- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3920
حرب أخرى ليوم واحد؟ ما تكشفه المواجهة الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل عن الردع والتصعيد
يناقش خبير إسرائيلي وخبيرة لبنانية إلى جانب مسؤولَيْن أمريكيَيْن سابقَيْن ما الذي كان يفكر فيه كل طرف قبل تبادل الضربات خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم وخلالها وبعدها - وما إذا كانت الحرب في شمال إسرائيل قد أصبحت حتمية بغض النظر عن خفض التصعيد في المدى القريب.
في 25 آب/أغسطس، نفذت إسرائيل ضربات استباقية واسعة النطاق ضد أهداف لـ "حزب الله" في لبنان، حيث أفادت بعض التقارير أنها استندت إلى معلومات استخباراتية تشير إلى أن الحزب كان يستعد لشن هجوم وشيك انتقاماً لمقتل القيادي البارز في "حزب الله" فؤاد شكر في قلب بيروت الشهر الماضي. وفي الساعات التي تلت ذلك، أطلق "حزب الله" مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، مستهدفاً بشكل أساسي أهدافاً عسكرية، مما أدى إلى وقوع أضرار طفيفة. وعلى الرغم من أن هذا التبادل مثل ذروة أخرى في القتال المستمر بين الجانبين خلال العام الأخير وأثار روايات متنافسة حول نوايا الطرفين، إلا أنهما سرعان ما عادا إلى "روتين القتال" على الأرض ويبدو أنهما يميلان إلى البقاء في هذا الوضع. ومهما يحدث في الأيام القادمة، فإن هذا الحادث يكشف الكثير عن حسابات الردع الخاصة بهما، واستعدادهما للرقص على حافة حرب دامت عشرة أشهر وما زال العد مستمراً، والدور الذي يمكن وينبغي لحليفيهما في إيران وواشنطن أن يلعباه.
حسابات "حزب الله"
كان لقرار "حزب الله" بتأجيل انتقامه لما يقرب من شهر بعد وفاة شكر في 30 تموز/يوليو عواقب عسكرية سلبية على الحزب ويعكس نقاط الضعف في وضعه الاستراتيجي الحالي. ففي الأول من آب/أغسطس، تعهد زعيم "حزب الله" حسن نصر الله بالرد؛ وبعد ذلك بوقت قصير، صعّد الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في عمق لبنان، مما أسفر عن مقتل المزيد من القادة وضرب مستودعات في وادي البقاع، أثناء إجراء طلعات جوية بدون توقف تقريباً بالطائرات المسيرة والطائرات النفاثة عبر الحدود. علاوة على ذلك، أشارت إسرائيل علناً إلى استعدادها لشن حرب شاملة إذا لزم الأمر، وقامت الولايات المتحدة بتعزيز هذا الموقف من خلال إعادة نشر قوات كبيرة في المنطقة.
وكان جزء من تردد "حزب الله" نابعاً من عدم رغبته الواضح في شن انتقام فوري كان من شأنه بالضرورة أن يكون أكثر عشوائية من هجوم مخطط له، وبالتالي أكثر عرضة لتجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية الأشد وضوحاً - أي قتل المدنيين، أو ضرب المراكز السكانية، أو تدمير البنية الأساسية المدنية الحيوية. وفي مرحلة ما، قرر الحزب أيضاً أنه قد يستفيد سياسياً من خلال توقيت الهجوم ليتزامن مع ذكرى الأربعين الشيعي، حتى أنه أطلق عليه إسماً رمزياً دينياً "عملية يوم الأربعين". ومع ذلك، كانت العقبة الرئيسية التي واجهت الحزب هذا الشهر وطوال حرب غزة هي هيمنة الاستخبارات الإسرائيلية، التي مكّنت من تنفيذ مئات الضربات المدمرة على أصول "حزب الله" وكشف خطة هجومه هذا الأسبوع مع مهلة زمنية كافية لتنظيم وإطلاق عملية استباقية.
وفي الواقع، سلطت أحداث نهاية الأسبوع المنصرم الضوء على تعرض الحزب للخطر. فسرعان ما أدرك قادة "حزب الله" أنهم لم يفقدوا عنصر المفاجأة فحسب، بل فشلوا أيضاً في ردع إسرائيل من خلال تحذيرها من انتقام شديد. وبدلاً من التراجع، بإمكان الجيش الإسرائيلي تحديد خطط "حزب الله" وتوسيع نطاق أهدافه كلما قرر الحزب التصعيد.
وفي حديثه بعد تبادل إطلاق النار يوم الأحد، أكد نصر الله أن الهجوم كان انتقاماً على مقتل شكر. كما لفت انتباه إسرائيل إلى أن "حزب الله" أنهى رده الانتقامي ويرغب في العودة إلى قواعد الاشتباك المحدودة التي التزم بها الجانبان خلال معظم حرب غزة. وبهذا المعنى، تم ردع الحزب عن المزيد من التصعيد، على الأقل في الوقت الحالي.
وعلى الصعيد الداخلي، قدم نصر الله رسالة مختلفة لقاعدة دعم "حزب الله" في لبنان. ففي محاولة لتسويق الانتقام كنجاح كبير، ادّعى أن الحزب ألحق أضراراً بقواعد عسكرية واستخباراتية بالقرب من تل أبيب. ومع أن هذه الهجمات أصابت بالفعل عمقاً أكبر داخل إسرائيل من المعتاد، إلا أن نصر الله لم يقدم دليلاً مصوراً من أي مصدر يظهر الأضرار المزعومة - وهو الأمر الذي كان يعرضه دائماً في الماضي عند إعلان إنجازات عسكرية كبيرة. وأثار هذا الإغفال شكوكاً حول بعض مزاعمه، مما دفع الحزب إلى تنظيم مسيرات احتفالية في معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وعلى الرغم من أن انتقام الحزب كان ضئيلاً بشكل غير متناسب مقارنة بأهمية خسارة قائد كبير مثل شكر، إلا أن "حزب الله" قرر على ما يبدو أن الجولة الحالية من التصعيد يجب أن تنتهي من أجل الحفاظ على ما يعتبره أكبر إنجاز له منذ تشرين الأول/أكتوبر. ومن وجهة نظره، أدى الصراع الحالي إلى تحويل "المنطقة العازلة" بين الطرفين نحو الجنوب، مما يشكل تهديداً كافياً لإرغام عمليات الإخلاء الجماعي في شمال إسرائيل. وقد تم التأكيد على هذا الشعور في تغريدة بتاريخ 26 آب/أغسطس كتبها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: "لقد طرأت تغييرات جوهرية على التوازنات الاستراتيجية على حساب [إسرائيل]... النظام المحتل، الذي سعى دائماً إلى التوسع الإقليمي، والآن عليه أن يدافع عن نفسه داخل الأراضي المحتلة". ويبدو "حزب الله" عازماً على الحفاظ على هذا التحوّل من خلال تجنب حرب شاملة في الوقت الحالي، لأن مثل هذا الصراع من شأنه أن يعطي إسرائيل كل الذرائع التي تحتاجها لدفع "المنطقة العازلة" عميقاً في لبنان وإلحاق خسائر فادحة بالحزب.
وإذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فمن المحتمل أن يوقف "حزب الله" هجماته اليومية كما وعد نصر الله سابقاً. لكن الحزب عازم على البقاء تهديداً على الحدود - وفي الواقع، هذه هي استراتيجيته الرئيسية للردع على المدى الطويل. ويدرك قادة "حزب الله" أن إسرائيل لن تقبل هذا الواقع لفترة طويلة في حقبة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. وهم يدركون أيضاً أن ترتيباً آخر لقوات حفظ السلام الدولية على غرار "قرار مجلس الأمن رقم 1701" لن ينجح لفترة طويلة، إن كان فعالاً على الإطلاق. ويتوقع "حزب الله" مزيداً من التصعيد في المستقبل، وقد يكون التزامه بمواصلة تهديد شمال إسرائيل بمثابة الشرارة التي قد تشعل في النهاية حرباً شاملة.
حسابات إسرائيل
على الرغم من النهاية السريعة على ما يبدو للتصعيد الذي شهدناه هذا الأسبوع، فإن منع الحرب لا يزال مهمة صعبة في الأمد البعيد بسبب كل ما يتطلبه الأمر. وبالإضافة إلى الجهود العسكرية والدبلوماسية لإسرائيل وشركائها لوقف القتال، سيحتاجون أيضاً إلى تفكيك النظام البيئي الذي جعل من "حزب الله" تهديداً كبيراً للأمن الإقليمي - وهو هدف صعب يستلزم عكس التراكم الهائل للقدرات العسكرية المهددة للحزب، والحد من وجوده غير القانوني في جنوب لبنان، وتقليص التدخل الرئيسي من إيران وبيروت في التحريض على هذه الأنشطة.
ووفقاً لنصر الله، شملت العملية التي شُنت يوم الأحد إطلاق 340 صاروخاً على منشآت عسكرية في شمال إسرائيل واستخدام العديد من الطائرات المسيرة لاستهداف منشأتين استراتيجيتين في عمق البلاد، هما: مقر "الوحدة 8200" (هيئة استخباراتية/سيبرانية للجيش الإسرائيلي في "غليلوت" بالقرب من تل أبيب) وقاعدة جوية في "عين شيمر" (التي تُشغّل أنظمة الدفاع الصاروخي متعددة الطبقات في إسرائيل، بما في ذلك "السهم" ("آرو")، و"مقلاع داود"، و"القبة الحديدية").
وصرح الجيش الإسرائيلي بأنه حدد مسبقاً استعدادات "حزب الله" لمثل هذه الهجمات ونشر حوالي مائة طائرة لإزالة التهديد من خلال ضرب أهداف في جنوب لبنان. ودمرت هذه الضربات آلاف أنابيب الإطلاق؛ وكان 90٪ منها أنظمة قصيرة المدى موجهة نحو شمال إسرائيل، في حين كانت البقية تستهدف وسط إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى أن إسرائيل منعت إطلاق "صواريخ دقيقة" - وهو ادعاء نفاه نصر الله. وبعد هجوم "حزب الله"، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه تم إطلاق 230 صاروخاً فقط، وسقطت جميعها إما داخل لبنان، أو ضربت مناطق خالية داخل إسرائيل، أو تم اعتراضها بواسطة "القبة الحديدية". كما تم إسقاط عشرين طائرة مسيرة. ولم ترد تقارير عن وقوع قتلى في إسرائيل، ولم يتم الإبلاغ عن أي تأثيرات على "غليلوت" أو "عين شيمر".
وخلال الهجمات الصباحية، أعلنت إسرائيل "حالة خاصة على الجبهة الداخلية"، لكن وضعها عاد إلى "طبيعته" (أو ما يعادله في زمن الحرب) بحلول الظهر. وإلى جانب تصريحات نصر الله، أشار هذا التحوّل إلى أن جولة التصعيد الحالية قد انتهت.
وتماشياً مع الحرب المحدودة التي يخوضها الطرفان منذ تشرين الأول/أكتوبر، حرص "حزب الله" وإسرائيل على إبقاء تبادل إطلاق النار يوم الأحد ضمن معايير دقيقة مفهومة لكلا الجانبين، باستخدام جزء ضئيل فقط من قدراتهما:
- أهداف عسكرية فقط. ضربت إسرائيل أهدافاً عسكرية فقط، في حين أكد "حزب الله" أنه تجنب عمداً الأهداف المدنية والبنية التحتية.
- جغرافيا مقيّدة. سقطت صواريخ "حزب الله" على مسافة تصل إلى 20 كيلومتراً داخل إسرائيل، بينما استهدفت هجماته بالطائرات المسيرة عمقاً أكبر (إلى حد 110 كيلومترات)، لكن أي منها لم يصل إلى أهدافه. وبالمثل، ركزت إسرائيل ضرباتها على جنوب لبنان، متجنبة وادي البقاع وبيروت.
- الاتصالات الاستراتيجية. قد يشير نجاح الطرفين في تبادل الضربات الثقيلة نسبياً دون التدهور إلى تصعيد خارج عن السيطرة إلى استخدامهما لقنوات اتصال فعالة لمنع سوء الفهم.
كما لعب التنسيق رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل دوراً مهماً أيضاً. وليس من قبيل الصدفة أن "رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية" الجنرال تشارلز براون جونيور كان يزور المنطقة في نهاية الأسبوع المنصرم ووصل إلى إسرائيل قادماً من الأردن مساء الخامس والعشرين من آب/أغسطس. وقد صرح مسؤولون أمريكيون بأنهم كانوا على علم باستعدادات "حزب الله" لهجوم وشيك، وزوّدوا إسرائيل بأشكال مختلفة من المساعدة الاستخباراتية (وإن لم يكن الدعم الحركي)، وساندوا الضربة الاستباقية كعمل مشروع من أعمال الدفاع عن النفس.
ومع ذلك، لا تزال هناك عدة فتائل مشتعلة قد تشعل برميل البارود الكبير للحرب الأوسع نطاقاً في لبنان: "الروتين" المعاد تأسيسه للقتال اليومي، ومغامرات "حزب الله" الجريئة، ومخاطر سوء التقدير المتأصلة في الاشتباكات العسكرية المستمرة، ورفض إسرائيل العيش تحت ظل "البركان" (أي الترسانة الضخمة التي بناها الإيرانيون لـ "حزب الله") إلى أجل غير مسمى. وكما أشار غالانت الأسبوع الماضي، فإن إسرائيل تتحرك تدريجياً نحو تحويل مركز ثقلها العسكري من جنوب البلاد إلى شمالها. ومع ذلك، لا تزال أهدافها الرسمية للحرب تركز على غزة في الوقت الحالي.
حسابات إيران والدور الأمريكي
بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز/يوليو، أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي أن "الرد سيكون قاسياً". وقد كرر بعض المسؤولين الإيرانيين هذا التحذير، بإشارتهم إلى أن الرد سيكون أقوى من ذلك الذي شوهد في 13 نيسان/أبريل، عندما أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ باليستي وصواريخ كروز وطائرات مسيرة على إسرائيل. وقال آخرون إن الرد قد يتخذ شكلاً مختلفاً ويأتي في الوقت والمكان الذي تختاره طهران. وبعد مرور ما يقارب الشهر، لم يكن هناك أي رد كبير من أي نوع.
قد يعتبر البعض أن هذا علامة ضعف، لكن خامنئي دائماً ما كان حريصاً على تجنب أي تلميح للضعف. ومع ذلك، كانت طهران أيضاً مترددة جداً في الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة. فمنذ الحرب الإيرانية العراقية، عندما أغرقت القوات الأمريكية سفناً حربية إيرانية وهاجمت محطات المراقبة ومنصات النفط، أدرك قادة البلاد أن مثل هذا الصراع قد يهدد أولويتهم القصوى: بقاء النظام. ووفقاً لذلك، يفضلون استخدام الوكلاء. وعلى الرغم من تركيز خامنئي على اتخاذ خطوات "بيانية"، إلا أنه كان حريصاً على الإشارة إلى أنه يريد احتواء الصراع، حتى في حالات الانتقام على نطاق أوسع (على سبيل المثال، في نيسان/أبريل من هذا العام؛ وفي كانون الثاني/يناير 2020).
وبطبيعة الحال، تنطوي مثل هذه المقاربة على مخاطر كبيرة من سوء التقدير - ومن هنا تأتي الحاجة الملحة لتوضيح، بالأقوال والأفعال، ما الذي سيجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع إيران. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن ألا تردع نفسها من خلال السماح للخوف من التصعيد الإيراني بأن يكون العامل الوحيد الذي يحدد الكيفية التي تتصرف بها، بل عليها أن توضح لقادة إيران أن لديهم الكثير ليخشوه من التصعيد أكثر مما تخشاه الولايات المتحدة.
ويمكن لحشد القوات الأمريكية في المنطقة أن ينقل هذه الرسالة. ويبدو أنه أثر على عملية صنع القرار في طهران بعد وفاة هنية، ومن المفترض أن يفعل ذلك مجدداً بعد هجوم "حزب الله" هذا الأسبوع (انظر أدناه). ومن المرجح أن تستنتج طهران أن الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية والاستهداف يوم الأحد، ويجب أن يساعد هذا الاعتقاد في كبح أي رد عسكري مباشر، على الأقل في الوقت الحالي.
وهناك عوامل أخرى ساهمت في هذا التردد أيضاً. أولاً، أدى حث الحلفاء في المنطقة والأطراف الأخرى على إقناع إيران بالتخلي عن الانتقام، إلى جعل الجمهورية الإسلامية محور الاهتمام الدولي - وهو أمر ذو أهمية كبيرة للنظام. ثانياً، لا يزال إبقاء إسرائيل في حالة توتر هدفاً رئيسياً لإيران، على غرار "الحرب النفسية" التي ذكرها نصر الله مؤخراً. ثالثاً، ترغب طهران أن تتظاهر بأنها مدافعة عن الفلسطينيين من أجل استغلال الصراع ووضع شركاء الولايات المتحدة في موقف دفاعي؛ وهذا يفسر جزئياً سبب إعلانها أنها ستمتنع عن الرد إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وتعكس تصريحات النظام الأخيرة هذه العقلية. فبعد ضربات "حزب الله" يوم الأحد، على سبيل المثال، غرد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قائلاً: "إن رد [إيران] على الهجوم الإرهابي الإسرائيلي في طهران حتمي، وسيكون محسوباً ومدروساً جيداً. نحن لا نخشى التصعيد، لكننا لا نسعى إليه - على عكس إسرائيل."
وتسمح هذه الخطابات لإيران بكسب الوقت وإبقاء خياراتها مفتوحة. وفي الواقع، ربما لم يقرر النظام بعد الخيار الذي سيتخذه - ولا ينبغي لأحد أن يفترض أن الخيار سيكون هجوماً عسكرياً مباشراً آخر على إسرائيل. ولا يزال الإرهاب أداة سياسية مهمة لإيران - ويمكن أن يستهدف النظام السفارات أو القنصليات الإسرائيلية، أو المسؤولين المسافرين، أو حتى الأهداف الطائفية اليهودية (على سبيل المثال، راجع "خريطة العمليات الخارجية الإيرانية" التفاعلية لمعهد واشنطن). وقد تُقرر أيضاً تصعيد برنامجها النووي بشكل أكبر.
ومرة أخرى، لردع هذه الخيارات، يجب على واشنطن أن توضح أن كل منها يحمل ثمناً لا تريد طهران دفعه. وكلما زاد خوف النظام من احتمال تدخل الولايات المتحدة، كلما أصبح أكثر حذراً.
وتشكل التعزيزات العسكرية جزءاً أساسياً من هذه الرسالة. فقد زادت عمليات نشر القوات الأمريكية في المنطقة بشكل مطرد منذ تشرين الأول/أكتوبر، ومن المفترض أنها ردعت "حزب الله" من فتح جبهة شمالية شاملة عندما اندلعت حرب إسرائيل مع "حماس" لأول مرة. وحافظ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على هذه المقاربة هذا الأسبوع - ففي أعقاب مكالمة مع غالانت يوم الأحد، أعلن أن حاملتي طائرات ستبقيان في المنطقة.
ومن المرجح أن العروض التي أظهرت القوة الدفاعية والتنسيق بين الحلفاء قد عززت الردع أيضاً، كما شوهد عندما اعترض الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي وشركاؤهما جميع الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران في 13 نيسان/أبريل تقريباً. ومع ذلك، فإن الرد الإيراني الأكثر تعقيداً قد يضعف هذه المقاربة.
والأمر الأكثر أهمية هو إذا كانت الردود الدفاعية هي الوحيدة التي تستعد واشنطن للنظر فيها، فإن الردع الأمريكي سيتآكل بشكل حتمي، وسيتم تحفيز إيران ووكلائها على الهجوم مجدداً. ومن المؤكد أن العروض الدفاعية لم تمنع "حزب الله" من الإعداد لهجوم كان يمكن أن يكون مدمراً ضد المنشآت العسكرية الإسرائيلية في نهاية الأسبوع المنصرم. إن الاستخبارات الإسرائيلية ممتازة، الأمر الذي مكنها من تخفيف حدة هجوم يوم الأحد إلى حد كبير - لكنها ليست خالية من العيوب، كما ثبت بشكل مأساوي قبل عشرة أشهر فقط.
إن الردع لا ينجح إلا إذا اعتقد أحد الطرفين أن الطرف الآخر سوف يستخدم القوة الهجومية. وفي مرحلة ما، يجب على الولايات المتحدة أن تثبت استعدادها لمواجهة أحد وكلاء طهران، حتى لو لم يكن استهداف "حزب الله" ضمن الخيارات. على سبيل المثال، نجح الحوثيون فعلياً في إغلاق البحر الأحمر أمام معظم الشحن الدولي لعدة أشهر على الرغم من وجود تحالفيْن بحرييْن بقيادة الولايات المتحدة شاركا في عمليات دفاعية وهجومية محدودة ضد الحركة. وهذا الشهر ضربت القوات الأمريكية أكثر من ثلاثين هدفاً حوثياً، شملت أنظمة صواريخ وطائرات مسيرة، لكن بإمكانها فعل المزيد. وإذا شنت إيران هجوماً آخر ضد إسرائيل، فقد يتضمن رد واشنطن استهداف الحوثيين بطرق جديدة وأكثر ضرراً. ومع نشر مقاتلات F-35 مؤخراً والأصول الاستخباراتية المصاحبة لمجموعة حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن"، بإمكان الولايات المتحدة استهداف قاذفات (الصواريخ) المتنقلة التي جعلت من الحوثيين قوة مراوغة بشكل أكثر فعالية. إن إضعافهم بشكل كبير من شأنه أن يوجه ضربة فورية لإيران ويساعد على إعادة فتح ممرات الشحن في البحر الأحمر - وهي مصلحة أمنية وطنية أمريكية طويلة الأمد.
يجب اتخاذ خطوات أخرى مختلفة أيضاً، سواء كان من الممكن تجنب الحرب على المدى الطويل أم لا:
- مواصلة التنسيق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. يجب أن يتم ذلك جزئياً لمواصلة ردع إيران و"حزب الله"، وينبغي التركيز على الأنشطة البارزة مثل زيارات كبار القادة وتنسيق الرسائل المشتركة.
- تعزيز البنية الأمنية الإقليمية للدفاع ضد وكلاء إيران الذين يهددون بالفعل مصر ودول الخليج والأردن والشحن الدولي وقوات التحالف الأجنبية. ومن شأن استهداف الأموال والأسلحة التي يتلقونها من "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري" الإيراني أن يساعد أيضاً.
- ممارسة الضغط السياسي والقانوني والاقتصادي على "حزب الله" وأصوله العالمية، (وعلى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني بقدر ما يدعمان الحزب ويوفران الغطاء لأفعاله). على سبيل المثال، ينبغي أن يكون دعم الجيش اللبناني مشروطاً بإنهاء تعاونه مع "حزب الله" واتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ "القرار 1701".
- تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن نزع السلاح في جنوب لبنان وحظر الأسلحة غير الحكومية إلى لبنان. ويشمل ذلك إعادة فرض الحظر على صادرات الأسلحة الإيرانية التي تم تعليقها كجزء من الاتفاق النووي لعام 2015، وتحسين نشاط الأمم المتحدة والإبلاغ بشأن "القرارين 1701 و1559"، وممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية للمضي قدماً في تنفيذهما.
- إرسال قوات حفظ السلام التابعة "لليونيفيل" إلى مواقع "حزب الله" التي تم قصفها في جنوب لبنان. والهدف في ذلك هو توثيق الحقائق، والإبلاغ عن الانتهاكات، وتعزيز تنفيذ "القرار 1701".
- مواصلة بذل أقصى الجهود لتحييد "حماس" (أو على الأقل تقييدها) على المدى الطويل من خلال التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. ويتطلب ذلك اتفاقيات مع إسرائيل ومصر بشأن مستقبل "ممر فيلادلفيا" في جنوب غزة؛ وإلا ستعيد "حماس" تسليح نفسها وتعيد بناء نفسها عبر هذه المنطقة الحدودية المسامية. ومن المحتمل أن تستلزم هذه الاتفاقيات ضمانات أمريكية لكل جانب، ومشاركة مباشرة من الرئيس الأمريكي لإبرام اتفاق.
بين فيشمان هو "زميل أقدم في زمالة ليفي" في معهد واشنطن ومسؤول سابق في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. حنين غدار هي "زميلة فريدمان الأقدم" في المعهد وشاركت في إنشاء خريطته التفاعلية لتتبع الاشتباكات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. العميد أساف أوريون (احتياط) هو "زميل ريؤفين الدولي" في معهد واشنطن والرئيس السابق لـ "القسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط" التابعة لـ "هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي". دينس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في المعهد، وقد شغل سابقاً مناصب عليا في سياسة الشرق الأوسط في عدة إدارات أمريكية. يود كتاب المقالة أن يشكروا زميلة الأبحاث في المعهد كليري والدو على مساهماتها في هذا التقرير.Top of FormBottom of Form