- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2636
حقل الغاز الإسرائيلي «ليفياثان»: السياسة والواقع
الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أيار/مايو بين الحكومة الإسرائيلية ومجموعة من شركات الغاز الطبيعي برئاسة "نوبل للطاقة" التي مقرها هيوستون، يعني أن تطوير الحقل البحري الضخم «ليفياثان» يمكن أن يمضي قدماً في النهاية، بعد ثمانية عشر شهراً من التأخير نتيجة السياسة الداخلية الإسرائيلية والتحديات القانونية. وحتى مع ذلك، من غير المرجح أن يصدر القرار النهائي بشأن الاستثمار قبل كانون الأول/ديسمبر، وليس من المتوقع ضخ الوجبة الأولى من غاز «ليفياثان» إلى الشاطئ قبل أواخر عام 2019، وهناك مجموعة من التحديات التي يمكن أن تحد من الأثر الاقتصادي العام لاكتشافات الغاز الإسرائيلي.
تخفيف التفاؤل السياسي
في الأسبوع الماضي، تحدث وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس عن "رؤية للعقد القادم"، عندما "تكون إسرائيل لاعباً رئيسياً في سوق الطاقة" لأن هناك كميات من الغاز "تقدر بأربعة "«ليفياثانات»" في انتظار العثور عليها. وفي 20 حزيران/يونيو، أشار خبر لوكالة "رويترز" أن الغاز الطبيعي هو "المحرك الرئيسي لجهود صياغة علاقات تقارب بين إسرائيل وتركيا".
ومع ذلك، فمن الناحية الجيولوجية والتقنية، إن المستقبل هو أقل وردية. نعم، يحتمل وجود المزيد من الغاز، وربما من النفط أيضاً. إلا أن هذا الأخير لن يكون صالحاً للاستغلال التجاري بالأسعار الحالية، كما أن العثور على الغاز هو عملية باهظة التكلفة للغاية. فتكاليف حفر حفرة استكشافية واحدة فقط هي أكثر من 100 مليون دولار، باستخدام جهاز غالي الثمن يطفو في الماء على عمق 6000 قدم، كما أن احتياطيات الغاز المحتملة تستوجب ما لا يقل عن 6000 قدم إضافية أو نحو ذلك تحت قاع البحر. وحتى مع البيانات السيزمية (الاهتزازية) المتفائلة، فإن العثور على أي حقل للغاز، ناهيك بكميات تجارية، يمكن أن يكون ممارسة تتسم بالارتجال. وعلى الرغم من ادعاء شتاينتز عن إمكانية وجود "أربعة «ليفياثانات»"، إلا أن حجم حقل بحري هو مجرد عامل واحد [من العوامل التي] تؤثر على ربحيته المحتملة. على سبيل المثال، إن حقل «ظُهر» المصري، الذي اكتشف العام الماضي والذي هو نظرياً أكبر حجماً من حقل «ليفياثان»، يحتوي على الغاز الملوّث بسلفيد الهيدروجين، والذي سيتعيّن إزالته بتكلفة إضافية.
وعلاوة على ذلك، ووفقاً لأحدث طبعة من "المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية" التي أجرتها شكرة "بي پي"، تشكل احتياطيات إسرائيل الحالية "المؤكدة" 0.1 في المائة فقط من الإجمالي العالمي - وهي نسبة مماثلة لاحتياطيات البحرين واليمن، ولكن أقل بكثير من احتياطيات كبرى الدول في هذا المجال: إيران (18.2 في المائة)، وروسيا (17.3 في المائة)، وقطر (13.1 في المائة). وهذه الحقيقة، إلى جانب التجربة المضنية التي خاضتها "نوبل للطاقة" في مستنقع السياسة الإسرائيلية، قد تضطر شركات التنقيب عن النفط والغاز، التي تملك الثقل التكنولوجي والمالي اللازم، إلى تركيز جهودها في أماكن أخرى. وعلى الرغم من التقارير على العكس من ذلك، فإن المرحلة الأولى من استغلال حقل «ليفياثان» (أي حتى عام 2019) لا تشمل خططاً لتصدير الغاز إلى تركيا - وهو احتمال زاد تعقيداً بسبب الخلافات السياسية العالقة بشأن قبرص.
الغاز الإسرائيلي بالأرقام
إن ما يُربك الأمر هو أنه غالباً ما يتم التعبير عن إحصاءات الغاز من خلال مزج الوحدات المستعملة في الولايات المتحدة (قدم مكعب) والوحدات المترية (متر مكعب)، في حين تستند أسعار الغاز على محتوى الطاقة (بالدولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية) بدلاً من حجمها. وادّعت إسرائيل (بدلاً من أن تُثبت) أن إجمالي الاحتياطيات هي حوالي 35 تريليون قدم مكعب، اكتُشفت جميعها من قبل اتحادات برئاسة شركة "نوبل"، من بينها 22 تريليون قدم مكعب في حقل «ليفياثان». وبالإضافة إلى ذلك، يحتوي حقل "أفروديت" قرب قبرص حوالي 4 تريليون قدم مكعب. وهناك حقل إسرائيلي واحد فقط في مرحلة الإنتاج حالياً، هو حقل "تمار" الذي يحتوي على 10 تريليون قدم مكعب، ويقع على بعد خمسين ميلاً قبالة ميناء حيفا. ويتم ضخ حوالي 8 مليار متر مكعب، أو 0.28 تريليون قدم مكعب من الغاز من حقل "تمار" إلى الشاطئ الإسرائيلي سنوياً لتوليد الكهرباء في القطاعات المدنية والصناعية، وهذه الكمية تلبّي ما يقرب من نصف احتياجات إسرائيل. أما الفحم فهو الوقود الرئيسي الآخر لتوليد الكهرباء، في حين يشكل زيت الديزل الخيار الاحتياطي.
وتقع جميع الحقول الإسرائيلية على بعد 12 ميل بحري من المياه الاقليمية للبلاد ولكن ضمن "المنطقة الاقتصادية الخالصة" لإسرائيل. ووفقاً لـ "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار"، تمتد مثل هذه المناطق على بعد 200 ميل بحري من ساحل أي بلد. وفي الواقع، عندما تكون أراضي مجاورة على بعد أقل من 400 ميل بحري، فعندئذ تكون الحدود البحرية نقطة الوسط بين الشاطئين، أو حوالي 85 ميلاً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وقبرص.
إن ما يعكس الانهيار الأخير في أسعار النفط، هو انخفاض أسعار الغاز أيضاً، مما يزيد من تعقيد القرارات الاستثمارية للمشاريع التي عادة ما يكون أمدها عشرين عاماً. إن العديد من العقود القائمة هي لأسعار أعلى من المعدلات الفورية الحالية للشحنات الفردية، التي يمكن أن تكون منخفضة إلى ما يصل إلى 4 دولارات للوحدة الحرارية البريطانية. كما أن اتساع نطاق تجارة "الغاز الطبيعي المسال" قد أزال ما يسمّى بالقيمة الآسيوية؛ فقد تراجعت الأسعار في الشرق الأقصى بشكل كبير من حوالي 15 دولار للوحدة الحرارية البريطانية. إن ذلك يجعل التكلفة المرتفعة لتطوير حقل غاز أكثر من كونها عقبة. فبعد أن أعاد الشركاء تحديد الموضع المقترح لمنشأة النفط التي سيتم فيها تنقية غاز «ليفياثان» قبل دخوله شبكة الأنابيب الإسرائيلية، قاموا بزيادة الطاقة السنوية المتوقعة إلى 21 مليار متر مكعب بينما قلّموا تكاليف الاستثمار بنحو مليار دولار. لكنهم ما زالوا يبحثون في احتمال صرف 5-6 مليار دولار قبل ضخ أول كمية من الغاز إلى الشاطئ.
الحاجة لزبائن
تقدّر شركة "نوبل للطاقة" أن الطلبات على الغاز الحالي في منطقة شرق البحر المتوسط تتجاوز الإمدادات بأكثر من 40 مليار متر مكعب، وسوف تزداد هذه الفجوة بأكثر من الضعف بحلول عام 2025. وعلى هذا النحو، ينبغي أن تكون احتمالات استقطاب الزبائن جيدة، على الرغم من أن التقدم بطيء حالياً.
في عام 2014، وقّعت الأردن مذكرة تفاهم لشراء الغاز من شركة "نوبل" لشبكتها للطاقة الكهربائية، ولكنها تتردد في الوصول إلى التزام تعاقدي راسخ. فالمعارضة السياسية الداخلية، التي تقوم على الكراهية تجاه إسرائيل، تجعل إبرام تلك الصفقة صعباً نوعاً ما - من حيث لا يمكن خداع الأردني المتوسط من خلال القول أن مصدر غاز «ليفياثان» هو من شركة "نوبل" وليس من إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تستورد عمّان بالفعل "الغاز الطبيعي المسال" الرخيص نسبياً عن طريق ميناء العقبة على البحر الأحمر، ولها عروض [لإقامة] مفاعلات نووية من روسيا و[استيراد] النفط عبر خطوط أنابيب جديدة من العراق. ويقال أن الملك عبد الله، صانع القرار النهائي في البلاد، له نظرة طويلة الأجل تُفضل شراء غاز «ليفياثان»، الذي يجري ضخه عبر خط أنابيب لم يتم بناؤه بعد ولكن ربما تموّله الولايات المتحدة. وهناك منشأتان صناعيتان أردنيتان بالقرب من البحر الميت من المقرر بالفعل أن تحصلان على الإمدادات الأولية من الغاز الاسرائيلي من حقل "تامار". ولكن العقبات البيروقراطية على كلا جانبي الحدود - ناهيك عن إمكانية وجود حقل ألغام حقيقي - تعوق الانتهاء من إبرام الصفقة.
كما أن مصر هي زبون محتمل آخر لشراء غاز «ليفياثان»، ربما عن طريق خط الأنابيب الحالي. وفي الواقع أن إمداداتها المحلية هي أكثر وفرة من الإمدادات في إسرائيل، إلا أنه يتم استخدامها لتوليد الطاقة على مستوى البلديات. إن استيراد الغاز الإسرائيلي يمكن أن يساعد الصناعة المصرية، التي غالباً ما تعاني من نقص في الإمدادات بسبب الحاجة السياسية الأكبر للحفاظ على الطلب العام.
وفي مرحلة ما، كانت السلطة الفلسطينية تنوي شراء غاز «ليفياثان» لمحطة توليد الكهرباء المقترحة في مدينة جنين بالضفة الغربية، لكنها ألغت تلك الخطة منذ ذلك الحين. ويقع حقل الغاز الوحيد القائم التابع لها قبالة شواطئ قطاع غزة، وقد يكون حجمه البالغ 1 تريليون قدم مكعب ذو أهمية [للاقتصاد الفلسطيني]، إلا أن سلطات السلطة الفلسطينية لا تريد أن تستغله حالياً لأنه من المرجح أن تكون حركة «حماس»، الفصيل الفلسطيني الحاكم حالياً في قطاع غزة، هي المستفيدة منه.
أما تركيا فلن تصبح زبوناً محتملاً لـ «ليفياثان» حتى [الانتهاء من] المرحلة الثانية من تطوير الحقل، التي تبدأ نظرياً بعد بدء تدفق الغاز في أواخر عام 2019 أو أوائل عام 2020. ومن وجهة نظر أنقرة، لا يمكن تصوّر وقت أفضل من ذلك - على الأقل من الناحية الاقتصادية، وإن ربما ليس من الناحية السياسية نظراً للجفاء الحالي القائم بين أنقرة وإسرائيل. وتزوّد روسيا حالياً ما يقرب من 60 في المائة من واردات الغاز السنوية لتركيا التي تبلغ 47 مليار متر مكعب، ولكن التوترات العسكرية بين البلدين تزداد باطراد حول سوريا. وتزوّد إيران 15 في المائة من الغاز الإضافي، بينما يوفّر الغاز الأذربيجاني و"الغاز الطبيعي المسال" من الجزائر وغيرهما الاحتياجات المتبقية. إن الوضع الراهن للأسعار في تركيا هو سيئ أيضاً - فقبل إبرام اتفاقية الخصم مؤخراً، كانت تكلفة الغاز الايراني 14.2 دولار للوحدة الحرارية البريطانية وتكلفة الغاز الروسي 12 دولار. وحتى بعد التخفيضات، يمكن الحصول على غاز «ليفياثان» بتكلفة معقولة بدرجة أكبر بكثير، على الرغم من أنه قد لا يكون كافياً ليحل محل أياً من مورّدي تركيا الحاليين بصورة تامة.
والآن بعد أن تخطوا مرحلة الوقوف في مركز الجدل السياسي الإسرائيلي، فإن "نوبل للطاقة" وشركاؤها المحليون مُلزَمون بالحد من ملكية أسهمهم في العديد من الحقول البحرية السبعة التي اكتُشفت حتى الآن. بيد، إن العثور على الشركات الأجنبية الراغبة في الاستثمار في قطاع الطاقة في إسرائيل هو أمر صعب، كما أن [التعاطي] مع بعض الشركات المهتمة بالأمر (من روسيا، على سبيل المثال) هو أمر غير مرغوب فيه. وفي حين حصل شركاء «ليفياثان» على موافقة الجهات التنظيمية ويعملون على القضايا الهندسية ومسائل التصميم، فإنهم ما زالوا بحاجة إلى اتفاقيات المبيعات من أجل تأمين تمويل إضافي. وهذه حقائق تتعلق بمشاريع الغاز الطبيعي في أي مكان في العالم، إلا أن التحديات التي تواجه إسرائيل في شرق البحر المتوسط كبيرة بشكل خاص.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.