- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل يمكن لمقاربة الأسد: التسريح، ونزع السلاح، وإعادة التأهيل أن تساهم في توطيد القوات شبه العسكرية السورية؟
بعد مرور ثماني سنوات على اندلاع النزاع، يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد خرج منتصرًا في المناطق الخاضعة لسيطرته ويبدو أنه ينوي توسيع رقعة نفوذه لتشمل مختلف أنحاء سوريا مجددًا. وقد قاد النظام دفة مساعيه الرامية إلى الدمج من خلال العمل على ضم ميليشيات موالية ومعارضة قاتلت إلى جانب قوات النظام إلى الجيش السوري. لكن يبدو أنّ الأسد يفضل مقاربة تقدمية ولو جزئية باتجاه التسريح ونزع السلاح وإعادة الدمج، وهي مقاربة قد تحفل بالتحديات في المستقبل. إذ قد لا تكون مقاربة مماثلة معدة بشكل مناسب للتعامل مع تحالفات الفصائل الموالية الإقليمية مع دول أخرى، ومن المرجح أن تواجه صعوبات بسبب التدريب الإيديولوجي إلى حدّ كبير الذي خضع له هؤلاء المقاتلون تحت إشراف إيران، فضلًا عن العدد الكبير من المقاتلين الأجانب الذين لا يزالون على الأراضي السورية.
ووفقًا لقائد رفيع الشأن في جماعة شبه عسكرية موالية للنظام تحدث إلى كاتب المقال، "فإن الحكومة السورية تقوم تدريجيًا بدمج جماعات شبه عسكرية موالية للنظام. ففي المرحلة الأولى، تُجبر الحكومة هؤلاء الأعضاء شبه العسكريين الذين يستوفون شروط التجنيد مثل العمر على الانضمام للجيش السوري،" في حين أن أولئك الذين "لا يستوفون شروط التجنيد يبقون داخل الجماعات التي ينتمون إليها ".
وقد ركّز باحثون من أمثال حايد حايد على عملية التجنيد الإجباري مشيرًا إلى أن تلك العملية يتم تطبيقها على الجماعات المسلحة، سواء المؤيدة للنظام أو تلك المعارضة له، حيث يتم تطبيقها على هؤلاء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-42 عام. وفى هذا الصدد، يتم استهداف الجماعات المعارضة للنظام من خلال سياسة التسوية التي تطبقها الحكومة في المناطق التي تم استعادتها من قبل النظام.
ويشرح المصدر أنّ الميليشيات التي يتمّ حلّها بشكل دائم هي تلك المتهمة بارتكاب مخالفات وبالابتزاز. فعلى سبيل المثال، فككت الحكومة السورية الميليشيا الخاصة "لواء صقور الصحراء"، بقيادة العقيد محمد جابر وشقيقه رجل الأعمال أيمن جابر. وتمّ حل جماعات أخرى كان جابر يموّلها أيضًا على غرار "مغاوير البحر".
في حالات أخرى، تشتتت جماعات بعدما انقطعت عنها الأموال اللازمة لدعم المقاتلين. ففي فبراير/ شباط 2018، نقلت خدمة الأخبار "سيريان أوبزيرفر" أنّ حوالي نصف القوات شبه العسكرية الطائفية التي تقاتل في صفوف قوات الرئيس بشار الأسد في منطقة الحولة والريف الشمالي لمحافظة حمص تركت جماعاتها للالتحاق بالجيش النظامي بعدما لم تقبض رواتبها لستة أشهر. كذلك، انضمت عناصر ميليشياوية من ميليشيا "جمعية البستان" إلى جيش النظام لأسباب مماثلة.
وتتمثل الطرق الأخرى المصممة لإنشاء قوات قتالية أكثر تماسكًا، في تشكيل وإدارة وحدات شبه عسكرية تحت إمرة كتائب الجيش السوري التي حافظت هويتها كوحدات متميزة. ويندرج ذلك على جماعات على غرار "درع القلمون" و"درع الساحل"، التي وضعت أيضًا تحت سلطة "الحرس الجمهوري"، وذلك بحسب مقال نشرته مدوّنة "ديوان" الصادرة عن "مؤسسة كارنيغي" العام الفائت. وقد سلّط المقال ذاته الضوء على إنشاء الفرقة 30 التابعة للحرس الجمهوري في 2017، والتي انضوت تحت رايتها جميع الميليشيات المحلية في منطقة حلب مع السماح لها بالاحتفاظ بهياكل التشغيل المستقلة الخاصة بها.
ومع ذلك، لا يزال هناك بعض الارتباك حول ما إذا كانت هذه الوحدات ستحتفظ بهياكل تشغيلية متميزة على الرغم من استيعابها الواضح في الجيش السوري. ففي عام 2017، أشار مجلس الشؤون الدولية الروسية التابع للحكومة الروسية في تقاريرها إلى أن جماعة درع القلمون قد تم دمجها بالفعل في الوحدة الخامسة التابعة للجيش السوري. وتؤكد البيانات المتناقضة حول وضع عملية الدمج للقوات شبه العسكري في الجيش السوري أن عملية الدمج هذه ما زالت قائمة وتعتمد بشكل كبير على مصالح النظام وداعميه.
غير أن المصدر السوري شبه العسكري قد ركّز أيضًا على قيود هذه السياسة حيث قال: "لا يملك الجيش السوري القدرة المالية لاستيعاب كافة الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام، ما يفسر استثناء بعض الفصائل على غرار "قوات الدفاع المحلية‘". وكان تمّ دمج "قوات الدفاع المحلية"– وهي جماعة شبه عسكرية دربتها إيران وموّلتها– رسميًا في الجهاز العسكري الحكومي وجرى التنسيق مع قيادتها العامة منذ العام 2017، غير أن مستندات نشرها الباحث أيمن جواد التميمي قد أظهرت أنّه كان من المقرر أن تبقى "قوات الدفاع المحلية" تحت القيادة الإيرانية إلى حين انتهاء الأزمة في سوريا. وبموجب هذا الترتيب، "ستبقى "قوات الدفاع المحلية" في المقاطعات تحت القيادة الإيرانية، على أن تقوم بالتنسيق مع القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة إلى حين انتهاء الحرب الأهلية في سوريا أو حتى إصدار قرار جديد".
لكنّ التحالف المستمر لمثل هذه الجماعات شبه العسكرية النافذة مع قوات خارجية بغية تحمّل التكاليف الكبيرة للنفقات العسكرية، لا يخلو من المخاطر. فقد كان لإيران على وجه الخصوص سجل حافل وناجح في إنشاء وتغذية وتمكين ميليشيات محلية في المنطقة يمكن الاعتماد عليها لاحقًا باعتبارها من الوكلاء الأقوياء والمتفانين. وكان هذا هو الحال مع كل من "حزب الله" في لبنان وجناح "وحدات الحشد الشعبي" العراقية الموالي لطهران.
وقد تباهى أحد قادة "حزب الله،" والذي تحدث إلى كاتب المقال في بيروت "قائلًا إنّ "إيران أنشأت مقاومة كـ "حزب الله" في سوريا وهذه القوة ستواصل عملياتها هناك"، رافضًا احتمال حلّ "قوات الدفاع المحلية" في يوم من الأيام وإخضاعها للقيادة المركزية في سوريا. ومع ذلك صرّح وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي علنًا في أغسطس/ آب من العام الفائت، أن "تواجد "حزب الله" في سوريا أتى بناءً على طلب الحكومة، وأن التنسيق بين الطرفين كان وثيقًا،" مما يوحي بمصلحة إيرانية في الاحتفاظ بصورتها كداعم أساسي للنظام يعمل تحت قيادة الجيش السوري.
وتكمن مشكلة أخرى في كيفية التعامل مع العدد الكبير من المقاتلين الأجانب الموالين للنظام الذين تمّ نشرهم في سوريا. وفي مقابلة مع الكاتب، قدّر الخبير السوري سمير الحسن أن تكون إيران نشرت أكثر من 34 ألف مقاتل أجنبي في سوريا اعتبارًا من 2018. ويشمل هذا الرقم "الفاطميون" الأفغان، و"الزينبيون" الباكستانيون، و"الحيدريون" العراقيون، إلى جانب "حزب الله".
وفي حين خفّض "حزب الله" انتشاره في سوريا بشكل ملحوظ وفق مصادر في الحزب، من الصعب تحديد عدد المقاتلين الأجانب الموالين للنظام الذين ما زالوا متواجدين على الأراضي السورية بدقة ومعرفة نوع النفوذ والسيطرة الذي يخططون له. فعلى سبيل المثال، يبدو أن "حزب الله" قد احتفظ بقواعد في مناطق استراتيجية على غرار محافظة حمص وحلب وجنوب سوريا– رغم الاتفاق الروسي على إبقاء النفوذ الإيراني بعيدًا عن الحدود الإسرائيلية.
ولا يكمن التهديد الذي يحيط بجهود الدمج التي يبذلها النظام في ولاء الجماعات لقوى خارجية فحسب، بل الأهم في ما أنتجه النزاع الطائفي والدعم الأجنبي من مقاتلين تشرّبوا عقائد إيديولوجية. وفي مقابلات سابقة مع أحد مدربي "حزب الله"، ركّز على أهمية التدريب الإيديولوجي الذي يقدمه الحزب إلى الميليشيات السورية الموالية للنظام. وبدورها قامت المنظمات المتطرفة، بدءًا من الميليشيات الإسلامية العادية وصولًا إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بغرس أفكار راديكالية في عقول مقاتلي المعارضة. وبالتالي، تمثل إعادة التأهيل الإيديولوجي والديني لتلك المليشيات - سواء تلك التي تؤيد النظام أو تلك المعارضة له - أحد أهم مكوّنات عملية الدمج هذه. ويبدو أنّ النظام يعي هذا الخطر، وفق ما صرّح به قائد الجماعة شبه العسكرية الذي أضاف أنّه على الجنود الذين أعيد دمجهم أن يلتحقوا ببرامج وصفوف إعادة توجيه سياسي خاصة بإيديولوجية "حزب البعث". زمع ذلك، ومع ذلك، فإن فعالية عملية "إعادة التوجيه" هذه لم تتضح بعد.
وفي نهاية المطاف، إذا كان الأسد يسعى لاستعادة السيطرة العسكرية الحقيقية على سوريا، يجب أن يعمل على تحديد عدد المقاتلين الأجانب في صفوف طرفي النزاع في أقرب وقت ممكن، ونزع سلاحهم ونقلهم إلى منشأة آمنة. وسيتوجب على النظام السوري أيضا تقييم الأشكال الأخرى للنفوذ الأجنبي - بما في ذلك التدريب الإيديولوجي والقيادة الأجنبية بعناية. وعلى الرغم من أن هذه العملية تتطلب بعض الموارد والنفوذ التي لا يمتلكها الأسد، إلا أن النظام لا ينبغي عليه سوى النظر إلى الغرب لرؤية تبعات عملية تسريح ونزع سلاح وإعادة دمج فاشلة على بلد ما. وتشكل دولة لبنان المجاورة تذكيرًا مؤلمًا بواقع أن تحقيق السلام على المدى الطويل يبقى بعيد المنال بعد مرور عقود على انتهاء النزاع، عندما يؤدى التشرذم الطائفي وعسكرة الدولة إلى استمرار كيانات شبه عسكرية داخل حدودها.