- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل تمثّل احتجاجات الأهواز تهديدا لوحدة الدولة الإيرانية؟
تشير احتجاجات الأهواز الأخيرة إلى وجود توترات أوسع بين الدولة الإيرانية والأقليات في البلاد، والى النفوذ العراقي داخل إيران.
في وقت مبكر من هذا الشهر، حاولت إيران شن ضربات جوية مستخدمة طائرات بدون طيار على الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وهو مجموعة انفصالية كردية إيرانية تتركز بشكل أساسي في المنطقة الكردية بالعراق. تعكس الضربات الحالية التي شنتها الطائرات بدون طيار الهجمات التي ُشنت سابقا ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في عام 2018، عندما أصابت الصواريخ الباليستية مقرات الحزب. علاوة على ذلك، تأتي تلك الضربات في أعقاب اغتيال أحد قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني مؤخرًا في أربيل. وتصنف إيران الحزب الديمقراطي الكردستاني كمنظمة إرهابية وتستهدفهم وفقًا لذلك. ومع ذلك، فإن ارتفاع وتيرة التظاهرات التي اندلعت هذا الصيف والتي أظهرت التضامن بين الأقليات داخل إيران، والوجود المستمر للجماعات الانفصالية يجعلان فهم هويات الأقليات في إيران سواء أولئك الذين يعيشون داخل إيران أو خارج حدودها مع العراق عملية معقدة.
حاليا، وفي ظل احتجاجات عرب الأهواز التي اندلعت هذا الصيف صارت إيران قلقة بشكل خاص بشأن الأقليات التي تعيش على أراضيها. جاءت الاحتجاجات التي اندلعت في شهر يوليو في إقليم الأهواز ردا على تحويل السلطات الإيرانية لمجرى نهر (كارون) اتجاه أصفهان، مما سبب نقصا حادا في المياه ينذر بتداعيات خطيرة جدا على حياة الناس هناك. تظاهرات الأهواز ليست وليدة اليوم ولا وليدة الصدفة وليس لعامل المياه وحده تأثير في ذلك، حيث يعدّ عرب الأهواز أنفسهم تحت سلطة الاحتلال الإيراني، كما أن الحركات الانفصالية والاحتجاجات كانت موجودة في خوزستان منذ عقود.
تاريخيا، تتشارك منطقة الأهواز مع العراق أكثر مما تتشارك مع إيران، فبعد انتصار المسلمين على الإمبراطورية الفارسية في معركة القادسية عام 636 م، أصبحت الأهواز جزءا من ولاية البصرة، وحافظت على هذا الوضع حتى قدوم الغزو المغولي عام 1258. وفي عام 1436، قامت دولة عربية مستقلة تسمى الدولة المشعشعية، وتلاها مملكة قبيلة بني كعب التي حكمت من عام 1724-1925. لم تخضع الأهواز لسلطة الدولة البهلوية إلا في أوائل القرن العشرين. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الأهواز كانت مملكة مستقلة حتى خلال الصراع الصفوي العثماني، وقد اعترفت بها الدولتان.
تقع منطقة الأهواز على حدود الخليج العربي-الفارسي، والمحافظات العراقية مثل البصرة وميسان، ومعظم سكانها من العرب من عشائر معروفة ولها امتدادات في العراق وعدة دول عربية أخرى. وتعتبر المنطقة موطن لملايين الأهواز، حيث يضاهي عدد السكان في الإقليم عدة دول خليجية مجتمعة. ويعيش الإقليم أوضاعا سيئة مقارنة مع ما ينتجه من ثروات هائلة، حيث تُعدّ مناطق الأهواز شريان الحياة للدولة الإيرانية، إذ تحتوي على أغلب آبار النفط وحقول الغاز الإيراني، كما أنها من أهم المناطق التي تُنتج السلة الغذائية الإيرانية لانتشار الزراعة فيها، نتيجة أرضها الخصبة وتوفر المياه فيها، منها نهر الكارون. باختصار، يمكن وصف هذا الإقليم بأنّه رئة إيران، ومن دونه تبقى إيران شحيحة الموارد.
على هذا النحو، يُنظر إلى منطقة الأهواز كونها منطقة حيوية بالنسبة لإيران، حيث إن انتقال التظاهرات داخلها بشكل سريع من منطقة إلى أخرى هذا الصيف يؤكد على حالة الإحباط التي يعيشها السكان والتي لن تزول بقمع الاحتجاجات. ورغم تصريح السلطات أنّ الحرس الثوري الإيراني قام بإرسال صهاريج مياه لحلّ الأزمة، أشارت تقارير من قبل منظمات حقوق الإنسان إلى أن احتجاجات الأهواز قد تم فضها بوحشية وقامت السلطان الإيرانية بالزج بالعديد من المتظاهرين في السجون الإيرانية سيئة السمعة.
ترجع حاجة إيران إلى حفظ النظام في منطقة الأهواز إلى الوضع المبهم على الحدود الإيرانية مع أفغانستان، وملايين الأذربيين الذين يعيشون داخل إيران على طول الحدود الإيرانية الأذربيجانية - والذين أعرب بعضهم عن تضامنهم مع دعوات الأهواز للاستقلال خلال احتجاجات يوليو. من المحتمل أن يفوق عدد الأذربيين داخل إيران عدد الأذربيين الذين يعيشون في أذربيجان نفسها، ويعمل البعض منهم منذ فترة طويلة على الانفصال والانضمام إلى أذربيجان.
هناك أيضا العديد من العرب المقيمين في منطقة الأهواز الذين يشكلون ما يقدر بنحو 10٪ من سكان البلاد ويسعون الى تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي. ومع ذلك فهم ليسوا الأقلية الوحيدة التي سعت لنيل الاستقلال من دولة إيران متعددة الأعراق، ففي عام 1946 أسس أكراد إيران -الذي يقدر عددهم ما بين 10-15% من السكان- جمهورية كردية مستقلة أقصى شمال غرب إيران بقيادة قاضي محمد وملا مصطفى بارزاني بدعم من الإتحاد السوفيتي، ثم تم القضاء عليها بعد 11 شهرا فقط، وتم إعدام قاضي محمد في ساحة عامة في مدينة مهاباد، لكن الحركات الانفصالية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ظلت قائمة.
ورغم النفوذ الذي تمتلكه إيران داخل العراق، إلا انه من الواضح أن الأقليات الإيرانية على الحدود تتأثر بمجريات الأحداث داخل العراق أيضًا، حيث أظهرت اللغة التي استخدمها المتظاهرون مدى التقارب الثقافي والعشائري بين أهل الأهواز وجنوب العراق، حيث انتقلت شعارات تظاهرات العراق للأحواز بشكل ملفت، فمن شعاراتهم: "بالروح بالدم نفديك يا أحواز". "الما يطلع يلبس شيلة"، "الما يثبت بالميدان موش أحوازي"، وغيرها... فمن جهة تظهر هذه الشعارات اللهجة الأهوازية المشابهة للهجة أهل الوسط والجنوب في العراق ومن جهة أخرى تظهر التمازج الثقافي والتأثّر المتبادل. يبدو أنّ أهل الأهواز تنفّسوا من الدخانيات التي قتلت المتظاهرين السلميين العراقيين وحفظوا شعارات تشرين عن ظهر قلب.
تأثرت أيضا بعض الجماعات التي تعمل خارج إيران بحالة الإحباط التي يعيشها سكان الأهواز من النظام، ولعل التداعيات الأكثر خطورة تتمثل في التهديد المحتمل الذي تمثله منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية، وهي جماعة تأسست خلال الفترة البهلوية وتدعم الاضطرابات في إقليم الأهواز. كما شاركت المنظمة مع القوات العراقية في حرب الثمانينات ضد القوات الإيرانية، وهذه الجهة تدعم الاحتجاجات من باب إضعاف النظام الإيراني وإسقاطه، ولها نفوذ في منطقة الأهواز.
اجتذبت تظاهرات الأهواز مؤيدين آخرين، فعلى عكس منظمة مجاهدي خلق التي تدعم الاحتجاجات بغية إسقاط النظام الإيراني والسيطرة على الحكومة، يدعم حزب "كومله الكردستاني"، وهو حزب يساري كردي معارض للنظام الإيراني ومقرة السلمانية، تظاهرات الاهواز لأنه يأمل في فصل المنطقة الكردية عن إيران ودمج أراضيها في دولة كردية مستقلة. ويقوم الحزب بنشر أفكاره في إيران من خلال استغلال المساحات الهشّة في المناطق الملاصقة للحدود العراقية.
وقد أظهرت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس إبراهيم رئيسي للأهواز في أعقاب الاحتجاجات، إلى جانب التصريحات الحكومية لمعالجة أزمة نقص المياه، أن النظام الإيراني يسعى جاهدا الى تحسين الأوضاع في الإقليم.
وفي حين يتم إخضاع الاحتجاجات العلنية في الوقت الراهن، وعدم حل أزمة المياه ورغبة تلك الأقليات في تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والتعامل السيئ مع وباء الفيروس كورونا، فمن الواضح أن الرئيس الإيراني الجديد يواجه مشاكل داخلية كبيرة تهدد الأمن القومي الإيراني - وربما وحدة أراضيها القائمة. وبينما يبحث الفاعلون الدوليون والإقليميون عن طرق للتعامل مع الموقف الإيراني المتشدد - الذي يجسده الرئيس الجديد – يجب عليهم اخذ الأقليات الإيرانية التي تبحث عن قدر أكبر من الحكم الذاتي في الحسبان، لا سيما عندما يتطلعون إلى العراق، ويواجهون القمع الإيراني في تظاهراتهم.