- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2697
هل سيحضر القادة العرب جنازة بيريز؟
في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لمواراة الثرى لجثمان الرئيس السابق شمعون بيريز في 30 أيلول/سبتمبر، من المتوقع أن يحضر العديد من زعماء العالم جنازة هذه الشخصية الدولية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجهود الرامية إلى إحلال السلام في المنطقة ويلقون نظرتهم الأخيرة عليه. وكما هو الحال مع جنازة شريكه في جائزة نوبل للسلام رئيس الوزراء اسحق رابين عام 1995، سيحضر الجنازة مسؤولون من الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى. وكان عدد من القادة العرب قد حضروا أيضاً جنازة رابين، ولكن من غير المرجح أن يكون هناك تمثيلاً عربياً مماثلاً يوم الجمعة. ومع ذلك، يجب ألا يؤخذ هذا التطور على أنه تعبير دقيق عن حالة العلاقات العربية الإسرائيلية في الوقت الراهن.
الوجود العربي في جنازة رابين
قبل عقدين من الزمن، حضر جنازة رابين ممثلون رسميون من سبع دول ذات غالبية عربية، من بينها مصر والأردن - الدولتان الجارتان اللتان وقّعت إسرائيل معهما معاهدات سلام. وقد مثل الأولى عاهل الأردن الملك حسين، ورافقه وفد كبير من أعضاء العائلة المالكة ووزراء وكبار المشرعين، بينما مثل الثانية الرئيس المصري حسني مبارك، ورافقه وفد وزاري. وأشاد الزعيمان برئيس الوزراء المغتال. وكانت المغرب وموريتانيا وعُمان وقطر ممثلة بوزراء، أما تونس فقد مثلها سفيرها لدى الأردن.
وعلى الرغم من كون تلك التحركات خطوات رائدة، إلا أنها عكست روح العصر وأمكن اتخاذها بفضل البيئة الدبلوماسية التي كانت سائدة آنذاك. فقد كانت عملية السلام في الشرق الأوسط تجري على قدم وساق، بحيث خلقت شعور بالاحتمالية والتفاؤل. ومن خلال قيام الولايات المتحدة بتشجيع البلدان العربية من وراء الكواليس، فقد اقتنعت بعض تلك الدول بأن مشاركتها في الجنازة من شأنه أن يساعد على إظهار التزام إقليمي بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي الوقت نفسه، كانت بعض الدول العربية تعمل علناً على انخراط إسرائيل في إطار "مختلَف مجموعات العمل المتعددة الأطراف"، التي أُنشئت خلال عملية أوسلو لدعم المفاوضات الثنائية. على سبيل المثال، تضمنت مجموعة العمل حول قضايا المياه كل من الجزائر والبحرين ومصر والأردن والكويت وموريتانيا والمغرب وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن بالإضافة إلى الأطراف أنفسها وعدد من الدول غير الإقليمية. وعندما اغتيل رابين، كانت لدى أربع من هذه الدول بالفعل - الأردن ومصر والمغرب وموريتانيا - مستويات مختلفة من العلاقات الرسمية مع إسرائيل، وكانت بلدان أخرى (من بينها تونس وقطر) تستعد لفتح مثل هذه العلاقات أو رفع مستواها.
العوامل المؤثرة على حضور جنازة بيريز
خلال العشرين عاماً منذ جنازة رابين، تغيّرت بالطبع الظروف المحيطة بالعلاقات العربية الإسرائيلية. فمن ناحية، ترى معظم الجهات الفاعلة الإقليمية أن عملية السلام شبه ميتة. فقد تفككت العملية المتعددة الأطراف إلى حد كبير، تلك التي بدأت كجزء من اتفاقيات أوسلو، كما تم قطع العلاقات الدبلوماسية المؤقتة من قبل كل دولة عربية باستثناء مصر والأردن الشريكتان في معاهدتي سلام منفصلتين.
ومن ناحية أخرى، هناك صلات أقل ظهوراً للعيان يتم تنميتها باطراد، وخاصة مع مصر والأردن. وحيث يواجه هذين البلدين تهديدات مشتركة، عمّقت إسرائيل علاقاتها الأمنية مع كليهما إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، ولكن التقدم يتجاوز المجال الأمني إلى حد كبير. وفي الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، اجتمع وزير الخارجية المصري سامح شكري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقر إقامته في القدس، وتُعد هذه الزيارة أعلى مستوى من الزيارات [الرسمية] التي قام بها مسؤول مصري منذ عقود. وسيمثل الوزير شكري بلاده أيضاً في جنازة بيرز يوم الجمعة. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وعلى الرغم من المعارضة الداخلية، وقّعت الأردن، على اتفاق بقيمة 10 مليارات دولار أمده خمسة عشر عاماً مع شركة "نوبل إنرجي" لاستيراد الغاز الطبيعي من حقل "ليفياثان" البحري في إسرائيل. وأفادت بعض التقارير أن نائب رئيس الوزراء جواد العناني سيمثل عمّان في الجنازة.
وفي الوقت نفسه، بدأت تبرز مؤخراً علاقات جديدة مع الدول العربية الأخرى. فالتعاون مع إسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة الموقف الإقليمي العدواني الإيراني هي من الأمور المعروفة للجيمع، ولكن علامات الانخراط في مجالات أخرى هي الأخرى واضحة ايضاً. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، سمحت دولة الامارات العربية المتحدة لإسرائيل بفتح مكتب في "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة"، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة مقرها أبوظبي. وفي حين أن الدبلوماسيين الإسرائيليين غير معتمدين لدى دولة الإمارات، إلا أنهم موجودين حالياً في تلك البلاد. وقد خففت المملكة العربية السعودية أيضاً موقفها تجاه اسرائيل في بعض النواحي، الأمر الذي سمح قيام اجتماعات علنية بين مسؤولين سابقين. ففي تموز/يوليو، على سبيل المثال، قام لواء سابق في الجيش السعودي بزيارة لإسرائيل حظيت بتغطية واسعة [في وسائل الإعلام]. وتحافظ قطر أيضاً وبشكل روتيني وعلني على اتصال رسمي مع إسرائيل، على الرغم من علاقاتها الوثيقة مع «حماس». ويتم هذا الانخراط عن طريق رئيس "اللجنة الوطنية القطرية لإعادة إعمار غزة"، السفير محمد العمادي.
ومن المرجح أن لا تجني هذه البلدان أي فائدة سياسية من حضور الجنازة. وبدلاً من ذلك، فمن خلال مشاركتها فيها ستكون عرضة للانتقادات من قبل خصوم محليين وإقليميين. وفي الوقت نفسه، فإن غيابها لن يعرض العلاقات المستمرة مع إسرائيل للخطر.
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فيُقال أن الرئيس محمود عباس سيحضر الجنازة إلى جانب وفد بارز من السلطة الفلسطينية فيما ستكون أول زيارة رسمية يقوم بها إلى إسرائيل منذ عام 2010. وقد بعث عباس أيضاً رسالة تعزية إلى عائلة بيريز قال فيها بأنه كان "شريكاً في صنع سلام الشجعان". وفي الواقع، كان الرجلان شريكان في المساعدة على التوصل إلى "اتفاقات أوسلو" وحافظا على علاقات بينهما منذ ذلك الحين.
ولكن بالنسبة لعباس، إن المشاركة في مراسم الجنازة أمر محفوف بالمخاطر من الناحية السياسية. ففي السنوات الأخيرة، اكتسبت الحركة المناهضة للتطبيع شعبية في صفوف الفلسطينيين، في ظل غياب عملية سلام جديرة بالثقة، بحيث أن أي انخراط مع الإسرائيليين يحمل الآن وصمة عار سياسية باهظة. وبالفعل، ثار إعلان عباس انتقادات من مختلف الجهات، وبعضها من حركة «فتح» التي يتزعمها. وقد دعت حركة «حماس» إلى إحياء "يوم غضب" والقيام بمظاهرات واسعة النطاق يوم الجمعة تزامناً مع مراسم الجنازة، وسوف تتحول بعض هذه الاحتجاجات ضد عباس نفسه لا محالة. ومن غير الواضح كيف ستجري الأمور في السلطة الفلسطينية في ظل هذه البيانات المختلفة. فإذا صمد عباس أمام هذه الضغوط وشارك في الجنازة، فسوف يبعث برسالة إيجابية قوية ليس للإسرائيليين فحسب، بل لجمهوره الخاص أيضاً.
الخاتمة
باستثناء الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، من غير المرجح أن يتم تمثيل الحكومات العربية في جنازة بيريز. فالغطاء الدبلوماسي الذي سمح للحضور العربي الذي لا سابقة له منذ عشرين عاماً لم يعد له وجود. بيد، وبينما تشير الغيابات المحتملة إلى حدود العلاقات العربية الإسرائيلية حالياً، إلا أنها لا تعطي صورة كاملة أو دقيقة عن حالة هذه العلاقات. ومثلها مثل الاجتماعات السرية التي أجراها بيرز مع الملك حسين في الثمانينات، فإن ثمار الرؤية والمشاركة الإقليمية التي توقعها الرئيس الإسرائيلي السابق قد لا تكون مرئية على الفور، ولكن تأثيرها حقيقي.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وخدم سابقاً في العديد من المناصب الاستشارية مع السلطة الفلسطينية.