- تحليل السياسات
- مقابلات وعروض تقديمية
حلب تسقط في يد النظام السوري
فيما يلي أسئلة وأجوبة مع الزميل في معهد واشنطن أندرو تابلر نُشرت أساساً كجزء من مقال في صحيفة "أتلانتيك" من إعداد كاثي غيلسينان.
كاثي غيلسينان: بقيت [الأجزاء الشرقية من] المدينة في قبضة المتمردين لأربعة أعوام، فكيف سقطت بهذه السرعة؟
أندرو تابلر: تجري هذه العملية منذ فترة طويلة. فقد كانت حلب محاصرة خلال فصل الصيف، في وقت سابق من العام الحالي. وجرت محاولات لكسر ذلك الحصار لكنها لم تدُم. فالطريقة التي نفّذ بها النظام عمليات الحصار والتجويع - والتي يطلقون عليها توقف عن إطلاق النار - تمثّلت بإقدامه على محاصرة منطقة وتضييق الخناق عليها، ومن خلال ذلك، إضعاف سكانها - فلم تدخل مساعدات إنسانية بأحجام كبيرة وكافية فعلاً إلى شرق حلب. كما أن ذلك يُضعف الجماعات المسلحة في تلك المنطقة لأنها تعجز عن إعادة التزوّد بالإمدادات التي تحتاج إليها؛ وأدّت الأزمة أيضاً إلى وقوع بعض الاقتتال الداخلي بين مختلف جماعات المعارضة، وهو أمر شكّل عائقاً. لذلك، فمع الحصول على المزيد من الدعم من روسيا ومن القوات التي تدعمها إيران، آلت جميع هذه العوامل إلى وضع نجحت بموجبه [قوات النظام] في تضييق الخناق بشكل كبير، وأصبحنا الآن في الوضع الذي نحن عليه اليوم.
غيلسينان: إذاً ما حصل بسرعة هو فقط استعادة الأرض بالفعل؟
تابلر: صحيح. عندما تفرضين حصاراً - وقد قام النظام بذلك - تفرضين القواعد، ولقد كان الحصار المفروض على حلب قاسياً إلى حدّ كبير. لذا، فمن خلال القيام بذلك، تمارسين ضغطاً هائلاً على المنطقة وتُحدثين شرخاً كبيراً بين المقاتلين والمدنيين المحليين الذين سيرحّبون بشكل مبرر ببعض الانفراج بعد أن كانوا قد حُرموا من الغذاء والقوت، وهكذا دواليك. وبطريقة ما، أصبح هذا الوضع يتصدّر الأخبار حالياً لكنه كان قائماً خلال معظم هذا العام، علماً بأنه جرت بعض المحاولات للتعامل معه من جانب [الولايات المتحدة]، لكن كل ما قامت به [واشنطن] لم يسفر عن شيء.
غيلسينان: ألاحظ صدور الكثير من التقارير بأن الولايات المتحدة "تغض الطرف" عن هذا الأمر. ولكن [وزير الخارجية الأمريكي جون] كيري لم يألُ جهداً للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار. لماذا برأيك لم يتحقّق ذلك؟
تابلر: لم تغضّ الولايات المتحدة الطرف عمّا يحصل في حلب، لكن الأمر يرتبط بالسبل التي ترغب في استخدامها لتحقيق أهدافها. فقد حاولت التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، وحاولت إيصال مساعدات إنسانية، كما حاولت إبرام اتفاق مع الروس خلال الصيف لاستهداف الإرهابيين، طالما أنه تمّ كسر الحصار المفروض على حلب وكانت المساعدات الإنسانية متاحة. وقد باء ذلك الاتفاق بالفشل بعدما ضربت الولايات المتحدة عن طريق الخطأ جنوداً تابعين للنظام في دير الزور، وتعرّض موكب تابع للأمم المتحدة إلى القصف من قبل طائرة حربية لا تزال مجهولة المصدر إنما يُشتبه إلى حدّ كبير بأن [تكون] روسية. وقد تسبّب ذلك بوأد الاتفاق في مهده.
إنه لأمر غير صحيح بأن الولايات المتحدة لم تولِ ذلك اهتماماً كبيراً. لكن الطريقة الوحيدة لمنع هذا الحصار كانت لتتمثّل بتصعيد عسكري، وهو ما لم يفعله الرئيس أوباما، سواء مباشرةً من خلال التدخل المباشر، [أو] بشكل غير مباشر أيضاً من خلال توفير الأسلحة [إلى المتمردين]. والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة رفضت القيام بإنزال جوي شرق حلب. وانطلاقاً من ذلك، عجزت الولايات المتحدة عن تحقيق أهدافها، وهي خسارة مدمرة أخرى تُمنى بها السياسة الأمريكية بشأن سوريا. ما الذي يمكن قوله أكثر من هذا؟
غيلسينان: أين يذهب المدنيون؟ أين يذهب المتمردون؟ أرى تقارير تتحدث عن إعدامات جماعية. لكن لا يستطيعون أن يقتلوهم جميعاً، صحيح؟
تابلر: كلا، لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك. ستحصل عمليات إعدام جماعية عنيفة للغاية، وهو ما يحدث في الوقت الراهن. وقد هرب بعض المدنيون من الأحياء عبر "الحافلات الخضراء"، وفق التسمية التي يستخدمونها، أي الحافلات الصينية. وقد تم إخلاء بعض المقاتلين إلى إدلب [المحافظة التي يسيطر عليها المتمردون في الجنوب الغربي من حلب].
أعتقد أن الهدف سيتمثّل بإخراج المقاتلين والمدنيين ودفعهم للتوجّه إلى إدلب. وما إن يصبحوا في إدلب، أعتقد حينها، كما يعتقد الكثير من الناس، أنها ستشكّل منطقة النزاع التالية، وتكون هدفاً للقصف من قبل نظام الأسد، أو الروس، أو كليهما. لكن أظن أنه ستكون هناك محطات كثيرة بين هاتين المرحلتين.
لا بدّ من الإشارة إلى أن النظام يفتقر إلى القوى البشرية بشكل حاد لدرجة أنني أستبعد أن يعمد فوراً إلى إطلاق حملة لاستعادة السيطرة على بقية البلاد. أعتقد أنه سيتجه نحو المفاوضات، ولكن بشروط الأسد. فتلاحظين أنه في الوقت الذي يضيّق فيه النظام الخناق على حلب، خسر سيطرته على مساحات شاسعة من تدمر [المدينة التاريخية التي احتلها تنظيم «الدولة الإسلامية» في وقت سابق من هذا العام]. ولم يكن ذلك محض الصدفة. فهنا يتمتع الروس بالكثير من النفوذ؛ وإذا لم يدعموا نظام الأسد وحلفائهم المدعومين من ايران، ستكون قدرتهم على استعادة الأراضي محدودة للغاية. وقد يساعد ذلك على تحفيز قيام محادثات. ولكن السؤال هو إلى أي حد؟ حتماً ليس تنحية الأسد من السلطة، بل إنه أمر آخر.
يُذكر أن قوة النظام البشرية التي يمكنه استخدامها ونشرها خارج مناطق الخطوط الأمامية لاستعادة الأراضي والمحافظة عليها تناهز20,000 إلى 25,000 عنصر. فالعدد محدود للغاية. ويقدر حلف "الناتو" أن هناك 20,000 عنصر. وتقدر روسيا أن العدد هو 25,000. لنقل أنه حتى ضعف ذلك،40,000 جندي. فهل سيكفي ذلك لاستعادة السيطرة على ثلثيْ الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة الحكومة، في أي وقت قريب؟ ليس كذلك طبعاً. ولهذا السبب فإن سقوط حلب يمثّل خسارة فادحة بالنسبة للمعارضة ويحقّق فوزاً للأسد في معركة مهمة، ولكن لا أعتقد أن ذلك سيؤدي إلى انتصار في الحرب. لا أزال أعتقد أن الأمر سيستمر؛ سوريا ستكون دولة مقسّمة، وسيتوجب على الرئيس ترامب التعامل مع هذا البلد المقسّم إذا أراد فعلاً تحسين الوضع، والأهم من ذلك أن يتعامل مع المهاجرين والتهديدات الإرهابية التي تأتي من سوريا.
غيلسينان: كيف يمكن لأي شخص مساعدة المدنيين؟
تابلر: من الصعب للغاية في هذه المرحلة القيام بأي شيء لمساعدة المدنيين، والحصول على المزيد من المساعدات إلى إدلب، التي تم إجلاؤهم إليها. ويمكن للضغوط الدبلوماسية من الجانب الروسي أن تجعل النظام يتراجع أو أن يكون أكثر تساهلاً من حيث تعامله مع المدنيين. ومن الصعب جداً على أي طرف أن يدفع بالنظام للقيام بذلك. لا تأثير للحياء على أي من الفرقاء هنا.
غيلسينان: ما هي إذاً الخطوة التالية للروس والإيرانيين في سوريا؟
تابلر: إنه السؤال الأبرز. هل سيكونون على الموجة نفسها مع الأسد في الفترة اللاحقة أم لا؟ إن القوة البشرية المحدودة للنظام تعني أن الطريق نحو انتصار الأسد يتطلّب استقدام أعداد إضافية من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. فهل ستقبل روسيا بذلك؟ أم ستأتي بالأسد إلى طاولة المفاوضات؟ إن محادثاتي مع الروس تشير إلى أنهم لا يرغبون في نشر المزيد من القوات البرية في سوريا. كما أنهم يدركون أن الميليشيات الشيعية ليست حلّاً على المدى الطويل. هل يمكن أن نرى انقساماً بين إيران وروسيا في سوريا؟ على المدى القصير، أنا أشكّ في ذلك. ولكن من أجل انسحاب روسيا من الصراع السوري، تحتاج إلى حلّ سياسي نهائي ومستقر، وإلى دخول الرئيس الأسد في محادثات سياسية جدية مع المعارضة لإعادة توحيد سوريا. بيد، تكمن المشكلة في أن الرئيس الأسد متشبّث بعدم اهتمامه بمثل هذه الخطوة. وبالتالي، يتمثّل التحدي الأول أمام إدارة ترامب في كيفية العمل بدهاء وحيلة على تفرقة روسيا وإيران في سوريا.
غيلسينان: هل هناك شيء آخر تريد إضافته؟
تابلر: أعتقد أنه من المهم الإشارة إلى أن الرئيس المنتخب ترامب ومن خلال اختياره ريكس تيلرسون [لمنصب وزير الخارجية الأمريكي] يحاول برأيي إيجاد فرص للتعاون الممكن مع الروس. وقد يكون الوقت الحالي مناسباً للتأكد من حالة تلك المساعي. ربما نراهم يحاولون إحياء اتفاق مجموعة التنفيذ المشتركة [التي انهارت هذا الصيف] على المدى القصير، فيما يخص استهداف الإرهابيين. وسيكون السؤال الحقيقي والفعلي بشأن السياسة الأمريكية: هل يوقف الرئيس المنتخب ترامب المادة 50 من البرنامج السري لدعم المتمردين؟ ستلاحظين أنه خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "نيويورك تايمز" طلب عدم تسجيل كلامه حين تحدّث عن هذه المسألة. وهذا أمر مثير للاهتمام إذ يعني أنه سيحرم المتمردين من صواريخ "تاو" المضادة للدبابات، ما [سيصعّب] التصدّي للأسلحة السورية.
ولكن هل أن ذلك سينهي الحرب؟ كلا على الأرجح، لأن معظم الأسلحة التي تدخل إلى البلاد لا تأتي من الولايات المتحدة. لقد تمّ تصميم [البرنامج] تحت شعار الإطاحة بالرئيس الأسد وممارسة الضغوط عليه. وهذا كل ما كان يقوم به - الضغط عليه. من الواضح أن الرئيس أوباما لا يحاول الإطاحة بالرئيس الأسد - فهو لم يحاول قط، ولم يكن يوماً جدياً بهذا الخصوص. وما يفعله البرنامج حقاً هو تزويدنا بالكثير من المعلومات الاستخباراتية الجيدة والقدرة على التأثير على جماعات المعارضة المختلفة، التي هي غير جهادية في طبيعتها، أو سلفية، وهذا أمر مهم إذا كنا نحاول مكافحة الإرهاب حقاً. وإذا ما أوقفنا البرنامج، سنخسر الكثير من المعلومات الاستخباراتية وأستبعد أن يكون هذا ما نرغب فيه حقاً على الصعيد العسكري. وستكون هذه المعضلة التي سيواجهها الرئيس المنتخب ترامب في بداية ولايته.
"أتلنتيك"