هل ستسمح الأطراف السنية الإقليمية بتحويل الموصل إلى رمادٍ من أجل "داعش"؟
من المرجح أن يدفع الدمار الذي وقع في كلّ من حلب وإدلب وتكريت القادة السنّة في الموصل والرقّة سوف إلى اللجوء إلى السياسية أكثر من العنف.
تفيد معلوماتٌ استخبارية بأنّ مقاتلي الدولة الإسلامية على أكمل استعدادٍ لمعركةٍ طاحنة في شوارع الموصل. ومن المرجّح أن يؤدّي احتمال معركةٍ طويلة في معقل التنظيم الإرهابي إلى القضاء على القواعد الاستراتيجية السنية في العراق وسوريا. إلّا أنّ الموصل قد تشهد سيناريو مختلفًا بدلًا من هذا العراك الطويل والمدمّر.
وإذا نظرنا إلى المشهد السياسي الإقليمي الأوسع نطاقًا، نلاحظ اليوم امتداد كتلةٍ سنية من الموصل إلى حلب يحيط بها الائتلاف الشيعي من جهة الغرب والقوات الكردية من الشرق والشمال. إلّا أنّ هذا المشهد الإقليمي لا يقتصر على هذه الأطراف فحسب بل يضمّ عددًا كبيرًا من المشاركين من بينهم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيران ودول الخليج العربية والميليشيات الشيعية الصغيرة إلى جانب المجموعات المسلحة السنية الجهادية.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في ربيع عام 2011، يبدو أنّ الكتلة السنية هي الخاسر الأكبر في الربيع العربي في سوريا. أضف إلى ذلك سيطرة "داعش" على المثلّث السني في العراق منذ عام 2014، ما أدّى إلى تقويض بنيته التحتية الاستراتيجية والاجتماعية. لكن يدور السؤال اليوم حول ما إذا كانت الدول العربية السنية (أي قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن) فضلًا عن تركيا ستسمح بسقوط الموصل على غرار مدينتَي تكريت وحلب، أم أنّ الجهات السنية الأساسية في العراق وسوريا ستعتمد سياسيةً عملية هذه المرة وتعمل لضمان مستقبلها في الموصل والرقّة؟
وبحسب هذه المقالة، سوف يدخل السنّة بالفعل في لعبةٍ واقعية إذ إنّ اندلاع حربٍ مع إيران وروسيا والائتلاف الدولي سيؤدّي إلى تدمير البنية التحتية في الموصل والرّقة بالكامل وإنهاء القومية العربية وتحفيز التوسّع الشيعي في المنطقة من خلال التخلص من "العائق السنّي".
وسوف تدفع عمليات التحرير في الموصل والرقة بسكان الأخيرة إلى الهرب نحو شمال سوريا وحدودها مع تركيا من جهة، وسكان الموصل من العرب السنَة إلى الأنبار وإقليم كردستان في العراق. وسيتبدّل بذلك ميزان القوى في الشرق الأوسط تبدّلًا جذريًا – وليس لمصلحة السكان السنّة.
وتفيد الاستخبارات في الموصل بأنّ الدولة الإسلامية قد نشرت حوالى 5 آلاف مقاتلٍ في الموصل ومن بينهم أكثر من ألف مقاتلٍ أجنبي مع تعليماتٍ باستخدام المدنيين كدروعٍ بشرية وبتدمير المدينة في حال شارفوا على خسارتها. تضمّ استراتيجية الدولة الإسلامية العسكرية آليات للدفاع الأرضي والجوي، إلّا أنّها على استعدادٍ أيضًا لاستخدام الأسلحة الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، قد تستعين الدولة الإسلامية بوحدات العمليات الخارجية لتنفيذ سلسلةٍ من الهجمات الإرهابية في إقليم كردستان في العراق وبغداد وحتى في دول غربية في محاولةٍ لعرقلة عملية الموصل.
ويملك إقليم كردستان وتركيا أجندات مختلفة، حيث تسعى حكومة أربيل اليوم إلى كسب دعم الائتلاف الدولي من خلال المشاركة في عملية الموصل وبناء الثقة السياسية مع مسعود بارزاني. كما أن أربيل مستعدّةٌ أيضًا للاستعانة بالائتلاف الكردي السنّي لإنشاء منطقةٍ للسنّة ومحافظاتٍ للمسيحيين والأيزيديين والتركمان في شمال العراق.
وقد نشرت تركيا من جهتها 12 ألف جندي ومقاتل بالوكالة في محاولةٍ للحفاظ على الخلفية السنية للموصل والخلفية العثمانية لشمال العراق في آن واحد. وإلى جانب حماية السنّة، تسعى تركيا أيضًا إلى ضمان نفوذها وسيطرتها في شمال العراق الكردي وسوريا ووضع حد لنفوذ إيران المتوسّع وطرد حزب العمّال الكردستاني من جبل سنجار والسيطرة على حقول النفط والغاز في المنطقة. ولتحقيق هذه الأهداف، أطلقت تركيا عملية "درع الفرات" في 24 آب/أغسطس لبسط سيطرتها على جرابلس ومنع القوات الكردية من التقدّم في شمال سوريا.
وفي ظل هذه الظروف، من المرجّح أن تغيّر الدولة الإسلامية هويتها وتنقل مقرّها الرئيسي. وتشير المستندات التي حصلت عليها قوى الأمن العراقية إلى أنّ معظم قادة الدولة الإسلامية وأعضائها ومناصريها هم من الإسلاميين وأعضاء سابقون في حزب البعث. لذلك يرجَّح أن تلجأ الدولة الإسلامية في العراق (المؤلفة من أعضاء سابقين في حزب البعث وجيش رجال الطريقة النقشبندية والقبائل السنية المعارِضة للحكومة في بغداد) إلى التكتيك عينه، وربّما تعيد تأسيس ذاتها كمجموعة بعثية أو ميليشيا "الصحوة القبائلية" أو قوّةٍ ثورية سنية. فللدولة الإسلامية تجارب سابقة في الانسحاب من مناطق استراتيجية من دون قتال كما حصل في سنجار وجرابلس.
ومن المرجح أن يدفع الدمار الذي وقع في كلّ من حلب وإدلب وتكريت القادة السنّة في الموصل والرقّة إلى اللجوء إلى الخيارات السياسية أكثر من العنف. ويمكن لهذه العوامل كلّها أن تبدّل التطوّرات في الموصل. وقد يتخلّى سكّان الموصل، بدعمٍ من الأطراف السنية الإقليمية، عن الدولة الإسلامية ويبادرون إلى إنشاء مشروعٍ سنّي سياسي إسلامي جديد.