- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
هل تعلّم الغرب كيفية التعامل مع تونس؟
Also published in "ناشيونال إنترست"
على الرغم من التحول الاستبدادي الذي شهدته تونس وتقرّبها من روسيا والصين، إلّا أن المسؤولين الغربيين لا يريدون المخاطرة بالتعاون القيّم بشأن قضيتَي الهجرة والأمن.
في عهد الرئيس التونسي قيس سعيّد، تضعضعت علاقة تونس الراسخة تقليدياً مع الغرب. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نفّذ سعيّد إصلاحات استبدادية شاملة لمؤسسات البلاد، مما جعل العواصم الغربية في حيرة من كيفية الرد. فمن ناحية، يشير خفض دعمها المادي إلى عدم رضاها عن هذه الإجراءات غير الديمقراطية. ومن ناحية أخرى، نجحت اتهامات سعيّد بـ"التدخل" و"المؤامرة" الغربيَين - وهو الخطاب النموذجي لدول ما بعد الاستعمار التي تنظر إلى المطالبة بحقوق الإنسان كشكل من أشكال الإمبريالية الغربية - في تجريد أوروبا والولايات المتحدة من نفوذهما. وقد صب صراع الشرق الأوسط الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في صالح سعيّد من خلال إثارة المشاعر المعادية للغرب في البلاد.
لكن على مستوى آخر، تستمر الشراكة بين تونس والغرب على قدم وساق. فقد قادت إيطاليا، على وجه الخصوص، الجهود نيابة عن الاتحاد الأوروبي لإشراك تونس في المسائل المتعلقة بالهجرة على وجه التحديد ولكن أيضاً في إطار "نهج من 360 درجة" للمساعدة في تنمية أفريقيا يُعرف باسم "خطة ماتي". وقد أثارت مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس في تموز/يوليو 2023 انتقادات (بما في ذلك من داخل البرلمان الأوروبي) بالإضافة إلى الارتباك عندما أعادت تونس دفعة أولية بقيمة 60 مليون يورو إلى بروكسل. وفي الواقع، أدت هذه السلسلة من الأحداث في النهاية إلى إنفاق الاتحاد الأوروبي مبلغ 150 مليون يورو لدعم الميزانية.
وفي غضون ذلك، توجَّب على الولايات المتحدة أن تتوخى الحذر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر نظراً لدعمها الثابت لإسرائيل. لكن الحكومة الأمريكية، بشكل عام، وجدت أن شركاء المجتمع المدني التونسي، لا سيما الشركاء المحليين، ومن بينهم المؤسسات الصغيرة، لا يريدون تفويت فرصة الحصول على التمويل الأمريكي.
ويبدو أن المبدأ العام بين الجهات الفاعلة الغربية هو الحفاظ على الانخراط، حتى لو كان ذلك صعباً. ووفقاً لهذا المنطق، فإن مثل هذا السلوك العملي سيساعد في نهاية المطاف العلاقة على تجاوز الأوقات الصعبة ويمنع تونس من الدخول بشكل كامل في دائرة النفوذ الروسي والصيني على المدى الطويل.
الحفاظ على العلاقات بأي ثمن؟
تقلق إيطاليا بشكل خاص بشأن استقرار تونس. فالبَلدان يتشاركان تاريخاً متداخلاً ولا يفصل بينهما سوى 322 كيلومتراً. وفي الآونة الأخيرة، انطلقت أعداد كبيرة من المهاجرين، سواء من أصل تونسي أو من بلدان أخرى في القارة الأفريقية، من تونس ووصلت إلى الشواطئ الإيطالية. ومع ذلك، ففي الأشهر الأخيرة، انخفض عدد الوافدين إلى إيطاليا عبر هذا المسار بفضل تعاون إيطاليا وتونس في مراقبة الحدود. لكن نظراً لغياب التدابير التي تهدف صراحةً إلى معالجة حقوق المهاجرين وحمايتهم، يُنظر إلى إيطاليا - التي أبرمت اتفاقيات مماثلة مع مصر وليبيا وألبانيا وموريتانيا - على أنها متواطئة في انتهاكات حقوق المهاجرين.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل حكومة سعيّد اتخاذ الخطوات اللازمة لإثبات أنه، على الرغم من تعاونه مع الغرباء، لا يزال هو المسيطر. ففي أوائل شهر أيار/مايو، في أعقاب زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، التي أُعلن فيها عن عدد من اتفاقيات التعاون الجديدة والوعود بدعم الميزانية، عمدت قوات الشرطة، وفقاً لبعض التقارير، إلى استخدام العنف لإزالة مخيمات المهاجرين من العاصمة التونسية وطردهم إلى الحدود. وفي اليوم نفسه، اعتقلت السلطات سعدية مصباح، رئيسة منظمة مناهضة للعنصرية والحائزة على جائزة من وزارة الخارجية الأمريكية. وتشكل هذه الإجراءات جزءاً من حملة أكبر لتصوير المهاجرين على أنهم أعداء خارجيين - مرتبطين إلى حد ما بالغرب - الأمر الذي يمكّن لسعيّد من حماية البلاد منهم، وبالتالي يبرر قمعه للمعارضة.
وهكذا، فإن تعاون إيطاليا مع حكومة سعيّد، المستمر بغض النظر عن هذه المعاملة الوحشية، يضع الولايات المتحدة في موقف صعب نوعاً ما. فتحدي روما لن يؤدي إلا إلى التسبب بانقسامات بين الدول الغربية، الأمر الذي سيسعى سعيّد إلى استغلاله. يجب على واشنطن أن تحاول تحقيق التوازن بين التحدث علناً ضد انتهاكات حقوق الإنسان وعدم معارضة حلفائها الأوروبيين. وكقاعدة عامة، وبالنظر إلى أن واشنطن أقل قلقاً بشكل مباشر من أوروبا بعدم الاستقرار في تونس، فقد كانت أقل تردداً بقليل في التحدث علناً ضد الإجراءات القمعية التي يمارسها النظام. وفي الوقت الحالي، يبدو أن الخيار الأكثر واقعية لمواصلة التعاون هو الخيار المنتصر.
فضلاً عن ذلك، تواصل الولايات المتحدة العمل بشكل وثيق مع الجيش التونسي، الأمر الذي يشكل علاقة مربحة للجانبين. وتَعتبر واشنطن تونس شريكاً أمنياً قيّماً في القارة الأفريقية، حيث يشكل النشاط الجهادي المتزايد وضعف النفوذ الغربي في منطقة الساحل المجاورة مصدر قلق متزايد.
وفي الوقت نفسه، يقدر الجيش التونسي التدريب والمعدات التي يتلقاها من الولايات المتحدة وسيعاني مادياً بدونها. وعلى الرغم من بعض الخطوات التي فُسرت على أنها محاولات لتسييس الجيش، إلّا من المرجح أن سعيّد غير مستعد لتعريض هذا التعاون للخطر بما أن ذلك قد يكلفه دعم الجيش. وهكذا، مثلما يقبل المساعدة من إيطاليا والاتحاد الأوروبي بينما يُظهر في الوقت نفسه أنه سيتعامل مع المهاجرين كيفما يختار، فإن سعيّد يسمح بهدوء باستمرار التقليد طويل الأمد المتمثل بالنفوذ الأمريكي على الجيش التونسي بينما يصر على أنه لن يسمح بتدفق التدخل الأجنبي إلى البلاد.
ومن الناحية العملية، يعني ذلك أنه على الرغم من سوء معاملة المهاجرين، يواصل الغرب تعاونه مع تونس. ويشمل ذلك تحسناً ملحوظاً في الكفاءة المهنية لقوات الأمن وأنشطة مثل إصلاح العدالة الجنائية. كما تقود إيطاليا، باستثمارات من ألمانيا والاتحاد الأوروبي و"البنك الدولي"، مشروع "الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا (الماد)" الذي ينطوي على مد كابل كهرباء تحت الماء في البحر المتوسط في إطار التحول العالمي بعيداً عن النفط والغاز. لكن قدرة الغرب على التأثير في مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس تظل غير واضحة إلى حد كبير.
سيناريوهات طويلة الأمد
على الرغم من أن الولاية الثانية مضمونة أساساً لسعيّد، إلّا أن ذلك لا ينطبق على استقرار البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة. وأحد الأسباب هو أنه ليس من الواضح مدى الدعم الذي ما زال يحظى به. فمن ناحية، يبدو أن الكثير من التونسيين اقتنعوا بخطابه السيادي الذي وعد فيه بوقف اعتماد تونس على الغرب. ويتجلى ذلك بشكل أوضح في مسار سياساته الاقتصادية، التي سعت باستمرار إلى تعزيز هذه الرؤية.
ومن ناحية أخرى، ساهم القمع السياسي العنيف في الافتقار إلى النقد الصريح وندرة استطلاعات الرأي العام ذات المصداقية. كما أن الرد الأخير على سلسلة الاعتقالات التي طالت المحامين والصحفيين الذين أدلوا بتصريحات انتقادية - والتي نظم بشأنها المحامون والصحفيون والقضاة إضرابات وأصدروا بيانات تدين بشكل غير مباشر معاملة الحكومة لزملائهم - كشف عن الرغبة المستمرة لدى شرائح معينة من السكان بالدفاع عن حرية التعبير، واستعداد الحكومات الغربية للتحدث علناً ضد هذا القمع.
وعلى الرغم من أن الشعب التونسي، بشكل عام، لا يزال يشكك نوعاً ما في نوايا الغرب، وعلى الرغم من إثبات سعيّد المستمر بأنه سيتعامل مع أي محاور يختاره، بما في ذلك إيران، فمن المرجح أن تؤدي ولايته الرئاسية الثانية إلى استمرار التعاون مع الغرب. ولكن على المدى الطويل، لا يزال يتعين على الغرب إيجاد وسيلة لتحقيق التوازن بين الأمن والمنافسة الاستراتيجية من جهة وقيم حماية حقوق الإنسان من جهة أخرى.
الدكتورة سابينا هينبرج هي زميلة حائزة على زمالة "سوريف" لما بعد الدكتوراه من "كلية الدراسات الدولية المتقدمة" في "جامعة جونز هوبكنز"، وتشغل منصب مديرة "برنامج أبحاث المبتدئين" في معهد واشنطن، حيث تقوم بالبحث والنشر في القضايا المتعلقة بالتحولات السياسية في شمال إفريقيا.