في مكان آخر. واقترحت إسرائيل خطًا فاصلًا تكون فيه كتلة المستوطنات التي شملت مدينة معالي أدوميم الإسرائيلية والمستوطنات المحيطة – على غرار كفر أدوميم –في الجانب الإسرائيلي. غير أن "السلطة الفلسطينية" رفضت اعتبار غوش أدوميم جزءًا من تبادل الأراضي، زاعمةً أن تبادلًا مماثلًا من شأنه أن يقسّم شمال الضفة الغربية وجنوبها، ما يحول دون إقامة دولة فلسطينية مترابطة.
خلال هذه الفترة، وبتشجيع من مشروع رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك، سلام فياض، كي يستحوذ الفلسطينيون على المنطقة ج، وفي غياب أي تراخيص من السلطات وانتهاكًا لقانون الإدارة العسكرية، تمّ تشييد عشرات المباني من الصفيح والخيم والمعسكرات والحظائر على أراضي الدولة المخصصة للمستوطنات الإسرائيلية وعلى طول طرق مرور استراتيجية. وتوسّع استيطان البدو وتمّ بناء طرق جديدة. وشملت عمليات البناء الجديدة خيمًا إضافية (رغم أنها لم تكن جميعها مأهولة) ومدرسة بيئية.
وأصدرت الإدارة المدنية أوامر هدم في 2010 للإنشاءات غير القانونية، ولكن لم يتمّ تنفيذ هذه الأوامر بسبب الضغوط السياسية من المنظمات اليسارية الإسرائيلية والأوروبية على السواء. غير أن المجتمعات الإسرائيلية المجاورة قدمت لاحقًا عريضة إلى المحكمة العليا بهذا الشأن. وفي 2018، وبعد سنوات على المداولات، أصدرت أمرًا يسمح للإدارة المدنية بإخلاء البدو من أراضي كفر أدوميم على أن تمنحهم مسكنًا بديلًا مناسبًا.
إلا أن الاقتراحات المقدمة من الإدارة المدنية إلى البدو للانتقال إلى وحدات سكنية، ستشمل بنية تحتية عامة وتعويض، قوبلت بالرفض بناء على أسس مختلفة، غالبًا بسبب الضغوط السياسية التي مارستها "السلطة الفلسطينية" بدعم ومساعدة المنظمات الأوروبية. وقد أصبحت الخان الأحمر رمزًا في الصراع على المنطقة ج. وفي مخالفة للقانون الإسرائيلي وللدعوى القضائية أيضًا، شيّد ممثلو الاتحاد الأوروبي مباني صغيرة للبدو على أراضي الدولة هذه. وتحت وطأة الضغوط الممارسة من عوامل مختلفة في الاتحاد الأوروبي، حظي الموقع حتى بحماية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
إلى ذلك، جمّدت وكالات إنفاذ القانون التابعة للإدارة المدنية عمليات البناء في الموقع ومنعت أي مشاريع تطوير أو تدعيم للمباني المتقلقلة في المنطقة، ما أبقى على الظروف غير الإنسانية التي يعيشها البدو. غير أن مجموعة كبيرة من مستوطني كفار أدوميم هبوا لمساعدة جيرانهم البدو مقدمين لهم المساعدات الإنسانية.
في البداية، عُقدت اجتماعات تمهيدية لفهم احتياجات الجيران. لكن هذه الاجتماعات تحولت إلى شبكة مساعدات وصداقات تُوّجت بتيسير عملية زرع جهاز للسمع في أذن طفل بدوي أصم. ونظرًا إلى الطقس القاسي في المنطقة، ساعد الإسرائيليون جيرانهم حين اشتعلت النيران في أحد المباني وانهارت مباني أخرى في الفيضانات. وتبيّن أنه رغم النزاع الدولي، لا يزال الرابط الإنساني موجودًا، كما يجدر أن يكون.
وخلال الانتخابات، أعلن حزب "يمينا" اليميني برئاسة نفتالي بينيت، أنه ما إن يستلم السلطة سيخلي الخان الأحمر. لكن وزير الخارجية الجديد يائير لابيد طلب من المحكمة العليا في وقت سابق من هذا الشهر إرجاء المهلة النهائية للإخلاء كي تتمكن الحكومة الجديدة من طرح المسألة للنقاش مجددًا. وبعد أيام قليلة، صدرت تقارير بشأن اقتراح تسوية وافقت عليه الأسر البدوية، سينتقل بموجبه البدو إلى وادي العرب ضمن الأراضي الإسرائيلية وعلى مقربة من أفراد آخرين من قبيلة الجهالين في المنطقة. تجدر الملاحظة أن الذين انتقلوا سيحصلون على أرض مخصصة للسكن وعلى تعويضات مالية وعلى صفة مقيم دائم في إسرائيل.
وكما هي الحال مع أزمة بؤرة أفيتار، يبدو أنه ثمة منحى مرحب به يسلكه رئيس الوزراء نفتالي بينيت لحل النزاعات عن طريق التسوية وإبرام الاتفاقات. ولا شك في أن الاتفاق المقترح سيعود بالفائدة على الأسر البدوية. والآن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت "السلطة الفلسطينية" والاتحاد الأوروبي سيسمحان للبدو بتنفيذ الاتفاق وتحسين ظروف معيشتهم أو ما إذا كانت الخان الأحمر ستقع مرة أخرى رهينة الصراعات غير السياسية.