- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل ستغير قطر علاقاتها مع الإخوان المسلمين بعد المصالحة الخليجية؟
يجب على قطر إدارة علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين بشكل مناسب إذا كانت تريد ضمان علاقات خليجية مستدامة.
يعتبر دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين وفروعها المختلفة، واحدا من الأسباب الرئيسية الى أدت الى اندلاع الأزمة بينها وبين كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين. والآن وبعد أن تمكنت هذه الدول الأربعة وقطر أخيرًا من حل هذه الأزمة دبلوماسيًا، فإن الكيفية التي ستتعامل بها الحكومة القطرية مع الإخوان قد تعطينا مؤشرا على ما إذا كان هذا الحل سوف يصمد في المستقبل.
لقد كان إنجاز المصالحة بين السعودية وقطر هو المحصلة الأبرز للقمة الخليجية التي عقدت في مدينة العلا بالسعودية (5 كانون الثاني/يناير 2020)، فيما اعتبر البيان الختامي للقمة الذي وقعه أعضاء مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر بمثابة طي لصفحة الخلاف وإعادة العلاقات التي قطعت منذ عام 2017 بين تلك الدول وقطر. ومع ذلك، لم يتطرق البيان إلى أصل الخلاف أو آليات حله، ولم يذكر ما إذا كانت ثمة تفاهمات قد جرت بين هذه الدول المتناحرة بشأن القضايا التي تسببت في نشوء الأزمة.
وقد كانت هذه المشكلة في صلب المبادئ الستة التي أعلن عنها وزراء خارجية الدول الأربع خلال اجتماعهم في القاهرة في 5 تموز /يوليو 2017 والذين اشترطوا أن تكون أساسا لأية وساطة لحل الخلاف مع قطر. وأبرز هذه المبادئ هو "الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذ الآمن لهما. وإيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف، والالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون الخليجي".
ويذكر أن اتفاق الرياض الذي ورد ذكره في المبادئ الستة، قد تم التصديق عليه في 23 تشرين الثاني /نوفمبر 2013 من قبل العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وأمير الكويت الراحل صباح الأحمد الصباح وأمير قطر الحالي تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني. ويحظر الاتفاق على دول الخليج دعم أو إيواء أعضاء في تنظيمات الممانعة التي تهدد أمن واستقرار حكوماتها.
وقد بدت قطر ملتزمة بشروط اتفاق عام 2017، حيث كشفت قناة العربية عن بعض الوثائق التي تم نشرها في (10 تموز/يوليو 2017)، عن التزام قطر بوقف دعم تنظيم الإخوان المسلمين، وطرد العناصر التابعة له من غير المواطنين من قطر، وعدم إيواء عناصر من دول مجلس التعاون تعكر صفو العلاقات الخليجية، والتوقف عن تقديم الدعم لأي تنظيم أو فئة في اليمن يخرب العلاقات الداخلية أو العلاقات مع الدول المحيطة.
ومع ذلك، وفي نفس العام، اتهمت تلك الدول الدوحة بخرق شروط الاتفاق، حيث لا تزال الدوحة في الواقع تستضيف العديد من قادة ونشطاء الجماعة على أراضيها والمطلوب بعضهم من قبل الحكومة المصرية، ولا تزال تقدم الدعم الرسمي والشعبي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذراع الدعوي للجماعة، ولا تزال تبقي على علاقات وثيقة مع حركة حماس ، فمنذ أن سيطرت حماس على غزة عام 2007، ضخت قطر مئات الملايين من الدولارات في القطاع ، ودعمت حماس دبلوماسياً ، واستقبلت زعيمها المنفي خالد مشعل، فضلا عن تمويل شبكة إعلامية واسعة من المحطات التلفزيونية والمواقع على شبكة الإنترنيت والتي تدافع بشكل أو بآخر عن أفكار جماعة الإخوان المسلمين.
لكن التصريحات التي صدرت في كل من أبو ظبي والمنامة وهما الأكثر تشددا في مواقفهما من الدوحة، أوحت بأن ما جرى في قمة العلا هو الاتفاق على مبدأ إعادة العلاقات، في مقابل أن يصار إلى حل القضايا العالقة بالتفاوض الثنائي مع قطر سواء عبر تشكيل لجان مخصصة لهذا الغرض أو عبر الطرق الدبلوماسية التقليدية. قطر من جانبها أكدت على فكرة التفاوض الثنائي وذلك على لسان وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في حديث مع قناة الجزيرة، والذي شدد فيه على رغبة بلاده في حل المشكلات بينها وبين الدول الأطراف كلا على حدة بسبب اختلاف هذه المشاكل وإن استغرق ذلك بعض الوقت.
وبالطبع، ستتباين القضايا التي قد تتناولها هذه اللجان وفقا للدولة المعنية، ففي حين أن المشاكل بين قطر والبحرين تنحصر في اتهامات المنامة للدوحة بتقديم الدعم للمعارضة الشيعية وتجنيس عدد من أبناء القبائل البحرينية، وبينهم عدد من الضباط السابقين في وزارتي الدفاع والداخلية، فإن مشكلة قطر مع مصر والإمارات والسعودية تنصب أساسا على دعم جماعة الإخوان المسلمين وبعض الشخصيات والجمعيات القريبة منها، فضلا عن شكوى هذه الدول من التغطية الإعلامية السلبية التي تقودها قناة الجزيرة ضدها، والتي تمولها قطر.
توجد عدة سيناريوهات يمكن توقعها من الحكومة القطرية في هذا الشأن، الأبرز فيها اثنان، الأول هو أن تسعى قطر إلى إعادة ضبط علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين، بصورة تضمن الإبقاء على نشاطهم ضمن سقف السياسة الخارجية القطرية، وفي الوقت نفسه الحرص على عدم القيام بأية أعمال قد تغضب مصر والسعودية والإمارات. وهذا الحل قد يرضي نوعا ما السعودية التي لا تواجه مشاكل خطيرة مع الإخوان المسلمين، لكنه من المستبعد أن يرضي الإمارات أو مصر التي ترى في الدعم القطري للإخوان مشكلة رئيسية.
أما السيناريو الآخر فهو الاستجابة الضمنية للمطالب الخليجية عبر التقليص التدريجي للعلاقة مع جماعة الإخوان، بما في ذلك منع نشاطات الجماعة الموجهة ضد هذه الدول، ضمن المساحات التي يطالها التأثير القطري، والإبقاء على الجوانب الإنسانية لهذه العلاقة، والمتعلقة بإقامة عدد من المطلوبين الموجودين في قطر ورفض تسليمهم إلى بلدانهم وخاصة مصر.
وفي حين أن المبكر الجزم في أي من الاتجاهين سوف تسير السياسة القطرية، فإن المحادثات الثنائية التي يفترض أن تجريها قطر خلال هذه الفترة مع هذه الدول سوف تبين إلى أي مدى هي مستعدة للتخلي عن التحالف الذي عقده أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني مع جماعة الإخوان الممثلة في منظر الجماعة الشيخ يوسف القرضاوي وتلاميذه، وهو التحالف الذي توطد في عهد نجله تميم. الذي تولي السلطة عام 2013 وسعى إلى تثبيت دعائم حكمه عبر توثيق علاقته مع تركيا، الداعم الآخر لجماعة الإخوان المسلمين والاستثمار في الأزمات التي يكون الإخوان طرفا فيها مثل مصر وليبيا.
والواقع أن قطر حاولت بعد قمة العلا أن ترسل إشارات متباينة في هذا الجانب، بعضها يلمح إلى استعدادها لبحث جميع قضايا الخلاف بقلب مفتوح، وبعضها يصر على أن ما تحقق في القمة لم يكن نتيجة تقديم أية تنازلات. لكن متابعة ما يبث على قناة الجزيرة باللغة العربية يكشف وجود تغير طرأ على السياسة القطرية. فقد لوحظ حدوث تبدل في التغطية الإخبارية للقناة، حيث غابت عنها المساحات التي كانت تخصصها في السابق لانتقاد ملف حقوق الإنسان في السعودية أو الهجوم على السياسة الخارجية للإمارات والتي دأبت القناة على وصفها بالتخريبية.
والخلاصة هي أن ملف الإخوان المسلمين هو ملف ضاغط في العلاقات بين قطر وجاراتها من دول الخليج، والتي صنفت ثلاث منها وهي البحرين والسعودية والإمارات في عام 2014 الجماعة منظمة إرهابية. وقد شنت كلا من السعودية وقبلها الإمارات حربا سياسية وأمنية ودينية ضد الجماعة، وسوف يتعين على قطر مع الوقت أن تجد حلا للدعم الرسمي الذي تقدمه للإخوان، في حال أرادت ضمان استمرار المصالحة مع دول الخليج.