- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حقوق المرأة- لماذا ينبغي على الغرب ألا يتخلى عن الشرق الأوسط
الرد على زيارة بايدن للشرق الأوسط من منظور حقوق المرأة.
مرت عدة أسابيع على الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط منذ توليه سدة الرئاسة. وأثارت زيارة الرئيس التي استمرت أربعة أيام إلى إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية ضجةً عابرة للحدود لدى البعض، خصوصًا من يسار الحزب الديمقراطي، الذي انتقد الرحلة واصفًا إياها بأنها "مضرة بالسياسة الخارجية" و"إساءة". وعمد هؤلاء النقاد إلى تكرار السرديات القديمة ذاتها التي مفادها أن رئيسًا أمريكيًا آخرًا يبدّي استرداد الموارد على حماية حقوق الإنسان.
ولكن إظهار الانخراط الأمريكي على هذا النحو يصوّر هذه المنطقة الشاسعة والديناميكية على نحوٍ مبسّط للغاية ومستشرقٍ بصراحة. فيشهد الشرق الأوسط اليوم تغييرًا تحديثيًا، وعلى وجه التحديد بقيادة نساء المنطقة الملهمات والمغامرات. وكان بايدن محقًا في هذه الزيارة، إذ إن الانخراط الدبلوماسي أساسي للمساهمة بشكلٍ أكبر في دعم هذه التغييرات وتشجيع الدول الأخرى على القيام بالمثل، ويجب ألا يتراجع. وفلا يمكن للحكومات والشعوب الغربية أن تدير ظهرها للشرق الأوسط، لا سيما من أجل نساء المنطقة.
التصورات الغربية
تعكس الانتقادات السياسية للانخراط مع القيادات الإقليمية الشرخ بين الرأي العام في الدول الغربية الرئيسية وواقع الشرق الأوسط المعاصر. فقد أجرينا في "معهد توني بلير" استطلاع رأي في الدول الغربية والشرق أوسطية لاستكشاف هذا الشرخ. وكشف هذا الاستطلاع أن الكثيرين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا لا يزالون ينظرون إلى المنطقة على أنها متخلفة ومشحونة بالصراعات وتفتقر إلى التقدم وكمكانٍ يرجَح أن يكون مصدرًا للمشاكل أكثر منه للحلول. ومن أعراض بروز الشعبوية في اليمين واليسار المتطرفين في أوروبا والولايات المتحدة، تدعم الجماهير الغربية كذلك بشكل متزايد الانعزالية الإقليمية، حيث تعارض الأغلبية الانخراط المتزايد مع الشرق الأوسط.
هذا وترتكز الحجج الشعبوية من اليمين واليسار المتطرفين التي تدعم عدم الانخراط في المنطقة إلى مفاهيم مسبقة ومستشرقة لثقافة الشرق الأوسط، ولو من أنها زاويتين مختلفتين. فالأولى متجذرة في التحيز ضد المسلمين، أما الثانية ففي فهمٍ مغلوط لمناهضة الاستعمار حيث تعتبر القيم الليبرالية غربية بصورة حصرية، وبالتالي غريبة عن شعوب المنطقة. وتضر هذه المقاربات بالعلاقات الدبلوماسية وقدرة الحكومات الغربية على تشجيع الإصلاحات التي تسعى إلى دعمها، لا سيما عندما تتطلع القوى التحديثية إلى الغرب لدعم أجندتها ضد القوى الإقليمية الرجعية. ويتعين على الدول الغربية بشكلٍ خاص دعم والاعتراف بالجهود الإقليمية الرامية إلى تعزيز حقوق المرأة ومشاركتها في الساحة العامة، حتى عندما تبرز نقاط خلاف أخرى.
فتمامًا كما لا نغفل عن مشاكل الشرق الأوسط، يجب ألا نغفل عن تلك التغييرات الإيجابية التي تحدث. ففي الواقع، إن الامتناع عن الانخراط والتشجيع الناشطين يعني السماح للقوى الرجعية في المنطقة بالتفوق على القوى التقدمية. ولا يعتقد إلا 12٪ من المشاركين الغربيين الذين شملهم الاستطلاع أن حقوق المرأة في المنطقة شهدت أي تحسن. ولكن على الرغم من التحديات المتعددة، أصبح جزءٌ كبير من قادة وسكان الشرق الأوسط يتطلّع إلى المستقبل أكثر من أي وقتٍ مضى، إذ يعطون الأولوية لتعليم التكنولوجيا وتوليد الفرص الاقتصادية وتعزيز حقوق المرأة.
الوقائع الإقليمية
تُعتبر هذه التطورات مترابطة بطرقٍ كثيرة. فقد أصبح للمرأة في جميع أنحاء المنطقة حضورٌ متزايد في مجالات التعليم وريادة الأعمال والسياسة. ويختلف وضع حقوق المرأة اختلافًا كبيرًا بحسب المكان والظروف الشخصية بالطبع. ويبرز ذلك بشكلٍ خاص في ظل حكم المتطرفين الإسلاميين حيث لا تعكس حقوق المرأة أي شكلٍ من أشكال التقدّم.
تحتفل جمهورية إيران الإسلامية في 12 تموز/يوليو بـ"اليوم الوطني للحجاب والعفة"، ما يسلط الضوء على أنظمة النظام الديني المفروضة على النساء الإيرانيات وأجسادهنّ. فتتلقى النساء الإيرانيات أحكامًا قاسية تصل إلى 15 عامًا من السجن، ويتعرضن للجلد أو الغرامات المالية في حال نزعن الحجاب في العلن، إلا أن حملة القمع حول الحجاب والترويج لـ"العفة" أثارت معارضةً على مستوى البلاد. أما في غزة، فشهدت حقوق المرأة أيضًا تراجعًا فرضه الإسلاميون. ففي العام الماضي، قضت محكمة تديرها حركة "حماس" بأن تطلب المرأة الفلسطينية إذن ولي أمرها الذكر للسفر. وفي لبنان، ترشح أكبر عدد من النساء وتم انتخابهنّ في الانتخابات النيابية الأخيرة، ولكن لا يزال هناك شرخ كبير بين الجنسين، وأعلن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله بصراحة أن النساء "غير مناسبات" للعمل السياسي. ويكفي إلقاء نظرة واحدة على أفغانستان بعد عامٍ واحد من عودة حكم حركة "طالبان" لملاحظة التأثير المدمّر الذي يمكن أن يحدثه التطرف الإسلامي بصورةٍ شبه فورية على حقوق المرأة.
إلا أن المعارضة تزدهر حتى في هذه الحالات. وتقاوم حركات المجتمع المدني الإسلاميين وسياساتهم الرجعية. وقد كانت النساء الإيرانيات ناشطات بشكلٍ خاص، بحيث خرجن مرةً أخرى إلى الشارع وخلعن حجابهنّ علنًا في إطار الحملة الأخيرة "لا للحجاب الإجباري" (#No2Hijab). وتستمر المرأة في الاضطلاع بدورٍ رئيسي في الاحتجاجات التي تدين الإسلاميين، بما أنها المستهدَفة الرئيسية في سياساتهم.
والمهم أن يفهم المراقبون الغربيون أن المواقف المعادية للمرأة التي يتبناها هؤلاء الإسلاميون لا تعكس رأي الأغلبية في الشعوب الرئيسية في الشرق الأوسط، وأن الإسلاموية بحد ذاتها لا تحظى بشعبية. ففي الواقع، كشفت استطلاعات الرأي أن 75٪ من المستجيبين في تونس ومصر ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية يعتقدون أنه كان للحركات الدينية المسيّسة، أي الإسلاميين، تأثير سلبي على المنطقة.
حتى خلال العام الماضي، تشير البيانات حول الاتجاهات السائدة في هذه البلدان إلى زيادة طفيفة في عدد المؤيدين لفصل الدين عن السياسة، إلى جانب تراجع دعم الحركات الدينية المسيّسة. ولا يؤيد معظم المستجيبين في الشرق الأوسط الإيديولوجيا الإسلامية ويعارضون القيم الرجعية مثل قمع المرأة. فعلى العكس، يؤيد 70٪ من المستجيبين في الشرق الأوسط حق المرأة في "التقدم للعمل في جميع مستويات الحكومة أو الأعمال التجارية". وكان هذا الدعم من الأغلبية متسقًا بشكلٍ بارز في جميع الفئات السكانية، بصرف النظر عن العمر أو النوع الاجتماعي أو الثروة أو مدى التديّن، حتى أن أكبر المؤمنين في المنطقة يدعمون النهوض بحقوق المرأة.
ففي الواقع، عندما طُلب من المشاركين في الاستطلاع تحديد أهم ثلاث أولويات وطنية من بين اثني عشر خيارًا، تم تصنيف "بذل المزيد من الجهود من أجل تعزيز الحقوق المتساوية للمرأة" ضمن النصف العلوي من الخيارات في جميع البلدان المشمولة في الاستطلاع. ومن العوامل الأخرى التي أشارت إلى توجهات تحديثية في الاستطلاع كان الدعم واسع النطاق لبرامج التحرير الإقليمية مثل "رؤية السعودية 2030"، وإعطاء الأولوية لتعليم التكنولوجيا حتى يتمكن الشباب من منافسة اقتصاد المستقبل.
وبصرف النظر عن الدعم الشعبي، يتم أيضًا تمكين المرأة بشكلٍ فعال. فيتزايد عدد النساء في التعليم العالي بشكلٍ ملحوظ، وتفوق النسبة المئوية لخريجات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الدول العربية تلك المسجلة في أوروبا أو الولايات المتحدة بشكلٍ كبير. كما تؤدي المرأة دورًا مهمًا في دفع عجلة الابتكار وأنشطة ريادة الأعمال. وتجدر الإشارة إلى أن البحرين تضم إحدى أعلى النسب من النساء المؤسِسات للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في العالم.
وبالموازاة، تأخذ مشاركة المرأة في السياسة أيضَا في التزايد، سواء من خلال الإصلاحات من الأعلى إلى الأسفل أو المشاركة من الأسفل إلى الأعلى. فعلى سبيل المثال، فرضت الإمارات العربية المتحدة تخصيص نسبة 50٪ من المقاعد البرلمانية للنساء، كما شرّعت معظم الدول العربية كوتا للمرشحات أو تحجز مقاعد برلمانية مباشرةً لهنّ. ويستند هذا التقدم في المشاركة السياسية للمرأة إلى السلوكيات الديناميكية والرائدة للمرأة في المنطقة، إلا أنه يُظهر أيضًا استجابة القيادات الإقليمية الراغبة في ضمان تعزيز شمولية المؤسسات. ويُعتبر هذا التقدم جديرًا بالثناء، ويجب ألا تعمل الجهود المستقبلية الآن على زيادة أعداد النساء في البرلمان فحسب، بل أن تضمن أيضًا تمكين النساء اللواتي يشغلن مناصب أعلى من إحداث تغيير داخل المؤسسات التي يعملن فيها وفي مجتمعاتهن.
كيف يمكن للدول الغربية المشاركة في هذه الجهود؟
إن الدعم الإقليمي للتحديث على المستوى الشعبي ساحق، ومن الضروري أن يدرك الغرب ذلك من لأجل تحقيق التفاهم والتعاون الدوليين. ولكن لترجمة هذه القيم والدعم العام على أرض الواقع، لا بد من التغلب على العديد من التحديات، وهنا يمكن أن تُحدث الدبلوماسية الغربية أثرًا. فعلى سبيل المثال، على الرغم من انضمام أعداد متزايدة من النساء إلى القوى العاملة، لا يزال الشرق الأوسط يسجل أدنى معدل لمشاركة المرأة في العالم.
ويوضح الاستطلاع القادم من إعداد "معهد توني بلير" أن الجماهير ترى أن العائق الرئيسي أمام توظيف المرأة في الحكومة والأعمال التجارية هو "عدم المساواة في المسؤوليات العائلية والمنزلية". وبالإضافة إلى التحديات الأخرى التي قد تعترض المرأة، تواجه هذه الأخيرة الوصول المحدود إلى خدمات رعاية الأطفال عالية الجودة وبأسعارٍ معقولة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهاجس يشبه بشكلٍ لافت الحواجز الهيكلية التي تواجه النساء الغربيات، مثل عدم كفاية خدمات رعاية الأطفال.
ويشكل ذلك مثالًا ممتازًا على مجالات الإصلاح الداخلي والدعم الخارجي، إذ يجب على الحكومات الإقليمية دعم دخول النساء إلى مكان العمل من خلال بذل الجهود الضرورية لتأمين رعاية الأطفال التي يسهل الوصول إليها في جميع أنحاء المنطقة. ويتعين على السياسيين وصانعي السياسات الغربيين كذلك تأييد هذه المقترحات، سواء في المنطقة أو خارجها. وفي ما يتعلق بهذه الأنواع من الإصلاحات، يجب على الحكومات الغربية أيضًا إظهار دعمها للتحولات في السياسات المعارضة للقوى الإسلامية الرجعية التي تعمل كذلك في المنطقة والاعتراف بجهود الحكومة التحديثية عند بذلها.
وفي نهاية المطاف، يعود الشرخ بين واقع الشرق الأوسط والفهم الغربي لمقاربة المنطقة لقضايا مماثلة بشكلٍ جزئي إلى استمرار الصور النمطية التي يتبناها الغرب. وقد تكون معالجة هذه الافتراضات الخاطئة أساسيةً لتغيير المقاربات الغربية للإصلاح. وللمساعدة في التخفيف من وطأة التحديات وزيادة الفرص المتاحة للمرأة، لا بد من أن يحسن الغرب انخراطه في الشرق الأوسط. ويبدو في الوقت الحاضر أن الحكومات الغربية تفعل العكس تمامًا. ولن تكون السياسة الشاملة القاضية بعدم انخراط الغرب في المنطقة مضرةً للتعاون الدولي فحسب، بل أيضًا لحقوق المرأة.
وهذا هو الحال أيضًا على المستوى الشعبي، ويجب أن تشغل هذه الهواجس الليبراليين بشكلٍ خاص. ففي الأماكن التي تكافح فيها المرأة في وجه حواجز مماثلة ومواقف محافظة على المستوى الدولي، يبدو من الضروري أكثر بعد أن ندعم معارك بعضنا البعض. وتمامًا كما سُجل عن حق احتجاج دولي إثر قضية "رو ضد ويد"، يجب على الليبراليين في جميع أنحاء العالم محاربة هذه الخسائر ودعم انتصارات بعضهم البعض.
وإنّ قضية تمكين المرأة هي قضية عالمية، ويجب التعامل معها على هذا الأساس. فينبغي إدانة القوى الرجعية في الشرق الأوسط والتصدي لها. ولكن في إطار هذه المعركة العالمية، تتشارك الدول والشعوب الغربية على حد سواء مسؤولية دعم والاعتراف بالخطوات التي تتخذها النساء والقيادات الإقليمية التي تؤيد ما لا يمكن وصفه إلا بالتحديث الثوري. باختصار، الآن ليس الوقت المناسب لإدارة ظهرنا للشرق الأوسط أو شعوبه.
ملاحظة حول المنهجية المتّبعة
استخدم الاستطلاع الذي أجرته شركة "زغبي" بتكليف من "معهد توني بلير" المشار إليه في هذه المقالة عينات غير احتمالية، حيث تكون كل مجموعة من العينات تمثيلية بحسب العمر والمجموعة الحضرية أو الريفية والدينية والعرقية والطبقة (التي يتم تحديدها من خلال صافي الدخل). وبصورةٍ عامة، كانت العينات التي تم الحصول عليها تمثيليةً على الصعيد الوطني وتتألف من الراشدين (15 عامًا وما فوق) من ذكور وإناث مع توزيع حضري وريفي. وفي تونس ومصر ولبنان والعراق، حيث كان أخذ العينات المباشرة ممكنًا، تم استخدام أسلوب أخذ العينات على مراحل متعددة لاختيار المستجيبين. وفي المملكة العربية السعودية، حيث يتعذر أخذ العينات بشكلٍ مباشر، تم اعتماد أسلوب أخذ العينات بالإحالة.